ساد صمتٌ مطبقٌ في أرجاء الساحة، كأنّ الزمن حبس أنفاسه. جميع العيون كانت مثبتةً على ذلك الشاب الواقف أمام حجر القدر، كمن ينتظر كلمة السماء. كانوا يتوقون لمعرفة النتيجة بشدة، كأرضٍ قاحلةٍ تنتظر قطرة مطرٍ تروي ظمأها.
تحرّكت عقارب الثواني ببطءٍ مميت، كأنّها تزحف على أهداب الليل. كانت قلوبهم تخفق بتوقّعٍ محموم، كطبولٍ تدقّ إيقاعًا صامتًا. ما الذي سيُفصح عنه الحجر؟ هذا السؤال كان يتردد في الأذهان كهمسةٍ خفيّة.
جوناس وممثلو الأكاديميات كانوا يشاركونهم نفس الترقّب، كمن ينتظر حكمًا في قضيةٍ مصيرية. كانوا أقرب إلى المنصة، لذا رأوا مدى السكون الذي يلفّ غراي، كصفحة ماءٍ لم تعكرها ريح.
قال أحد الممثلين بنبرةٍ تحمل شيئًا من الدهشة: “إنه حقًا سلالةٌ أخرى”، كمن اكتشف زهرةً لم يرَ مثلها من قبل في بستانٍ مألوف. تبادلوا النظرات الصامتة، وكلّ منهم يقرأ علامات الاستفهام في عيون الآخر.
كانت نظرة غراي هادئةً وهو يلامس الحجر، لم يبدُ عليه أثر الخيبة التي كان من المتوقع أن تظهر على شخصٍ سبق له أن خذلته العناصر. بدا الأمر وكأنّها تجربته الأولى، وكأنّه لا يكترث بالنتيجة، كمسافرٍ واثقٍ من بلوغ وجهته.
بعد لحظاتٍ معدودة، انسحبت تلك الطاقة الغريبة من جسده وعادت إلى الحجر الصامت. تقدّم الشيخ بخطواتٍ ثابتة ليقرأ ما خطّه القدر، وعندما وقعت عيناه على النقوش المتوهّجة، نظر إلى غراي بصدمةٍ شلّت حركته، كمن رأى شبحًا في وضح النهار.
“من فضلك، ضع يدك على الحجر مرة أخرى” تغيّرت نبرة الشيخ قليلًا، وكأنّه يستجدي إجابةً لسؤالٍ حيّر عقله.
نظر إليه غراي لبرهةٍ قبل أن يضع يده على الحجر مرة أخرى. وعندما رأى الحشد ذلك، دبّت بينهم همساتٌ متسارعة، كأوراق شجرٍ حركتها ريحٌ خفيفة تحمل أسرارًا مكتومة.
“هكذا طُلب منه أيضًا أن يضع يده على الحجر في المرة الماضية” همس أحدهم بتذكّرٍ مرير.
“يبدو أننا جئنا عبثًا. من الواضح أنّه فشل في إيقاظ عنصره مرة أخرى” قال آخر بنبرةٍ تحمل خيبة الأمل الممزوجة بالشفقة.
تضاربت الآراء كأمواجٍ متلاطمة. أولئك الذين شهدوا محاولته الأولى قبل سنوات، لم يعتقدوا هذه المرة أيضًا أنّه سيتمكن من إيقاظ قواه. رؤية هذا المشهد كانت بمثابة استعادةٍ مؤلمةٍ للماضي، فما حدث في المرتين كان مطابقًا تمامًا، كأنّ القدر يعيد كتابة نفس النهاية الحزينة.
دارت تلك الطاقة الخفيّة حول جسده مرةً أخرى قبل أن تعود إلى الحجر الصامت. تقدّم الشيخ للمرة الثانية ليقرأ النقوش، وبقي مذهولًا بما رأى، حتى أنّ الكلمات تجمّدت على شفتيه، كمن ابتلع لسانه.
فوجئ الحاضرون بتصرفه الغريب، كمن رأى نجمًا يسقط ثمّ يعود ليصعد إلى السماء.
“هل يمكن أن يكون قد تمكن أخيرًا من إيقاظ عنصره؟” همس أحدهم بنبرةٍ تحمل رجاءً خفيًا.
بدأوا على الفور في التكهن بنتيجة الاختبار، كمن يحاول فكّ رموزٍ غامضة. كانوا يعلمون أنّ شيئًا غير عاديٍّ قد حدث ليظهر الشيخ هذا الذهول، كأنّه شهد معجزةً تتحدى المنطق.
تحدث ممثل أكاديمية النجوم بنبرةٍ حادةٍ تحمل نفاد صبر: “يا شيخ، ما هي النتيجة؟ الوقت يمضي، أخبرنا بما رأيت!” كمن يستعجل القدر ليكشف عن أسراره.
انتفض الشيخ من ذهوله وأعلن النتيجة بصوتٍ عالٍ مدوٍّ: “غراي… عنصر البرق… موهبة من الدرجة الأرجوانية! وعنصر الأرض… موهبة من الدرجة الوردية!”
عندما اخترقت هذه الكلمات الصمت المطبق، ارتسمت على وجوه الجميع نظرة ذهولٍ ودهشةٍ لا تُصدّق، كأنّهم رأوا المستحيل يتحقق أمام أعينهم. حتى غراي نفسه ارتسمت على وجهه علامات المفاجأة، كمن تلقى هديةً لم تخطر بباله قط.
ارتسمت على وجه جوناس نظرة إنكارٍ صريحة، كمن رأى سرابًا في وضح النهار: “حامل عنصرين…؟!”
كان غراي، ويا للعجب، حامل عنصرين نادرًا، والأكثر إثارةً للصدمة هو امتلاكه لعنصر البرق، العنصر الذي لطالما حلم به. وعلى الرغم من درجة موهبة عنصر الأرض المتواضعة، إلا أنّ ذلك لم يغيّر حقيقة كونه حامل عنصرين، كزهرةٍ فريدةٍ تفتحت في أرضٍ قاحلة.
نظرت مارثا إلى ابنها بدهشةٍ ممزوجةٍ بالشك: “هل كان يعلم بهذا؟ سنتحدث مطولًا عندما نعود إلى المنزل” لم ترغب في تشتيت انتباهها عن هذا المشهد المذهل. اليوم، أسكت غراي جميع المشككين، بل وفاجأها هي التي قضت معه كلّ تلك السنوات، كمن اكتشف سرًا دفينًا في أقرب الناس إليه.
حدّقت مارثا في وجه غراي الذي ارتسمت عليه أيضًا علامات المفاجأة الصادقة، “يبدو أنّه لم يكن على علمٍ بهذه المفاجأة أيضًا” شعرت بالارتياح، وكأنّ قطعةً من القلق سقطت من قلبها.
انفجر الحشد على الفور في ضجةٍ عارمة، كبركانٍ ثائرٍ قذف بحممه الهادرة.
“هل نادى الشيخ للتو بعنصرين مختلفين؟!” همس أحدهم بصوتٍ عالٍ فوق الضجيج.
“نعم! عنصري البرق والأرض!” أجاب آخر بصوتٍ مرتعش.
“إنه حامل عنصرين! يا له من أمرٍ لا يُصدّق!” هتف ثالثٌ بذهولٍ مطلق.
لم يستطع الحشد أن يهدأ، ولم يكن الجمهور وحده المضطرب، بل شعر ممثلو الأكاديميات باضطرابٍ أكبر، فهذه موهبةٌ نادرةٌ لم يشهدوا مثلها من قبل. كلّ عنصرٍ من عناصره يمنحه توازنًا مثاليًا، كجناحين قويين لطائرٍ يحلق في سماء القوة. أحدهما للهجوم الخاطف، والآخر للدفاع الحصين.
نظر جوناس إليهم بصمتٍ مذهول، كمن صعقه البرق. حتى ممثلو كلّ أكاديمية نسوا التنافس الشرس على ضمّ هذا الموهوب إلى صفوفهم، كمن توقف عن الجدال أمام مشهدٍ عظيم.
نظر غراي إلى ردود أفعال الجميع ونظراتهم المذهولة، “سأتذكر هذا اليوم دائمًا” شعر بفخرٍ عميقٍ يتغلغل في روحه، كمن صعد إلى قمة جبلٍ شاهق بعد رحلةٍ مضنية.
بحث بعينيه عن وجه والدته ورآها تبتسم له ابتسامةً عريضةً مشعة، كشمسٍ تشرق بعد ليلٍ طويل. خرج من المنصة بخطواتٍ واثقةٍ نحوها، كبطلٍ يعود إلى منصة التتويج.
لم يستطع الحشد المذهول حتى الآن استيعاب ما سمعوه، كمن رأى معجزةً تحدث أمام عينيه. استعاد الممثلون وعيهم بسرعة وصرخوا على غراي ليتوقف، كمن يستيقظ من حلمٍ عميقٍ لا يريد أن ينتهي.
قال شيخ أكاديمية القمر بنبرةٍ تحمل حماسًا: “انتظر يا فتى! أيّ أكاديميةٍ تودّ الانضمام إليها؟”
نظر إليهم غراي وضحك في نفسه ضحكةً مكتومة تحمل شيئًا من الانتصار، كمن يكشف عن سرٍّ لذيذ. “سأنضم إلى أكاديمية القمر” لم يكلف غراي نفسه عناء التفكير مليًا قبل الإجابة، فقد كان لديه انطباعٌ جيدٌ عن ممثل أكاديمية القمر، وما زال يتذكر كيف شجعه في محاولته الأولى، كمن يتذكر يدًا دافئةً في يومٍ بارد.
غادر غراي المنصة وتوجه نحو المكان الذي تجلس فيه والدته، كقمرٍ ينجذب نحو نوره. لم يستطع الحشد بعدُ الخروج من صدمة ما شهدوه، كمن رأى نجمًا يهوي من السماء ثمّ يصعد إليها مرة أخرى أكثر إشراقًا.
تغير وجه ديريك إلى شاحبٍ كالموت عندما سمع النتيجة، كمن رأى شبحًا يلوح في الأفق. كان يعلم أنّ هناك عداءً دفينًا بينهما، لذا عندما فكر في مكانة غراي الجديدة، لم يستطع إلا أن يشعر بالخوف يتسلل إلى قلبه، كمن يواجه وحشًا كان يعتقد أنّه قد مات.
شعر غراي بسعادةٍ غامرةٍ تغمر روحه عندما رأى ردود أفعال الجميع، كمن حقق نصرًا ساحقًا بعد سنواتٍ من السخرية.
“هههههه… يا له من صاعق!” قهقه غراي بخبثٍ في أعماق قلبه، كمن كشف عن خدعةٍ ماكرة. كان شعور الانتصار حقًا لذيذًا، فبعد أن سخروا منه طويلًا، ها هو يصعد من الحضيض ويقف شامخًا أمامهم، ولا يستطيع أحدٌ أن ينبس ببنت شفة في حضرته، كأنّهم صُعقوا بالبرق.
تحدثت مارثا بابتسامةٍ عريضةٍ تضيء وجهها: “أحسنت يا غراي، لقد أسكتتهم جميعًا بحق. وأيضًا، لقد جعلتني فخورةً بكِ أكثر مما تتخيل”، كأمٍّ ترى ثمرة تعبها تزهر وتثمر.
هزّ غراي كتفيه بلامبالاةٍ مصطنعة وقال بضحكةٍ خفيفة: “بالطبع، أنا الأفضل. لم تتوقعي مني أقل من ذلك، أليس كذلك؟” كبطلٍ واثقٍ من قدراته حدّ الغرور المحبب.
سألته مارثا بنظرةٍ تحمل مزيجًا من الحب والتهديد: “هل ستموت إذا لم تمدح نفسك لمرة واحدة؟” كأمٍّ تحاول كبح جماح غرور ابنها.
خفض غراي رأسه على الفور، ولم يكن لديه أيّ نيةٍ للرد، كطفلٍ مذنبٍ أمام نظرة والدته الحازمة.
نظرت إليه مارثا وهزّت رأسها بابتسامةٍ خفيفة، كانت تعلم أنّه مهما حدث، سيبقى غراي دائمًا هو غراي، بشخصيته الفريدة التي لا تتغير، كقمرٍ له وجهٌ واحدٌ لا يعرف التزييف.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات