انطلق غراي نحو الغابة التي اعتاد أن يصقل فيها قواه، كعصفورٍ يعود إلى عشه المعهود. ويا للعجب، كان الموقع الذي أخبرته عنه والدته يقع في قلب هذه الغابة بالذات. همست له بأنّ قلةً قليلةً من الناس يعلمون عن تلك القمة الجبلية التي تستقبل ضربات البرق المتكررة، كسرٍّ دفينٍ لا يعرفه إلا كبار الشخصيات في المدينة.
كان الجبل يتربّع في أعماق الغابة، كقلبٍ نابضٍ في جسدٍ أخضر. وعلى الرغم من أنّه كان يتردّد على الغابة منذ زمنٍ بعيد، إلا أنّه لم يجرؤ قطّ على التوغّل في أحشائها العميقة، ففي تلك الأرجاء تسكن وحوشٌ سحرية، كائناتٌ متناغمةٌ مع العناصر، بل إنّ بعضها يفوق البشر براعةً في تسخيرها.
لم يكن الجبل بعيدًا جدًا في عمق الغابة، ولهذا السبب تحدّثت مارثا عنه بحريةٍ وثقة، كمن يكشف عن كنزٍ لا يخشى عليه الضياع. فلو كان يقع في مكانٍ ناءٍ وخطير، لما ارتاحت في إخباره عنه خوفًا من أن يلقى حتفه على يد وحشٍ ضارٍ، كزهرةٍ بريةٍ تخشى أن تمتدّ إليها يدٌ عابثة.
خطا غراي بحذرٍ أعمق في أحضان الغابة، كمسافرٍ يقتحم أرضًا مجهولة، كان عليه أن يكون يقظًا ففي بعض الأحيان، كانت الوحوش السحرية تخرج من أعماق الغابة بحثًا عن فريسة، كظلالٍ تتحرّك في ضوء القمر.
بعد ثلاثين دقيقة، كان غراي قد توغّل بالفعل في قلب الغابة. كانت الأشجار شاهقةً وعريقة، كحراسٍ صامتين يشهدون على مرّ العصور. “يجب أن تكون هنا منذ زمنٍ بعيد” تمتم غراي وهو يضع يديه على جذع شجرةٍ عجوز، كمن يلامس تاريخًا حيًا.
نظر غراي إلى الأشجار، ولم يستطع أن ينزع يديه عنها عندما لامسها، كأنّه يستمع إلى نبض قلب الأرض من خلالها. تتبع يديه أسفل الجذع نحو التراب، وشعر بصلابة الأرض ودعمها الثابت، كعمودٍ فقريٍّ يحمل كلّ شيءٍ فوقه. كانت الأرض تُعتبر العنصر الأكثر رسوخًا وثباتًا، كصخرةٍ صلبةٍ في وجه عواصف الزمن.
شعر غراي بومضةٍ من الفهم تجاه هذا العنصر، ولحظاتٍ قليلة، كان قلبه ينبض بنفس إيقاع الأرض، كأنّه جزءٌ من هذا الكوكب العظيم.
“يا له من شعورٍ رائع” همس في نشوة، كمن اكتشف سرًا دفينًا.
شعر بالقوة تغمره في تلك اللحظة، كجذورٍ عميقةٍ تمتدّ في الأرض. توهّجت عيناه بلونٍ بنيٍّ داكنٍ للحظاتٍ خاطفة قبل أن تعود إلى طبيعتها، كلون التراب الغنيّ. كان عنصر الأرض حقًا عنيدًا وصلبًا، وكان أيضًا أفضل العناصر من حيث الدفاع، كحصنٍ منيعٍ لا يخترقه عدو.
قال غراي بابتسامةٍ حالمة: “كم سيكون رائعًا لو تمكنت من إيقاظ عنصر الأرض أيضًا، هذا سيجعلني مثاليًا تقريبًا في الوقت الحالي، بقوة هجوميةٍ ودفاعيةٍ هائلة”، كان على وعيٍ كاملٍ بذلك التوهج البنيّ الذي ومض في عينيه للحظات.
لم يعتقد غراي حقًا أنّ هذا الإدراك القصير سيساعده على إيقاظ عنصر الأرض، لكنّه كان بمثابة بذرة أملٍ في قلبه. واصل رحلته في أعماق الغابة، كمسافرٍ يتبع نجمًا خفيًا. هذا هو أعمق مكانٍ وصل إليه في الغابة منذ أن بدأ يتردّد عليها، كمن يقتحم قلب المجهول.
بعد فترةٍ وجيزة، ظهر جبلٌ ضخمٌ أمامه، كعملاقٍ نائمٍ يحرس أسرار الغابة. كان ارتفاعه يتجاوز ألفًا ومائتي متر، وامتدّ على مدى ثلاثمائة ميل. وقف غراي عند سفح الجبل ينظر نحو قمته الشاهقة، كمن يتحدى جبلاً من الغموض.
بدأ في تسلق الجبل، كانت صخوره خشنةً ووعرة، لذا لم يتمكن من الإسراع في صعوده، كمن يتسلّق سلمًا قديمًا بحذرٍ شديد.
كانت قمة الجبل مساحةً فارغةً ملساء، كأنّها ساحةٌ مهجورةٌ في عالمٍ آخر، ربما بسبب ضربات البرق المتكررة التي صقلتها على مرّ العصور. وصل غراي إلى قمة الجبل بعد مرور بعض الوقت، وشعر بريحٍ لاذعةٍ تضربه بقوة، كلسعاتٍ خفيّة. نظر إلى الأفق من أعلى الجبل، كمن يطلّ على مملكةٍ شاسعة.
امتدت الغابة بقدر ما تستطيع عيناه رؤيته، كبحرٍ أخضرٍ لا نهاية له. كان هذا حقًا جبلًا ضخمًا، ولم يكن ليجرؤ على النزول إلى أعمق وديانه، لكن فضوله كان يدفعه نحو المجهول، كمن ينجذب إلى سرٍّ غامض.
كان الجبل يتمتّع بتركيزٍ عالٍ لعنصر البرق، كقلبٍ ينبض بطاقةٍ كهربائيةٍ هائلة. وعلى الرغم من أنّ غراي لم يبدأ الزراعة الروحية بعد، إلا أنّه كان يستطيع أن يشعر بمدى ارتفاع تركيز البرق في هذا المكان المقدس.
بسبب التركيز العالي لعنصر البرق في الجبل، تمكن غراي من الشعور بنوعٍ من التقارب والانسجام معه، كأنّه عاد إلى وطنه الروحي. “هذا حقًا مكانٌ رائع، حتى بدون نزول أيّ برق، يمكنني أن أشعر بوضوحٍ بعنصر البرق يملأ الأجواء”، همس في دهشة.
يمكن اعتبار هذا الجبل جنةً لجميع مستخدمي عنصر البرق، كبستانٍ يزدهر فيه نوعٌ نادرٌ من الزهور. حتى أنّ العنصر كان محسوسًا في الهواء، كتيارٍ خفيٍّ يسري في الأوصال، كان الأمر مذهلاً. شعر غراي بشعورٍ رائعٍ بالانتماء والقوة. لو تمكن من البقاء هنا بشكلٍ متكرر، لتمكّن من زيادة فهمه لهذا العنصر الجامح بشكلٍ كبير.
جلس غراي في حالة تأملٍ عميق، كراهبٍ يبحث عن السلام الداخلي، وحاول أن يشعر بعنصر البرق يرقص في الهواء من حوله. ركّز بشدّةٍ على هذا العنصر المتوهّج، كمن يحاول الإمساك بشعاعٍ من الشمس.
بينما كان غراي في حالة تأمل، انجذب عنصر البرق في الهواء إليه على الفور، كحديدٍ ينجذب نحو مغناطيسٍ قوي. كان جسده بمثابة مغناطيسٍ هائلٍ يجذب هذا العنصر المتمرّد، حتى الجبل نفسه أظهر ردّة فعل، كأنّه يهتزّ لصدى هذه القوة الهائلة.
بدأ عنصر البرق المتجمّع في الجبل يتحرّك نحوه ببطءٍ وثبات، كتيارٍ كهربائيٍّ يسري في الأسلاك. لم يستطع غراي الشعور بأيّ شيء، فقد كان منغمسًا تمامًا في حالة التأمل، كروحٍ تحلّق في عالمٍ آخر. حتى أنّ بعضًا من عنصر الأرض تحرّك نحوه أيضًا، على الرغم من أنّه قليل، إلا أنّه كان ينجذب إليه، كجذورٍ تبحث عن الماء.
بقي غراي في حالة تأملٍ لمدة ثلاث ساعاتٍ كاملةٍ دون أيّ حركة، كتمثالٍ منسيٍّ في قلب الجبل. ثمّ خرج من حالة التأمل ببطءٍ وهدوء، وقرّر العودة إلى المنزل، كمسافرٍ عاد من رحلةٍ طويلة.
“يا له من شعورٍ عجيبٍ ومدهش!” همس غراي في دهشةٍ غامرة، كمن اكتشف سرًا عظيمًا. حتى أنّه شعر بنوعٍ من النشوة الخفيفة، كمن شرب نبيذًا قديمًا. كاد ألا يتمكن من إخراج نفسه من تلك الحالة الروحانية.
عاد غراي إلى المنزل، وكانت هذه تجربةً مثمرةً وغنيةً بالنسبة له، كمن عاد بغنيمةٍ ثمينة. لم يستطع الانتظار حتى يعود غدًا، كمن ينتظر موعدًا غراميًا. قرّر غراي أنّه لن يتحقق مما إذا كان قد أحرز أيّ تحسينات، بل سينتظر حتى الاختبار ليرى ما الذي حصده من هذه الرحلة الروحية.
كان بحاجةٍ إلى من يحميه إذا أراد البقاء لفترةٍ أطول في ذلك المكان المقدس. كان عليه أن يظلّ يقظًا دائمًا أثناء التأمل، على الرغم من أنّه نسي نفسه في بعض الأحيان، كمن يغفو على حافة خطر. كانت هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها بهذا العمق من الاتصال بالعنصر، لذا فاجأه الشعور وأسره.
ذهب غراي إلى الفراش مبكرًا، كمن يستعدّ ليومٍ حافل، فقد أراد الذهاب باكرًا في الغد ليتمكن من التأمل لفترةٍ أطول، كمن يغتنم كلّ دقيقةٍ من وقتٍ ثمين. لقد استمتع حقًا بذلك الشعور الفريد وأراد أن يشعر به مرةً أخرى، كمن تذوّق طعمًا لا يُنسى ويريد المزيد.
استيقظ غراي في صباح اليوم التالي وتوجّه نحو الجبل بحماسٍ متّقد، كشعلةٍ تضيء طريقه. كان هذا هو اليوم الأخير قبل الاختبار، وكان عليه أن يستغلّ كلّ لحظةٍ فيه، كمن يجمع آخر الثمار قبل حلول الشتاء. تأمّل لفترةٍ طويلةٍ قبل العودة إلى المنزل، كمن يشحن روحه بطاقةٍ سماوية.
وسرعان ما حلّ اليوم التالي، اليوم الذي طال انتظاره، يوم الاختبار المصيري. استيقظ غراي مبكرًا كعادته، وقلبه يخفق بترقّب.
“هذا هو اليوم الذي سيتغيّر فيه كلّ شيء”، همس لنفسه بعزيمةٍ وإصرار، كمن يقف على أعتاب مستقبلٍ جديد.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات