خطا غراي إلى قلب الساحة بخطواتٍ وئيدةٍ واثقة، كنسيمٍ عليلٍ يداعب صفحة ماءٍ ساكنة. كانت عيناه بحيرتين عميقتين، تحملان سحرًا خفيًا خلف صفائهما الهادئ، كبوابتين إلى عالمٍ آخر. مشى بثباتٍ نحو منصة التسجيل، كمسافرٍ يعرف تمامًا وجهته.
“حسنًا يا فتى، ما اسمك وكم تبلغ من العمر؟” بدا الرجل المسؤول عن تدوين الأسماء مندهشًا لرؤية شابٍّ تجاوز سنّ الاختبار المعتاد يتقدم للتسجيل. لكن سرعان ما تذكّر الهمسات التي سبقت بدء الاختبار، عن فتىً خذلته العناصر قبل أربع سنوات، كمن استعاد فجأةً ذكرىً بعيدة.
أجابه غراي بصوتٍ هادئٍ يحمل أدبًا جمًا: “اسمي غراي، وعمري ستة عشر عامًا”.
“حسنًا، ستكون الاسم الحادي والعشرين الذي يُنادى عليه. لقد وصلوا بالفعل إلى الاسم الثامن. تذكّر، إذا لم تطأ قدمك المنصة في غضون دقيقةٍ واحدةٍ بعد سماع اسمك، فستفقد فرصتك في اختبار هذا العام وعليك الانتظار حتى العام القادم” أوضح له الرجل القواعد بجديةٍ واضحة.
“أعلم يا سيدي، وشكرًا لك على التوضيح” ردّ غراي بامتنانٍ قبل أن يتوجه نحو المدرجات بحثًا عن وجه والدته، كطائرٍ مهاجرٍ يعود إلى عشه.
وصلت مارثا مبكرًا، على عكس المرة الأخيرة التي أتيا فيها معًا، حيث اضطرت حينها لتسجيل اسم غراي قبل أن تجد لنفسها مقعدًا. لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا، فقد أصبح ابنها شابًا بما يكفي ليقوم بذلك بنفسه.
كانت تعلم أنّ الساحة ستغصّ بالحضور اليوم، لذا فقد سبقت الجميع وحجزت مقعدًا لابنها، كأمٍّ تحرص على راحة فلذة كبدها. لم يكن هناك أيّ شيءٍ في هذا العالم سيجعلها تغيب عن هذه اللحظة الحاسمة. اليوم، سيقف ابنها تحت الأضواء، واليوم سيُسجّل في ذاكرتها كأحد أسعد أيام حياتها، كمن ينتظر شروق شمسٍ طال غيابها.
كانت تدرك تمام الإدراك كم يعني هذا اليوم لابنها، فقد قاسَى طويلًا من أجله، كمن يسير في طريقٍ وعرٍ مليءٍ بالأشواك ليصل إلى قمة الجبل. لقد كانت بجانبه طوال تلك الرحلة، لذا فقد شعرت بآلامه كأنّها آلامها. وعندما يكون سعيدًا، تفيض روحها بهجةً، وعندما يعتصر الحزن قلبه، يخيم الظلام على عالمها. وإذا تجرأ أحدٌ على إيذائه، فإنّ غضبها كان يشتعل كالنار، وهذا أحد الأسباب التي جعلت قلةً قليلةً تجرؤ على مضايقته، كحمامةٍ شرسةٍ تدافع عن صغارها.
سرعان ما وجدها غراي وجلس بجانبها. صعق الجميع بهدوئه العميق، كأنّه لم يكن يشعر بأيّ ذرةٍ من التوتر. توقعوا أن يروا على وجهه علامات القلق والخوف، فلو كانوا مكانه، لارتعدت فرائصهم رعبًا، كمن يقف على حافة الهاوية. ماذا لو خذلتني العناصر مرة أخرى؟ هذا ما كان سيقضّ مضاجعهم.
ثبّت ممثلو الأكاديميات أعينهم على هذا الشاب الذي يحمل في طياته لغزًا، كصقورٍ تراقب فريسةً نادرة.
قال ممثل أكاديمية القمر بنبرةٍ تحمل دهشةً وإعجابًا: “إنّ وقاره آسِر”، كمن رأى نجمًا ساطعًا يشقّ عتمة الليل.
أومأ الممثلون الآخرون برؤوسهم موافقةً، كمن يشهد على حقيقةٍ واضحة. كان هذا يومًا حاسمًا بالنسبة لغراي، والضغط عليه يجب أن يكون هائلاً، فإذا لم تستجب له العناصر، فسيكون ذلك بمثابة نهايةٍ مؤلمةٍ لأحلامه. لكنّه ما زال يبدو هادئًا وثابتًا حتى في حضرة هذا الحشد الهائل الذي كان يعلم أنّه أتى ليشهد على فشله المحتمل، لم يسعهم إلا أن يعجبوا بوقاره وثباته، كشجرةٍ صامدةٍ في وجه عواصف القدر.
حدّق جوناس في غراي لبرهةٍ طويلة، كمن يدرس لوحةً فنيةً غامضة. وبدا وكأنّ غراي شعر بتلك النظرة الثاقبة، فنظر في اتجاهه، وتبادلا النظرات للحظةٍ صامتةٍ قبل أن يحوّلا أعينهما عن بعضهما البعض، كغريبين التقيا في زحام الحياة.
“كيف شعرت فجأةً بالدونية عندما تلاقت عيناي بعينيه قبل لحظات؟ هذا يجب أن يكون مستحيلًا، إنه بالتأكيد وهمٌ خاطف” شعر جوناس بإنذارٍ خفيٍّ في أعماق قلبه، كمن لمس شيئًا باردًا في يومٍ حار. عندما نظر إليه غراي قبل لحظة، شعر بشيءٍ لم يشعر به إلا من كبار السن في الأكاديمية، شعورٌ بالضآلة، وهو نادرًا ما يختبر هذا الشعور بين أقرانه، كقمرٍ يخفت نوره أمام شمسٍ ساطعة.
الأشخاص الوحيدون الذين كان ينظر إليهم بإعجابٍ في فئته العمرية هم تلك الكائنات النادرة التي تمتلك موهبةً من الدرجة الزرقاء أو أولئك الذين يمتلكون عنصرين. لقد سمع فقط عن ثلاثة أشخاص في سنه يمتلكون موهبةً زرقاء، وشخص واحد فقط كان يمتلك عنصرين، كزهرةٍ نادرةٍ تنمو في حديقةٍ عادية.
كان حاملو العنصرين أكثر ندرةً حتى من الأشخاص ذوي المواهب الزرقاء، فهم نادرًا ما يظهرون وكانوا أقوى من الأشخاص في مراحلهم، ويمكنهم القتال بسهولةٍ عبر مراحل متعددة دون أيّ عناء، لأنّهم كانوا محصنين بقوة عنصرين، كشجرةٍ قويةٍ بجذعين متينين.
لم يشعر غراي بأيّ شيءٍ مميز عندما نظر إلى جوناس. كان يعلم أنّه على الرغم من أنّ جوناس كان أفضل منه حاليًا، إلا أنّه لن يستغرق وقتًا طويلاً للحاق به وتجاوزه، كمن يسير بخطىً ثابتةٍ نحو هدفه. طالما ظلّ مجتهدًا ومثابرًا، فسيرتقي ليصبح الأقوى، كبذرةٍ صغيرةٍ ستنمو لتصبح شجرةً باسقةً شامخة.
مع مرور الوقت، ازداد توتر الحاضرين، كمن ينتظر لحظة الكشف عن سرٍّ عظيم. أرادوا جميعًا معرفة نتيجة اختبار غراي. كان البعض يأمل في أن يشهد شيئًا لم يعتقدوا أنّه ممكن، كمن ينتظر معجزةً على وشك الحدوث، بينما أراد آخرون فقط أن يروا كيف يفشل غراي مرة أخرى، كمن ينتظر سقوط نجمٍ زائف.
نظرت مارثا حولها بثقةٍ راسخة، كأمٍّ تعرف قدرات ابنها جيدًا. كانت تعلم أنّ ابنها سيصدمهم جميعًا، كبرقٍ خاطفٍ في ليلةٍ مظلمة. لم تستطع الانتظار لرؤية ردود أفعالهم المذهولة، كمن ينتظر لحظة الكشف عن كنزٍ دفين.
ذهب الشيخ لأخذ استراحةٍ قصيرةٍ كالمعتاد وحصل على القائمة الجديدة قبل أن يواصل الاختبار. نظر غراي بهدوءٍ إلى الأطفال الذين كانوا يخضعون لاختباراتهم. كان بعضهم سعداء بنتائجهم بينما كان آخرون حزينين. لكن هكذا هي الحياة، لا يمكن للجميع أن يكونوا ناجحين، كحديقةٍ لا تزهر فيها كلّ الزهور بنفس القدر. ولكن كان هناك بعض الأطفال الذين لم يهتموا بدرجة مواهبهم على الإطلاق، كمسافرين لا يكترثون بمحطات الطريق. كان البعض مقدرًا لهم أن يرتفعوا بينما يفشل آخرون، ولكن كان هناك أيضًا قلةٌ قليلةٌ لم تهتم بأيّ شيءٍ على الإطلاق (تلك هي المجموعة الأسطورية)، لقد أتوا فقط لإجراء الاختبار لأنّهم مضطرون لذلك ولا شيء آخر، كأشجارٍ صامتةٍ في مهبّ الريح.
مرّ الوقت ببطءٍ شديد، كأنّه يسير على مهلٍ ثقيل. عادةً ما كانوا قد نادوا بالفعل على الاسم العشرين، لكنّهم ما زالوا عالقين عند الاسم الخامس عشر، كمن ينتظر شروق الشمس في يومٍ غائم.
انتظر الجميع بصبرٍ الحدث الرئيسي في اليوم، كجمهورٍ ينتظر ظهور نجمه المفضل على المسرح. شعر غراي بالضيق والترقب يخيمان على الأجواء، كأنّهم جميعًا يريدونه أن يخوض الاختبار على الفور، كمن ينتظر إطلاق سراح سجين.
بعد انتظارٍ طويلٍ وثقيل، سمع الجمهور أخيرًا الاسم الذي كانوا ينتظرونه، كمن سمع صوت البشارة بعد طول عناء.
“التالي… غراي!” نادى الشيخ الاسم التالي في القائمة، حتى هو كان يحمل في داخله بعض التوقعات لما سيحدث في هذا الاختبار بالذات، كمن يراقب قدرًا يتشكل أمام عينيه. “هل سيتمكن من تغيير مساره المرسوم، أم أنّه سينزلق أعمق في غياهب اليأس؟” هكذا همس الشيخ في قلبه، كمن يتأمل في مصير روحٍ ضائعة.
وقف غراي بهدوءٍ وثبات وسار بلطفٍ نحو المنصة، كنسيمٍ عليلٍ يتحرك في هدوء. وصل ببطءٍ تحت نظرات الجميع المترقبة، كمن يسير على حبلٍ مشدود فوق وادٍ سحيق.
“هذا الفتى، إنه يفعل هذا عن قصد!” اشتكت مارثا في نفسها عندما رأت مدى بطء خطوات غراي، كأمٍّ قلقةٍ على ابنها. كانت تعلم أنّه يفعل ذلك عمدًا ليخلق المزيد من التوتر في قلوب الجميع، كلاعبٍ ماهرٍ يدير دفّة المشاعر ببطءٍ وتأنٍ. “همف! يا له من وقح! سألقنه درسًا قاسيًا عندما نعود إلى المنزل!” توعدت في سرّها، كأمٍّ غاضبةٍ تعدّ لعقابٍ مستحق.
كان غراي يستمتع بنظرات الجميع المركزة عليه، غافلاً عن خطة والدته الانتقامية، كمن يسير في حلمه الخاص. لو كان يعلم ما تخطط له، لصرخ بالتأكيد في قلبه: “ماذا فعلت يا أمي؟ كنت أحاول فقط أن أبدو غامضًا!” كطفلٍ بريءٍ يحاول تقليد الأبطال الأسطوريين.
عندما وطأت قدماه المنصة، كانت نظرات الجميع لا تزال مثبتةً عليه بإحكام، كمساميرٍ صدئةٍ في لوحٍ قديم. أومأ برأسه في داخله معجبًا بمدى روعته في خلق هذا الجو المشحون بالترقب، كبطلٍ يقف في دائرة الضوء يستمتع بتأثيره.
“ضع يدك على الحجر يا بني” تحدث إليه الشيخ بنبرةٍ هادئةٍ ووقورة، كصوتٍ حكيمٍ يرشد تلميذًا.
نظر غراي إلى الرجل، وابتسم ابتسامةً خفيفةً قبل أن يتوجه نحو الحجر بثقةٍ راسخة، كمن يقترب من قدره المحتوم. وعندما وضعت يده على سطحه البارد، حبس الجميع أنفاسهم وانتظروا النتيجة، كمن ينتظر لحظة الكشف عن سرٍّ عظيم.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات