لم يعد ديهارت قادرًا على الصبر، فناداها. كانت أطراف أصابعه المرتجفة على وشك لمس كتفها.
“لنتحدث لاحقًا.”
كانت هذه الكلمات الوحيدة التي خرجت بين أنفاسها المتقطعة. سحبت سيبيليا جسدها بعيدًا عنه بسرعة. ابتلع ديهارت أنفاسه. كانت عيناها الزرقاوان مغمورتين بعاطفة غامضة.
“إذن، سأذهب الآن.”
مع وداع مقتضب كأنها تلقيه، فتحت سيبيليا الباب وهربت دون أن تترك له فرصة لإيقافها. وقف ديهارت مشدوهًا يراقب ظهرها وهي تبتعد.
وبعد لحظات، أيقظه صوت حذر.
“ديهارت.”
رفع رأسه فرأى كلود واقفًا هناك. تصلبت عينا ديهارت اللتين كانتا تهتزان بلا هدف. استدار وقال:
“ليس الآن.”
“…”
“تعالَ لاحقًا.”
أغلق الباب، وأصدر كلود صوت أنين خافت. تجولت عيناه بين الرواق الفارغ والباب المغلق بإحكام.
—
بدت كلمات سيبيليا الباردة وكأنها أيقظت ديهارت. حلّ بريق هادئ على عينيه الذهبيتين الملطختين بالقلق والاضطراب.
“نعم، كنت أعلم ذلك. لم يكن عليّ أن أهبط إلى قاع الوادي بنفسي.”
ومع ذلك، كان ديهارت يعتقد أن هذا واجبه الشخصي. فقط بهذه الطريقة يمكنه أن يواجهها مجددًا، بل أن يكون له الحق في البقاء هنا حتى تتلقى علاجها كاملاً.
“عندما يصيبني الجنون، أفقد كل قدرة على الحكم.”
ابتسم ديهارت بسخرية خفيفة.
كان ذلك هو السبب وراء عجلته الشديدة. كان يشعر في قرارة نفسه أن هذه هي المرة الأخيرة التي يمكنه قضاؤها مع سيبيليا.
بعد انتهاء العلاج، لم يكن هناك أي احتمال للقائهما مجددًا. فهي لن تقترب من الشمال أبدًا، وهو نادرًا ما يغادر الشمال.
“لم أرَ شيئًا، ولم أسمع شيئًا، حتى استشاطت غضبًا مني.”
هزّ كلود رأسه بهدوء وهو يستمع إلى كلامه.
“لقد أدركت ذلك الآن، وهذا يكفي.”
“نعم، لحسن ااحظ أنني أدركت ذلك قبل فوات الأوان.”
هزّ ديهارت رأسه ونهض من مكانه. كان وجهه، الحاد كشفرة سكين مصقولة، خاليًا من أي تردد.
—
لم تستطع سيبيليا النوم لفترة طويلة. تقلبّت في فراشها، ثم حدّقت في ضوء القمر المتجمع على النافذة لوقت طويل قبل أن تستسلم وتنهض.
“ها…”
كان قلبها لا يزال يتموج كالأمواج. استلقت نصف استلقاء على الأريكة تحت النافذة وفتحتها. لفّت نسمة الليل الباردة خديها مع ضوء القمر.
“ماذا أفعل الآن؟”
كانت تعلم جيدًا أنها لم تعد قادرة على معاملته ببرود. بعد أن استيقظت مشاعر الضغينة تجاهه، أصبح من المستحيل أن تظل باردة كما كانت.
كل شيء صار فوضويًا. وضعت سيبيليا ذراعيها على عتبة النافذة ودفنت وجهها فيهما. كان ضوء القمر البارد يداعب شعرها بلطف وهو يستقر عليه.
*طقطقة.*
فجأة، سمعت صوت الباب يُفتح. استدارت سيبيليا ببطء، غارقة في مشاعرها المشدوهة.
“مايا؟”
في الظلام، لمعت عينان خضراوان متوهجتان. مدّت سيبيليا يدها، فسمعت صوت خطوات خفيفة، ثم قفزت كتلة من الفرو الناعم إلى أحضانها.
“ماذا سرقتِ هذه المرة؟”
كانت تعجبها أنها لم تصدر صوت مواء. كانت تمسك بشيء في فمها بحزم. ربما لعبة أخفاها كلود أو أداة طبية تخص واتس.
حاولت سيبيليا نزع ما في فمها بلطف، فأصدرت مايا صوت أنين متذمر. لكن بعد قليل، حققت سيبيليا هدفها.
“آه، مايا.”
أدركت ماهية الشيء الذي سرقته مايا، فتسرّب تنهد طويل من شفتيها. كانت تمسك بقلادة صليب فضية مغطاة باللعاب.
“يبدو أنها أعجبتك كثيرًا.”
ابتسمت سيبيليا بمرارة وهي تمسح القلادة بمنديل. لمعت الجوهرة الزرقاء المرصعة في القلادة تحت ضوء القمر، متناثرة ببريق ساحر.
وهي تنظر إليها، برزت فجأة فكرة حاولت دفنها.
“هل كنت تحتفظ بها منذ أن أهديتك إياها؟”
في المرة السابقة، استطاعت تجاهلها، متظاهرة بعدم الرؤية. كانت قادرة على رسم خط فاصل واضح بين سيبيليا الماضي وبيلا الحالية. لكن الآن، لم يعد ذلك ممكنًا.
كان الخط الفاصل بين الماضي والحاضر قد أصبح باهتًا، حتى اختفت آثاره. كانت فكرة التخلي عن الماضي تمامًا ساذجة كفكرة طفل.
“ظننت أنك تخلصت منها منذ زمن.”
أظهرت كراهيتك لها بوضوح، فلماذا احتفظت بها حتى الآن؟ ارتفعت الأسئلة والضغائن غير المحلولة إلى حلقها. ضغطت سيبيليا على يدها بقوة.
“لا أستطيع فهمك.”
في الحقيقة، منذ زواجنا، لم أفهمك ولو لمرة واحدة.
“وهذا لم يتغير حتى الآن…”
ابتلعت سيبيليا أنفاسها الحارة وفتحت يدها. كانت راحة يدها حمراء على شكل القلادة.
تنفست بعمق ووضعت القلادة بحذر على عتبة النافذة. كانت الجوهرة الزرقاء، المغطاة بضوء القمر الخافت، تشبه بحيرة متلألئة.
كانت تشبه البحيرة التي دعاها للذهاب إليها للتنزه بالقارب، متلألئة بجمال.
“ماذا أفعل حقًا؟”
تاهت عيناها الزرقاوان في أفق بعيد.
—
لم تنم سيبيليا طوال الليل، متقلبة في أفكارها. سارت بخطوات متثاقلة نحو المطبخ. كانت بحاجة إلى شاي ساخن.
“أين هو…”
بينما كانت تبحث في الخزانة بعينين نصف مغمضتين، سمعت ضجيجًا من غرفة المعيشة عبر الرواق.
حتى تلك اللحظة، ظنت سيبيليا أن واتس قد استيقظ مبكرًا وكان يفعل شيئًا في غرفة المعيشة. لكن تلك الفكرة سرعان ما انهارت كقلعة رملية تتلاشى تحت الأمواج.
“اتفقنا على ألا نتصرف بتهور.”
كان الصوت لكلود. عند سماع نبرته الحادة لأول مرة، كبتت سيبيليا أنفاسها دون وعي. أغلقت باب الخزانة بحذر واتكأت على الحائط.
“لا أفهم ما التهور في هذا الأمر. قلت إنني لن أهبط إلى قاع الوادي كما وعدت.”
رنّ صوت ديهارت في غرفة المعيشة. كان صوته، على عكس ما سمعته بالأمس، باردًا وحادًا جدًا.
“أنت توافق على أن الوقت محدود، ثم تتشبث بكل تفصيل صغير، كلود.”
اتكأت سيبيليا على الحائط مشدوهة، تسترق السمع لحوارهما. كان كلود يحاول منع ديهارت من إقامة مركز قيادة بالقرب من الوادي لتوجيه العمليات.
“لم أكن أعلم أنك مفرط في الحماية إلى هذا الحد. هل أعمى القلق عقلك؟ هل تتوقع مني أن أترك المال والمعدات بأيدي جامعي الأعشاب وأجلس تحت الجبل كأحمق أنتظر؟”
رنّ صوته البارد في الغرفة.
قرر ديهارت، بدلاً من النزول إلى الوادي مع جامعي الأعشاب، إقامة قاعدة قريبة لتوجيه العمليات. كان ذلك أقصى تنازل له. لكن كلود لم يكن راضيًا حتى عن ذلك.
“بما أنه لا يمكن إرسال سحرة أو مشعوذين إلى قاع الوادي، يجب أن أكون بالقرب من الوادي لتلقي الأخبار وإرسالها. هل يجب أن أشرح كل شيء بالتفصيل؟”
تنهد كلود من نبرة ديهارت المزعجة. كان يأمل سرًا أن يتمكن من كسر عناد ديهارت المتأثر بسيبيليا. لكن ذلك كان ثقة زائدة.
كان ديهارت قد يتزعزع بسبب سيبيليا، لكنه لم يتزحزح أمام كلود ولو بمقدار شعرة. الوحيدة القادرة على كسر عناده ومعتقداته كانت سيبيليا وحدها.
“لا تضف كلمة أخرى على هذا الأمر، كلود. إلا إذا كنت تريد إغضابي لدرجة أن أقفز إلى قاع الوادي.”
“حسنًا، حسنًا.”
رفع كلود يديه معلنًا استسلامه. ألقى ديهارت نظرة قاسية عليه وصعد الدرج. بعد قليل، سمع صوت كلود وهو يخرج من الباب الخلفي.
“الوادي خطير إلى هذا الحد.”
جلست سيبيليا متكورة في المطبخ، تكرر في ذهنها ما سمعته. غرقت عيناها الزرقاوان في قلق عميق.
—
مع حلول المساء، أكمل ديهارت استعداداته لمغادرة المعهد. لامس صدره دون وعي، ثم أدرك أن مايا قد سرقت قلادته مجددًا.
“تبًا.”
كان قد لوح بها في يده عمدًا لتأخذها، لكنه الآن نادم. لو كان يعلم أن الأمور ستصل إلى هذا، لما اعتمد على مثل هذه الحيلة الرخيصة مرة أخرى.
“لا مفر.”
لعن ديهارت نفسه الماضية التي خططت لمواجهة سيبيليا مجددًا بحجة القلادة وهبط الدرج. تبعه كلود، الذي لم يستسلم بعد، يتنهد بقوة وهو ينظر إلى ظهره.
“لدي شعور سيء، شعور سيء جدًا.”
“توقف عن هذا الهراء…”
كان ديهارت قد سئم من التكرار المستمر لهذا الهراء منذ الصباح. وبينما كان يمر بالرواق بنزق، توقف فجأة. رفع كلود، الذي كان يتمتم بشعور سيء وهو مطأطئ الرأس، عينيه ليرى ما الأمر. كانت سيبيليا هناك.
“الآنسة بيلا.”
“هل أنت ذاهب الآن؟”
تقدم كلود ليقطع الطريق على ديهارت. حدّق ديهارت به بنظرة “ما هذا التصرف؟” لكنه لم يتراجع. فتح كلود فمه بوجه مليء بالامتنان.
“شكرًا لك على إقناعه، وإن تأخر ذلك. لحسن الحظ، قرر هذا الأحمق ألا يهبط إلى قاع الوادي. لذا…”
“سأكون بالقرب لتلقي الأخبار وتقديم ما يلزم في حينه.”
تلقى ديهارت كلام كلود بنبرة خافتة.
“لن أرمي بحياتي في أعمال متهورة بعد الآن للتخلص من شعور الذنب.”
“…”
“أعرف حدودي الآن.”
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 68"