الحلقة مئة وواحد وعشرون.
كانت المعركة بين تيري وهاوند هادئة في الصوت، لكنّها شرسة للغاية.
لم تُسمع خطواتهما، لكن تصادم أسلحتهما كان كافيًا لإشعال شرارات متطايرة.
لم يُصدر أحدهما أنينًا يدل على الألم، لكن الأرض الموحلة تلطّخت باللحم والدماء.
وفي النهاية، كانت تيري هي أول من سقط أرضًا.
دفع!
ركلها هاوند بقوة، فاندفعت بعيدًا وارتطم جسدها بالأرض.
حاولت أن تنهض على الفور، لكنها جَمُدت في مكانها حين شعرت بثقل قاتل يضغط على بطنها.
“تيري، استسلمي.”
قالها هاوند بصوت خالٍ من أي إحساس، وهو ينظر إليها من الأعلى.
تحت حذائه الذي استقر على بطنها،
كانت هناك شفرة رفيعة كبرعم ورقة صفصاف، حادّة لا تملك حتى مقبضًا،
تغرس نفسها بهدوء في جلدها.
لو زاد هاوند من ضغط قدمه ولو بقدر بسيط،
أو لو تحرّكت تيري قيد أنملة،
فستخترق تلك الشفرة جسدها بلا رحمة،
مستهدفة البنكرياس ، العضو الأصعب في العلاج عند إصابته.
إنها طريقة كلاب الشوارع المثالية.
“الآن، على الأرجح أن رجالي قد لحقوا بالعربات الثلاث الأخرى،
كل ما أريده هو حياة الموثق، ورسالة السيدة إليانور.
وإن أقسمتِ على إعادة الرسالة والتراجع
فقد أُبقي على حياتك، احترامًا لماضينا.”
اللعنة.
كتمت تيري الشتيمة في صدرها.
كان هناك شيء غريب حقًا.
بمستواه هذا، كان يستطيع قتل الموثق بسهولة منذ مدة.
فلماذا انتظر حتى الآن؟
الآن فقط فهمت.
كان يراقبها، ينتظر اتصالها بالموثّق،
ليكتشف هدفها، وما الذي يخفيه هذا الرجل.
“يا له من شيطان دقيق في خططه.”
لكن لحسن الحظ، لم تكن الرسالة معها في تلك اللحظة.
استنشقت تيري نفسًا عميقًا ، حتى ذلك تسبب في غرس الشفرة أكثر داخل جلدها.
لكنها لم تتردّد.
مدّت يدها وأمسكت بكاحل هاوند بقوة، ناظرة إليه بعينين حادتين:
“لا تتفلسف ، أي رسالة تلك التي سأُعيدها؟
هاوند، هل نسيتَ كيف نجوت من ساحة القتال؟”
ثم سحبت قدمه فجأة نحو صدرها.
طعنة.
صوت مرعب، كما لو أن شيئًا حادًا اخترق غشاء رقيق، تردّد في ذهن تيري.
هاوند لم يتوقع منها أن تجر قدمه رغم أنها تعلم أن الشفرة ستدخل بطنها ، لذا فقد توازنه للحظة.
تيري لم تُهدر تلك اللحظة.
رغم أن حرارتها الداخلية كانت تشتعل كأن نارًا تبتلعها من الداخل،
تجاهلت الألم، وسحبت نصلًا صغيرًا بحجم إصبع، كانت تخفيه عند معصمها.
سش.
“آه!”
لكن ضربة العين لم تصب الهدف بدقة ، خدشت فقط جفن هاوند.
تراجع هاوند خطوتين إلى الوراء،
بينما كانت تيري تمسك بطنها وتنهض بسرعة.
كانت الشفرة قد غاصت بالفعل في بطنها إلى حدٍّ عميق لا يُرى طرفها.
“هاه… هاه…”
مع كل نفس، تصدر من حلقها أصوات مشوّهة.
ثم خرجت من فمها كتلة دموية غليظة ،
من الواضح أن أعضائها الداخلية قد أصيبت إصابة مباشرة.
“أجل… هكذا كنتِ تنجين دائمًا، لقد نسيتُ ذلك، للأسف.”
لم يكن ما يخيف منها هو مهاراتها في السحروالسموم،
بل كونها مجنونة حقيقية،
تضحك وهي ترتمي نحو الموت.
تمامًا كما الآن.
“انتهت المفاوضات، إذًا.”
مسح هاوند الدم الذي يغطي عينيه، وأمسك سلاحه بإحكام.
لقد هربا سويًا من ساحة القتال ذات يوم،
لكنهما الآن يرفعان السلاح أحدهما في وجه الآخر، ساعيين إلى القتل.
لكن الزمن تغيّر.
في الماضي، كانا يقتلان للبقاء.
أما الآن، فلكل منهما معتقده وهدفه.
هاوند همّ بالتحرك نحوها،
لكن بصره بدأ يتشوّش فجأة.
رمش بعينيه ،
رغم أن تيري خدشت جفنه فقط،
إلا أن الرؤية بدأت تنطمس.
لقد استخدمت السم.
لكن حتى مع ذلك، لم تخف تيري.
فهاوند كان من النوع الذي يستطيع قتلها حتى وهو مغمض العينين.
ومع ذلك، لم تستطع كتم ابتسامة خرجت رغماً عنها:
“هاوند… في ساحة القتال، من يموت يخسر،
لكن في هذا العالم، الأمور مختلفة.”
دويٌّ بعيد بدأ يتردد في الأرض.
صوت خيول قادمة.
من واحد فقط.
لا يمكن أن تكون الحراسة.
هاوند تراجع قليلًا، لكنه لم يفقد تركيزه.
كان يعلم أن تيري لا تملك أي حليف سوى جيري،
وجيري، حسب علمه، غادرت مع إحدى العربات.
لذا، لا يوجد خطر… أو هكذا ظن.
“في هذا العالم، من ينجو هو من ينتصر،
لكن أنت، تتصرف وكأنك فزت…
كما لو أنك ما زلت داخل ساحة القتال.”
“أحمق كما عهدتك، لقد ربحتُ، هاوند.”
مرّ الحصان بجانبه بسرعة كبيرة.
“أختي! يدك!”
جيري، الذي كان على ظهر الحصان، مدّ يده نحو تيري،
فأمسكت به تيري بقوة، وقفزت على ظهره.
أدرك هاوند الموقف بعد لحظة متأخرة،
فرمى خنجره، لكنه لم يصب إلا مؤخرة رقبة جيري ، خدش بسيط فقط.
“آآخ! هذا الوحش! أحقًا لا ترى شيئًا؟ كاد يقطع عنقي!”
صرخ جيري وهو يلوّح بالسوط.
في الواقع، لم تكن تيري ولا جيري ضمن العربات التي غادرت مسبقًا.
بل تم دفع المال للسائقين والحمالين ليتنكروا في هيئة الموثق وجيري.
بمعنى آخر، لم يتركوا المقاطعة أصلًا.
رجال هاوند أدركوا الآن فقط أنهم خُدعوا.
“أخفيتُ الموثق مسبقًا، يمكننا الآن العودة للعاصمة.”
“…….”
“أختي؟ لماذا لا تردين؟”
“……….”
ركض جيري وهو يلتفت للخلف بقلق:
“هل… هل متِ؟”
“أختي تيري! لستِ ميتة، صحيح؟ لا تموتي!
سآخذك للطبيب، فقط اصمدي.”
“… لم أمت، خذني إلى قصر السيدة بلانش.”
“ماذا؟! هل جننتِ؟ ستموتين حقًا!”
“لو توقّفنا ولو للحظة… سيتبعنا…”
همست تيري، وصوتها يتلاشى.
فهاوند لديه مناعة جزئية ضد السم،
وسيفيق قريبًا.
إن توقفوا للطبيب الآن، فسيُدركهم… وسينتهي كل شيء.
“قصر بلانش هو الأكثر أمانًا.”
“لا أريد! سنذهب للطبيب!”
“اسمعني يا جيري… ذلك الوغد وحش حقيقي،
لكن في جناح بلانش، هناك وحش أسوأ منه.”
فهاوند، رغم كل شيء، لم يجرؤ على الاقتراب من القصر،
لوجود الفارس الوفي السير بيناديل إلى جانب بليندا.
ما من مكان أكثر أمانًا الآن.
***
فجرًا، في وقت متأخر.
استيقظت على صوت طرق عنيف على باب القصر،
يدوي حتى الطابق الثاني.
رأيت عربة مستأجرة مجهولة تقف بالخارج.
صعدت خطوات ثقيلة بسرعة ، كانت فيفيان
تدخل غرفتي دون إذن، وجهها شاحب كالثلج.
“آنسة بي، بي، بليندا! السي… السيدة تيري عادت، لكنها…”
لم تستطع إكمال الجملة، كانت ترتجف.
شعرت بشيء ثقيل في صدري.
“… السيدة تيري عادت؟”
فتح ليو الباب، يفرك عينيه، وقد استيقظ من الضجة.
“حسنا… لكن ليو، ابق هنا، لا تغادر الغرفة.”
ثم تبعت فيفيان إلى الطابق الأول.
استشعرت الخطر حين شممت رائحة الحديد الكثيفة خلف الباب.
لا… هذه ليست رائحة الحديد، إنها دماء.
“تيري؟”
كانت ممددة على السرير.
الملاءة البيضاء تحوّلت إلى قرمزية بالكامل.
“بليندا! ط، الطبيب! أختي قالت ان نأتي إلى هنا،
لكن لم نرَ طبيبًا بعد… قد تموت!”
جيري الذي كان قد رأيته عدة مرات من قبل،
تعلّق بي وهو يبكي.
لكنني كنت عاجزة عن الكلام.
هل الطبيب سيكفي؟ هل يستطيع أحد أن يعالج حالتها…؟
بدا الأمر مستحيلًا.
“نحتاج إلى كاهن…”
الطب في هذا العالم لا يُعتمد عليه.
الكاهن أفضل… لكن…
هل سيأتي أحد؟
حتى عمي استخدم ثروة ونفوذًا ليجلب أحدهم.
أما أنا؟ مجرد فتاة نبيلة بلا قوة أو مال.
إن ماتت تيري الآن…
“سيدتي…”
رأتني تيري أخيرًا ، ابتسمت بابتسامة مشرقة على غير عادتها.
“أوه… أول مرة أراكِ بهذا الوجه.”
“… أي وجه؟”
“كأنك ترين شخصًا سيموت،
لكنني لا أزال حيّة.”
قالتها كما لو كانت تلقيني تحية الصباح.
ذلك الوجه الطبيعي أيقظني فجأة.
نظرتُ إلى بيناديل، الذي كان يضغط على جراحها، ثم قلت:
“فيفيان، أحضريه.”
“ه؟ أ، أأأحضره؟ أي… أأه! حاضر!”
ركضت فيفيان وهي تبكي.
جلست إلى جانب تيري، وأمسكت بيدها بقوة.
لم أستطع الحديث، لأنني لو فتحت فمي،
لقلت لها لا تموتي
ولم أكن أريدها أن تسمع ذلك.
“سيدتي… هناك أمر لم أقله بعد…”
“لا تقولي شيئًا.”
“ماذا؟”
“وفّري هذه الكلمات لبعد الشفاء.”
“لا أريد.”
ردّت تيري بعنادها المعتاد.
“من اليوم، انتهت مهمّة ردّ الجميل
شكرًا لإنقاذك حياة والدي.”
“هذه الكلمات… احتفظي بها لِما بعد.”
“لو كنت فقدتُ والدي فجأة،
لكنتُ اندفعت للانتقام ومُتُّ غبيّة،
وتدمر كل شيء… وتعب جيري سيذهب هباءً.”
لم أعد أحتمل سماعها تروي أحداث لعبة هيرومي الأصلية.
“تيري، اصمتي.”
“لن أصمت ، حتى لو ظللت أزعجك،
لن تعاقبيني، أليس كذلك؟ لأنني مريضة!”
ثم، وبشكل مفاجئ، أمسكت يدي بقوة.
“من الآن فصاعدًا، لا أريدكِ كسيدتي بسبب جميلٍ، بل من دون أي سبب، فقط لأنني أريدكِ كذلك.”
“أنا… لن أموت، أرجوكِ، صدّقيني، فهل تقبلين؟”
بدأت عيناها تفقدان النور، فشدّدت على يدها المرتجفة:
“أقبل ، لذا، تيري…”
دفع!
“آنسة بليندا! أحضرته!”
فيفيان، تلهث، سلّمتني القارورة الحمراء.
سكبتُ سائل نبع الحياة في فم تيري،
ثم همست لها بتحذير:
“أولًا… ابقي على قيد الحياة.”
وامتدّت الحياة من جديد في عروق تيري.
التعليقات لهذا الفصل " 121"