الحلقة مئة وأربعة.
بمجرد أن خطوت خطوة واحدة داخل الباب، شعرت وكأن الزمن قد تبدّل تمامًا.
في الخارج، كانت السماء تمطر بهدوء في ليلة متأخرة، لكن داخل القصر، كانت أشعة شمس دافئة تتسلل عبر النوافذ وكأنها صباح باكر.
رمشت بعينيّ عدة مرات.
هل أنا في حلم الآن؟
أم ربما ما حدث في القصر الرئيسي كان مجرد حلم، واستيقظت منه للتو؟
المشهد أمامي بدا وكأن عقارب الزمن قد دارت إلى الوراء، وكل شيء بدا وكأنه هدية ملفوفة بعناية، تجسد حب ليو ببراءته وجماله.
كل هذا لم يكن يبدو لي حقيقيًا.
“عيد ميلاد، إذًا…”
لم أستطع أن أرفع عيني عن ليو الذي كان مزينًا بشريط، وتمتمت بهذه الكلمات بهدوء.
في تلك اللحظة، ظهرت تيري، التي أصبحت الآن كبيرة خدم محترفة، لتقودني إلى مكان ما.
“هيا، هيا، الآن ليس وقت الوقوف هنا يا سيدتي، هناك الكثير من الأشياء التي أعددناها ، ولكنك يا سيدتي قاسية ، خرجتِ منذ الصباح وأطلقتِ جوًا متجهمًا أينما ذهبتِ، ولم تعودي إلا في منتصف الليل، الآن، لم يتبقَ سوى ساعات قليلة من يوم عيد ميلادك.”
إذًا، لم أكن أتوهم، لقد سمعت بشكل صحيح.
“اليوم هو عيد ميلاد بليندا.”
كنت أعلم ذلك مسبقًا، من شظية من ذكرياتي القديمة، ولكنني لم أعر الأمر اهتمامًا كبيرًا، بالنسبة لي، لم يكن عيد الميلاد يومًا ذا أهمية.
ولهذا السبب…
“الجميع ينتظرونك.”
لم أكن أتصور أبدًا أنهم سيعدّون شيئًا كهذا.
وصلنا إلى قاعة العشاء الكبرى، حيث كانت أشعة الشمس الصباحية الباهرة تتسلل من خلال النوافذ الضخمة.
على الطاولة، كان هناك وليمة فاخرة قد بردت قليلاً، ولكنها ما زالت شهية ومغرية، رغم الوقت المتأخر، كان الجميع، من الضيوف إلى الخدم، جالسين حول الطاولة في انتظار حضوري.
“اجلسي هنا سيدتي، الجميع جائعون للغاية، خصوصًا فيفيان، التي أصبحت أكثر شراسة من المعتاد، لذا عليكِ أن تضعي شيئًا في معدتها على الفور.”
رافقتني تيري إلى المقعد الأعلى مكانًا، وسحبت لي الكرسي بحرص لأجلس عليه.
بمجرد أن جلست، بدا وكأن الجميع كانوا ينتظرون هذه اللحظة ليبدأوا بالكلام:
“آنسة بليندا، عيد ميلاد سعيد!”
كانت فيفيان، التي لم تأخذ نفس حتى، تهنئني بينما كان تركيزها بالكامل منصبًا على الخنزير المشوي الضخم أمامها.
“سيدتي، أعذريني، لكنني الآن بالكاد أستطيع التحرك لألقي التحية…”
توقفت عن الحديث فجأة، وكأنها موظف استنفد كل طاقته صباح الاثنين، وانهارت على الطاولة بعد أن شربت جرعة من جرعات الطاقة سحرية.
“عيد ميلاد سعيد.”
كانت تهنئة السير بيناديل مختصرة وبسيطة، كالعادة.
“سيدة بليندا! عيد ميلاد سعيد!”
صرخ الجميع بحماسة وترحيب.
“أوه… لقد هنأتني للمرة الثالثة بالفعل.”
ثم قالت تيري: “لقد استعنا بالسحر لجعل هذا القصر مغمورًا بضوء النهار بواسطة تعويذة ترحيب لذا، طالما لم يستنزف الساحر كل طاقته ويموت من الإرهاق، فإن الشمس لن تغرب، لذا، استمتعي بهذا اليوم الذي لا ينتهي، يا آنسة.”
حتى تيري، بابتسامتها الهادئة التي تُخفي وراءها شيئًا مرعبًا، قالت ذلك.
وأنا أستمع إلى التهاني من الجميع، بدأت أدرك ببطء…
إذًا، هذا هو ما يُسمى حفلة عيد ميلاد.
حاولت فتح فمي لأقول شيئًا، ولكن الكلمات رفضت الخروج.
لم أكن أعرف ماذا يُقال في مثل هذه اللحظات.
أثناء حيرتي في اختيار الكلمات، لفتت أشعة الشمس المحبوسة في راحة يدي انتباهي.
رغم أن تعويذة الترحيب لا يمكنها إعادة خلق دفء الأشياء أو ملمسها، إلا أنني شعرت، بطريقة ما، أن يدي، وصدري، بل جسدي بأكمله، يُدفأ كأنني أُمسك بحجر دافئ.
أغلقت يدي بإحكام وقلت أخيرًا:
“تناولوا الطعام.”
رغم أن كلماتي بدت أكثر جفافًا من المعتاد، لم يُظهر أحد أي انزعاج، وسرعان ما تحركوا لتناول الطعام.
كان الطعام قد برد تمامًا، لكن لم يبدِ أحد أي شكوى.
ثم قالت سوغا، التي كانت جالسة في زاوية الطاولة:
<ألا يمكن أن يكون عيد ميلاد بليندا كل يوم؟>
قررت أن أُسدي لها معروفًا، فأعطيتها حفنة من العملات الذهبية، كم كانت سعادتها غامرة!
وهكذا ذكّرت الجميع مرة أخرى بأن سعادة سوغا لا تُشترى إلا بالذهب.
تحت طاولة الولائم الطويلة، كان سيربيروس وحش الحراسة الشرس، يلتهم طعامه بسعادة غامرة، مُتقنًا دوره في الظهور وكأنه يهدد الجميع.
رغم أجواء الاحتفال، وبينما الجميع يستمتعون بوجبة أشبه بفطور الصباح في المساء، لم أستطع ابتلاع لقمة واحدة.
شعرت بالغثيان بشكل غريب، وكأن شيئًا في داخلي يتحرك ويُداعب بطني من الداخل.
اقترب ليو مني بعدما لاحظ أنني لم أتحرك، ومال برأسه نحوي وكأنه يهمس بسر:
“أظن أنني كنت متحمسًا جدًا ولم أُعبر عن مشاعري كما يجب! لذا، أريد أن أقولها الآن… عيد ميلاد سعيد حقًا، من كل قلبي يا آنسة بليندا!.”
كان قد هنأني بالفعل عشرات المرات، لكن بدا أنه شعر أن ذلك لم يكن كافيًا.
تأملت وجه ليو، المضاء بنور سحري لا يميل نحو أي جهة، يُظهر وجنتيه الناعمتين المغطاة بزغب طفيف.
لسبب ما، أعاد لي ذلك الوجه ذكريات الكلمات التي دفنتها في أعماق قلبي:
“لم أتمنَّ يومًا أن يكون لي عائلة.”
“لم أرغب أبدًا بطاولة تُعد لي وحدي.”
“ولا أن أسمع كلمة ‘عيد ميلاد سعيد’ في صباح يوم ميلادي.”
“ولا أن أجلس مع الجميع لتناول عشاء احتفالي.”
أدركت الآن أن كل ذلك لم يكن سوى قناع زائف.
في الحقيقة، لم يكن هناك لحظة واحدة لم أرغب فيها بشيء كهذا:
مائدة عيد ميلاد أُعدّت خصيصًا من أجلي،
عبارات تهنئني بمولدي،
وجبة مميزة تُثبت أن هذا اليوم هو الأهم في العام كله.
تقبلت بهدوء حقيقة أنني لطالما تطلعت في الخفاء إلى أشياء كهذه،
واعترفت لنفسي باستسلام بأمر لا مفر منه:
حتى لو بدأت لعبة هيرومي، فلن أتمكن من مغادرة هذا المكان أبدًا.
هذا العالم أصبح موطني،
وهذا القصر أصبح منزلي،
وأولئك الذين يشاركونني هذه المائدة أصبحوا عائلتي.
عندما قمت بتثبيت شريط شعر ليو الذي كان قد انفلت،
ابتسمت بلا وعي وكأنني استسلمت لتلك المشاعر الدافئة التي تسللت إلى داخلي.
نظرات ليو اتسعت بدهشة، وسرعان ما احمرت وجنتاه بلون الخوخ الناضج.
ثم تذكرت ابتسامة بليندا الخبيثة فأدرت رأسي سريعًا،
لأجد أن الجميع يحدقون بي بدهشة وكأنهم رأوا أمرًا لا يُصدق.
“هل كنت بهذه القسوة حقًا؟”
بدأ الأمر جليًا، فقد كان اللورد بيناديل متجمّدًا في وضعه بينما كان يمد يده نحو طبق السلطة.
تنحنحت بخفة، متظاهرة بمسح زوايا فمي بالمنديل.
“سيدتي، أعتقد أن أجلي قد اقترب، لقد بدأت أرى أشياء لا تُصدق!”
“يا للعجب! هل كنتِ تعرفين كيف تبتسمين بلطف؟”
“أوه… هذا لا يبدو مناسبًا لكِ، ولكنه يليق بكِ بشكل غريب!”
“ما هذا؟! ما هذا؟! أنا لم أتمكن من رؤيته! افعليها مرة أخرى!”
نظرت بخفة إلى انعكاس وجهي في الكأس أمامي،
لكن تلك الابتسامة التي يتحدثون عنها كانت قد اختفت تمامًا.
لو كنت في الماضي لكنتُ اعتقدت أن هناك خطأ في الترجمة.
فقد كنت أراها دائمًا كزهرة جليدية، شخصًا لا يعرف كيف يبتسم بلطف.
ولكنني الآن أعرف الحقيقة:
بليندا، في يوم من الأيام، كانت طفلة تبتسم مثل زهور الربيع.
وأدركت أنه عندما بدأت أعتبرهم عائلتي، ظهرت تلك الابتسامة التي كانت تحتفظ بها فقط لعائلتها.
بعد انتهاء العشاء، كانت تيري تنتظرني بنظرة جادة للغاية.
“لقد حان الوقت أخيرًا، سيدتي، الآن ستُقام مراسم تقديم الهدايا.”
هل كان من الضروري الإعلان عن الأمر بكل هذا الجلال؟
لكن يبدو أنني الوحيدة التي شعرت بذلك.
فبمجرد أن أنهت تيري كلماتها، تغيرت ملامح ليو إلى الجدية، وسرعان ما تجمّع الجميع حولي واحدًا تلو الآخر.
“لضمان نزاهة التحكيم، لن نكشف عن هوية صاحب كل هدية، يُرجى من السيدة اختيار الهدية الأكثر تفضيلًا لديها بكل إنصاف وعدل.”
… هل وصل الأمر إلى التحكيم؟ أحقًا يكون عيد الميلاد هكذا؟
رغم شعوري بالارتباك، إلا أنه إن كان لا بد من تحديد الأفضل، فالمرتبة الأولى ستذهب حتمًا إلى ليو.
المشكلة كانت في أن عليّ تحديد أي من الهدايا المتنوعة التي أمامي هي هدية ليو.
مددت يدي بحذر وبدأت بفتح أقرب هدية إليّ.
كانت علبة صغيرة بحجم راحة اليد، وداخلها بدا وكأنها تحوي تذكرة يدوية الصنع… أو ما يشبهها.
وبمجرد أن رأيتها، شعرت بالإحساس ذاته.
“هذه هي هدية ليو.”
بدت كأنها تذكرة يديوية مثلًا…
“جلسة تدليك مجانية”، شيء مثل ذلك…
[♥ قسيمة قتل مجانية ♥]
سنقوم بقتل أي شيء تريدينه.
… قسيمة قتل؟
هذا النوع من الهدايا المروّعة والذي يتم تغليفها بكل حرص لا يمكن أن يكون من أحد سوى تيري.
نظرت إليها بطرف عيني، فبادرت بالسعال المصطنع وهي تتجنب نظراتي، لم يكن هناك شك في أنها صاحبة هذه الهدية.
أعدت التذكرة المرعبة إلى العلبة وأغلقتها بإحكام، وأنا أتمتم:
“سأحتفظ بها مدى الحياة.”
لأنني بكل تأكيد، لن أحتاج لاستخدامها أبدًا.
“مدى الحياة…! سمعتم جميعًا، أليس كذلك؟”
صرخت تيري بفخر، وهي تنظر للجميع بوجه متباهٍ.
وضعت هديتها برفق مكانها وكأنني أضع قنبلة موقوتة، ثم التفتُّ إلى اختيار أكبر صندوق هدايا في المكان.
كان ضخمًا لدرجة أنه بحجم نصف جسدي تقريبًا، فتحت الغطاء بحذر، لتفوح رائحة زهور نفاذة وغامرة.
“إنها…”
كان الصندوق مليئا تمامًا بمئات الورود الحمراء.
التعليقات لهذا الفصل "104"