الحلقة مئة وثمانية وعشرون.
“سيدتي، رب العائلة أوصاني أن أنقل لك هذا الكلام.”
تنفس الرجل بعمق مرة واحدة، ثم تابع بسرعة:
“قال: ‘سيلفيو ما يزال يرى أن أنقى الدماء وأشرفها تسري في عروق هذه الفتاة.'”
كان يقلد صوت شيخ متحجر الرأي، وهو يحكّ مؤخرة رأسه بخجل بعدما نقل رأي عائلته.
“ولهذا فإن سيلفيو يرشّح السيدة بليندا بلانش لتكون ربّ العائلة القادم.”
وهكذا، بات واضحًا أن العائلات الثلاث التابعة تؤيد جميعها بليندا لتخلف ربّ العائلة.
لم يعد بوسع ممثل الفرع الجانبي، الذي فشل حتى في تأجيل خلافة بليندا، أن يتمالك نفسه، فضرب الطاولة بعنف وهو ينفجر غيظًا:
“يا لكم من حيوانات لا تعرف معنى الوفاء! التهمتم الرشاوى حتى شبعتم، ثم طعنتمونا في الظهر؟!”
“كخ، كخ، لا أفهم ما تقصده إطلاقًا… ألم تكن تلك تبرعات لتطوير الفنون العظيمة؟ هكذا قلتها بنفسك، فكيف تسميها الآن رشاوى؟ غريب أمرك.”
“والدي، كما تعلمون، يتبرع بكل مبلغ لا يعرف مصدره أو وجهته لأعمال الخير، لذا، إن كنتم قد أرسلتم له شيئًا، فلا شك أنه استُخدم في موضع حسن، فلا داعي للغضب.”
عند سماع ردّ كل من ابن ربّ عائلة راتشيل، وربّ عائلة سيلفيو، لم يستطع ربّ عائلة دوكوف إلا أن يهز رأسه بيأس.
كان ردهم وقحًا وفجًّا إلى حد جعل حتى ممثل الفرع الجانبي للعائلة عجز عن الردّ.
عندها، قطعت بليندا الصمت القاتل بصوتها الهادئ:
“أحبائي من العائلة.”
ارتفعت رؤوس أفراد الفرع الجانبي نحو رأس المائدة.
حين وطئت أقدامهم هذا القصر أول مرة، لم تكن بليندا سوى فتاة حمقاء حالفها الحظ ونجت من محكمة التطهير المقدّسة.
لكنهم الآن يواجهون امرأة وكأنها كانت تتوقع هذا السيناريو مسبقًا، بهدوء وثقة لا يتزعزعان.
“إن كان لأحدكم اعتراض على نتيجة الاجتماع، فليتفضل بالحديث بصراحة، فقط، إن كنتم ستفتحون أفواهكم، فتهيّأوا لتحوّلي إلى عدوٍّ لا يرحم.”
جلوسها في هذا المقام لم يكن صدفة، ولا حظًا، ولا ضربة قدر.
وحين طال الصمت الخانق، ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة:
“لا اعتراض من أحد، إذن؟ حسنًا، فلنستمتع بالعشاء الرسمي بقلوبٍ مرحة، أليس كذلك؟”
***
كان أفراد الفرع الجانبي قد قدموا إلى قصر آل بلانش وهم يضحكون ويمنّون أنفسهم، لكنهم خرجوا منه ووجوههم كمن مضغ التراب.
لو أن واحدة فقط من العائلات التابعة الثلاث عارضتني، لكانوا وجدوا ثغرة ما للمماطلة وكسب الوقت، لكن لحسن الحظ، أعلنوا جميعًا دعمي.
لكن إن كنت صادقة مع نفسي، فلم أكن أتوقع أن يدعمني ربّ عائلة سيلفيو.
وأن يكون السبب تمسّكه بأنني ما زلت الوريثة الشرعية ذات الدم النقي؟ هذا… لا يُصدق.
‘هذا النوع من الناس سَيخسر كل شيء لو دخل البورصة.’
حتى لو رأى بأم عينه الرسم البياني ينهار، لن يتراجع عن رأيه، لكن، بفضل عناده الشديد هذا، استطعت أن أتنفس براحة.
وبينما كان الضيوف يغادرون واحدًا تلو الآخر، اقترب مني ابن ربّ عائلة سيلفيو، وقد خفّض صوته وهمس سرًّا:
“أشعر بالحرج الشديد لإزعاجك، لكن… لم أجد أحدًا آخر ألجأ إليه.”
‘هاه، إذًا القصة كلها تمويه؟ دعمهم لي كان مقابل خدمة؟’
أومأت برأسي دون أن أخفف من حذري:
“قل ما لديك.”
“أبي… غاضب، جدًا.”
“هاه؟”
“لقد ذهبت بنفسك إلى البارون راتشيل والكونت دوكوف، لكنه قال إنك لم تذهبي إليه، مما أحزنه كثيرًا، وعندما قلت له: ‘إن كنت متضايقًا، فاذهب بنفسك’، غضب وقال: ‘بأي وجه أزورها الآن؟’…”
“أدرك أنه طلب وقح، لكن… إن لم يكن لديك أي ضغينة تجاهه، هل يمكنك زيارته؟”
“…سأحرص على زيارته قريبًا.”
“حقًا؟! شكرًا جزيلًا!”
ارتسم على وجهه تعبير من أُزيح عن صدره جبل، ثم ركب عربته بسعادة غامرة.
على ما يبدو، فإن ابن ربّ عائلة سيلفيو يعاني من هموم مشابهة لما يعانيه ابن ربّ عائلة راتشيل، بسبب والده.
وبعد أن ودّعت آخر ضيف، فقط حينها شعرت بأن كل شيء قد انتهى.
شعرت بشيء من التعب فقلت كعادتي للخادم:
“أرسل أحدهم إلى الجناح لإعداد الشاي وبعض الحلويات، عدد الحضور سيكون ستة، بينهم طفل، ولكن مشروبه حلو قليلًا.”
“حسنًا. ولكن… هل لا تنوين الانتقال للسكن في المبنى الرئيسي؟”
نظرت للحظة إلى السقف العالي الفاخر للمبنى الرئيسي.
ربما عاشت بليندا طفولتها في هذا القصر الفخم، لكنه، للأسف، لا يشعرني بالدفء مثل الجناح الجانبي.
“العمل واستقبال الضيوف سيكون هنا كما هو، لكن حياتي اليومية ستظل في الجناح لذا، زِد عدد العاملين هناك.”
“كما تأمرين.”
رغم أنني بالكاد أستطيع مجاراة هذا الجدول اليومي المزدحم، إلا أنني لا أستطيع أبدًا تفويت جلسة الشاي اليومية مع عائلة الجناح.
***
في العاصمة الملكية بشهر مارس، هناك مثل شائع يقول: “غيرة ملكة الربيع”.
وهو تعبير عن تقلبات الطقس الحادة في بدايات الربيع، ولسوء الحظ، كان اليوم أحد الأيام التي اشتدت فيها تلك الغيرة.
رغم أن الخدم بذلوا جهدًا كبيرًا لإعداد طاولة الشاي في حديقة الجناح، إلا أن الجو بدأ يبرد في الظهيرة، فتساءلت ما إن كان علينا الانتقال للداخل.
“يبدو أن سيدتي بحاجة لسحر الحماية اليوم.”
حين نطق تشاشر، آخر المنضمين إلى جلسة الشاي، بهذا، توترت الوجوه، لكن سرعان ما ارتسمت تعابير الانزعاج على وجوههم بعد أن أكمل:
“فالربيع سيغار منها بالتأكيد… لأنها فاتنة جدًا.”
“أوه، لو أنه فقط يتوقف عن الكلام…”
تمتمت تيري وهي تتصدر المجموعة، لكنها لم نتمكن من متابعة التذمر، لأن تشاشر قال بابتسامة:
“كستناء الفئران، هل أستطيع استعارة توري للحظة؟”
وما إن بدأ بتفعيل السحر عبر حجر المانا الخاص بليو، حتى أحاطت بنا نسمات ربيعية دافئة.
وهكذا تمكّنا من الاستمتاع بجلسة الشاي رغم برودة الطقس.
“سيدتي، إذًا ما تبقّى هو فقط مراسم الخلافة، أليس كذلك؟”
إن تنصيب ربّ العائلة الجديد يُعتمد رسميًا بعد الحصول على ختم الملك، ويتم ذلك خلال حفل الربيع الملكي، الذي لم يتبقَ عليه سوى أسبوع.
أومأت متأوهة من الإرهاق الذي بدأ يتسلل إليّ، فقط لتبدأ تيري، بصفتها مساعدتي الآن، بالتفكير في ملابسي للحفل، جادة في دورها كمرافقة محترفة.
تيري، التي باتت تشغل أيضًا دور كبير الخدم في الجناح، ستكون مشغولة جدًا في الأيام القادمة وهي تُرافقني.
“أفكر في طرح أدوات سحرية جديدة في الورشة… آه، وسأواصل تطوير ‘نبع كل شيء’ أيضًا.”
قالت فيفيان، هذه المرة بصوت يحمل شيئًا من الثقة.
ورغم أن برج السحر لا يزال يرفض الاعتراف بـ”منبع كل شيء”، فإن فيفيان لم تعد تكترث لذلك.
ومما أسعدني، أنها تخلّت عن عادة إطلاق اسمي على جرعات العلاج، واحتفظت بالاسم الأصلي “منبع كل شيء”، الذي صار مألوفًا لدينا.
بعد أن أنقذت تيري بتلك الجرعة، يبدو أن فيفيان بدأت تؤمن بنفسها.
“سيدتي، كان الأجر مبالغًا فيه قليلًا… هل يمكنني سداد الباقي بجسدي؟”
كان تشاشر يقصد أجره مقابل مساعدتي في منطقة العطلة الشتوية، وتغليف الجناح بسحر وقائي تحسّبًا لأي هجوم من شوفيل.
طلب الحصول على أحجار مانا كمقابل، وكنت قد أعطيته كمية كبيرة، ربما أكثر مما ينبغي.
والآن بدل أن أنزعج من طريقته المريبة في قول الأمور، أومأت برأسي وكأن الأمر عادي:
“كلا، سأخصم ما تبقى من أجرك كمصاريف لتعليم جرذي الصغير.”
وهنا تصدّعت قليلًا الابتسامة المتماوجة على وجه تشاشر.
أخيرًا، نظرت إلى ليو والسير بيناديل بالتناوب.
من يرى هذين لقال إنهما معلم وتلميذه فعلًا يجلسان جنبًا إلى جنب، يمضغان الكعك بصمت منذ قليل.
دفعت نحو ليو كوبًا من الكاكاو الفاتر وسألته:
“جرذي الصغير، هل حصل شيء اليوم؟”
“هـه؟ لا، لا شيء… لم يحدث شيء.”
“لكن ملامحك تقول العكس، كأنك مشغول البال.”
“في الحقيقة… بينما كنت أنظف غرفتي، رأيت شيئًا لم يكن ينبغي أن أراه…”
شيء لا يجب رؤيته؟
‘أيمكن… صرصور؟!’
لكنه لم يقل شيئًا آخر، فقط ارتشف من الكاكاو مجددًا وهمس وعينيه لا تزالان غارقتين في الغيوم:
“لا، لم يكن شيئًا مهمًا…”
واضح جدًا أنه يكذب، لكن لا يمكنني إجباره على الاعتراف بما لا يريد البوح به.
اكتفيت بمسح رغوة الحليب عن شفته العليا، ثم نظرت نحو السير بيناديل:
“وأنت؟”
“أنا؟”
“تبدو مهمومًا أيضًا، ما بالك؟”
رغم أن وجهه مخفي خلف القناع كعادته، فإنني، وقد قضيت وقتًا كافيًا برفقته، شعرت بأن هناك شيئًا مختلفًا في أجوائه.
“… لا يمكنني البوح الآن.”
“لماذا؟”
من خلال فتحة القناع، التمعت عيناه المعتمتان وهو يتفحص الحاضرين.
“أظن أن التوقيت غير مناسب… لكن، بعد حفل الخلافة، هل يمكنك تخصيص وقت لي؟”
التعليقات لهذا الفصل " 128"