حدّق كريس في الأم وابنها، وقد بدا عليه الاستغراب من الصمت المفاجئ الذي أعقب ردّ مارثا على سؤال غراي، كأنّ الزمن نفسه توقف عن الدوران في تلك اللحظة.
“غراي، كيف لم تكلف نفسك عناء تحضير الشاي لضيفنا العزيز؟” قررت مارثا كسر هذا السكون الغريب. بسبب تدفق المهنئين، لم تتمكن من استقبال كريس استقبالًا لائقًا. وعندما رأت أنّ غراي لم يبادر حتى بتحضير الشاي له، وبخته بلطف، كأمٍّ حريصةٍ على أصول الضيافة.
قال كريس بابتسامةٍ ودودةٍ تخفف من وطأة الموقف: “لا عليكِ يا سيدتي، لم أعتزم البقاء طويلًا. لقد أتيت فقط لأتأكد مع غراي متى سيكون مستعدًا للانطلاق معي نحو الأكاديمية”.
نظرت مارثا إلى غراي عندما سمعت ذلك، مشيرةً بنظرةٍ حانية إلى أنّ القرار بيده، كملكةٍ تمنح فارسها حرية الاختيار. وعندما لمح غراي نظرتها، فهم ما ترمي إليه، كعصفورٍ صغيرٍ يفهم لغة عشه.
عندما همّ بالرد، تجمّد على الفور، كمن تذكّر فجأةً أمرًا هامًا. كان متحمسًا لبدء رحلة النمو الروحي، لذا كاد أن يقول إنّه يمكنهم المغادرة في اليوم التالي. لكن عندما فكر مليًا، شعر بأنّه محظوظ.
“يا لها من قرار صعب! لكانت ستثور بالتأكيد لو قلت إنني أريد المغادرة غدًا” فكر غراي وهو يتنهد سرًا. على الرغم من حماسه للانطلاق في عالمه الجديد، إلا أنّه علم أنّه لا يستطيع تركها بهذه السرعة. أراد أن يقتنص بعض اللحظات الثمينة معها، كغصنٍ يرفض أن ينفصل عن جذعه الحنون.
خلال السنوات التي سبقت إيقاظ قواه، كان منغمسًا تمامًا في التدريب. الآن، سيغادر قريبًا. سيكون من الجحود ألا يقضي بعض الوقت مع والدته الرائعة، كمسافرٍ قبل أن يودع أرضه الأم.
عندما سمعت مارثا ذلك، شعرت بدفءٍ يسري في قلبها. كانت تعلم مدى شوق غراي للانطلاق في رحلته الروحية، لكنّه اختار البقاء أسبوعًا كاملًا من أجلها، كبطلٍ يؤجل مجده من أجل سعادة من يحب.
“حسنًا، سأعود بعد أسبوع من الآن. سأكون في المدينة حتى ذلك الحين” أومأ كريس برأسه مودعًا واستعد للمغادرة، كضيفٍ نبيلٍ لا يثقل على مضيفه.
“حسنًا” رافق غراي كريس إلى الباب، كقمرٍ يضيء درب زائره.
نصح كريس قبل أن يخرج: “اعتني بنفسك جيدًا يا فتى، إلى اللقاء قريبًا”.
“سأفعل، وداعًا” لوّح غراي له بابتسامةٍ قبل أن يعود إلى دفء المنزل.
عندما خطا إلى الداخل، نظر إلى مارثا التي كانت واقفةً تنظر إليه بحبٍّ يفيض من عينيها، كشمسٍ تنظر إلى قمرها الصغير.
سألت مارثا بنبرةٍ هادئةٍ تخفي وراءها شيئًا من الشوق: “لماذا قررت الانتظار أسبوعًا قبل المغادرة يا بني؟” على الرغم من أنّها كانت تعرف السبب العميق، إلا أنّها أرادت أن تسمع الكلمات تنساب من شفتيه، كأمٍّ تستمع إلى ترنيمة حبٍّ من قلب ابنها.
قال غراي ببساطة: “ما الفرق يا أمي إذا بدأت رحلة الصعود الروحي الآن أو بعد أسبوع؟ لقد أخذت إجازة أسبوعًا فقط، حتى أستطيع أن أرتاح قليلًا بعد كل تلك الأيام من التدريب المتواصل”، كرياضيٍّ مرهقٍ يحتاج إلى فترة نقاهةٍ قبل خوض تحدٍ جديد.
عندما سمعت مارثا رده، تلاشى بريق ابتسامتها للحظة، كشمسٍ حجبتها غيمةٌ عابرة. وعندما رأى غراي هذا التغيير الطفيف في تعابير وجهها، انفجر ضاحكًا بخفة، كعصفورٍ يغرّد فرحًا بعد صمتٍ قصير.
“أنا أمزح فقط يا أمي. أردت قضاء بعض الوقت مع أفضل أم في هذا العالم قبل أن أغادر. لو رحلت على الفور، ألن يجعلني ذلك ابنًا عاقًا؟” تابع غراي ضحكه وهو يعلن عن السبب الحقيقي لبقائه، كطفلٍ مدللٍ يعبّر عن حبه بطريقته الخاصة.
عندما سمعت مارثا ذلك، ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ حلوةٌ دافئة، كزهرةٍ تفتحت في الربيع بعد طول انتظار. “همف، لحسن حظك أنك ما زلت تفكر في والدتك”.
قال غراي بمرحٍ وهو يغمز بعينه: “بالطبع يا أمي، سأفتقدك كثيرًا عندما لا أكون هنا. بالإضافة إلى ذلك، لن أتمكن من رؤية تلك السيدة الجميلة التي تضيء حياتي كل يوم”، كشاعرٍ يتغزل بملهمته الأبدية.
“احتفظ بمغازلاتك لفتيات الأكاديمية الصغيرات يا فتى” قلبت مارثا عينيها بمحبةٍ عندما سمعت مزاح غراي، لكنّ قلبها امتلأ بدفءٍ لطيف، كأمٍّ تستمتع بدلال ابنها.
سألت مارثا السؤال الذي كان يلحّ عليها منذ سماع نتيجة الاختبار: “بالمناسبة يا بني، كيف أصبحت حامل عنصرين؟ لم تخبرني قط أنك فهمت عنصرًا جديدًا”.
قال غراي بنبرةٍ صادقةٍ تحمل آثار المفاجأة: “حتى أنا لم أعرف بذلك حتى اليوم يا أمي، كان لديّ فهم بسيط لعنصر الأرض عندما ذهبت إلى جبل البرق، لكنني لم أتوقع أن يوقظ العنصر بهذه السرعة”.
قالت مارثا بجدية: “يا له من أمرٍ غير متوقع حقًا. حسنًا، هذا شيء جيد لك بالتأكيد. لكنني أخشى ألا يكون فهم عناصر جديدة أمرًا سهلاً عليك. لقد كنت محظوظًا هذه المرة، فلنأمل أن يستمر حظك”.
شارك غراي أفكاره مع والدته: “نعم يا أمي، الآن سأضطر إلى التركيز على النمو الروحي وفهم العناصر. لن يكون الأمر كما كان من قبل، حيث لن أتمكن من تركيز كل انتباهي على عنصر واحد”.
تحدث غراي مع مارثا لبقية اليوم قبل أن يشعر أنّ الوقت قد حان للراحة، كمسافرٍ مرهقٍ يحتاج إلى نومٍ عميقٍ يجدد قواه.
قال غراي فجأةً وهو على وشك مغادرة الغرفة: “أمي، اشتقت لأبي كثيرًا”. لقد مرّ وقت طويل جدًا وما زال والده لم يعد، كغصنٍ يفتقد جذعه الذي يستمد منه قوته.
قالت مارثا بصوتٍ خافتٍ يحمل شيئًا من الحزن: “نعم يا بني، وأنا أيضًا اشتقت إليه كثيرًا”.
سأل غراي بنبرةٍ تحمل رجاءً طفوليًا: “متى سيعود يا أمي؟” كان غراي يطرح هذا السؤال منذ زمنٍ طويل، كعصفورٍ صغيرٍ يتوق لرؤية عشه.
قالت مارثا بحزمٍ مصحوبٍ بحنان: “لا أعرف يا حبيبي، لكنّه وعدني بأنّه سيعود سالمًا. أخبرني أيضًا أنّه قد يبقى لفترة طويلة قبل العودة، توسلت إليه في البداية ألا يذهب، لكنّه قال إنّ الأمر مهم جدًا وكان عليه المغادرة. وإلى جانب ذلك، لم يكذب عليّ أبدًا. لذا أعلم أنّه سيعود إليّ بالتأكيد”، كأمٍّ تتمسك بخيط أملٍ رفيعٍ في وجه عاصفة الفراق.
كانت تعلم كم مرة استخدمت هذه الكلمات لئلا تفقد الأمل. بعد غيابه الطويل، لم تفقد الأمل ولو للحظة. زوجها لن يخلف وعده أبدًا. سيعود إليها حتمًا، كشمسٍ ستشرق بعد ليلٍ دامس.
قال غراي بابتسامةٍ حزينة: “نعم يا أمي، سيعود بالتأكيد. لكنني أتمنى لو كان خياله هنا ليحتفل معنا بهذه اللحظة السعيدة”. كان يعلم أنّ إثارة هذا الموضوع ستلقي بظلال الحزن على فرحتهم، لكنّه لم يستطع كتمان هذا الشوق العميق في قلبه، كجرحٍ قديمٍ ينزف عند لمسه.
نظرت مارثا إلى غراي بابتسامةٍ حنونةٍ تخفي وراءها بحرًا من المشاعر، كانت تحبه حقًا حبًا يفوق الوصف، كأمٍّ تغفر لفلذة كبدها كلّ شيء. قررت أن تتجاوز عن تلك اللحظة العابرة من الحزن.
شعرت فجأةً بوحدةٍ تخترق قلبها عندما فكرت في مغادرة غراي الوشيكة، فزوجها ما زال غائبًا، والآن سيغادر ابنها قريبًا أيضًا، كشجرةٍ عاريةٍ تفقد آخر أوراقها في خريف العمر.
نظرت من النافذة ودموعها تنهمر على خديها كالمطر الخفيف، كغيومٍ مثقلةٍ بالأسى. لطالما كانت قوية من أجل غراي، كصخرةٍ صلبةٍ في وجه عواصف الحياة. لكن عندما تكون وحدها، تشعر بوضوحٍ بألم غياب زوجها، كجرحٍ عميقٍ لا يندمل. لم يكن تحمل كل هذا العبء سهلاً عليها، لكن كان عليها أن تبقى قوية ليس فقط من أجل نفسها ولكن أيضًا من أجل ابنها، كشمعةٍ تحترق لتضيء طريق الآخرين.
“يا ليت خيالك هنا…” همست في فراغ الغرفة، كمن ينادي طيف حبيبٍ غائب في ليلةٍ موحشة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات