في فجر يوم جديد، استيقظ غراي، وعلى الرغم من ثقل خيبة الأمل التي رزحت على صدره بسبب موهبته المتواضعة، إلا أن جذوة فرح خفية بدأت تتأجج في أعماقه، فرحة الانطلاق أخيراً في رحلة الزراعة الروحية.
كل ما كان ينقصه الآن هو لحن خاص بعنصره، نغمة فريدة لتقنية زراعية تلائمه. كانت فكرة الانضمام إلى أكاديمية لا تزال تراوده، لكن موهبته الحالية كانت كجدار صلب يقف في طريقه. “سأصقل موهبتي حتى تلمع، وحينها سيفتحون لي أبوابهم رغم تأخري في الإزهار”.
رسم غراي خطة في خياله، كخيوط ذهبية سينسجها بعناية. سيبدأ بفهم همسات عنصر البرق، علّه يوقظ بريقاً جديداً في موهبته، وبعد ذلك، سيطرق أبواب الأكاديمية بحثاً عن تقنية زراعية أرقى، لحن أكثر تناغماً مع روحه.
كانت التقنية التي رافقت اللؤلؤة بمثابة مقدمة موسيقية، لحن للدوران الأساسي للطاقة، أما الآن، فكان يحتاج إلى سيمفونية كاملة لكل عنصر على حدة. وكلما كانت درجة التقنية أعلى، كلما تسارعت وتيرة نموه الروحي.
غسل غراي وجهه ونزل إلى طابق السفلي، فوجد وجبته تنتظره على المائدة، فالتهمها بنهم قبل أن يخطو إلى الخارج. في البداية، راوده شغف محاولة فهم عنصر البرق، لكنه تراجع. “سأستأنف تمارين جسدي أولاً”.
غادر غراي المنزل متجهاً إلى ساحة تدريبه المعتادة، لكنه عاد أدراجه قبل المعتاد، كطائر لم يجد غصناً يستقر عليه.
“غراي، لماذا عدت مبكراً؟” استفسرت مارثا بلهفة عندما رأته يدخل المنزل في غير موعده.
أجاب غراي بصوت خافت: “لم أستطع التركيز، لذا عدت إلى المنزل”.
تأملت مارثا وجه ابنها ملياً، وكأنها تقرأ سطوراً خفية بين ملامحه. “هل حدث شيء؟”.
عرف غراي أنه لا يستطيع إخفاء أي شيء عن عين أمٍّ بصيرة، فروى لها ما جرى.
في طريقه إلى التدريب، اعترضه ديريك وحاشيته، كعاصفة صيفية مفاجئة. لم يتبادلوا اللكمات، لكن كلماتهم كانت كسهام مسمومة، تسخر من ضعفه. وما أغضبه أكثر هو تذكُّره الدائم لموهبته الوردية الباهتة، وكأنها وصمة عار لا جدوى من محوها بالحديث.
لم يكن غراي من النوع الذي ينفعل بغضب أعمى، لذا استطاع كبح جماح غضبه. لكن حرارة شبابه واندفاعه جعلاه يتفوه بتحدٍّ، معلناً مشاركته في الاختبار الذي سيقام بعد ثلاثة أشهر.
قوبل إعلانه بموجة من الضحكات الساخرة، اهتزت لها أرجاء المكان. ضحك ديريك حتى كادت دموعه تنهمر، وتوعد بأنه سينشر الخبر في أرجاء المدينة، كبشارة سخرية.
نظرت مارثا إلى غراي وهزت رأسها ببطء، وكأنها تحذر من خطوة متسرعة. “هل ستتمكن من إكمال الدورة العاشرة قبل ذلك؟” كانت تعرف جيداً المشقة التي تنطوي عليها كل دورة، وقد أخبرها غراي بنفسه أن العملية تزداد صعوبة مع كل مرحلة.
لم تكن مارثا تعلم أن غراي قد أنهى الدورة بالفعل في اليوم السابق، كبطل أنهى سباقه في الخفاء. لم يتمكن من إخبارها بعد، وكان يخطط لمفاجأتها الليلة على مائدة العشاء.
قال غراي بهدوء: “أمي، لقد أكملتها أمس”.
ثم انطلق غراي في سرد كل ما حدث، كاشفاً لها عن لقائه بالرجل الغامض وعن عنصر الفوضى المراوغ الذي استيقظ في داخله. تركت مارثا مذهولة بهذه المعلومات، كمن استمع إلى حكاية خرافية تتحول إلى حقيقة. تفاجأت بقدرة غراي على تغيير قدره، لكن ما أذهلها حقاً هو أن انتماءه العنصري الأصلي كان عنصر البرق النادر، وعلى الرغم من أنه كان يتمتع بموهبة وردية باهتة، إلا أن مجرد امتلاك هذا العنصر الفريد لم يكن سيئاً على الإطلاق.
شعرت بفرح حقيقي يتدفق في عروقها من أجل ابنها، وانهمرت دموع الفرح من عينيها دون وعي منها، كقطرات الندى على زهرة بعد طول جفاف. كانت تعرف جيداً مقدار المعاناة التي تحملها غراي. لو مُنحت خياراً، لما سمحت لزوجها بفعل ذلك أبداً.
الآن سيتمكن ولدها الصغير من أن يظهر لهم جميعاً من هو الأكثر موهبة، كبدر يضيء عتمة الليل. وما أثار دهشتها هو حقيقة أنه مع قدرة غراي على تحسين موهبته، إذا استطاع الوصول بها إلى اللون الأرجواني قبل الاختبار، فستتنافس عليه الأكاديميات بشراسة، وقد يجذب حتى انتباه كبار الشخصيات في الإمبراطورية.
امتلاك عنصر البرق أمر نادر الحدوث، وإضافة إلى ذلك حقيقة أن صاحبه يتمتع بموهبة أرجوانية، سيمنحه ذلك اهتماماً مضاعفاً، كجوهرة نادرة تلفت الأنظار.
عنصر البرق مدمر كعنصر النار، ويمنح حامله سرعة فائقة تقارب سرعة الرياح، وكأنه يجمع بين قوتين في آن واحد. يُنظر إليه أحياناً على أنه عنصر “اثنان في واحد”.
لم تكن لديها أي تقنيات لعنصر البرق، والحصول على واحدة سيكون أمراً صعباً، كالبحث عن إبرة في كومة قش. لكن، إذا تمكن غراي من الانضمام إلى أي من الأكاديميات، فسيكون قادراً على الحصول على تقنية عالية المستوى، لحن متكامل لسيمفونيته الروحية.
قالت مارثا بجدية: “يا غراي، عليك أن تعمل بجد. إذا استطعت رفع موهبتك إلى اللون الأرجواني قبل الاختبار، فسيكون ذلك رائعاً، كشمس تشرق في سماء حياتنا”.
أجاب غراي بثقة: “نعم أمي، أعرف ما يجب أن أفعله”. كان غراي قد رسم هذه الخطة بالفعل في ذهنه، كمهندس معماري يضع تصاميم لمبنى شامخ. سيعمل بلا كلل لتحسين موهبته قبل الاختبار، ثم يصدم المدينة بأكملها بنتائجه، كبرق خاطف في ليلة مظلمة.
ترك غراي مارثا وتوجه إلى غرفته، وكأنّه يحمل معه سراً ثميناً. حاول التأمل، لكن أفكاره كانت كطيور مهاجرة تحلق بلا هدف. فاستسلم واستسلم لذكريات الماضي، كألبوم صور قديم يقلب صفحاته ببطء.
تذكر كيف عامله الجميع في المدينة بازدراء، كغريب منبوذ. لقد سخروا منه وأهانوه بلا رحمة. حتى أصدقاؤه المزعومون تخلوا عنه لأنه لم يكن من مستخدمي العناصر، كأوراق شجر تتساقط في خريف العمر. كان محبطاً ويائساً في ذلك الوقت، لكن والدته كانت دائماً بجانبه، كشجرة صامدة في وجه العاصفة. كانت سنده وقوته عندما لم يستطع الوقوف على قدميه، كضوء خافت في نهاية نفق مظلم. لقد تأكدت من أنها فعلت كل ما في وسعها لمساعدته، وكانت أعظم دعم له، كمرساة لسفينة تائهة في بحر متلاطم.
“أمي، سنظهر للعالم قريباً كم كانوا مخطئين”. قبض غراي على قبضته بإحكام، وكأنّه يمسك بمصيره بين أصابعه. حتى لو لم يرغب في فعل ذلك من أجله، فعليه أن يفعله من أجل والدته، كدين مقدس يجب الوفاء به. إنه ممتن لوالدته إلى الأبد، ولولاها، لكان لا يزال غارقاً في بحر من الشفقة على الذات، كطائر مكسور الجناح.
وعد نفسه بأنه سيجعل والدته فخورة، كابن بارٍّ يسعى لإرضاء والدته. ليس ذلك فحسب، بل سيكون مصدر سعادتها، كشمس تضيء أيامها. الأفضل هو الشيء الوحيد الذي يتمناه لها، ككنز ثمين يستحق أغلى الجواهر.
بعد هذا الاختبار، ستتغير حياته تماماً، كفراشة تخرج من شرنقتها. سيتغير وضعه الاجتماعي أيضاً، كنجم صاعد يلمع في سماء المجتمع. تخيل نظرات الذهول التي سترتسم على وجوه الجميع عندما تظهر نتائجه، كلوحة فنية مبهرة تكشف عن جمال خفي.
“كيف سيكون رد فعلهم، لا أطيق الانتظار لأعرف”. ابتسم غراي لنفسه ابتسامة واثقة، كبطل يستعد لخوض معركة مصيرية. كان سيقدم كل ما لديه، كشعلة تحترق بنور ساطع.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات