إنها ليست مزحة!
الرائحة الغريبة التي استنشقتها لأول مرة وصلت مباشرة إلى حلق دافني ، سرعان ما نهضت من مكانها بعد ذلك ..
“كح ، كح!”
استدارت دافني بجسدها بالكامل إلى اليسار وغطت فمها بكلتا يديها ، بدأت السعال بشكل خفيف ، ولكن سرعان ما تحولت إلى سعال متقطع شديد استمر لعدة دقائق ، عندما عاد تنفسها تدريجيًا ، شعرت أن حلقها يكاد ينفجر من الألم ، لكنها وجدت ذلك محتملًا نوعًا ما ..
عندما مدّت يدها باتجاه زجاجة الخمر لترتشف منها قليلًا ، شعرت بالبرد على بطنها المكشوف ، لتدرك أن الرجل قد ابتعد عنها بثلاث خطوات بالفعل ، كان سيليستيان ينظر إليها بعينين مفتوحتين على اتساعهما ، مليئتين بالدهشة ، دافني ، التي كانت جالسًة على الأرض مستندًة على يديها ، وقفت بتردد
“ما الأمر؟ لستُ مصابًة بنزلة برد …”
قدمت دافني عذرًا غير معقول ، لكن سيليستيان لم يبدُ وكأنه ينوي الاقتراب ، ألقت دافني نظرة سريعة على نصفها السفلي ، ثم تجاهلت إحساسها بعدم الارتياح وجلست منتصبًة ..
عندما اقتربت منه حافية القدمين ، خطا سيليستيان خطوة إلى الوراء مرة أخرى ، بدا وكأنه يحمي نفسه كما لو كانت ستعتدى عليه ، محافظًة على مسافة بينهما ..
“ما بك؟ لماذا تفعل هذا؟”
“إنه خطير ..”
“خطير؟ لقد أتيت معي وأنت تعرف كل شيء.”
لم تستغرق دافني سوى ثانية واحدة لتفكر أن ما قالته الآن قد يكون شيئًا يقوله الرجل عادة ، وعندما عبست قليلاً ، شدّ سيليستيان ياقته بإحكام ..
الشخص الذي كان دائمًا ما يترك قميصه مفتوحًا ويعبث به ، والذي كان قبل لحظات فقط يداعب ساقيها ، بدا وكأنه شخص آخر الآن ..
“سأعود ، انتظريني …”
“تعود؟ سيليستيان ، إذا كنت بحاجة إلى دورة المياه ، يمكنك فقط هنا…”
تلعثمت دافني ، متفاجئة تمامًا ، وهي تفتح عينيها الذهبية ببطء ، ولكن قبل أن تنهي كلامها ، كان قد اختفى بالفعل في نهاية الممر الطويل ..
كانت تفكر في اللحاق به ، لكنها توقفت عندما لاحظت أنها كانت حافية القدمين ، قال إنه سيعود ، لذا لا بد أنه سيعود حقًا ..
“ما هذا؟”
ضحكت دافني بسخرية ، كانت التنورة ممزقة بشكل بائس والحذاء مهمل عند حافة السلم يمثل حالها تمامًا ، بدا كل ذلك وكأنه يعكس مشاعرها الداخلية بشكل مثالي ، مما جعل رأسها خاوياً تماماً ..
خلعت دافني جواربها الممزقة وألقتها جانبًا ، ثم أعادت تثبيت الحامل الجانبي الذي كان يحمل مسدسها على فخذها ، أنزلت قميصها الذي كان قد ارتفع إلى صدرها ، وسحبت تنورتها للأسفل لتغطي فخذيها بينما كانت تفكر ..
“إذن أنا… أنا دافني بوكاتور ، تُرِكتُ…”
تُرِكت بسبب…
“لأنني سعَلتُ قليلاً ، تركني هذا الأمير المزعج…”
فكرت بهذا ، وشعرت بقلبها يبرد ، عضّت دافني على أسنانها ..
في تلك اللحظة ، سمعت صوت خطوات خفيفة وراءها ، ثم شعرت بشيء ثقيل ضرب رأسها بقوة ، بدا وكأنه زجاجة مكسورة ..
شظايا الزجاج وحطام الزجاجة تساقطت على جانب وجه دافني ، وربما كان هناك دم أيضًا .
رغم أنها لم تشعر بأنها سقطت ، إلا أن عينيها أصبحتا فجأة مواجهتين للأرض ، ركّلت عدة ضربات قاسية بطنها السفلي ، شعرت وكأن قطعاً من المعدن تضرب جسدها بعنف ، مما جعلها تتكور على نفسها ..
في رؤيتها التي بدأت تتلاشى ، ظهرت حذاء فردي وساق اصطناعية تشبه حافر حصان ..
❖ ❖ ❖
كان سيليستيان يفك أزرار قميصه بعصبية ، الدم المتدفق من الجروح التي أحدثها الجلد بدأ يصبغ قميصه الأبيض باللون القرمزي ..
كانت المادة السامة التي علقت على ملابسه تظهر تأثيرها عند ملامسة جلد الإنسان أو عرقه ، رائحة تلك المادة لم تؤثر فقط على أعصابه ، بل حتى على أعصاب من كان بالقرب منه ، مما تسبب في شللهم ، كانت رائحة كريهة مشابهة لتلك التي تنبعث من نباتات الكرمة المتسلقة في كيشا ..
“لو تخلصت من تلك الملابس تحت تلك النباتات ، لما التصقت بجسدي بهذا الشكل!”
كان من الواضح أن تلك الملابس لم تكن مخصصة له فقط ، بل حتى لـ كيشا أيضًا ..
“يا دوق…”
كما هو متوقع ، ظهرت نارديد بوجه تغمره الدموع ، رفعت يدها لتمنعه من الاقتراب ، وقفت هناك في مكانها وهي تشير إلى الصالون الصغير المغطى بالستائر ..
“كيشا…”
دخل سيليستيان بسرعة إلى الداخل ، كان كيشا ، الذي لطالما عُرف بطبعه المتسرع ، قد مزق قميصه بالكامل بالفعل ، كانت تعبيرات وجهه لا توصف بالغضب فقط؛ كل عضلة من عضلات وجهه كانت متشنجة بشكل واضح ..
الأدوات الموجودة ، من منشفة ملوثة بالدماء ، وصينية فضية ، ووعاء مملوء بالماء ، بدت محروقة أو سوداء بسبب السم ..
“يا دوق ، لا تخلع ملابسك ، هذا القميص أصبح بمثابة جلدك الجديد الآن ..”
اختار كيشا كلماته بعناية وكأنه يحاول تهدئة الموقف بأي طريقة ممكنة ، لكن غياب أي نبرة مزاح جعل الأمر أكثر جدية ..
“اللعنة ، هذا السم… ظننت أن ساحرة صنعته ، آه ، أعني ليست ساحرة حقيقية ، بل تلك الطائفة الزائفة في ليفيان ، آه ، اللعنة!”
فرك شعره الطويل بيديه كما لو كان يحاول نزع يأسه ، ثم انحنى كتفاه بأسى ..
كان ظهره مكشوفًا بالكامل ، وبدت عليه آثار تقشر الجلد لدرجة أن عضلاته بدت واضحة ..
“السيدة التي كانت معي استنشقت الرائحة ، ثم بدأت بالتقيؤ وسقطت مغشيًا عليها ، ماذا لو اشتكاها والدها؟ أنا…”
“حريق!”
دوّى صوت انفجار بعيد ، تلاه سلسلة من الأصوات القوية ، توقف سيليستيان عن التنفس للحظة ..
…دافني ..
لماذا افترضتُ أنها ستتبعني بشكل طبيعي؟
— “سأعود ، انتظري.”
“منذ متى أصبحت تطيع كلامي بهذه الدقة؟”
امتلأت عيناه بدموع الدم ، إما بسبب غضبه أو تأثير السم ، وتحولت بياض عينيه بالكامل إلى اللون الأحمر ..
ملامحه الغاضبة التي عجزت عن إخفاء غضبه تفجرت بينما قفز من النافذة ، هدّأ الحصان المرتبك بسبب الحريق ، ثم اعتلى ظهره بسرعة ..
❖ ❖ ❖
بدأت دافني تستعيد وعيها وسط ألم شديد في رأسها ، لم تستطع فتح عينيها ، شعرت بملمس الأرض غير المستوية تحت ذراعيها وظهرها وخصرها ، يبدو أنهم كانوا يجرونها إلى داخل الغابة ..
حاولت أن تلتقط أنفاسها ، لكنها بذلت جهدًا للبقاء هادئة ..
خطوات ثقيلة ، واحتكاك أشياء ببعضها ، ثم خطوات أخرى…
الاختطاف؟ كان هذا مألوفًا ..
‘لا يجب أن أعتاد على مثل هذه الأمور ..’
لكن ، بسبب تعرضها لمثل هذه الحوادث بشكل متكرر خلال طفولتها ، أصبحت دافني غير المبالية تقريبًا ، غير قادرة على الشعور بالخوف كما كانت في الماضي ..
ما طغى على مشاعرها الآن كان الإحساس بالظلم ..
‘ما الذي فعلته لأستحق هذا؟ ..’
لم يكن سؤالًا نابعًا من الشعور بالندم ، بل محاولة لفهم الموقف ، عندما فتحت عينيها ببطء ، شعرت بحرق شديد في وجهها الأيسر وعينها التي تعرضت لضربة ثقيلة ، يبدو أنها وُضعت في كيس وكانت تُنقل في داخله ..
من خلال ثقب صغير في الكيس ، كان بإمكانها رؤية العالم الخارجي بالكاد ..
بدأت دافني تهتز ، ليس خوفًا ، بل لأن الموقف المأساوي بدا وكأنه كوميديا سوداء ، فشعرت برغبة في الضحك ، كما لو أنها فقدت عقلها ..
“لقد استيقظتِ.”
تمزق الكيس فجأة ، وأُزيل الغطاء عن وجهها ، ما سمح لهواء نقي بأن يملأ رئتيها ، كان الهواء العليل يبدو حلوًا على نحو غير معقول ، فكرت في أن الهواء في قمة الغابة القريبة من الشلالات يمكن بيعه بسعر جيد إذا عادت سالمة ..
من خلفها ، دوى صوت المياه الهادر للشلال بقوة لدرجة أنه كان يصم الآذان ..
عندما فتحت عينها السليمة ، وقعت عيناها على شعر فضي بدا وكأنه لشخص هزيل للغاية ، أقرب إلى هيكل عظمي ..
“…أوسكار.”
“يبدو أنكِ تتذكرينني ..”
“ههه…!”
أغمضت دافني عينيها بإحكام ، لم تكن تبكي ، بل تحاول جاهدة أن تخفي ضحكتها ، أرادت أن تبدو وكأنها امرأة غارقة في الخوف والدموع ..
لكن في عقلها ، كانت تفكر في أن “سايكي رودريغيز” كانت أكثر رعبًا من هذا الرجل ..
كيف يمكن لشخص أن يبدو بهذا السخف والحقارة؟
كانت خطواته غير منتظمة وصوت ارتطام معدن رافق كل خطوة ، ويبدو أن ذلك كان بسبب ساقه الاصطناعية ..
سمعت أن الأمير الذي خدمه أوسكار مات في حادث عربة أو ربما انتحر ، ولم تكن الأسباب واضحة ، ويبدو أن أوسكار كان جزءًا مما حدث ..
“لماذا… هه… لماذا تفعل هذا بي؟”
لو كان واحدًا من الأطفال الذين أذاقتهم دافني الويلات في طفولتها ، ربما كانت ستعتذر له رسميًا ..
أو ربما لو كان أحد الناجين من عائلة سعت إلى التمرد وانتهى بها الأمر بالإبادة ، ربما كانت ستبدي بعض كلمات الأسف الزائفة …
“أنتِ تعلمين أن الأمير قد مات.”
“لكني لم… لم أكن أنا السبب…”
“سيليستيان تيريوسا هو من تسبب لي بهذا ، هو من دمّر ساقي…”
سيل؟
توقفت عن الضحك فجأة ، ورفعت رأسها بصعوبة لتنظر إليه بعينيها المتورمتين ، لم يحاول أوسكار منعها من الجلوس بتعثر ..
“…وماذا في ذلك؟”
لم تكن دافني تخشى البشر يومًا ، كانت حوادث الاختطاف التي مرت بها سابقًا تُغذي ثقتها بأنها ستعود دائمًا سليمة ، إلى جانب غرورها بامتلاكها ثروة لا تنضب مهما تعرضت للسرقة ..
لكن الوضع الآن كان مختلفًا تمامًا ، هذه المرة لم يكن الهدف المال ..
“ما علاقة قتله للأمير بي؟”
“لا بد أنكِ من طلبتِ منه ذلك ، من يجهل نظرتكم الدونية لإمبراطوريتنا ، واحتقاركم لنا ، ومعاملتنا كهمج؟”
“أوسكار ، هل سألك أحد عن ذلك؟ هل تقول إنني أنا من حرض سيليستيان على قتل أميركم؟ لماذا قد أفعل ذلك؟ ليس لدي أدنى اهتمام بإمبراطوريتكم ، لماذا قد أفعل ذلك؟ ما الذي سأجنيه من مجد أو ثروة؟”
“أنتم تنكرون حتى الآن إبادتكم لنا ، وكأن شيئًا لم يحدث.”
“هل فكرتَ يومًا أنني قد لا أعلم حقًا؟”
ضربت دافني صدرها بقبضة يدها مرة واحدة دون أن تدرك ذلك ، كانت تشعر بالاختناق لدرجة لا تُطاق ، حينها ، مرّت نظرات أوسكار الثقيلة والمقززة على جسدها ، مما زاد شعورها بالاشمئزاز …
“يُقال إن زهرة المملكة تحمل طفل تيريوسا ..”
طفل؟
اختفت جميع التعابير عن وجه دافني فجأة ، شعرت بألم خافت في أسفل بطنها ، وكأن الألم الذي عانت منه سابقًا أثناء ركلها قد عاد ..
وضعت يدها على بطنها ، في حين أطلق أوسكار ضحكة خبيثة ..
“زوجكِ مشلول تمامًا الآن بسبب السم العصبي ، لا يستطيع حتى تحريك جسده ، بالتالي ، لم يكن هو…”
“ماذا؟”
“يبدو أنكِ كنتِ تبيعين نفسكِ لشخص آخر.”
لمح في كلامه إلى مظهرها ، مما زاد من شعورها بالإهانة ، أغمضت دافني عينيها بإحكام ، لامست يد أوسكار كتفها بجرأة ، ثم بدأت بالنزول ببطء ..
عندها ، فتحت دافني عينيها وألقت نظرة حادة خلفه ، مبهرةً بالوضوح المفاجئ في صوتها ..
“…سيل!”
وفي اللحظة ذاتها ، دوى صوت إطلاق نار ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 104"