كانت عقارب ساعة الاختبار تدنو بخطواتٍ متسارعة، كظلٍّ يطول مع اقتراب الغروب، ولم يبقَ سوى أسبوعين يفصلانهم عن ذلك اليوم المشهود.
كان الأطفال الذين بلغوا عتبة الاختبار يغمرهم حماسٌ متّقد، كبراعمٍ تتفتّح في انتظار الربيع، فبعد هذا اليوم، سيبدأ كلٌّ منهم رحلته الخاصة في دروب القوة الروحية. كانت قلوبهم الصغيرة تفيض بترقّبٍ حالم، وأيام الانتظار تمضي ببطءٍ كأنّها دهر.
هذا المشهد يتكرّر كلّ عام كترنيمةٍ أزلية، فالجيل الجديد يتقدّم بخطواتٍ واثقةٍ نحو مستقبله المجهول. لكن ليست كلّ الأقدام ستخطو داخل أسوار الأكاديميات المرموقة، فمن تخذلهم مواهبهم المتواضعة، تجتذبهم قوىً أخرى أقلّ شأنًا في أرجاء الإمبراطورية، كأغصانٍ ضعيفةٍ تنحني أمام الريح. قلةٌ قليلةٌ من أصحاب الموهبة الوردية هم من يحظون بشرف الانتساب إلى تلك المعاقل العلمية.
بيد أنّ الغالبية العظمى من الأطفال الذين وهبتهم الطبيعة موهبةً برتقاليةً يجدون لهم مكانًا بين صفوف الأكاديميات، كنجومٍ صاعدةٍ تجد لها مدارًا في سماء العلم. الكثير من الأقدار ستُعاد كتابتها بعد هذا الاختبار، كما يحدث في كلّ عام، كصفحةٍ جديدةٍ تُطوى من كتاب الحياة ليُفتح مكانها أخرى.
الأكاديميات هي نقطة التقاء شباب الإمبراطورية من أقاصي البلاد، كبؤرةٍ تنصهر فيها الطاقات الواعدة. وباستثناء سلطة الإمبراطور المطلقة، تُعتبر الأكاديميات القوة الأبرز في البلاد، لكنّها تبقى دائمًا تحت مظلة التاج. لقد أنجبت هذه الصروح أجيالًا من العظماء الذين خدموا الإمبراطورية بأرواحهم وقواهم.
يمكن اعتبار الأكاديميات عمودًا فقريًا للإمبراطورية، فذراع الإمبراطور لا تطال كلّ زاويةٍ وركنٍ في البلاد. وهنا يبرز دور الأكاديميات، فعلى الرغم من أنّ نفوذها لا يمتدّ إلى كلّ شبرٍ من أراضي الإمبراطورية الشاسعة، إلا أنّ شبكتها أوسع انتشارًا وأكثر تشعبًا من سلطة الإمبراطور نفسه.
استحوذ التدريب على كامل تركيز غراي في الآونة الأخيرة، حتى أنّه كان ينسى لذة الطعام أحيانًا، كمن يغوص في أعماق محيطٍ شاسعٍ ينسى العالم الخارجي. ومع اقتراب الموعد الحاسم، تعاظم الصوت الداخلي في رأسه، كهمسةٍ خفيّةٍ تتحوّل إلى نداءٍ ملحّ، يدفعه دفعًا نحو هدفٍ واحد: الوصول بموهبته إلى الدرجة الأرجوانية قبل أن تدقّ ساعة الصفر.
لكنّ بصيص الأمل لم ينطفئ بعد، فما زال هناك أسبوعان كاملان، كشعلةٍ صغيرةٍ تضيء في عتمة الليل. كان غراي مصمّمًا بعزيمةٍ فولاذية، ولم يسمح لأيّ شيءٍ بأن يعيقه عن تحقيق مبتغاه. كان يريد هذا الأمر بشدّة، لذا كان عليه أن يعمل بجدٍّ مضاعف، كمن يسابق الريح ليقتنص لحظة النصر.
لم تزعجه مارثا، فقد كانت تعلم أنّه مع اقتراب لحظة الحقيقة، يحتاج إلى تركيزٍ كاملٍ كتركيز الليزر، كرياضيٍّ يستعدّ لخوض منافسةٍ تحدّد مصيره. وإذا تمكّن من إحراز أيّ تقدّمٍ ولو بسيط، فسيعود عليه ذلك بنفعٍ عظيم، كمن يجد جوهرةً ثمينةً في طريقه المجهول.
امتلاك موهبةٍ أرجوانيةٍ وتقاربٍ فطريٍّ مع عنصر البرق سيجذب إليه أنظار الأكاديميات والإمبراطورية على حدٍّ سواء، كزهرةٍ نادرةٍ تفوح بعطرٍ فريدٍ يجذب النحل من كلّ حدبٍ وصوب. وعلى الرغم من أنّ عنصر النار لا يقلّ عنه تدميرًا، إلا أنّ الطبيعة الخاطفة للبرق وقدرته على صعق الأعداء تمنحه هالةً من الهيبة والتقدير في نظر الجميع.
يستطيع البرق أن يشلّ الحركة ويحرق ويثير الرجفة في الأوصال، لذا يمكن القول إنّ قوّته النارية الشاملة تفوق قوة عنصر النار في كلّ الجوانب.
لطالما بذلت مارثا قصارى جهدها لدعم غراي، كأمٍّ حنونٍ تقف بجانب ابنها في كلّ خطوةٍ من خطواته الصعبة. “لقد كان يعمل بجدٍّ حقًا في الآونة الأخيرة، يستطيع فعلها”، كانت تردد في نفسها كتعويذةٍ سحريةٍ تبعث الأمل في قلبها.
لم ينسَ غراي صقل جسده أيضًا، فقد كان دؤوبًا في تدريباته البدنية، كمن يبني حصنًا منيعًا ليحميه من تقلبات القدر. كان يخرج للتدريب كلّ خمسة أيام، كمن يروي أرضًا قاحلةً لينبت فيها الزهر.
لقد تقاطع طريقه مع جوناس في إحدى المرات التي خرج فيها للتدريب، لكن لم يتبادلا أيّ كلمة، كغريبين يسيران في طريقٍ واحدٍ دون أن يلتفتا إلى بعضهما البعض. لم يتعرّف غراي حتى على جوناس، فقد رآه مرةً واحدةً فقط في زحام المدينة، لذا لا يمكن لومه على ذلك، كمن يحاول تذكّر وجهٍ عابرٍ اختفى في غياهب الذاكرة.
لم يحرز أيّ تحسينٍ منذ المرة السابقة، كان يعلم أنّه سيكون صعبًا، لكنّه لم يستسلم، كمن يتسلّق جبلًا شاهقًا والقمة تبدو بعيدة المنال. كان غراي يأمل بشدّةٍ في رؤية البرق مرةً أخرى، كان لديه شعورٌ خفيٌّ بأنّه إذا تمكّن من مشاهدته عن كثب، فسيستطيع الحصول على فهمٍ أعمق لجوهر هذا العنصر الجامح، كمن يبحث عن مفتاحٍ سحريٍّ يفتح له أبواب المعرفة.
البرق شيءٌ لا يمكن رؤيته إلا في خضمّ العواصف الرعدية، كضيفٍ نادرٍ لا يطلّ إلا في لحظات الغضب السماوي. ولا يظهر دائمًا حتى عند هطول الأمطار، ككنزٍ ثمينٍ لا يُعثر عليه بسهولة. وفي المرات القليلة التي أمطرت فيها السماء، حتى عندما كانت هناك ومضاتٌ من البرق، لم يكن محظوظًا كتلك الليلة التي تجلّى فيها له البرق بجماله المرعب.
علاوةً على ذلك، لا أحد يتمنى أن يضرب البرق منزله، كمن يدعو على نفسه بالكارثة المحققة.
لم يتبقَّ سوى ثلاثة أيام تفصلهم عن يوم الاختبار المصيري، كدقّات قلبٍ متسارعةٍ قبل لحظة الحقيقة. لم يحرز غراي أيّ تقدّمٍ بعد، لكنّه لم يستسلم لليأس، سيواصل المحاولة حتى آخر لحظة، كمن يقاتل ببسالةٍ حتى الرمق الأخير. يجب أن يبذل جهدًا أكبر، كمن يبحث عن إبرةٍ ضائعةٍ في كومة قشٍّ في ليلةٍ ظلماء.
على العشاء، سأل غراي عما إذا كانت مارثا تعرف طريقةً لجذب البرق نحو بقعةٍ معينة، أو ما إذا كانت تعرف مكانًا يجذب البرق إليه بشكلٍ خاص.
“لماذا تسأل هذا يا بني؟” استفسرت مارثا بفضولٍ وقلق.
أجاب غراي بجدية: “أريد أن أرى ضربة برقٍ حقيقية، أشعر أنّه إذا تمكنت من مشاهدتها عن كثب، فسيساعدني ذلك في تعميق فهمي لهذا العنصر الجامح”.
أوضح غراي بأسف: “نعم، ولكن بسبب طبيعة هذا العنصر الفريدة، الأمر صعب. ولا أستطيع أن أشعر بوجوده الحقيقي في فضاء الفوضى، كأنّني أبحث عن طعمٍ في صورة طعام”.
تأملت مارثا لبعض الوقت، كمن تحاول تذكّر سرٍّ دفين. ثم قالت: “أعرف مكانًا، لكن قبل أن أخبرك به، يجب أن تعدني وعدًا قاطعًا بأنّك لن تفكر حتى في الاقتراب منه إذا وجدت لك هذا المكان”.
كانت مارثا تعرف ابنها جيدًا، فبالنظر إلى تهوّره المعهود، كانت واثقةً بنسبةٍ تزيد عن ثمانين بالمائة من أنّه قد يقترب منه حقًا، كعصفورٍ يغريه بريقٌ خطرٌ رغم التحذيرات.
طمأنه غراي بجدية: “استرخي يا أمي، لن أعرّض حياتي للخطر. سألقي نظرةً فقط من مسافةٍ آمنة”. كان يعلم أنّها ستعرف بالتأكيد مكانًا يجذب البرق، كحارسٍ قديمٍ يعرف أسرار الغابة. وإذا عرف هذا المكان، فسيكون ذلك بمثابة كنزٍ ثمين، طالما أنّ السماء تمطر وتغضب.
قالت مارثا بابتسامةٍ ساخرة: “حسنًا، أعرف مدى حكمتك يا بني”. علم غراي أنّها لم تصدّقه تمامًا بعد، لذا استمرّ في محاولة إقناعها، كمن يحاول إقناع صخرةٍ صلبةٍ بالتحرّك.
لحسن الحظ، كانت مارثا تحبّه حبًا جمًا وسرعان ما استسلمت لإصراره، كمن يلين قلبه أمام إلحاح عزيز. أخبرته بالمكان الذي يضرب فيه البرق بكثرة، كمن يكشف عن سرٍّ دفينٍ لمن يثق به.
فرح غراي فرحًا غامرًا بعد معرفة الموقع، كمن عثر على خريطةٍ تقوده إلى كنزٍ مفقود. قيل إنّ البرق يضرب دائمًا قمة ذلك الجبل بالذات كلّما اشتدّت العواصف، كأنّ قمّته مغناطيسٌ سماويٌّ يجذب غضب السماء. لا أحد يعرف السبب أو العلة في ذلك، لكنّه كان يحدث منذ زمنٍ طويل. لقد حقّقوا في الأمر مرارًا وتكرارًا، لكنّهم عادوا خالي الوفاض، كمن يبحث عن سرٍّ لا يريد أن يُكشف.
اتخذ غراي قراره على الفور، سيذهب لتفقّد المكان غدًا، كمن يضع خطّةً لمعركةٍ وشيكة. بهذه الطريقة سيعرف ما يجب فعله بعد ذلك عندما تغضب السماء وتزمجر.
“آمل أن تهب عاصفةٌ قبل الاختبار، هذا هو أملي الوحيد الآن. يجب أن أتمكن من تحقيق ذلك في الوقت المناسب، أعتقد ذلك”. لم يكن غراي متفائلاً للغاية بشأن فرصه في التقدّم، لكنّه كان يعلم أنّه قد يحصل على إدراكٍ مفاجئٍ يغيّر كلّ شيءٍ في لحظة، لذا لم يفقد الأمل تمامًا، كمن ينتظر معجزةً قد تحدث في أيّ لحظة.
ذهب غراي إلى غرفته، ودخل فضاء الفوضى ليستوعب المزيد، كمن يعود إلى محرابه بحثًا عن الإلهام. على الرغم من أنّه سيتوجّه إلى الخارج غدًا، إلا أنّ ذلك لم يعنِ أنّه يجب ألا يواصل جدول تدريبه الصارم، كجنديٍّ لا يتوقّف عن صقل مهاراته حتى قبل خوض المعركة الحاسمة.
لقد اعتاد غراي بالفعل على التدريب دائمًا قبل النوم، كطقسٍ يوميٍّ لا يمكن الاستغناء عنه. في الواقع، يمكن القول إنّه كان مهووسًا بطريقة تدريبه، كآلةٍ لا تعرف الكلل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات