كانت المدينة تعجّ بالحياة، كخلية نحلٍ استيقظت على همسات الفجر، فاليوم هو يوم الميعاد، يوم اختبار القدر. جميع الأطفال الذين بلغوا الثانية عشرة من ربيع العمر كانوا غارقين في حماسٍ متّقد، كبراعمٍ صغيرةٍ تتشوق لارتشاف أولى قطرات الندى. وقد اكتظّت الساحة هذا العام بحشودٍ غفيرة، كأنّ المدينة بأسرها خرجت لتشهد لحظة ميلاد أبطالها.
“هل يمكن أن يكون عدد البراعم المتفتحة في حديقتنا هذا العام أغزر من مواسم الحصاد السابقة؟” هكذا همست أفكار ممثلي الأكاديميات، كبستانيين يتفقدون غلتهم الواعدة.
حتى الشيخ الوقور المسؤول عن قياس المواهب تفاجأ بهذا الزخم البشري، كمن رأى سربًا من الطيور المهاجرة يحطّ في سمائه فجأة. لم يتمالك دهشته وسأل أحد الواقفين بجانبه، كمن يستفسر عن سرّ هذا التجمّع المهيب.
“عفوًا يا بني، هل من أمرٍ غير معتاد يحدث اليوم؟” سأل الشيخ بنبرةٍ تحمل شيئًا من الحيرة.
أجابه الغريب بنظرةٍ تحمل شيئًا من الترقّب: “أتذكر ذلك الفتى الذي لم تجد روحه صدىً لأيّ عنصرٍ قبل أربع سنوات، يوم أن وقف هنا في ساحة الاختبار؟”
“نعم، أتذكره جيدًا” أجاب الشيخ، فذاكرته كانت تحتفظ بتلك الواقعة النادرة، كوشمٍ لا يمحى. ما حدث لغراي كان حدثًا فريدًا، كزهرةٍ لم تتفتح في موسمها، لذا فإنّ الكثير من الحاضرين في ذلك اليوم ما زالوا يتذكرونه بوضوح، كجرحٍ قديمٍ لم يندمل تمامًا.
سأل الشيخ مرة أخرى، محاولًا ربط الماضي بالحاضر: “وما علاقة ذلك بهذا الحشد الغفير؟” لم يستطع أن يرى لماذا سيجتمع هذا العدد الهائل من الناس لمجرد ذكرى حدثٍ مضى عليه أربع سنوات، كمن يبحث عن خيطٍ رفيعٍ يربط بين عالمين مختلفين.
أجاب الغريب بنبرةٍ تحمل شيئًا من الإثارة: “حسنًا، سمعت همساتٍ تقول بأنه سيأتي اليوم ليختبر قدره مرة أخرى. الكثير ممن غابوا في ذلك اليوم سمعوا الحكاية من أفواه الآخرين، وهذه المرة، أرادوا جميعًا أن يروا بأعينهم ما سيحدث، كمن ينتظر الفصل الأخير من روايةٍ مشوقة”.
“إذن الأمر هكذا…” همس الشيخ في نفسه، وما زال يتذكر تلك الصدمة التي انتابته عندما رأى نتيجة اختبار غراي، كمن رأى نجمًا يسقط من السماء. حتى أنّه طلب منه إعادة الاختبار ليطمئن قلبه، وكأنّه يرى سرابًا في وضح النهار، ولم يقتنع إلا بعد أن تكرّرت النتيجة نفسها، ككابوسٍ يلاحقه في يقظته.
بعد أن استوعب الأمر، توجّه الشيخ إلى ممثلي الأكاديميات وأخبرهم بسرّ هذا التجمّع الهائل، كمن يكشف عن لغزٍ حيّر الألباب.
تحدث أحد الممثلين بنبرةٍ باردةٍ تحمل شيئًا من الاستياء: “همف، لا أرى أيّ منطقٍ لكلّ هذه الضجة الفارغة. النتيجة ستكون نفسها، فلماذا يريد أن يعرّض نفسه للإهانة مرة أخرى؟” كمن يتوقّع سقوطًا مدويًا قبل أن تبدأ المحاولة.
وافقه الممثلون الآخرون الرأي بصمت، كمن يتفق على حكمٍ مسبقٍ لا يقبل النقاش. فالشخص الذي لم تستجب روحه لنداء العناصر في سن الثانية عشرة، من المستبعد جدًا أن تفعل ذلك في بقية حياته، كشجرةٍ لم تثمر في موسمها لن تحمل ثمارًا أبدًا.
يحدث هذا لقلةٍ قليلةٍ جدًا من الناس، ومن بين كلّ ألفي روحٍ تخفق في التجربة الأولى، قد تنجح روحٌ واحدةٌ فقط في إيجاد صدىً للعناصر في وقتٍ لاحق، كمعجزةٍ نادرةٍ الوقوع. لهذا السبب لم يعلّقوا أيّ آمالٍ على قدرة غراي على إيقاظ عنصره مرة أخرى، كمن ينتظر شروق الشمس من مغربها.
لكنّ صوتًا هادئًا شقّ صمتهم المتشائم: “قد نكون مخطئين، ماذا لو كان من المتأخرين في الإزهار؟ ليست هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، لذا يجب ألا نستبعده تمامًا بعد”، كمن يتمسك ببصيص أملٍ في ليلةٍ حالكة. حتى هذا المتحدث كان يعلم مدى صعوبة الأمر، لكن ذلك لم يمنعه من التساؤل عما إذا كان هذا الفتى قادرًا على صنع معجزة، كبذرةٍ صغيرةٍ قد تنبت شجرةً باسقة.
قال ممثلٌ آخر بنبرةٍ تحمل شيئًا من الملل: “همف، سنرى إذن. لكنّ هذا الفتى من الأفضل ألا يضيع وقتنا الثمين”، كمن ينفد صبره قبل أن تبدأ المسرحية. شعر معظم الممثلين بأنّ السماح لغراي بإعادة الاختبار هو مجرد إضاعة للوقت، لكنّهم كانوا يعلمون أيضًا أنّ هناك احتمالًا ضئيلًا بأنّه قد يتمكن حقًا من إيقاظ عنصره، كمن ينتظر قطرة مطرٍ في صحراءٍ قاحلة.
ومن منا لا يرغب في أن يكون شاهدًا على حدثٍ مذهلٍ كهذا؟ فالأشخاص الذين يوقظون عناصرهم في وقتٍ متأخرٍ عن المعتاد غالبًا ما يتمتعون بإرادةٍ فولاذية، كأشجارٍ تنمو بعنادٍ في وجه الرياح العاتية. ليس لدى الجميع الشجاعة للعودة وإعادة الاختبار بعد الفشل في المرة الأولى، كمن يعود إلى ساحة معركةٍ خاسرة.
هدأت الضوضاء الصاخبة في الساحة فجأةً، كأنّ سحرًا خفيًا حلّ بالمكان. اتجهت جميع الأنظار في وقتٍ واحدٍ نحو مصدر الصوت، كأزهارٍ تلتفت نحو الشمس الذهبية.
“إنه جوناس حقًا!” همس أحدهم في دهشةٍ وإعجاب.
“يا له من وسيم! انظروا كم يبدو واثقًا!” هتفت فتاة صغيرة بعيونٍ متّسعةٍ تلمع بالبهجة.
“أتمنى أن أحظى أنا أيضًا بموهبةٍ أرجوانيةٍ عندما أخوض الاختبار” تمتم صبي آخر بحلمٍ يراوده.
عادت الساحة إلى صخبها وهمساتها، والكثير من الأطفال ينظرون إلى جوناس بإجلالٍ وتقدير، كأنّه بطلٌ أسطوريٌّ عاد ليمنحهم الأمل. شعروا بأنّه بما أنّه استطاع أن يمتلك موهبةً أرجوانية، فإنّهم هم أيضًا قادرون على تحقيق المستحيل. كان جوناس بمثابة إلهٍ صغيرٍ في عيونهم البريئة.
مشى جوناس بهدوءٍ وثبات، وملامح وجهه لم يطرأ عليها أيّ تغيير، كتمثالٍ من الرخام يتحرّك بأناقةٍ ورصانة. بدا هادئًا وواثقًا، كقائدٍ يدخل ساحة المعركة بقلبٍ ثابتٍ وعينين بصريتين. اتجه نحو المكان الذي يجلس فيه ممثلو الأكاديميات بالقرب من المنصة، كنهرٍ هادئٍ يشقّ طريقه نحو مصبّه. حتى عمدة المدينة نفسه لم يكن ليجرؤ على المشي نحو هؤلاء الممثلين بتلك الطريقة المريحة والمتأنية، فهؤلاء كانوا قادة المستقبل، أشخاصًا ينتمون إلى عوالم لا يستطيع عمدة المدينة إلا أن يحلم بالوصول إليها، كنجومٍ بعيدةٍ في سماء طموحاته.
كلما رآهم، كان يشعر بضرورة إظهار أقصى درجات الاحترام والتقدير، كمن يقف أمام ملوكٍ وأمراء.
مشى جوناس نحو ممثل أكاديمية النجوم وجلس بالقرب منه دون أن ينبس ببنت شفة، كضيفٍ عزيزٍ يجد له مكانًا بجوار مضيفه.
لم ينطق الرجل بكلمةٍ واحدةٍ عندما رأى جوناس، بل ابتسم بهدوءٍ مصطنع، كمن يخفي استياءه وراء قناعٍ من الوداعة. على الرغم من أنّه شعر بشيءٍ من الإهانة لعدم اكتراث جوناس بوجوده، إلا أنّه لم يكن بوسعه فعل أيّ شيء، فمكانة جوناس في الأكاديمية أعلى بكثيرٍ من مكانته، ويمكن لجوناس أن يأمره بفعل ما يشاء دون أيّ اعتراض، كقائدٍ يأمر جنديًا بسيطًا.
ما زال يتذكر بوضوحٍ عندما ناداه جوناس بـ “سيدي” باحترامٍ جمّ عندما أتى إلى هنا قبل أربع سنوات، ولكن الآن، كان الفرق في كلّ من المكانة والموقف شاسعًا، كالفرق بين الليل والنهار.
نظر الممثلون الآخرون إلى جوناس بصمتٍ وتقدير، فعلى الرغم من أنّه كان أصغر منهم سنًا، إلا أنّ مكانته كانت أرفع شأنًا.
سأل جوناس وهو يتفقد الحشود بنظرةٍ ثاقبة: “ما رأيك في هذا المشهد؟ هل سيتمكن ذلك الفتى حقًا من إيقاظ عنصره النائم؟” كمن يسأل خبيرًا عن رأيه في أمرٍ غامض.
أجاب الرجل بنبرةٍ تحمل شيئًا من الشك: “الأمر أقرب إلى المستحيل، لكنّ التاريخ شهد بعض الحالات النادرة. إلا أنّ فرصه ضئيلةٌ للغاية”، كمن يتوقّع معجزةً لكنّه لا يراهن عليها. في هذه اللحظة، لم يكن هناك أيّ أثرٍ لتلك النبرة المتعجرفة التي عرفها عنه سابقًا، بل كان وديعًا كحملٍ يساق إلى الذبح.
نظر إليه جوناس ببرودٍ وقال: “حسنًا، سنرى كيف سيؤول به الحال. آمل ألا يضيع وقتنا الثمين في محاولةٍ يائسة”، وتحدث جوناس بنبرةٍ وقورةٍ تحمل شيئًا من التعالي.
لقد اعتاد على مصاحبة أشخاصٍ ذوي مكانةٍ رفيعةٍ عندما كان في الأكاديمية أو في المدن الكبرى، لقد تغيرت نظرته للعالم تمامًا، وتعلم الكثير، ولم يعد ذلك الصبي الصغير الذي كان عليه من قبل، كشرنقةٍ تحولت إلى فراشةٍ تحلّق في سماءٍ جديدة.
قال الرجل بنبرةٍ مترددة: “لست متأكدًا حقًا من قدرته على إيقاظ عنصره، لكن لا ضرر في السماح له بإعادة الاختبار، كمن يمنح فرصةً أخيرةً لروحٍ يائسة”.
وسرعان ما حان وقت تسجيل أسماء الأطفال، لكن غراي لم يصل بعد، كضيفٍ متأخرٍ عن وليمةٍ منتظرة. بدأ الشيخ الاختبار دون أيّ تأخير، فالساعة لا تنتظر أحدًا، والقدر لا يتردد. إذا تمكن غراي من الحضور قبل إعلان القائمة الثانية، فسيحظى بفرصةٍ لاختبار قدراته، كبصيص أملٍ يلوح في الأفق.
وبحلول تسجيل الاسم الثامن، دبّت حركةٌ مفاجئةٌ في جانب الساحة، كتموّجٍ مفاجئٍ في بحرٍ هادئ. لفت انتباه الجميع على الفور، كأزهارٍ تلتفت نحو مصدر الضوء.
“لقد ظهر أخيرًا!” همس أحدهم بنبرةٍ تحمل مزيجًا من الدهشة والترقب.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات