استلقت سيبيليا على السرير، محدقةً في السقف. جذبتها نقوش حبات الخشب المتماوجة كأمواج البحر، فتاهت عيناها الزرقاوان في رقصة بطيئة كأنها تسبح في فضاءٍ لا نهائي.
بالأمس فقط، كانت قد حسمت لغزًا لتجد نفسها أمام سؤالٍ جديد. الأول كان يخص مرضها، أما الثاني فكان ظلًا من ماضيها يتربص بها.
“يقولون إن الحياة دربٌ من الشوك، وها أنا أدرك أنها لا تُسهّل الأمور أبدًا.”
نظرت سيبيليا إلى الكتاب الذي تركته مفتوحًا نصف قراءة، وضمّت شفتيها بقوة. اليوم كان اليوم الذي يصبح فيه ديھارت حرًا طليقًا. كان التعبير غريبًا بعض الشيء، لكنها لم تجد كلمة أدق تصف ذلك.
كانت تعلم جيدًا أنها ظلت ترفض التفكير فيه بإصرار طوال تلك الفترة. في الأيام الأولى لوصولها ، توقعت أن يغادر مبكرًا، ثم ركزت لاحقًا على ألا تتأثر به وأن تدفعه بعيدًا بكل قوتها.
“هاااه…”
لكن حين حان يوم لقائه وجهًا لوجه، بدأ قلبها يخفق بجنون. وضعت يدها على صدرها، تأخذ أنفاسًا عميقة مراتٍ عدة، لكن التوتر لم يكن ليرحل بسهولة.
“ما الذي سيقوله حالما يراني؟”
هل سيغضب؟ يعاتبها؟ أم ربما يصرخ آمرًا إياها بالعودة؟ قد لا يفعل شيئًا من هذا إذا تذكرت صراخه الممزق في كوابيسها وهو يشهد موتها… لكن أمر الإنسان غامض، لا يُعرف على وجه اليقين.
“لكن كيف عرف أنني هنا وتبعني إلى هذا المكان؟”
لم تكن متأكدة من ديھارت، لكنها افترضت أنه علم بأنها على قيد الحياة وتعقبها حتى هنا. كان تخمينها منطقيًا إلى حد ما، فهي لم تعرف شيئًا عن حياته منذ ذلك الحين.
لذلك، توقفت أفكارها عند أنه ربما شعر ببعض الذنب والندم بعد موتها المزعوم. لم يخطر ببالها أبدًا أن ديھارت، بعد رحيلها المفترض، قد أغلق قاعة هيليند، وحبس عائلته في البرج، وبحث عن مربيتها حتى طُعن في جنبه وهام على وجهه.
“لا يجب أن أظهر أي اهتزاز، بل أواجهه بهدوء وثبات.”
وضعت سيبيليا يديها المعقودتين على جبهتها، متمتمةً كمن يصلي. حتى عندما طرق كلود الباب، لم تتمكن من فك عقدة التوتر التي أسرتها.
وهكذا، حان وقت اللقاء أخيرًا. لكن سيبيليا، التي كانت قد جمعت رباطة جأشها بشق الأنفس، تجمدت وتبدد كل هدوئها في لحظة.
“تشرفت بلقائكم لأول مرة. أنا ديھارت.”
ديھارت إنفيرنيس، ذلك الرجل ذو الطباع الشرسة الملتوية، كان ينحني أمامها بخجل. وجهٌ بريء وبسيط لم ترَ مثله في حياتها، يرمقها بنظرات خاطفة ثم يحول عينيه بعيدًا.
“دي… ديھارت؟”
“هل تعرفينني من قبل؟ أعتذر، لقد فقدت ذاكرتي مؤخرًا…”
مع ابتسامته الوديعة، شعرت سيبيليا وكأنها على وشك أن تفقد وعيها.
* * *
بالطبع، فقدان ذاكرة ديھارت لم يكن سوى خدعة رخيصة.
نظر كلود إليه بعينين باردتين وهو يؤدي تمثيليته المثيرة للغثيان، ثم أشاح بوجهه وهو يشعر بالقرف. أما واتس، الجالس مقابله، فلم يبدُ مهتمًا، منشغلاً فقط بإنهاء طعامه.
تذكر كلود ما حدث ليلة أمس، قبل أن يُطلق سراح ديھارت. كان ذلك بعد أن دخل واتس حاملاً حزمة المفاتيح.
“مهلاً، هل تنوي فك قيوده الآن؟”
عندما حاول كلود، الذي لم يكن مستعدًا بعد، منعه، أمال واتس رأسه وهز المفاتيح، متجهمًا قليلاً كمن أُزعج في لحظة كان يوشك فيها على إنهاء عمل طال تأخيره.
“لقد حصلت على الإذن. سألت ثلاث مرات، وفي كل مرة قالت إنه لا بأس.”
“لكن يجب أن نعرف أولاً طبيعة علاقتهما بالضبط…”
“أفهم أن قلبك يتمزق شوقًا وحسرةً على ابن أخيك الذي لم ترَه منذ ما يقرب من عشرين عامًا، لكن يا كادي، ابن أخيك هذا هو زعيم أكبر عائلة في الشمال، وهو رجل بالغ في التاسعة والعشرين من عمره.”
نظر واتس إلى كلود، الواقف كحاجز أمام ديھارت، مُقيّمًا إياه من رأسه إلى أخمصه بنظرات ساخرة.
“قلها بصراحة. أنت لا تقلق على الآنسة بيلا، بل ترفض الاعتراف بأن ابن أخيك قد يكون ذلك الوغد الذي يؤذيها، فتحاول عزلهما عن بعضهما.”
“واتس، كلماتك قاسية جدًا.”
“هاااه… كلود، ألا تعتقد أنني أعرف رغبتك الساذجة في أنه إذا لم يلتقيا فلن تحدث أي مأساة؟ كلاهما بالغان قادران على الحكم بأنفسهما، وليس لك الحق في التدخل. لذا، تنحَ جانبًا، يجب أن أفك قيوده.”
شعر كلود وكأن أنفاسه توقفت. فتح فمه للرد، لكن صوتًا مختنقًا فقط هو ما خرج. من خلفه، أطلق ديھارت تنهيدة طويلة.
“يبدو أنني لم أكن جديرًا بثقتكم كثيرًا.”
“بالنظر إلى سيرتك المعروفة، لا أجد الكثير من الأسباب للثقة.”
أشار واتس إلى تقارير الصحف التي سردت تصرفاته الغريبة، فتجعدت جبهة ديھارت. لكنه سرعان ما هدأ وهز رأسه.
“لن يحدث ما تخشونه. لا حرائق، ولا تحريض على القتل… اي أشياء من هذا القبيل.”
ابتسم ديھارت ببرود، وهو يعدد الأمثلة بطريقة جعلتها تبدو مرعبة على نحو غريب، لكن لم يكن هناك ما يمكن فعله الآن. ضحك بخفة ونظر إلى كلود قائلاً:
“إن كنتَ قلقًا حقًا، سأقول لك شيئًا واحدًا. لكن اعلم أنني أفعل ذلك فقط لأن هذا التعامل يثير استيائي.”
ارتجف كتفا كلود وهو يحدق في الأرض. توقف واتس عن البحث في جيبه ونظر إليه. رفع ديھارت زاوية فمه وهمس:
“الأمر بسيط جدًا. المرأة في الطابق السفلي تخفي عني الحقيقة. ربما أكون مجنونًا فقط، لكنني لن أتراجع حتى أعرف كذبها.”
إما أنني مجنون وأصدق أنها سيبيليا حقًا، أو أنها فخٌ صُنع لتدمير عقلي. كلمات بسيطة، لكن ديھارت لم يكن ليرحل قبل أن يجد أحد الجوابين.
“لذا لن أؤذيها أبدًا، كلود. بالطبع، إن كانت تلك الحقيقة مؤامرة لإيذائي، فسنرى ما سيحدث حينها.”
“ديھارت، أنت…”
“إذا فهمتَ الآن، توقف عن التلاعب بيني وبينها. مهما فعلتُ بعد الآن، اتركني وشأني. أن أُعامل كمراهق في هذا العمر تجربة جديدة بالتأكيد، لكنها مزعجة.”
اقترب كلود من واتس لرؤية العلبة الصغيرة التي يحملها. تركها واتس له دون مقاومة. انفتحت العلبة بصوت خفيف، وسأل كلود بصوت مليء بالحيرة:
“قرط…؟”
“إنه أداة تحكم.”
رفع واتس القرط المزين بحجر أحمر، ممسكًا المفتاح بيد والقرط بالأخرى، وقال لديھارت:
“إما أن تقبل الاثنين، أو ترفضهما معًا. لا خيار ثالث.”
“ها، يا لك من صديق رائع لديك يا عمي. حسنًا، سأقبل بكل سرور، لكن بشرط.”
أمال واتس رأسه متسائلاً. ابتسم ديھارت وهو ينظر إلى الحجر الأحمر المتلألئ، ثم أضاف:
“لا تعترضوا طريقي غدًا صباحًا عندما أقابلها لأول مرة، مهما فعلت.”
“لا يمكنني قبول شرطٍ غامضٍ كهذا.”
“ليس صعبًا، يا سيدي الطبيب. قلتُ إنني لن أمس شعرة منها. أريد الحقيقة، وهي تخفيها. وكيف أستخرجها؟ مسألة أسلوب فقط…”
ابتسم ببطء وهو ينظر إلى معصميه المقيدين، ثم أردف:
“أريد فقط بناء الثقة معها منذ البداية. فهل ستتعاونون؟”
فجأة، انطلق صوت انفجار حاد من القيود الحديدية السوداء وإطار السرير. برَدت عينا كلود، وتشنجت شفتا واتس. لقد تجاوزت قوته المستعادة توقعاتهما بأشواط.
“أنا كريم، سأدعكم تختارون. إما أن تتعاونوا وننتهي بسلام، أو ترفضوا ونحترق هنا معًا. ما رأيكم؟”
تأججت مئات الشرارات في الهواء وخبت، كرقصة نار متكررة. كان تهديدًا صريحًا، وفي تلك اللحظة لم يكن هناك من يستطيع إيقافه.
“…قيل إنه مجنون، ويبدو أنهم محقون.”
سمع كلود تمتمة واتس، فانتزع من يده أداة التحكم والمفتاح. ثم التفت إلى ديھارت بنبرة غاضبة:
“أي اضطراب بسيط، وستُطرد فورًا. سأبذل كل قوتي لأخرجك من هنا.”
“قلتُ إنك لا داعي للقلق. أنا أفي بوعودي.”
“كم أنت بارع في الكلام.”
ثبت كلود أداة التحكم في أذني ديھارت على الفور. شعر بحرارة كالريح تسري مع تفعيل الختم.
“مثل هذا الشيء يمكنني تكسيره متى شئت.”
لكنه كان يعلم أن ذلك قد يكلفه دماءً ومرضًا جديدًا… لكنه لم يبالِ. شعر بالألم والدم الحار يسيل، فضحك كشخصية من رواية رعب.
* * *
حتى وهو يفك قيود ديھارت، ظل كلود قلقًا. ماذا لو خانه هذا المجنون وأذى الآنسة بيلا؟ لكن ابن أخيه، للأسف، كان مجنونًا مهذبًا.
“تشرفت بلقائكم.”
كيف يمكن لمجنون أن يكون بهذا الأدب؟ في صباح اليوم التالي، عندما تجمعوا لتناول الفطور، ظهر أمام بيلا المتوترة كشابٍ ريفي بريء ونقي.
“ديھارت؟”
نادته بيلا بصوت مشوش، لكن كلود وواتز ظلا صامتين. كانت نظرات ديھارت تحمل تهديدًا خفيًا: “ابقوا ساكنين”. إن كشفوا الحقيقة الآن، قد يتحول المكان إلى رماد.
“وإن كانا يخدعان بعضهما حقًا، فلا شأن لي بعد الآن.”
بيلا تخفي الحقيقة وتتظاهر بالجهل، وديھارت يمثل الكذب ليكشفها. ومع تهديدٍ يراهن على حياتهما، كان من الأفضل لكلود الانسحاب.
“هل تعرفينني من قبل؟ أعتذر، لقد فقدت ذاكرتي مؤخرًا…”
شعر كلود بفقدان شهيته تمامًا.
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 46"