الحلقة مئة وخمس وثلاثون.
في اليوم الذي أدرك فيه سيزار ، مشاعره نحو بليندا، قطع على نفسه عهدًا واحدًا… ألا يجعل قلبه أهم من واجبه.
وبذلك، حتى حبه لها كان أمرًا لن يظهره أبدًا.
كانت لديه مسؤوليات ثقيلة، ولم يكن لينقض أي منها من أجل انخراط بليندا فيها.
في ليلة التمرد، حين حرس قبور والديه وإخوته لثلاثة أيام وليالٍ متتالية، أقسم أنه سيمحو كل شيء وراء الغابة.
لقد كان هذا هو سبب بقائه على قيد الحياة، وكان يؤمن بذلك تمامًا.
وهكذا، عاش سيزار طوال حياته وهدفه الوحيد هو أداء هذا الواجب، ومع ذلك، لم يفكر أبدًا بما بعد تحقيق هذا الهدف.
بعد القضاء على جميع وحوش الغابة، ماذا سينتظره؟ ماذا يريد أن يفعل؟ ماذا يجب أن يفعل؟
كل هذه الأسئلة كانت تجعل حياته تبدو كقارب صغير ضائع في بحر لا نهاية له، بلا هدف.
لكن في هذه اللحظة، شعر كأنه رأى شعاع ضوء من منارة في وسط ذلك البحر اللامتناهي.
“نسل بالواستين يولد بمقدرة خارقة لمقاومة اللعنة.”
تأكدت تلك الكلمات حين بدأت عيناه تتوهج باللون الأحمر تدريجيًا، بريق مظلم ومرعب، مختلف تمامًا عن وهج الغروب السابق.
ترددت بليندا للحظة، ثم مدت يدها ببطء نحو سيزار.
“طريقة التحكم بهذه القدرة بسيطة جدًا، يكفي أن تتذكر أغلى ما تملكه في العالم.”
وأخيرًا، حين لمست أطراف أصابع بليندا خدّه، عاد اللون الأزرق الطبيعي لعينيه كما لو تلاشت الغيوم السوداء.
“آنسة بلانش… أنتِ تجعليني أعيش كإنسان، ولهذا السبب أريد البقاء بجانبك.”
ارتدت بليندا يدها بسرعة، كأنها لحقت بها حروق.
رغم تعابيرها المشوهة بعض الشيء، لم يندم سيزار على كلماته.
بل، شعرت عظامه بالندم الشديد، ومع ذلك، لن يغير عن هذه النية شيئًا.
“أتعلم ما قلت للتو، سموّك؟”
“نعم… قلت إنني أريد البقاء بجانبك، بدافع رغبة أن أعيش كإنسان، وهو أمر أناني جدًا.”
ظل مقيّدًا بواجبه، لكنه هذه المرة، بعد انهاء واجبه، أصبح لديه طموح أن يعيش كإنسان ويبقى إلى الأبد بجانب بليندا.
رغم أنه وصف هذه الرغبة بالأنانية، إلا أنّ بليندا لم تسمعها كذلك.
في الواقع، ما قاله سيزار كان بمثابة اعتراف بأنه يضع بليندا كَـ محور عالمه، وهو ما لم يخطر بباله أبدًا.
كانت تلك الحماقة الطفولية هي ما جعل بليندا تبتسم.
ضحكت قليلًا وأومأت برأسها.
“أوافق.”
تكسرت تعابير وجه سيزار المشدودة، وابتسم، كما لو أن شقًا في جليد قد أتيح لأشعة الشمس المرور من خلاله.
“إذًا، تشيري، عليك العودة، كإنسان، إلى جانبي وإلى جانب ليو.”
“سأفي بالوعد بالتأكيد.”
ركع سيزار على ركبة واحدة، وأخذ يد بليندا إلى جبينه، مؤديًا قسم الفارس.
ترك سيزار قلبه بجانب بليندا في ذلك اليوم قبل أن يغادر.
***
حين تفتحت أشجار الروزيل المحيطة بالساحة بالكامل، امتلأت الساحة بالناس لمشاهدة الزهور والاستمتاع بالربيع.
وسط الناس، جلس ليو بمفرده تحت ظل شجرة الروزيل الضخمة، ينوح بحزن.
هذا الصباح، بعد وداعه لتشيري، ظل الطفل يغطس تحت الغطاء طوال الصباح باكيًا.
لمحت بليندا الحاجة إلى تغيير مزاجه، فخرجت معه إلى الساحة ممسكة يده، لكن لم يكن لذلك أثر كبير.
“سيدي… هئ هئههئ!، سيدي الفارس…”
وضعت الحلوى في فمه بسرعة، ليذوب البكاء في فمه، وطرقت ظهره برفق، سائلة.
“ليو، هل أنت حزين جدًا لأن الفارس غادر؟”
أومأ بعد أن أُذابت الحلوى، مجيبًا متأخرًا.
“كنت أعتقد أن الفارس سيبقى معنا دائمًا… لأنه قال إنه مهما حدث، سيبقى بجانب الآنسة بليندا…”
تحركت يداه الصغيرة وهو يواصل.
“لذلك ظننت أننا سنبقى معًا لفترة طويلة…”
بينما يتحدث الطفل، امتلأت يدي برائحة الحلوى الحلوة، فَلففتُ يدي لأرى خاتم تشيري على إصبعي، وأدرت الخاتم بين أصابعي سائلة.
“هل… هذا بالفعل ما قاله، تشيري؟”
“نعم، صحيح.”
شعرت وكأنني اكتشفت شيئًا لا يجب أن أعرفه، فسعلت بهدوء وأشرت لتيري خلفنا:
“تيري، أحضري ذلك.”
“حاضر.”
ذهبت تيري إلى العربة القريبة، وأنا وضعت حلوى في فم ليو ونظرت إلى الخاتم على إصبعه الصغير كذلك.
“هذا دليل على الوعد.”
قبل مغادرته العاصمة، أعطاني تشيري خاتمًا مرصعًا بحجر أزرق صافٍ، يعكس الضوء مثل الماس، جميل للغاية.
لكنني ترددت في أخذه، إذ بدا وكأنها عرض خطوبة.
“الرموز تُعطى لمن لا يستطيع الوفاء بالوعد… أليس لديك القدرة على الوفاء؟”
“بالطبع، استخدميه فقط كتذكير بالوعد.”
“الحجر غريب، هل هو ثمين أو إرث عائلي؟”
“مجرد قطعة مستعملة.”
ارتديت الخاتم بتردد، ووجدته مناسبًا كأنما صُنع خصيصًا لي.
تمامًا كما قال، أصبح هذا الخاتم رمزًا لتذكيري بوعده بالعودة.
بعد قليل، عادت تيري محمّلة بصناديق هدايا أعلى من طول ليو.
نظر الطفل إليها بدهشة، وعيناه تتسعان.
“كل هذا لي؟”
“نعم، هدايا عيد ميلادك، وهذه مجرد البداية.”
نظر ليو بذهول، ثم أشار إلى نفسه بإصبعه.
“أنا؟ عيد ميلادي اليوم؟”
“نعم، فقد أصبح تبنيك رسميًا اليوم، ومن الآن فصاعدًا يمكننا أن نقول للجميع، هذا ليو بلانش.”
تساقطت بتلات الروزيل كثلوج فوق رأس ليو، وعلمت أن عمره اليوم أصبح عشر سنوات، فهنأته.
“عيد ميلاد سعيد، ليو.”
“لدي… عيد ميلاد… حقًا…”
أدرك الطفل أخيرًا فرحته، ورفع صوته مبتسمًا:
“آنسة بليندا، اليوم عيد ميلادي! هيه هيه.”
بعد أن مسحنا دموعه، نهضنا، وأراد ليو أن يحمل الهدايا بنفسه، فحملها واحدة تلو الأخرى.
بينما كنت أشاهد خوفًا من سقوطها، اخترقتني كلمة مألوفة بين رائحة الزهور.
“كيف تجرؤون على معاملة طفل هكذا؟ هذا قاسٍ جدًا.”
التفت لأرى من تكلم، ووجدت فتاة تقف بين بتلات الروزيل المتساقطة، بشعر فضي قصير وعينين ورديتين تشبهان الزهور، وملابس تبدو غريبة عن موضة المملكة.
رغم ملابسها البسيطة والمتعبة من السفر الطويل، كانت ملامحها نبيلة ومهيبة.
لقد جُمدت في مكاني، كمن صُعق بالماء البارد.
أشجار الروزيل المزهرة.
اتم ليو العشر سنوات.
وكيف يمكن أن أنسى؟
اليوم، حين تزدهر أشجار الروزيل في الساحة، وصلت أوفيليا من الإمبراطورية البعيدة إلى مملكة كزينوس.
نهاية الجزء الأول من الرواية !
اتمنى تتحمسوا للجزء الثاني سأنشرة قريبًا !
كامل الحب،
المترجمة بينا –
التعليقات لهذا الفصل " 135"