كانت خطة فانيسا الآن كما يلي
التظاهر بالموافقة على رغبات يورغن أثناء البحث عن فرصة للهروب.
لم يكن لديها أدنى رغبة في الزواج فعليًا من ذلك الرجل.
لو أنه وقع في حبها و طلب يدها للزواج ، ربما كانت ستتأثر قليلًا. لكنه بدا و كأنه يكرهها بدلًا من أن يحبّها.
دون أن يشرح السبب بشكل واضح حتى.
فجأة، فكرت أن حياتها غريبة حقًا. لم تكن فقط غير محظوظة لوقوعها في الحوادث بشكل متكرر، بل كان زوجها الأول بلطجيًا مثل ليروي، و ما إن أفلتت من مخالب ليروي حتى تورطت مع مجنون آخر.
بهذا المعدل، ألن يكون من الأفضل أن أكرس حياتي لمعبد؟
ربما عليّ أن أقطع نذورًا لأكرس حياتي للمعبد وأسلك طريق الراهبة.
ربما، عن طريق المصادفة، قد تتوافق المصالح السياسية، و يمكنني أن أرتقي إلى مرتبة قديسة؟
هزت رأسها و ضحكت بهدوء على حالها الذي جعلها تفكر بمثل هذه الأوهام الباطلة. أعادت فانيسا نظرها إلى الكتاب الذي كانت تقرأه. كان واحدًا من القلائل من الكتب المقدسة التي أعطتها إياها الخادمات اللواتي كنّ يظهرنَ الشفقة على حالتها لانها محبوسة.
“من بين كل شيء يمكن إعطائي لقراءته…”
كان من المستحيل أن تكون العقائد الدينية ممتعة. و بما أنها اعتقدت أنها ليست مؤهلة لأن تكون قديسة، تثاءبت تثاؤبًا عميقًا. كانت فانيسا تقلب الصفحات حين توقفت فجأة عند فقرة معينة.
[حاكم الحكمة و الجنون، فيوس، منح بركته للبطل آريس.]
بركة فيوس، حاكم الحكمة والجنون.
خطر لها شيء على الفور. يورغن دريـك أيضًا ــ كان من المبارَكين من قِبل فيوس.
علاوة على ذلك، كان “مستخدم قوة”.
في المعتقدات اللافينية، يمكن لأولئك الذين يُبارَكون من قِبل الحكام السبعة أن يستخدموا القوة المقدسة.
لكن معظمهم هم من “مستخدمي الكلمة المقدسة”، و محدودون بوضوح لأنهم يمارسون القوة عبر “الكلمات”.
لكن مستخدمي القوة مختلفون.
اعتمادًا على مدى تفضيل الحاكم لهم… يمكنهم ممارسة القوة كما هي.
لهذا السبب، فإن مستخدمي القوة نادرون جدًا. الاحتمال ربما يكون واحدًا أو اثنين في كل مئة عام.
و ذلك المستخدم النادر للقوة ليس إلا يورغن دريـك.
لا بد أن تلك القوة هي ما مكّـنه من أن يصبح دوقًا، و يصبح بطلًا قلب مجريات الجبهة الحمراء…
“كم كان عمر يورغن حين تلقى بركة فيوس؟ الآن حين أفكر في الأمر… أنا حقًا لا أعرف شيئًا عن ذلك الرجل.”
فكرت فانيسا فجأة في غارسيا. ذلك الفارس الذي كان يسخر باستمرار لكنه لم يكن مكروهًا تمامًا. بدا و كأن لسانه طليق نوعًا ما، لذا إن سألت عن ماضي يورغن، قد يبوح بكل شيء…
“لكن اللعنة، أنا محبوسة لذا لا يمكنني الذهاب و سؤاله.”
تنهدت فانيسا بعمق و أغلقت الكتاب الممل. في تلك اللحظة…
كليك، كليك.
فجأة، سُمع صوت قفل يُفتح. و بناءً على اتجاه الصوت، بدا و كأنه قادم من الشرفة.
ضيّقت فانيسا عينيها و حدقت نحو الستارة التي تغطي باب الشرفة. و سرعان ما، حين فُتح الباب، انسحبت الستارة و اندفعت ريح باردة. والذي ظهر بين الستائر المتطايرة لم يكن سوى…
“…إيسكال دريـك؟”
كان ذلك الرجل، الأخ غير الشقيق ليورغن.
اقترب من فانيسا، التي تجمدت من المفاجأة، و هو يبتسم. وقفت فانيسا من على الأريكة، ممسكة بالكتاب المقدس السميك في يدها كما لو أنه سلاح ثقيل، و حدقت به.
انحنى إيسكال بأدب لفانيسا وسأل:
“صاحبة السمو. ألا تجدين البقاء بالداخل طوال الوقت خانقًا؟”
سلوكه، الذي تغيّر كقلب راحة اليد بعد أن علم بمكانة فانيسا، كان مثيرًا للسخرية، بالنظر إلى كيف كان يتطلع إليها بنظرات وقحة من قبل، و هو يتمتم بكلام عن خادمات الغرف.
أجابت فانيسا بابتسامة ساخرة على شفتيها
“سواء كنتُ أشعر بالاختناق أم لا، فهذا لا يعنيك.”
كانت تقصد أن تقول “أيها الوغد”، لكنها غيرت طريقتها في اللحظة الأخيرة. فهو في النهاية ابن عائلة نبيلة…
تابع إيسكال الحديث، محافظًا على تعبير ودود على الرغم من لهجة فانيسا الحادة.
“بصفتي فردًا من عائلة دريـك، لا يمكنني الوقوف مكتوف اليدين بينما يتم تجاهل ضيفتنا بهذا الشكل. إن لم تمانعي، هل تريدين أن تخرجي معي؟”
كان رجلًا يتحدث بسلاسة و عذوبة، وكأن العسل يتدفق من شفتيه. و لهذا السبب بدا أكثر شبهًا بوردة سامة أو أفعى تخفي سمها.
فانيسا، التي أدركت بسرعة أنه بالتأكيد لا يقترح النزهة بنيّة حسنة، رفعت عينيها الزرقاوين الداكنتين بحدّة.
“أنا آسفة، اللورد إيسكال، لكن ليس لدي وقت لأضيعه معك. أنا مشغولة بالقراءة.”
“خارج هذا الباب، هناك أشياء كثيرة أكثر إثارة من القراءة. أرجوكِ، تعالي معي.”
“لا تجعلني أرفض ثلاث مرات. ليست لدي نية للذهاب، لذا من فضلك غادر الآن.”
“إذًا، على الأقل تناولي كوبًا من الشاي معي. فأنا في نهاية المطاف الأخ الوحيد ليورغن، و قد جئتُ كضيف لكِ اليوم. بالتأكيد لن تصدّيني ببرود، أليس كذلك؟”
“……”
تجهمت فانيسا بشدة، مفكرة: ما نوع هذا الرجل؟ و كانت على وشك أن تنطق بكلمات رفض مجددًا عندما…
فجأة، اقترب إيسكال من فانيسا وأخرج شيئًا من جيبه. و قبل أن تتمكن فانيسا من التراجع، وقد شعرت بالخطر بشكل غريزي، غطى بقطعة قماش رطبة و مبللة على فمها.
“ممف…!”
ما أخرجه إيسكال كان منديلاً. كان مغمورًا بسائل غير معروف.
بينما لسع أنفها عطر كيميائي قوي، ترنحت فانيسا بتذبذب. أسرع إيسكال بالإمساك بها قبل أن تسقط على الأرض.
“شش، ابقي ساكنة.”
همس في أذنها و هو يضغط شفتيه على جانبها.
“أنتِ جميلة للغاية و تفوح منكِ رائحة رائعة. شعركِ ناعم كالحرير، و بشرتكِ الملساء كالمخمل. أنتِ حقًا أكثر من أن تليقي بوحش مثل يورغن دريـك.”
كان يحتضنها كما لو كانت حبيبته. حاولت فانيسا المقاومة، لكن لسبب ما، فعل إيسكال شيئًا جعل جسدها غير قادر على بذل أي قوة.
حملها وهي مرتخية الذراعين والساقين، واتجه نحو الشرفة. كانت فانيسا تحدق فيه، تحاول جاهدة إبقاء عينيها مفتوحتين بينما كانتا تحاولان الانغلاق.
قالت كل كلمة بصعوبة:
“أيها… الوغ…د…”
“صوتكِ جميل جدًا، لكن كلماتك قاسية.”
“سأ… قتلك…”
“يبدو أن لديكِ مزاجاً حاداً أيضاً… حسنًا، لا يهم. ما يهم هو―”
حملها على كتفه و أمسك بالحبل الذي يبدو أنه تسلق منه، بخفة مثل السنونو.
“―ما إذا كنتِ ثمينة بالنسبة ليورغن أم لا، هذا ما سنكتشفه.”
سماع تلك الكلمات الممزوجة بالضحك كان آخر ما تذكرته فانيسا قبل أن تفقد وعيها.
غارقةً في بحر اللاوعي، رأت فانيسا حلماً غريباً.
صبي ذو شعر أسود حالك و عيون حمراء كالدم كان يتوسل إليها ألا تتخلى عنه.
من يكون هذا الصبي؟
هذا الحلم… عمّ يدور؟
لا أملك مثل هذه الذكريات.
[لن أتخلى عنكَ أبداً. أعدك.]
أنا لم… أقدم مثل هذا الوعد من قبل أيضاً.
انسابت دموع شفافة من عيني الصبي الحمراوين الجميلتين. و في اللحظة التي فكرت فيها كم أن هذا اللون يشبه الجواهر، استيقظت فانيسا من حلمها.
“آه…”
ما إن استعادت وعيها حتى داهمها صداع مروّع. رمشت فانيسا بعينيها المتجهمتين ببطء، وهي تمسك بجبهتها. و ما وقع عليه بصرها كان… لسببٍ ما، السماء الزرقاء.
“هل استيقظتِ؟”
سُمِع صوت لطيف من مكان قريب. حاولت فانيسا أن ترفع جسدها،و هي تتحسس الأرض التي كانت مستلقية عليها بكفّها.
ملمس الخشب الخشن على بشرتها.
كانت الآن على متن قارب صغير.
“كنتُ قلقاً لأنكِ بقيتِ نائمة. مخدر النوم الذي كان على ذلك المنديل لم يكن قوياً حتى.”
تحدث إيسكال، الذي كان يجلس قبالتها ممسكاً بالمجداف، بابتسامة ماكرة. عضّت فانيسا على أسنانها، غاضبة من تصرفه الوقح. متجاهلةً الصداع و الدوار، طالبت بصوت غاضب:
“أين نحن؟ أيها الوغد المجنون، كيف تخطف شخصاً فجأةً هكذا؟”
“هذا، كما ترين، بحيرة في الضواحي خارج القلعة الخارجية. لا تقلقي، ليست بعيدة عن قلعة ريفاديل.”
بما أن القارب الصغير الذي كانوا عليه يطفو في وسط بحيرة واسعة ، بدا من غير المحتمل أن تجد فانيسا وسيلة للهروب من إيسكال.
لو أنها كانت تعرف السباحة… لكن فانيسا كانت تتجنب الماء منذ الطفولة. لقد كادت أن تغرق عشرات المرات.
“لا تكوني قاسية هكذا، و حاولي الاستمتاع برحلة القارب هذه في هذا المشهد الطبيعي الجميل. يا سمو الأميرة.”
“……”
ظل إيسكال يبتسم غير مبالٍ بنظرات فانيسا القاتلة. الجنون الظاهر بوضوح في عينيه الخضراوين الداكنتين كان يومض كاللهيب.
“و دعينا نُشاهد معاً. ما إذا كان يورغن سيهرع إلى هنا لينقذكِ، أم لا…”
✦ ✦ ✦
“اختفت؟”
“نعم، وهذه المذكرة…”
انتزع يورغن المذكرة من يد الخادمة بعنف. توهجت عيناه الذهبيتان بحدة بينما كان يقرأ بسرعة الكلمات المكتوبة على الورقة.
“إيسكال…”
تمتم يورغن بذلك الاسم و كأنه يبصقه، ثم أمسك الورقة بلا مبالاة و ألقاها في الموقد.
أمسك بسيفه و معطفه و اندفع خارج المكتب نحو الباب.
امتلأت حدقتاه بعزيمة قاتلة و هو يفتح الباب بعنف.
و للحظة، احمرّت قزحيّتا عينيه قبل أن تعودا ذهبية مجدداً.
تمتم يورغن بسخرية باردة:
“يبدو أن شقيقي قد سئم من الحياة. إلى درجة أنه يتوق للموت.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"