الحلقة مئة وثلاثة عشرون.
“عهد؟ تقصد…؟”
“سيدي الكاهن الأعلى، أنا رجل جبان بطبيعتي، وإن تمكّنت أختي من الفرار من المحكمة الإلهية بأسلوب خسيس، فأنا أخشى أن تنتقم مني لاحقًا.”
“لهذا، أرجو منك أن تُعاهدني بقسمٍ باسم الرب.”
انتقلت زمام الأمور إلى شوفيل دون أن يلاحظ الكاهن الأعلى،
فقد أعماه بريق الذهب عن إدراك ما يجري أمامه.
الكيس الصغير الممتلئ بعملات الفضة
جعل كلمات شوفيل تُستقبل كما لو كانت كلمات إلهية.
لكن الكاهن الأعلى كان يعلم خطورة القسم باسم الرب.
فلقد ضعفت قواه الإلهية نتيجة فساده وتقصيره في الصلاة.
وإذا خسر المزيد، قد يُجبر على التخلي عن منصبه ككاهن أعلى.
والقسم الذي يُخلف يُنقص القوة الإلهية بشكل هائل.
بينما كان وجهه يتشنج بتردد،
قال شوفيل:
“كل ما أطلبه… أن لا تسأل بوضوح ثلاث مرات إن كانت بليندا بلانش ساحرة سوداء عند استخدام عين الحقيقة.
هذا فقط، أقسم للرب بعدم طرح ذلك السؤال تحديدًا.”
“… هذا فقط؟”
“نعم، هذا فقط يكفيني لأطمئن.”
ابتسم شوفيل ابتسامة لطيفة، وسحب يده من على كيس الفضة.
“حسنًا، أقسم للرب، أنني لن أسأل بليندا بلانش بشكل صريح إن كانت ساحرة سوداء.”
وبينما أعلن الكاهن الأعلى ذلك،
لمع في عينيه الملبدتين بريق ذهبي خافت رمز للسلطة الإلهية.
“إذًا، سأجهز الشهود بنفسي،
أراك في المحكمة القادمة، سيدي الكاهن.”
وقف شوفيل من مجلسه بلا تردد.
ورغم أن جيوبه أصبحت أخف بكثير عما كانت عليه عند قدومه،
فقد بدا أن الثمن كان رخيصًا مقارنةً بما كسبه.
فبعد أن فشل مخططه لكشف تزوير رقائق القمار،
اضطر إلى سحب كل الرقائق وتكليف إعادة تصنيعها بالكامل،
مما كبّده خسائر فادحة هزّت مالية آل بلانش لفترة وجيزة.
لكن المصيبة لم تتوقف عند ذلك.
“أمي… تركت رسالة تتحدث فيها عن أصلي؟”
قال مساعده، الذي عاد مصابًا،
فضحك شوفيل ضحكة خاوية.
لو كان هناك إله، فلا بد أنه يكرهه بشدة.
وإلا، كيف يُمكن أن تسير كل الأمور لصالح بليندا بلانش؟!
لكن شوفيل كان يعتقد بأنه شخص يتحدى مصيره، لا من يرضخ له.
“أنا رأيتها بأمّ عيني، يا سيدي!
السيدة بليندا استخدمت الغربان… استخدمت مخلوقات شيطانية! إنها ساحرة سوداء!، يا سيدي! ساحرة حقيقية!”
“أتذكر تلك الإشاعات القديمة؟
قالوا إنها قدمت قرابين في غرفة مغطاة بالدماء ، عندما أُفكّر بها الآن…”
كلمات الخادمة ماري كانت كالشرارة.
عندها خطر لشوفيل خاطر مشرق:
“قدرتها على التحكم بالمخلوقات…
إن تمكّنا من ربطها بالسحر الأسود…”
لقد فشلوا مرارًا في اغتيال بليندا.
ولو عادت مجددًا إلى الكازينو قبل أن يعوّض خسائره،
فسيكون الخراب حتميًا.
وإن لم يستطع قتلها بقوة البشر،
فليستخدم اسم الرب لفعل ذلك.
“إرادة الإله… يصعب فهمها.”
تذكّر حين رآها لأول مرة،
وقد أيقظت قدرتها لحماية نفسها من هجوم المخلوقات.
في تلك اللحظة، فقد إيمانه.
تلك الفتاة، التي لم تكتفِ بأن تكون من دم نبيل،
بل حظيت أيضًا بقدرة خاصة…
في حين أنه، رغم كل سعيه، لم يحصل على شيء.
لكن يا للسخرية ما ظنتها نعمة، سيكون لعنتها.
وفي ذلك اليوم، اجتاح خبر اعتقال بليندا بلانش بتهمة السحر الأسود العاصمة بأكملها.
الكل في العاصمة كان يتحدث عن شيء واحد.
حتى في نادي الفروسية، لم يكن الحديث مختلفًا.
“يقولون إنها لم تستطع حتى تعيين محامٍ مناسب، وستُحاكم غدًا!”
“عن أي محامٍ تتحدث؟ إنها محكمة إلاهية!
المحامون لا وزن لهم هناك ، ليست كأي محكمة عادية.”
“السحر الأسود، يا رجل… شيء فظيع ومثير للسخرية في آنٍ واحد.”
“انتظر، ماذا عن مهرها؟ هل ستُصادر أموالها؟
هل ستذهب إلى خزينة الدولة؟!”
كانت الكونتيسة راشيل دوكوف، من عائلة دوكوف، تستمع بهدوء
وهي تعدّل سرج حصانها.
الحدث الذي وقع قبل يومين ، اعتقال بليندا.
والمحكمة المرتقبة غدًا.
كل شيء يسير بسرعة غريبة… غير طبيعية.
الهدوء الظاهري كان يخفي تيارات هائلة.
“لكن ما يثير الشك حقًا ليس ذلك…”
تذكّرت الرسالة التي وصلتها منذ ثلاثة أيام.
في ساعة متأخرة من الليل.
لا تدري كيف تمّ تدريبه،
لكن غرابًا أسود، بدلًا من حمام، طرق نافذتها.
مربوط في ساقه كانت هناك ورقة صغيرة،
كُتب فيها:
“سأطلعك على الحقيقة التي سترجّ ميزانك الذهبي، إن كنتِ تملكين الشجاعة، احضري إلى المحكمة التي ستدينني.”
“ميزانك الذهبي…”
لم يُذكر المرسل، لكن كان واضحًا أنها من بليندا.
ما حيّرها هو المضمون نفسه.
ما معنى محكمة تدينني؟!
ظنّت حينها أنها استعارة شعرية غامضة.
لكن في اليوم التالي،
انتشر خبر اتهام بليندا بالسحر الأسود في العاصمة.
والأغرب من كل ذلك،
أن الرسالة وصلت قبل يوم من توجيه التهمة.
“دوكوف، هل ستشاركين في الجولة اليوم؟”
سألها أحد الأعضاء.
تردّدت للحظة، ثم هزّت رأسها.
“لا ، لديّ محكمة يجب أن أحضرها غدًا
يجب أن أبدأ التحضير فورًا.”
***
تُعقد المحاكم الإلهية في أكثر المواقع قداسةً وفخامةً.
لأنها تُعتبر الميدان الذي يُظهِر فيه الرب قوته للعامة.
دخلت بليندا معبد العدالة كان ذو سقف شاهق، وجدران مزيّنة بزجاج ملوّن يتلألأ بألوان النور الإلهي.
وقفت على منصة عتيقة في وسط القاعة،
تُحيط بها مقاعد مرتفعة كمدرج روماني،
حيث تترصّدها عشرات النظرات.
هنا يُصدر وكيل الرب حكمه.
[ القاضي: الكاهن الأعلى،
الوحيد القادر على استخدام “عين الحقيقة”،
القدرة الإلهية : كشف الكذب.]
“بليندا بلانش، لقد تم اتهامك بأستخدام السحر الأسود وها أنتِ تقفين هنا أمام الرب، كمذنبة.”
بدأت المحكمة.
تم استدعاء الشهود،
واستجوابهم بواسطة اثنين من القضاة المساعدين.
الأكثر حماسًا بينهم كانت خادمة سابقة لبليندا.
ادّعت أنها رأت بليندا تتحكم بالمخلوقات،
ووصفتها بالشريرة، بلا تردد.
طوال الوقت، التزمت بليندا الصمت.
بل بدت… مُستاءة.
كأنها تُشاهد مسرحية رديئة.
وحين أنهى الشهود شهاداتهم،
أعلن القاضي:
“باسم الرب، وكوكيل له،
سأطرح على المتهمة ثلاث أسئلة تحت ‘عين الحقيقة’.”
“عين الحقيقة” تمنح ثلاث فرص فقط.
بعدها، يُصبح الشخص حرًا من الحكم الإلهي.
لذا، الأسئلة يجب أن تكون محددة،
قادرة على كشف الحقائق مباشرة.
رفع القاضي يده، مستدعيًا القوة الإلهية.
فتألّقت نوافذ الزجاج الملوّن،
وأضاءت أضواء خافتة، كأشعة شمس العصر، المعبد بأكمله.
انبهر الجمهور،
وحين هدأ، طرح القاضي سؤاله الأول:
“بليندا بلانش،
هل تتحكمين بمخلوقات غير بشرية؟”
رفعت بليندا رأسها.
وفي لحظة، وسط وجهها الجامد،
ظهرت ابتسامة طفيفة.
“نعم.”
حددت “عين الحقيقة” أنها تقول الحقيقة.
“إنها الحقيقة.”
هاج المكان.
“مخلوقات؟!”
“كيف تجرؤ على مثل هذا الفعل الفظيع؟!”
لكن بليندا لم تلتفت للصراخ،
بل نظرت مباشرة إلى القاضي:
“قبل أن تطرح السؤال الثاني، لدي اعتراض.”
“… لكِ ذلك.”
“صحيح أنني أتحكم بمخلوقات،
لكنها ليست نتيجة سحر اسود، إنها ناتجة عن قدرتي الخاصة.”
“وما الفرق بين قدرة تتحكم بالمخلوقات والسحر الأسود؟!”
صرخ أحد القضاة، بجنون.
فابتسمت بليندا بسخرية.
فقد كانت قدرة عائلة بلانش فريدة،
لكن لم يُعرف عنها شيء خلال آخر 100 عام.
“قبل أكثر من 100 عام،
فحتى أديليا بلانش أخفت قدرتها لقد نُسيت القدرة من التاريخ.”
ولكن الكاهن، غير المواطن في كزينوس،
هاجمها دون حتى أن يسأل.
لا شك أن شوفيل دفع له رشوة.
«في اللعبة الأصلية، لم تكن الكنيسة فاسدة بهذا الشكل، أترى، جوزيبي هو من أصلحها لاحقًا…»
حتى في هذا الموقف، فكرت بليندا بتلك التفاصيل.
ثم تابعت:
“هذا هو جوهر المحكمة الإلهية، أليس كذلك؟ تمييز الحقيقة عن الكذب ، لكن يبدو أن الجميع هنا مخدوع بشيء واحد…”
نظرت بليندا بثقة إلى الجمهور، وعندما التقت بعيني شوفيل ،ابتسمت كأنها تسخر منه:
“قدرة عائلة بلانش، هي إبرام العقود مع الكائنات غير البشرية، وبالتالي، ما أتحكم به… ليس مخلوقات ، بل… جنيات.”
التعليقات لهذا الفصل " 123"