“بالمناسبة، إلى أي مدى تعرفين عن أخي؟”
سأل إيسكال بهدوء. عبست فانيسا، منزعجة من سلوكه المسترخي، الذي لا يليق بشخص ارتكب لتوه جريمة اختطاف.
“أنتِ تعرفين بالفعل أن أخي مستخدم قوة مبارك من قبل الحاكم، أليس كذلك؟ بفضل تلك القوة، يمتلك قوة غير بشرية. حتى تمزيق إنسان بيديه العاريتين ليس بالأمر الصعب عليه. يورغن دريك هو حقًا…”
تابع إيسكال بابتسامة غريبة.
“…وحش خطير. ليس فقط بقدراته، بل بقلبه أيضًا. لذا، هل يمكنكِ أن تفهمي؟ في اليوم الذي جلبكِ فيه يورغن ـ لقد تفاجأت جدًا لرؤية أخي يدور حولك.”
أطلق إيسكال ضحكة فارغة و كأنّ الأمر لا يزال لا يُصدق. ثم، وبينما كان يهز رأسه من جانب إلى آخر، تابع بصوت مليء بعدم التصديق .
“مثل هذا الوحش لا يمكن أن يملك قلبًا بشريًا. إذن لماذا؟ ما الذي يمكن أن يكون السبب وراء هوس يورغن دريك بكِ أنتِ إلى هذا الحد…”
“……”
عبست فانيسا قليلًا بسبب شعورٍ بعدم الارتياح كان يراودها منذ فترة.
كانت فانيسا أيضًا تشعر أن يورغن كان مخيفًا و مروّعًا بشكل غير بشري. ولكن عند التفكير في الأمر… كان يمتلك جوانب بشرية.
كان يورغن دريك بشريًا. بغض النظر عن مدى استثنائيته ، أو مدى صلابة قلبه.
لكن هذا المجنون ـ إيسكال دريك، بدا و كأنه يصدق بصدق أن يورغن وحش.
ذلك الاعتقاد… تحامل ثابت تجاه الآخرين. كان نوعًا من التشويه.
“هل تعلمين ما هو أول شيء فعله يورغن بعد أن أصبح دوقًا؟”
ترك إيسكال المجذاف و أخرج شيئًا يصدر صوت خشخشة من جيبه. توترت فانيسا لا إراديًا و تراجعت، لكنها استرخت تمامًا عندما أدركت أن ما أخرجه إيسكال كان فتات خبز في ظرف.
تابع إيسكال قصته بينما يبعثر فتات الخبز كطعام للأسماك.
” قتل و تخلص من الدوقة السابقة و ابنها. بالطبع، أنّ اخفاء ذلك على أنه وفاة عرضية بسبب التدقيق العام. لكن كل من في الشمال يعلم أن يورغن قتلهم.”
…كانت هذه أول مرة تسمع فيها هذه القصة. حسنًا، فانيسا لم تكن تعرف سوى معلومات قليلة عن يورغن.
“السبب الذي جعلني أنجو من تلك المجزرة هو أنني ركعت أمام يورغن و أقسمت له الولاء مثل أحمق بائس ، دون أي فخر أو كرامة…”
ظهرت ابتسامة ملتوية على شفتي إيسكال. و برزت الأوردة الزرقاء على ظهر يده و هو يعصر الظرف الورقي الفارغ من الفتات.
“لقد كانت حياة بائسة و حقيرة ، كحياة هذه الأسماك في البحيرة التي تعيش على فتات الخبز الملقى من الآخرين… تعلمين يا صاحبة السمو؟ أنا في الحقيقة أكره يورغن دريك بشدة. و أؤكد لكِ، أنكِ أيضًا…”
اقترب إيسكال و هو على ركبتيه و انحنى نحو فانيسا. مال القارب بشكل خطير فجأة مع تغير الوزن إلى جانب واحد.
أرادت فانيسا أن تدفع إيسكال بعيدًا، لكنها لم تستطع أن تتحرّك بتهوّر خشية أن ينقلب القارب.
“ستموتين بسببه. حتى لو لم تموتي، ستحطمين و تتكسرين على يديه. لأن ذلك الوحش لا يعرف كيف يعتزّ بأي شيء على الإطلاق.”
كانت تلك الكلمات أشبه بلعنة.
و بينما كانت فانيسا، التي شعرت بعدم الارتياح، تفتح فمها لترد، تصلب جسد إيسكال فجأة. و من مكان ما ـ قريب، سُمع صوت حوافر حصان.
أدار إيسكال رأسه لينظر إلى مكان ما، و تبعته فانيسا بنظرها.
هناك ـ
“…لقد جاء حقًا.”
أتى يورغن و هو يمتطي حصانه.
تلألأت عينا إيسكال بالإثارة و هو يبتسم بابتسامة ملتوية. و عندما وصل يورغن أخيرًا إلى ضفة البحيرة، عانق إيسكال فانيسا بقوة حتى لا تتمكن من الحركة و همس بصوت متحمس.
“فلنرَ إذن؟ هل سيقفز يورغن دريك في هذه البحيرة لينقذكِ، أم لا.”
“……!”
أدركت فانيسا نية إيسكال، فقاومت بكل ما أوتيت من قوة، لكن ذلك كان بلا جدوى. و بينما تدحرج إيسكال إلى الجانب و هو يحتضن فانيسا، فقد القارب توازنه و بدأ بالانقلاب.
“أيها المجنون… ابن الـ…!”
كافحت فانيسا بعنف، اخدت تخدش عنق إيسكال بأظافرها. و ظهرت آثار حمراء على جلده الشاحب.
بدأت ملامح فانيسا تبهت تدريجيًا خوفًا من الغرق.
في لحظة، انقلب القارب بالكامل، و ابتلعت المياه الشخصين في لمح البصر.
و فور غمرهم في أعماق البحيرة، تخلّى إيسكال عن فانيسا و ابتعد عنها. و ضحك بصمت و هو يراها تتخبط عبثًا في الماء البارد و المظلم، ثم أطلّ برأسه فوق السطح.
تمكّن من رؤية يورغن واقفًا متجمدًا على الشاطئ.
ابتسم إيسكال، منتشيًا باللذة القاسية. ماذا سيفعل الآن؟ هل كانت الورقة التي لعبها خاسرة؟ أم…
طرح سيفه أرضًا دون مبالاة، وخلع معطف الفرو السميك الخاصّ به، ثم اندفع يورغن إلى الماء بسرعة.
بدا أنّه لم يتردد للحظة واحدة.
انفجر إيسكال في ضحكة مجنونة و هو يسبح نحو الشاطئ الآخر.
لقد شكك في الأمر، لكن… هل كان صحيحًا؟ هل كانت الورقة التي لعبها ـ فانيسا رينغرين، حقًا نقطة ضعف يورغن؟
لم يكن يعرف ما إذا كان ارتعاش جسده سببه البرد أم الحماس. إن كان قد وجد أخيرًا نقطة ضعف يورغن، الذي لطالما جعله يشعر بالخوف و البؤس…
بعد قليل، خرج يورغن من الماء و هو يجرّ فانيسا، و سبح بها بسرعة نحو الشاطئ.
كانت فانيسا بلا حراك، ربما فاقدة للوعي. أو ربما كانت ميتة بالفعل.
لم يكن يهم إن ماتت ، لكن مع ذلك…
“سيكون من الأفضل إن كانت لا تزال على قيد الحياة.”
حينها، سيكون بوسعه الاستمتاع أكثر في المستقبل.
زحف إيسكال خارج الماء مبتسمًا، و هو يراقب الشاطئ المقابل حيث كان يورغن و فانيسا.
كان يورغن يحاول إنعاش فانيسا. يضغط على صدرها، و يفتح شفتيها لينفخ فيها الهواء…
كان يبدو يائسًا بحق.
في تلك اللحظة ، شعر بالفضول حقًا . من تكون تلك المرأة؟ ما الذي تعنيه بالنسبة ليورغن؟
و أخيرًا، بدا أن فانيسا استعادت وعيها، إذ بدأت تسعل و ترتعش بجسدها. بدت الورقة التي تهز يورغن أنها تملك خط حياة طويلة على غير المتوقع. ضحك إيسكال و استلقى على العشب.
ظهرت امامه السماء الصافية.
كانت زرقاء بلا رحمة. بلون أزرق داكن حيّ.
تمامًا كلون عيني تلك المرأة.
✦ ✦ ✦
هذه المرة، شعرت فعلًا أنها ستموت.
بدت و كأنها رأت رؤية لوالدها يلوّح لها من ضفة نهر الحياة الآخر.
ارتجفت فانيسا كحيوان مسكين مبلل بالمطر، و هي تسعل مرارًا. كان الجو باردًا للغاية لدرجة أنها شعرت أنها قد تتجمد حتى الموت.
“دوق، أممم، أنا أشعر بالبرد حقًا.”
“……”
عندما تحدثت فانيسا بصوت أشبه بثغاء الماعز، رمقها يورغن بنظرة باردة قبل أن يلتقط عباءته الخارجية بضيق.
لفّ فانيسا من رأسها إلى أخمص قدميها بمعطف الفرو السميك ذاك، ثم رفعها بين ذراعيه. و سار بخطى ثابتة نحو المكان الذي يقف فيه الحصان.
كان عقل فانيسا لا يعمل جيدًا، لا تزال في صدمة من اقترابها من الموت و تشعر بالبرد الشديد. لذا بدأت تتحدث دون وعي، دون أن تدري ما تقول.
“حتى لا تُسيء الفهم، أريد أن أخبركَ مسبقًا أنني لم آتِ معه طوعًا. ذلك الوغـ ـ أقصد اللورد إيسكال اختطفني.”
“……”
“طبعًا، ربما لن تصدقني. لكنني أقسم على معصمي، أنها الحقيقة. وعلى أيّ حال… شكرًا لإنقاذي.”
رغم أنهما كانا مبللين كفئران غارقة، إلا أن حرارة جسد يورغن كانت عالية كموقد تدفئة ذاتي. اندفعت فانيسا لا شعوريًا إلى حضنه، ثم فجأة أدركت ما فعلته و احمرّ وجهها. شعرت بالإحراج ولم تستطع التفكير بوضوح.
بدا أن يورغن يتهكم عليها بهدوء، قبل أن يرفعها و يضعها على ظهر الحصان. رغم أنها لا تعرف السباحة، لكنها كانت بارعة في ركوب الخيل، لذا استندت فانيسا براحة إلى جسد الحصان العضلي.
إيسكال، الذي اقترب في تلك اللحظة من الجهة الأخرى، كان يراقبهما بابتسامة وقحة. عندها، و بينما كان يورغن على وشك أن يعتلي ظهر الحصان، توقف و حدّق في إيسكال بنظرة نارية وتحدث بصوت بارد.
“إيسكال، لماذا فعلتَ هذا؟ كيف تجرؤ على لمس ما أصبح بين يديّ؟ هل سئمتَ من الحياة و تريد الموت؟”
عندها، تظاهر إيسكال بوجه مسكين و كأنه مظلوم، و شرح بصوت متذلل.
“ما الذي تعنيه بـهذا؟ لقد أخذت صاحبة السمو فقط لأتنزّه بها قليلًا، فلا بد أنها شعرت بالضيق من الحبس المستمر.”
اندهشت فانيسا من وقاحة إيسكال، و فتحت و أغلقت فمها مرارًا. كيف يمكن أن يوجد شخص كهذا.
أشارت إليه علنًا، مخرجة يدها فقط من بين طيات المعطف.
نظر إليه يورغن بعينين تغليان بمشاعر عنيفة، و أعلن ببرود.
“كنت لأقطع معصمكَ هنا و الآن، لكن… سأمنحكَ فرصة أخيرة تقديرًا لفضل مضى. ازحف إلى القلعة وأنتَ مبلل هكذا. إن حالفكَ الحظ، قد لا تموت من البرد. سأقرر لاحقًا أي عقوبة أوقعها بك.”
كان ذلك حكمًا بالإعدام ضمنيًا، بمعنى أنه لا يهتم إن مات إيسكال من البرد أم لا.
و مع ذلك، ابتسم إيسكال على نطاق واسع، و رفع شفتيه الزرقاوين، و هزّ رأسه كالأبله. عبست فانيسا من سلوكه، لقد كان مبتسمًا رغم أنه على وشك الموت من انخفاض حرارة الجسم.
يا له من مجنون.
ثم امتطى يورغن الحصان، و للحظة، التقت نظرات إيسكال و فانيسا.
ابتسم إيسكال بابتسامة غامضة، و نطق كل كلمة بوضوح بشفتيه:
‘سـ.ـأ.ـعـ.ـود.’
ـ قالها…
كانت فانيسا على وشك أن ترد عليه بشتمه، لكنها اضطرت لإغلاق فمها حين بدأ يورغن بتحريك الحصان.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"