مضى أسبوعٌ كاملٌ منذ أن شرع غراي في محاولة فكّ رموز عنصر البرق، وحتى اللحظة، حسناً، لم تُثمر جهوده عن شيءٍ ملموس. لكنّ روحه لم تنكسر، ففي كلّ يومٍ جديد، كان يضاعف عزيمته، كمن يحاول اقتلاع شجرةٍ عنيدةٍ ضربت جذورها في أعماق الأرض.
كانت رغبته في فهم هذا العنصر الجامح تشتعل في داخله كشعلةٍ خفيّة. لو استطاع تحقيق ولو قليلٍ من التقدّم، لارتفعت موهبته حتمًا، كغصنٍ ينمو ويتفرّع. وعلى الرغم من أنّه لم يستطع تخيّل الدرجة التي سيصل إليها، إلا أنّه كان على يقينٍ بأنّ اللون الوردي الباهت لن يكون مصيره الأبدي.
علاوةً على ذلك، فإنّ امتلاك ولو قدرٍ يسيرٍ من الفهم سيمهد له الطريق في رحلة الفهم المستقبليّة، كمن يضع حجر الأساس لبناءٍ شاهق. فبمجرد إتمام القاعدة، يصبح ما يلي أسهل، هكذا كان يظنّ، كمن يبدأ رحلةً طويلةً بخطوةٍ واثقة.
لم يستعجل غراي الأمور، بل أخذها بتأنٍّ وصبر، كمن ينحت تمثالًا دقيقًا. كان يعلم أنّه ما دام هذا العنصر جزءًا منه، فسينجح يومًا ما حتمًا، كبذرةٍ ستنبت وتزهر في الوقت المناسب.
وبما أنّه لم يحرز أيّ تقدّمٍ ملحوظ، فقد قرّر الخروج والتدرب، فقد مضى وقتٌ طويلٌ منذ أن فعل ذلك، كآلةٍ تحتاج إلى تزييتٍ لتستعيد حيويتها.
في اليوم التالي، استعدّ غراي وتوجّه إلى الغابة للتدرب كالمعتاد، كعصفورٍ يعود إلى عشه.
في منتصف النهار وبينما كان لا يزال يتدرب، هطل المطر فجأةً، كدموع السماء الغاضبة. سارع غراي إلى كهفٍ قريبٍ من مكان تدريبه المعتاد، كهفٍ اكتشفه ذات يومٍ عندما أوشكت السماء على البكاء، ولم يتمكن من العودة إلى المنزل، فوجد فيه ملجأً مؤقتًا ينتظر فيه توقف المطر، كبحّارٍ يبحث عن ميناءٍ آمنٍ في وجه عاصفةٍ مفاجئة.
سرعان ما اشتدّ هطول المطر بغزارة.
دويّ
تردّد صوت الرعد على الفور في السماء، كصوت طبلٍ عملاقٍ يُقرع في الأعالي.
انفجار
فجأةً لم يستطع غراي سماع أيّ شيء، وكانت أذنه تطنّ باستمرار، كجرسٍ يُقرع بعنفٍ داخل رأسه. ركض على الفور خارج الكهف ووقف في الخارج تحت المطر، كمن يهرب من فم تنينٍ غاضب. عندما نظر إلى يساره، رأى جزءًا من الأرض متفحمًا باللون الأسود، كبقعةِ حزنٍ عميقةٍ على وجه الطبيعة.
“البرق…” هذا ما تبادر إلى ذهنه عندما رأى ذلك المشهد المروع.
دويّ
سمع غراي مرة أخرى صوت الرعد ونظر إلى الأعلى، رأى البرق يومض في السماء وكأنه يؤدي رقصةً مجنونة، خطوطٌ من الضوء المتوهّج ترسم لوحةً سماويةً مرعبةً وجميلة في آنٍ واحد.
تحطم
ضرب البرق مكانًا بعيدًا عن غراي، لكنه رأى كل شيءٍ بوضوحٍ تام، كأنّ عينيه تحوّلتا إلى عدسةٍ خارقةٍ تستطيع اختراق المسافات.
وقف غراي ثابتًا تمامًا، ولم يتحرّك حتى بعد عشر دقائق. كان في حالةٍ من الذهول، عندما رأى عرض البرق وكيف ضرب، انتابته فجأةً بصيرةٌ، كشرارةٍ أضاءت زوايا مظلمةً في ذهنه.
ظلّ المشهد يتكرّر في رأسه، من الحركة السريعة البرق الخاطف إلى قوّته المدمرة التي لا تُقاوم. كلّ شيءٍ كان يعيد نفسه، كشريطٍ سينمائيٍّ عالقٍ في حلقةٍ مفرغة. وبعد مرور بعض الوقت، توقف.
قال غراي بحزنٍ خفيف: “يا للخسارة، لو تمكّنت من استعادة هذا الشعور ولو لثانيةٍ أخرى، لتمكّنت بالتأكيد من تحسين موهبتي إلى الدرجة الأرجوانية”، كمن رأى كنزًا ثمينًا ثمّ تلاشى من بين يديه.
لكنّ هذا لم يكن مضيعةً للوقت تمامًا، فقد تعلّم بعض الأشياء من مشاهدته بنفسه، كمن يقرأ فصلًا جديدًا في كتاب الحياة. على الرغم من أنّ فضاء الفوضى مذهل، إلا أنّه لم يكن الشيء الحقيقي، كصورةٍ باهتةٍ مقارنةً بالواقع الحيّ. لذا، كان هناك فرقٌ كبيرٌ في شعوره بكليهما.
ولكن مع هذه التجربة كمرجعٍ حيّ، يمكنه أخيرًا البدء في إحراز تقدّمٍ حقيقيٍّ في فهمه لعنصر البرق، كمن وجد أوّل خيطٍ في خيوط لغزٍ معقّد.
بعد أن توقف المطر، قرّر غراي التوقف عن التدريب، فقد تدرب لبعض الوقت بالفعل، كمن أتمّ مهمّته لهذا اليوم.
كان متشوّقًا أيضًا لمعرفة ما إذا كان هذا التقدم الطفيف الذي أحرزه سيحدث أيّ تغييراتٍ في موهبته، كمن يزرع بذرةً وينتظر بفارغ الصبر أوّل برعمٍ يظهر.
في طريقه عائداً إلى المدينة، لاحظ أنّ البوابة كانت مزدحمةً بالناس، كخلية نحلٍ نشطة. مشى بفضولٍ ليرى ما كان يحدث، كمن ينجذب إلى همسةٍ غامضة. وعندما وصل إلى هناك، لم يتمكن من رؤية أيّ شيءٍ لأنّ الحشد كان كبيرًا جدًا، كبحرٍ بشريٍّ متلاطم الأمواج.
سأل غراي رجلاً في مكان الحادث: “طاب يومك يا سيدي، هل يمكنك من فضلك إخباري بما يجري؟”، كمن يطلب إضاءةً في عتمة الجهل.
نظر الرجل إلى غراي قبل أن يحوّل نظره بعيدًا، ولم يكلف نفسه عناء الإجابة عليه، كأنّه لم يرَ أو يسمع شيئًا. لم يكن الرجل يعرف غراي، لكنه ببساطة لم يهتمّ، كمن يتجاهل نداءً بعيدًا.
“يا له من حقير!” لعن غراي بغضبٍ مكتومٍ قبل أن يمشي بحثًا عن شخصٍ آخر ليخبره بما كان يحدث، كمن يبحث عن إبرةٍ في كومة قش.
بعد السؤال هنا وهناك، علم أنّ جوناس عاد من الأكاديمية، كبطلٍ عائدٍ إلى مسقط رأسه. كانت هذه هي المرة الأولى التي يعود فيها إلى المدينة منذ انضمامه إلى أكاديمية النجوم، كطائرٍ مهاجرٍ يعود إلى عشه بعد رحلةٍ طويلة.
كان لدى غراي انطباعٌ واضحٌ عن جوناس، كصورةٍ محفورةٍ في الذاكرة. أعني، من لن يكون لديه انطباعٌ عن شخصٍ يتمتع بموهبةٍ أرجوانية، كنيزٍ نادرٍ يثير الإعجاب والحسد؟
تذكر غراي النظرة الحسودة التي ألقاها على جوناس عندما رأى كيف كانت جميع الأكاديميات تتنافس عليه، كجوهرةٍ ثمينةٍ تتنازع عليها الأيدي.
علم أيضًا أنّ جوناس سيبقى حتى الاختبار، “لماذا أتى في هذا الوقت، ألم يكن بإمكانه المجيء بعد الاختبار؟” شعر غراي فجأةً بضغطٍ ثقيلٍ يقع على صدره، كجبلٍ صغيرٍ استقرّ فوق قلبه.
لو كان الأمر من قبل، حتى لو كان لديه موهبةٌ برتقالية، لما اهتمّ لأنه يستطيع تحسينها مع مرور الوقت، كمن يملك قطعةً من الطين يستطيع تشكيلها كيفما شاء. لكن الآن، جاء جوناس، الشخص الوحيد الذي امتلك موهبةً أرجوانيةً في تاريخ المدينة، كقمرٍ ساطعٍ يخفي بريق النجوم الأخرى.
(فقط للتوضيح، مارثا ليست من المدينة، كزهرةٍ بريّةٍ نبتت في أرضٍ غريبة).
كان يسود حاليًا على الجميع في هذه المدينة الصغيرة، كملكٍ على عرشه المتواضع، وحتى في المدن الكبيرة، كان لا يزال شخصًا يتمتع بمكانةٍ عالية، كنجمٍ لامعٍ في سماءٍ واسعة.
لا أحد يحبّ أن يكون في ظلّ أحد، كشجرةٍ شامخةٍ لا ترضى أن يحجب نور الشمس عنها غصنٌ آخر. لولا ظهور جوناس، لكان غراي راضيًا بموهبةٍ برتقالية، كمن يملك كنزًا بسيطًا ويكتفي به. لكن الآن، أراد المزيد، كمن تذوّق العسل ويريد المزيد. كان عليه أن يرفع موهبته إلى اللون الأرجواني، مهما كلف الأمر، كمن يسعى إلى هدفٍ نبيلٍ لا يعرف الكلل.
عاد غراي إلى المنزل بعزيمةٍ جديدة، وكانت النار في قلبه تشتعل بضراوة، كبركانٍ خامدٍ استيقظ فجأةً. أراد على الفور أن يرى إلى أيّ مدى وصل به هذا القدر الضئيل من الفهم، كمن يفتح صندوقًا مغلقًا بترقّبٍ لمعرفة ما بداخله.
بعد وصوله إلى المنزل، ذهب مباشرةً إلى غرفته وجلس في وضع التأمل، كراهبٍ يبحث عن السلام الداخلي. وبعد تهدئة قلبه المتسارع المليء بالتوقع، دخل فضاء الفوضى، كمسافرٍ يدخل عالمًا آخر.
ذهب ليرى ما إذا كانت درجته قد تحسّنت، كمن ينظر إلى مرآةٍ ينتظر أن تعكس صورةً جديدة. بعد وضع يده على الحجر، انتظر حتى يفعل ما يفعله عادةً، كمن ينتظر إشارةً خفيّة. دارت الطاقة حول جسده قبل أن تعود إلى الحجر، كتيارٍ يتدفق ويعود إلى مصدره.
عندما نظر غراي إلى النتيجة، سقط وجهه، كمن تلقّى خبرًا سيئًا. كان لا يزال يتمتع بموهبةٍ وردية. على الرغم من أنّه جاء بتوقعاتٍ كبيرة، إلا أنّه كان يعلم أيضًا أنّه لن يكون بهذه السهولة بعد محاولة فهمه لفترةٍ طويلة. لحظةٌ واحدةٌ من البصيرة لا يمكن أن تفعل المعجزات، كقطرة مطرٍ لا تروي ظمأ الأرض. حسنًا، إلا إذا بقي في تلك الحالة لفترةٍ أطول، كمن يحاول الإمساك بحلمٍ عابر.
بينما كان هذا يحدث لغراي في المنزل، كانت المدينة تعجّ بالنقاشات، كخلية نحلٍ طنّانة. وكان الاسم الأكثر ذكرًا هو جوناس، كالنجم اللامع الذي يجذب الأنظار. لم يكن جوناس هو الاسم الوحيد المذكور، فقد كان اسم غراي أيضًا على لسان الكثيرين لأنه سيُعيد الاختبار، كظلٍّ يتبع النور.
مع وصول جوناس، تذكر الجميع أنهما أجريا الاختبار في نفس اليوم، كصفحتين متقابلتين في كتاب القدر. أحدهما تنافست عليه الأكاديميات، ككنزٍ ثمينٍ يتنازع عليه الجميع، والآخر من المرجح أنّه لا يتذكر كيف غادر الساحة، كشخصٍ يستيقظ من غيبوبةٍ لا يتذكر ما حدث.
وصلت أخبار إلى جوناس عن حقيقة أنّ غراي سيُعيد الاختبار. تذكر بوضوحٍ ذلك الشكل الوحيد الذي وقف على المنصة مذهولًا، كتمثالٍ وحيدٍ في ساحةٍ مهجورة.
“مثيرٌ للاهتمام…” همس جوناس ببرود، كمن يرى قطعةً شطرنجٍ غير متوقّعةٍ على الرقعة.
في البداية، لم يكن لدى جوناس أيّ خططٍ لحضور الاختبار حتى لو كان موجودًا، كملكٍ لا يهتمّ بمشاجرات الجنود. كان لديه أشياء أفضل يفعلها، كطائرٍ حرٍّ يحلق في سماءٍ واسعة، ولولا رغبته في مقابلة والديه، لما أتى إلى هذه المدينة المتواضعة، كشمسٍ تنزل إلى أرضٍ قاحلة. كما استمتع بشعور الإعجاب به من قبل الناس هنا، وتبجيل الأطفال له، كقائد وسط أتباعه .
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات