الكابوس …
“هاه!”
فتحت دافني عينيها وجعلت جسدها ينتصب فجأة ..
خرج نفس غير منتظم من صدرها ، حاولت أن تأخذ نفسًا عميقًا ، لكن تنفسها لم ينتظم بسهولة ، كان الليل لا يزال مظلمًا من حولها ، وغرفة نومها المألوفة ظهرت أمام ناظريها ..
وفوق ذلك ، كانت جالسة على سريرها المألوف ..
عانقت نفسها بذراعيها المتقاطعتين ، وبينما تفكر بغباء: “هل نجوت فعلًا بطريقة إعجازية؟”، بدأت تتحسس وجهها ، لم تشعر بأي وخز في عينيها ، لم تكن بطنها تؤلمها ، ولم تكن ذراعاها مخدرتين ..
‘هل هذا حلم؟ أم أن ما سبق كان هو الحلم؟ ..’
وعندما أحست بحركة بجانبها ، أدارت دافني رأسها وتجمدت في مكانها ..
كان الشخص النائم بهدوء بجانبها هو روميو رودريغيز نفسه ، فتحت فمها من شدة الصدمة ، وفركت عينيها ، ثم نظرت إليه مجددًا ..
“هذا كابوس ، كابوس حقيقي .”.
يبدو أن روميو استيقظ بسبب رد فعلها الطفيف ، فتح عينيه وعقد حاجبيه وهو يرفع جسده ، وحدّق في وجهها وكأنه يتفحصه بعناية ، ثم صفع خدّه ، شعر بالألم ، لم يكن حلمًا ..
وعندما نظرت إليه مجددًا ، كان لا يزال روميو. لكنه كان ينظر إليها بنظرة امتعاض ، وكأنها تثير اشمئزازه ..
“روميو ، ما الذي تفعله هنا؟”
لا، لم تكن مجرد نظرة ازدراء… بل كانت نظرة مشبعة بالكراهية ، حاولت دافني أن تفهم الموقف ، لكنها فشلت في كل مرة ..
“سيل؟”
رفع روميو حاجبه المستقيم وكأنه لم يفهم ما الذي تتحدث عنه ، حاجب مستقيم لا يحمل أي أثر لجروح ..
“سيليستيان تيريوسا ، أين هو؟”
“…هاها؟ يبدو أن كلام الطبيب كان صحيحًا ، لقد جننتِ فعلًا.”
هذه المرة ، كانت دافني هي من اتسعت عيناها بدهشة ..
“ألم تتخلي عنه بنفسكِ؟”
عبس مجددًا وكأن عينيه تأبيان النظر إلى شيء قذر ، لم ينظر روميو إلى دافني من قبل بهذا الشكل من الاشمئزاز أو الاحتقار ..
“أنتِ.”
“…”
“قلتِ إنكِ ستغادرين بهدوء إن نمتُ بجانبكِ فقط …”
الصوت العميق الذي طعن أذنيها كان بلا شك صوت روميو ، لكنه لم يكن يبدو كروميو ، فذلك الأخير كان دومًا يدللها ويختصر اسمها إلى ‘دي’ أو ‘ديدي’ لأنه كان يجد نطق “دافني” متعبًا ..
…هل قال إني تخلّيت عن سيلستيان؟ لكن الجميع يعرف أنني من تم التخلي عنها ..
“لا داعي لأن أنام ، سأرحل حالًا.”
حاولت دافني أن تزحف مبتعدة عن السرير الواسع ، وبدأت تحرك جسدها ببطء ، وعندما حاولت الوقوف ، شعرت كأن ساقيها مكسورتين ، لم تكن قادرة على الوقوف ..
أمسكت بطاولة السرير الجانبية ، ثم سقطت بطريقة مزرية ، الملفات والمرايا التي كانت على الطاولة سقطت على الأرض من حولها.
تنهد روميو ، ثم نزل من السرير وخرج من الغرفة بخطواته الهادئة المعتادة ، انسكب ضوء الفجر الأزرق من خلال الباب المفتوح ..
من بين الأوراق المتناثرة ، لفت انتباهها ملف أزرق قاسٍ ، كان يحمل اسمها ، كان من المعتاد أن يُكتب اسمها الرسمي متضمّنًا اسمها الأوسط “سيرينيد” في المستندات الرسمية ، ولكن
<دافني غرين>
<مرشحة للدخول إلى مصحة ديم للأمراض العقلية>
<تقرير طبي>
“هاه؟”
أعادت دافني ، بعينين شبه مغلقتين ، قراءة المحتوى ببطء ، كانت هناك صورة لها تُشبه إلى حد كبير صور المجرمين في ملفات الشرطة ، صورة بالأبيض والأسود تظهر فيها بعينين غائرتين وخالية من أي بريق …
“المذكورة أعلاه تُظهر أعراض تعلق مرضي مفرط بالآخرين ، وقد تسببت بإصابات متكررة ، مما يتطلب رقابة وحماية مشددة ، بناءً على ما سبق ، سيتم نقلها إلى الجناح الرابع…”
قلبت الصفحة ، لتُفاجأ بسيل من الكلمات التي أثارت استياءها ، كان مذكورًا أيضًا أنها تعاني من هلوسات مفرطة ..
“لا أستطيع قراءة المزيد من هذا.”
تركت الأوراق على الأرض ، ثم بدأت تزحف على الأرض مستخدمة كلتا يديها ..
“تبًا!”
وضعت يدها على مكان خاطئ ، فبدأ الدم يخرج من راحة يدها ، في شظايا المرايا المحطمة على الأرض ، رأت وجهها منعكسًا في قطع متناثرة ، راحت تفكر في طريقة للهروب من هذا الكابوس المرعب ..
“قالوا إنك إن حرّكت لسانك في الحلم تستيقظ…”
…ولم تستيقظ ..
“أو ربما عليّ أن أفكر في شخص طيب ، شخص طيب ومتألق …”
أغمضت دافني عينيها بإحكام ورددت الدعاء في سرها ، وفجأة ، سمعت خشخشة نعال رقيقة ورأت كاحلين نحيلين أمامها ..
“آنسة دافني …”
الشخص الطيب ، سايكي ، أمسكت بذراع دافني ورفعتها بسهولة ، لم تستطع دافني أن تفهم كيف خرج هذا القدر من القوة من جسدٍ يبدو ضعيفًا ، وهي على ركبتيها ، نظرت إليها ،
كانت سايكي تنظر إليها بعينيها الزرقاوين الباردتين ..
“سايكي…”
“…”
“أيقظيني ، من فضلكِ ، لم ينتهِ الحلم ، لماذا كان روميو بجانبي…؟”
هبّ النسيم من النافذة ، وراح شعرها الذهبي يتمايل بهدوء في الهواء ..
كانت تحت عينيها متورمة تمامًا ، أرادت دافني أن تسأل إن كانت قد بكت ، لكن لم تستطع إخراج الكلمة ..
“آنسة دافني ، لا تريدين الذهاب إلى هناك ، أليس كذلك؟”
“إلى المصحة؟ وأنتِ ، هل ترغبين بالذهاب؟”
مهما كان المكان ، شعرت دافني وكأن هذا الحلم نفسه كان سجنًا أكثر من المصحة ،
كان هناك اثنان تعرفهما في الحلم ، لكنهما تصرفا معها وكأنهما شخصان غريبان تمامًا ..
“تريدين الاستيقاظ من الحلم؟”
“نعم ، ساعديني ، إنه مجرد حلم ، أرجوكِ ، أريد أن أستيقظ ، لقد سقطت من الشلال قبل قليل ، وفجأة…”
لم تستطع فهم ما يحدث ، ومع ذلك ، بدأ شعور غريب ومقرف يزحف على بشرتها
دون إنذار ..
ضحكت سايكي بصوت عالٍ ، بصوت ناعم ولكنه مرعب …
“يا إلهي ، دافني… لقد جننتِ فعلًا.”
تجهم وجه دافني ..
“أنا أعرف طريقة ، سأساعدكِ …”
“…ماذا؟”
لمع طرف الخنجر المرتفع في يدها ، وقبل أن تتمكن دافني من القيام بأي رد فعل ، نزل الخنجر مباشرة على رقبتها ..
❖ ❖ ❖
“هاااه…!”
نهضت دافني وهي تمسك رقبتها ..
الإحساس بأن النصل اخترق فقرات عنقها كان غريبًا ومزعجًا ..
راحت تتحسس وجهها من جديد وتنظر حولها ، كانت وحيدة على سرير صغير لا يتسع إلا لشخص واحد ..
“ما هذا الحلم اللعين؟ كأني في فيلم إنسبشن!”
لكن حلقها ما زال يؤلمها ..
لم ترَ وجه سايكي بتلك البرودة من قبل ..
تذكرت عينيها الزرقاوين الساحرتين ، وشعرت بوخز مؤلم في مؤخرة رأسها ..
رغم الظلام ، تسلل الضوء الخافت عبر الستائر …
وعندما أنزلت ساقيها عن السرير ، استطاعت هذه المرة أن تقف بشكل طبيعي ..
فتحت الباب الخشبي الفاتح اللون ، وكانت أول مشاهدها الأشجار الاستوائية الكثيفة ، ونهرًا تتلألأ فيه أشعة القمر ..
أمسكت بالسياج الحديدي ، فبدت وكأنها على عبارة صغيرة من ثلاث طوابق فقط ..
“مكان لم تطأه قدماي من قبل…”
وبين صوت تدفق المياه ، سُمع صوت احتكاك غريب وغير منتظم:
طَق، طَق، طَق…
في البداية ، ظنّت أن الصوت ناتج عن بندول ساعة حائطية ، لكنه لم يكن كذلك ..
ثمّ سُمِع صوت باب يُفتح ببطء ، تلاه وقع أقدام يخطو بثقل ..
راحت دافني تنظر حولها ، تبحث عن مصدر الصوت …
من السلم في منتصف العبارة ، كان روميو ينزل مجددًا ..
تنهّدت دافني بملل ، لكنها تراجعت غريزيًا خطوة إلى الوراء ..
مدّ يده نحوها وكأنه يدعوها للحاق به ،
هزّت رأسها ورفضت أن تقترب ..
“ذلك الفستان… لا يبدو أنه لكِ.”
“لا أعلم؟ على فكرة ، هل رأيت سيليستيان؟”
“لا أفهم لما تبحثين عن أخي هنا.”
لم تكترث دافني لتحية أو مقدمة ، وسألت مباشرة وهي تنظر إلى نفسها ..
كانت ترتدي فستانًا أبيض مزدانًا بلمعة زرقاء فاتحة ..
وبما أنها استيقظت لتجد نفسها ترتديه ، أجابت بثقة ..
ضحك روميو ، بابتسامة خفيفة ، فيما حاجباه لا يزالان منتظمين بدقة ..
صارت دافني تدريجيًا تدرك أن هذا الرجل لم يكن “روميو” ابن عمها كما تعرفه ..
“بسبب الشاي الذي أرسلته ، زوجتي…”
“أي شاي؟ سايكي؟ متى اشتريت لها شايًا؟ وبكم؟”
“…لقد أُجهِضت …”
آه ، شاي للشرب…
“هاها…”
ضحكت دافني دون أن تشعر ..
على الفور ، اختفت جميع تعابير وجه روميو
رغم أنها كانت تدرك أن ضحكها زاد الموقف سوءًا ، لم تستطع التوقف ..
رفعت يدها أمام فمها محاولة كتم الضحك ، واعتذرت بإيماءة صغيرة ..
في تلك اللحظة ، اقترب منها روميو بخفة خطواته ، حتى لم تعد تسمع وقعها ..
“آه!”
هل يُعقل أن يخنق أحدهم إنسانًا بينما يضحك؟
تحوّل ضحك دافني إلى صراع محموم لالتقاط أنفاسها ..
رُفعت عن الأرض ، وأصبحت تُعاني من نقص الأوكسجين ، لكن ما كان يُهدّد حياتها أكثر هو ضغط يده على عنقها حتى كادت عنقها تنكسر
شعرت بجسمها يُسند إلى شيء بارد خلف ظهرها ، لا بد أنه سياج معدني …
ثم بدأ صوت الطقطقة خلفها يزداد وضوحًا ،
صوت سمعته من قبل ..
— “ألا تريدين النزول لرؤيتهم عن قرب؟”
— “كنتِ تحبين الزواحف ، أليس كذلك؟”
نعم ، التماسيح ..
رفعها روميو كدمية خفيفة وأسقطها بهدوء نحو النهر حيث تنتظر التماسيح بأفواه مفتوحة ..
ظهرت سايكي إلى جانبه ، تتكئ عليه وتتابع المشهد دون انفعال ، بينما كانت دافني تُسحب وتُمزق بين فكوك التماسيح ..
“كان عليكِ فقط أن تستمعي لي ، دافني.”
همست سايكي برقة ، وانحنت زوايا عينيها الزرقاوين ببطء ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 106"