الحلقة مئة وتسعة عشرون.
ما هذا؟ أيتحدث عن التوقيت؟! هذه ليست من عادات اللورد بيناديل إطلاقًا.
أومأت برأسي في ارتباك.
“أه… آه… كنتُ في الحقيقة أريد التحدث أيضًا، لذا…”
وهكذا انتهت جلسة الشاي التي خلفت في نفسي شيئًا من الانزعاج لم أستطع تبديده.
عدت إلى غرفتي، وأخرجت وثيقة ملكِية منجم الشمال، ووثيقة التبني ذات “القوة الخاصة” كما يُقال عنها.
بفضل شهادة الموثق ‘كاتب العدل’، أصبحت وصية عمي لاغية، وبذلك تحررت الثروة الكبيرة التي كانت مجمدة كجزء من مهري، وصرت قادرة على التصرف بها.
لم يتبقَّ سوى إقامة مراسم الخلافة الرسمية لأصبح رئيسة العائلة، ومن ثم نقل ملكية المنجم إلى دوق بالواستين.
نظرت إلى “وثيقة التبني ذات القوة الخاصة”، وتنهدت دون محاولة إخفاء تنهدي.
كنت قد قلت أمام شوفيل إنني سأنقل هذه العائلة إلى ليو، لكن… في الحقيقة كان نصف ما قلته مجرد تفاخر.
صحيح أنه لو رغب ليو في ذلك، لأمكنني منحه هذه العائلة، لكنه لا يزال بحاجة إلى أن يُتبنى رسميًا.
لكنني… لست واثقة من أنني أستطيع أن أكون أمًّا له، وإن كنتُ واثقة من قدرتي على أن أكون راعية له.
هل شعرت نافذة النظام بهذا التردد في داخلي؟
[الحميمية: 98/100]
حالما لمست وثيقة التبني، ظهرت نافذة النظام مع مؤشر الحميمية بيني وبين ليو.
ذلك الرقم الناقص بنسبة 2% فقط، بدا وكأنه يثبت أنني لست مؤهلة لأن أكون والدة ليو.
وبينما كنت أرتب وثائق التبني وملكية المنجم وأنا أشعر بطعم المرارة، وقعت عيناي على دفتر مألوف كان مفتوحًا بين الأوراق المبعثرة على المكتب.
تناولتُه بلا تفكير، ثم شهقتُ فجأة وأنا أحدق حولي بتوتر.
“هل كنت مشوشة الذهن لدرجة أنني لم ألحظ أنني أسقطته؟!”
ذلك الدفتر المعتق بأثري كان مفكرة سرية أبدأت فيها ضيقي أيام لم أكن أجرؤ حتى على التحدث بكلمة واحدة بسبب التزامن.
تمامًا مثل المترجم الذي لا يعمل إن لم يكن هناك مستمع، فإن النصوص التي لم تُكتب بنية أن يقرأها الآخرون لم تكن تُترجم آليًا.
بفضل ذلك، تمكنت من كتابة كل ما شئت من خزعبلات في مفكرتي التي سميتها “مذكرات مراقبة ليو”، عن كم هو ظريف ومحبوب.
“كعادته، شعرت اليوم بتهديد على حياتي،
جاذبية ليو تهاجم قلبي دومًا، مثل شبل أسد طري… إنه لطيف جدًا!”
قرأت بعض الجمل التي كنت قد دونتها بعفوية، وشعرت وجهي يشتعل بينما كنت ألوّح بيدي لتبريده.
لحسن الحظ أنني منعت دخول الخدم إلى غرفتي، مجرد التفكير في أن أحدًا قد يكون قرأ هذا…
“كأنني رأيت شيئًا لا ينبغي لي أن أراه…”
…هاه؟
تجمدت أطرافي فجأة، وأنا أتذكر كلمات ليو التي قالها من قبل.
“…لا يكون… هل يمكن أن ليو… قرأ هذا؟!”
هل هذا هو شعور ان يُكتشف حسابك السري المخصص للهوس بأحد المشاهير… من قِبل ذلك المشهور بالذات؟
بدأ العرق البارد يتصبب من ظهري.
***
في يوم مشمس لطيف.
كان ليو يُجري تدريباته على المبارزة منذ الصباح.
لم يمضِ على إمساكه بالسيف أكثر من ستة أشهر، لكن وقفته كانت راسخة وممتازة إلى درجة أن بليندا لو رأته لصفّقت له كما تفعل الفُقَم.
لكن على الرغم من ثبات جسده، كان عقل ليو يسبح بعيدًا تمامًا.
قبل يومين، عندما كانت بليندا تحاسب فروع العائلة الواحد تلو الآخر في اجتماعها الشهري، كان ليو يُنظّف غرفتها.
رغم أن بليندا حاولت أن تثنيه عن ذلك أكثر من مرة، أصر ليو على التنظيف لأنه كان يرى أنه أمر بديهي بالنسبة لخادم متدرب مثله.
ثم، وبمحض الصدفة، رأى دفترًا صغيرًا وسط الأوراق المبعثرة على المكتب.
كُتبت في داخله جملة بخط أنيق يخص بليندا بلا شك:
“هل يجب أن أفكر جديًا في جعل ليو خادمي الخاص؟”
ما إن قرأ تلك الكلمات دون قصد، حتى أدار رأسه بسرعة وكأنما رأى شيئًا محرمًا.
لكن الاسم ‘ليو’ انغرس بالفعل في ذهن الطفل.
‘ليو…؟ من هو ليو؟’
كان هذا الاسم مألوفًا، وكأنه سمعه في مكان ما من قبل.
بدأت حركة يده التي كانت تمسك بفرشاة الغبار تبطئ تدريجيًا.
وبينما يواصل التنظيف، أخذ يحدق إلى المكتب بخوف وكأن شبحًا يقف خلفه.
‘هل ‘ليو’ هذا أيضًا يريد أن يصبح خادمًا خاصًا للسيدة بليندا؟’
كان يفكر بذلك وهو في قلق، حين دخلت رياح قوية عبر النافذة المفتوحة، مبعثرةً كل الأوراق على المكتب.
في محاولة لحماية الأوراق، ارتمى ليو بجسده فوق المكتب، و، بالصدفة أم لا، لم يكن متأكدًا بنفسه، وقع بصره على الجملة التالية في الدفتر:
“لو أراد ليو شيئًا، سأفعل أي شيء من أجله، حتى لو كان ذلك أن أُصبح سيدته الخاصة… أجل، إن كان هذا ما ليو يريده، فلا شيء أعجز عن فعله من أجله، فقط…”
قرأ إلى هناك فقط، ثم أغمض عينيه بقوة.
بعدها أغلق النافذة، وأمسك أدوات التنظيف، وفرّ هاربًا من الغرفة كأن نمرًا كان يطارده.
خفق قلبه بعنف وتوتر.
‘هل ما كُتب هناك حقيقي؟ هل السيدة بليندا تنوي فعلاً أن تجعل ذلك الشخص خادمها الخاص…؟’
ثم تذكر فجأة أن تيري قالت مؤخرًا إنها توظف الكثير من الخدم الجدد، ربما كان “ليو” أحدهم.
لم يقصد التجسس، لكن ما فعله في النهاية كان اقتحامًا لخصوصية بليندا، لذا لم يجرؤ على سؤالها عمّا إذا كان ما في الدفتر حقيقيًا.
قضى اليوم مكتئبًا كزهرة ذابلة، لكن مع مرور الوقت، بدأ الشعور بالكآبة يتحول إلى شيء يشبه الحماسة… ممزوجة بالغيرة.
‘أنا الخادم الخاص للسيدة بليندا! أعني… ما زلت متدربًا، لكن…’
أمسك بالسيف من جديد، وبدأت قبضته تشتد شيئًا فشيئًا.
هووف!
‘قالت إنها إن أكلت جيدًا ونشأت بسرعة، ستجعلني خادمها الخاص!’
هووف!
‘سأكبر بسرعة وأصبح أطول وأقوى من أي أحد!’
هووف!
‘لن أسمح أبدًا لذاك اليو بأن يغلبني!’
كان هذا شعورًا غريبًا وجديدًا على ليو، الطفل الذي اعتاد الاستسلام والتنازل، حتى إنه لم يدرك أنه يشعر بالغيرة.
وفي خضم هذه المشاعر، بينما هو يشتعل حماسًا ضد “ليو” الذي لم يلتقِ به في حياته…
“إن وضعت مشاعرك هكذا في ضربتك، ستنحرف شفرة السيف نحو وجهة لا تقصدها.”
أمسك سيزار بسيف التدريب الثقيل الذي كان يصدر صوتًا صاخبًا من يد ليو المرتجفة.
“سيدي الفارس…”
كان قد بذل جهدًا كبيرًا لدرجة أن يده راحت ترتجف.
“يكفي اليوم، ارتح الآن.”
“نعم…”
جلس ليو تحت ظل الشجرة مطأطئ الرأس.
لم يغادر الفارس بل جلس إلى جانبه في صمت، يرافقه كعادته.
وبعد تفكير طويل، رفع ليو رأسه وسأل سيزار:
“هل كان هناك أحد تمنيت أن تهزمه بشدة؟”
“لا.”
“آه… وماذا لو قابلت فارسًا أقوى منك؟”
“لم ألتقِ بأحد أقوى مني.”
يا للأسف، لم يكن سيزار مستشارًا جيدًا للغاية.
لكن ما إن رأى خيبة الأمل على وجه ليو، حتى أدرك ذلك أيضًا.
توقف لبرهة طويلة كما لو كان يعود إلى اللحظة الأولى حين لم يعرف كيف يتعامل مع ليو في الدروس، ثم قال ببطء:
“بدلاً من التفكير في من أريد هزيمته، أفكر دائمًا في من يجب علي حمايته، هذا يجعل ضربتي أكثر حدة.”
“ومن هو الذي يجب عليك حمايته؟”
رفع ليو عينيه نحوه وسأله ببراءة.
تحت أشعة الشمس التي تسللت عبر أوراق الأشجار، كانت عيناه صافيتين للغاية، حتى إن سيزار لم يستطع أن يخبره بالحقيقة: أنه فقد كل من كان عليه حمايتهم.
لذا لجأ إلى حيلة الكبار.
“بما أنني فارس الآنسة بلانش الآن، أفكر فيها حين أقاتل.”
أخذ ليو يدير عينيه بحذر ثم سأل:
“ستظل فارس السيدة بليندا دومًا، صحيح؟”
هذا السؤال جعل سيزار يتجمد.
من الأساس، الوقت الذي سيقضيه إلى جانبها كان محدودًا.
بعد أن تُسلّم بليندا رسميًا رئاسة العائلة وتمنحه المنجم، عليه أن يغادر العاصمة ويعود إلى الشمال… لأداء واجبه الأخير.
صحيح أنه ينوي الاعتراف بكل شيء لها قبل رحيله، لكن مشاعره… تلك وحدها، سيخفيها إلى الأبد.
فاللعنة التي تلطخ روحه قد تؤذي من يحب، ولهذا… من أجل سلامتها، يجب أن يبتعد.
لكن، لو لم تكن هذه الظروف موجودة…
لو لم يكن سيد الشمال، ولم يكن عليه هذا الحمل، ولو سُمح له بأن يكرس حياته كلها لحماية شخص واحد، حتى دون مقابل…
عندها…
“إن كان ذلك ممكنًا، فسأدفع أي ثمن لأجل ذلك.”
نظر إلى الغرفة التي تقيم فيها بليندا، وختم كلامه بصوت هادئ كعادته:
“وسأفعل ذلك بكل سرور.”
التعليقات لهذا الفصل " 129"