كانت دافني تتحدث بينما تمسك بشكل غير طبيعي حفنة من شعرها الأحمر المتدلّي أسفل أذنها اليسرى ، خدودها البيضاء المستديرة التي يطغى عليها اللون الوردي وشفاهها الحمراء كانت مليئة بالحيوية ..
حتى لو جمعت كل المصابيح هنا ، فلن تكون أكثر إشراقاً مما تحمله عيناها، ابتلع سيلستيان لعابه دون أن يشعر ، بينما تبخرت كل التحيات التي كان يفكر بها مراراً من رأسه ..
“أنت ، لقد سرقت هذا ، أليس كذلك؟ من أي بيت أنت خادم؟”
“تعالي معي ..”
تمتم بكلمات غبية ، رغم استخدام ألقاب غريبة مثل “أنت” و”خادم”، إلا أنه لم يكترث لذلك ، لكن وجهها سرعان ما تجهم ..
“أي هراء تتفوه به… هل تريد أن تُضرب بهذا؟”
رفعت دافني لوحاً أخضر كانت تخفيه في جيب مئزرها الأمامي ..
“آه ، فلنذهب إلى مكتب التحقيقات ، جيد ، ولكن لماذا تتحدث بأسلوب غير مهذب؟”
تفاجأ سيلستيان لوهلة من سلوكها الواضح الجريء ، لكنه ، بدوره ، كان يتحدث بطريقة غير رسمية منذ البداية ، أليس كذلك؟ وبينما كان يفكر في ذلك ، حاول سحبها نحو جانبه خشية أن يصدمها الأطفال الذين كانوا يمرون خلفها ..
“واو ، كيف تلمسني دون إذن؟ هل جننت؟”
دفعت يده بقوة بظهر كفها ، معبرة عن استيائها ، واهتز شعرها الأحمر عند صدرها مرة واحدة ..
كانت تلك النظرة التي يتذكرها ، نظرة كمن يواجه شيئاً مقززاً ومثيراً للاشمئزاز…
تغيرت ملامح وجه سيلستيان ، لولا القناع الذي يرتديه ، لما تمكن من إخفاء ذلك ، وبينما كان يخطط للإمساك بمعصمها مجدداً واستخدام قوته لجرّها معه بأي شكل ، حدث شيء غير متوقع ..
“من الذي يسرق العملات الذهبية في هذه الأيام؟ إنه أمر خطير ، على أي حال ، هذه العملات يمكن تتبعها بمجرد استخدامها ، أليس كذلك؟”
لكن تعابير وجه دافني تغيرت ، كانت ترتدي مئزرًا مزهرًا لا يتناسب أبداً مع فستانها الأرجواني الراقي ، وتصرفت وكأنها ستوبخ سيلستيان ، وضعت يديها على خصرها كما لو كانت تتعامل مع شخص أقل شأناً ، أو ربما كأنها تتحدث إلى طفل صغير ..
“أخبرني بسرعة من أي بيت أنت ، سأخفف عنك العقوبة إن اعترفت ، وأنا هنا المالكة ، هل يجب أن أنظر إلى أحد من أعلى؟”
“…”
“انحني.”
أشارت دافني إلى الأرض بأصبعها بحركة صغيرة ، انحنى سيلستيان قليلاً وأطاع كلامها ، تقلصت المسافة بينهما حتى أصبحا على مستوى النظر نفسه ..
عن قرب ، رأى سيلستيان النمش المرسوم على جسر أنفها ، كانت تنظر إلى شعره البني وقناع وجهه المغطى بالكامل بنظرة استياء قبل أن تضيق عينيها قليلاً ..
“حين تنحني فعلاً ، تصبح مزعجاً.”
لم يفهم سيلستيان حقاً ، تستاء حين يطيعها وتعبس في وجهه ، لكنه كان سعيداً لأنها على الأقل لم تدفعه بعيداً ..
“سيتم مصادرة العملات الذهبية ، سأتولى بنفسي إعادتها إلى أصحابها ، على أي حال ، استمتع بوقتك هنا ، يا سيد جيلبرت.”
من هو جيلبرت هذا؟
وبينما كان يتوقف بسبب غيرته الطفيفة ، اتجهت دافني نحو الأشجار حيث كان الحشد أقل ازدحاماً ، تبعها سيلستيان وكأنه مسحور ، ثم مد يده الكبيرة ليمنعها من المضي قدماً ، وهمس:
“إنها ملكي ..”
“تقول إنها لك؟”
“لكنها ليست لكِ …”
نظرت إلى النقش المحفور على العملة الذهبية في يدها بتمعن ، ثم تمتمت قائلة ، “بالتأكيد أراها لأول مرة.”
كانت دافني تفكر للحظة وهي تعض شفتيها قبل أن تمد يدها الأخرى بما كانت تمسكه ، لم تكن عملة ذهبية ، بل رباط ذهبي ..
بينما كان سيلستيان يحدق في عيني دافني فقط ، طلبت منه بشكل صريح:
“اربط شعري …”
يبدو أن جديلتها التي كانت مرتبة تماماً عندما دخلت إلى هنا قد انفكت قليلاً ، لوّحت دافني بيدها التي تحمل الرباط مرة ، ثم أظهرت الجانب الآخر الذي ما زال مرتباً كمثال لما يجب أن يكون ، رفعت حاجبيها كما لو كانت تقول: “ماذا تنتظر؟”
استسلم سيلستيان مجدداً وأخذ الرباط ، تقدمت دافني خطوة نحوه ومالت برأسها لتقدم له جانب وجهها ، خلع سيلستيان قفازه ، وأخذ خصلات شعرها الأحمر في كفه ليشعر بملمسها مرة واحدة ..
كان هناك إحساس داخلي يتصاعد في صدره ، وكأنه حصل على إذن بلمس شيء ممنوع ..
لكن ذلك لم يغير شيئاً من حقيقة أنه لم يربط شعر أي امرأة من قبل ، ناهيك عن دافني ، تجمد في مكانه عاجزاً عن الحركة ، حاول أن يفعل شيئاً ، لكنه لم ينجح إلا في جعل خصلات شعرها تتشابك بشكل غريب ..
“أي خادم هذا لا يستطيع أن يربط شعر آنسة بشكل صحيح؟ يا له من عاجز ..”
هل كانت تجهل أن خادمًا يلمس شعر آنسة من أسرة نبيلة يُعاقب بقطع يده فوراً؟
سيلستيان ، الذي أصبح فجأة خادماً عاجزاً ، قبض على الرباط وأخفاه خلف ظهره ..
“لماذا تأخذه؟ أعطني إياه ..”
مدت دافني يدها ، لكن سيلستيان رفع يده تلقائياً بعيداً عن متناولها ..
توجهت عيناها الذهبية بارتباك نحو يده المرفوعة ، ثم بدأت تحدق فيه كما لو كانت تخترق قناعه غير المرئي ..
“آه ، احتفظ به إذن …”
كانت قد استسلمت بسرعة ..
حتى همست بكلمات صغيرة مثل “أيها المنحرف”، وكان بإمكانه سماعها بوضوح ، شعر سيلستيان بشيء من الظلم لأنه لم يفعل شيئاً بعد ، لكنه لم يبد أي اعتراض ..
سيريناد ، هذا المكان يزيد من وحدتها ..
كذلك كان الحال في سيكراديون ، حيث شائعات خطبة رودريغيز وغرين كانت تنتشر ، أفراد العائلة المالكة والنبلاء كانوا ينتظرون عودة دافني إلى المجتمع الراقي في العاصمة ليتحدثوا عنها بسوء ..
وإذا اجتمع اخوه غير الشقيق مع سايكي دنفر ، فإن دافني ستكون ..
“ألا يزعجك القناع؟”
“لا.”
“كم عمرك؟”
“لست متأكداً ..”
“كيف لا تعرف؟ هل كنت يتيماً؟ لأي أسرة تخدم؟ متى ولماذا أحضروك؟ ألم يخبرك
أحد بذلك؟”
“…”
“تجيب بشكل انتقائي ، أليس كذلك؟”
استمرت دافني في طرح أسئلتها بفضول يشبه الدندنة ، بينما كانا يمشيان مع الحشود في انسجام ، بالنسبة لسيلستيان ، كانت هذه اللحظات أشبه بالمشي على الجليد الرقيق ، لأنه كان يعلم أن دائماً ما يتبع هذه اللحظات القصيرة من السلام كوارث ..
“حسناً ، إذن ، هل هناك شخص ترغب في عودته؟”
توقف سيلستيان فجأة في مكانه عند سؤال دافني ..
بينما كانت دافني تسير متقدمة للأمام ، اندمجت في الحشود التي بدأت تبتعد شيئاً فشيئاً ، وبعد بضع ثوانٍ ، اختفت تماماً عن مرمى بصره ، كما كانت تفعل دائماً ..
الأشخاص الذين كانوا يسيرون في الطريق نظروا إلى سيلستيان الواقف وحده وساروا بجانبه ، دقائق وثوانٍ مرت بينما كان واقفاً في مكانه كالأبله ..
كان يعلم أنه ليس من المستحيل أن يراها مجدداً ، لأنه هو دائماً من يعود إليها ..
“هل عليّ أن أفعلها مجدداً؟”
“ولكن ماذا؟ وكيف؟ مجدداً.”
أحياناً كان سيلستيان يشعر بأن عقله يصبح فارغاً تماماً ، هناك الكثير مما لا يعرفه ، لا ، هو يستطيع فعل كل شيء ، ما عدا كسب قلبها ..
يعلم ، كما قال كيلين سيريناد ، أن دافني ليست ملكه ، وهو لم يراها يوماً كدمية تتحدث ، كما يقول البعض ..
لأنها في النهاية ، حتى لو فكر بها كذلك ، لن تحبه أبداً ..
“سيلستيان تيريوسا ، لن أحبك أبداً.”
أغلق سيلستيان قبضته التي كانت تحتوي على نظراته ذات اللون الأخضر الزمردي ، بينما استمرت الألوان المتعددة لأحذية المارة في التحرك أمامه ، شعرت أنه يراقب مرور الزمن من حوله ..
لكنه ، في النهاية ، كان واقفاً هناك بمفرده ..
كان عليه أن يجعلها تحبه ، ولكنه ما زال لا يعرف كيف يفعل ذلك ..
كما لو أن سيلستيان كان مقدراً له في كل حياة أن يقع في حبها من النظرة الأولى ، مثل تفاحة تتدحرج من الشجرة إلى الأرض ، وكأن الأمر حتمي ، وكأنه ملعون ليحبها فقط ، ويبقى أحمقاً محبوساً في هذه اللعنة
ينتظرها وحدها ..
“ثم ، ماذا علي أن أفعل؟”
أن أكسر ساقها؟ أم… أمسك بشيء تحبه بجنون وأساومها عليه؟ أهددها بأنني سأموت أمام عينيها إن لم تذهب معي؟
لكن سيلستيان لم يكن يوماً ضمن نطاق “ما تحبه”.
كان دائماً الخيار الثاني ، لأنها يجب أن تصبح ملكة ، لأنها تحب والدتها ، لأنها تحب روميو ، لأنها تشفق على سايكي ، لأنها يجب أن تنقذ أحدهم من بعيد ، عبر البحار ، أو الأطفال الأيتام المساكين ..
في الواقع ، لم يكن حتى الخيار الثاني ، ولا الثالث ..
في النهاية ، حتى هذه المرة ، لن…
بدأت رؤيته تسود تدريجياً ، وكأنه يغوص في الماء إلى أعماق بعيدة ، حتى بات يسمع بصعوبة ..
لن تحبني أبداً ..
نعم ، لن تحبني أبداً ، لن تحبني أبداً ، لن تحبني أبداً ، لن تحبني أبداً ، لن تحبني أبداً ، حتى هذه المرة ، لن تحبني أبداً ، كما كان الحال دائماً ، لن تحبني أبداً ، لن تحبني أبداً ، أبداً ، أبداً ، أبداً ، أبداً …
ولذلك ، لن أموت أبداً ..
“جيلبرت …”
بينما كان أنفاسه تزداد اضطراباً ، شعر بيد ناعمة تدفع ظهره بلطف من الخلف ..
“لو وقفت هناك هكذا ستعيق من خلفك …”
“…”
“كدت أن أفقدك ، لحسن الحظ أنك طويل ، انظر أمامك من فضلك …”
لم يكن بحاجة إلى الالتفات ليدرك من هي ،
رائحتها التي كانت دائماً ثابتة ، وجودها القوي الذي يجعلها تبدو وكأنها في متناول عينيه دائماً ، حتى دون أن ينظر …
ظهرت عيناها الذهبيتان مجدداً في مجال رؤيته ، وقادته بلطف إلى ممر أقل ازدحاماً ..
…لقد عادت دافني إلى سيلستيان ..
رغم أنه لم يفعل شيئاً ..
“هل علمتك والدتك الوقوف في مكانك إذا ضعت؟”
“والدتي؟”
“آه ، صحيح ، قلت إنك يتيم ، آسفة ، قلت ذلك لأنك كنت تقف مثل طفل تائه.”
“…لا، أمي علمتني ذلك ..”
عليه أن يقول لها: لنذهب إلى تيريوسا معاً ،
قبل أن تحدث أي من تلك الأمور مجدداً ، قبل أن يواجه الإخفاقات التي عاشها سابقاً مرة أخرى ، حتى لو لم تحبه هذه المرة أيضاً ..
في قصر مزين فقط بما تحبه دافني ، في أعلى مكان كانت ترغب دائماً بالجلوس فيه ، في مكان مثالي ، لا يكون فيه سوى هما الاثنين ..
وسيحرص على أن يجلب معها الأطفال الذين اعتادوا أن يكونوا معها ، كي لا تشعر بالوحدة عندما يموت ..
بينما كان يفكر بهذه الطريقة ..
ترجمة ، فتافيت ..
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 101"