كان هناك الكثير مما لم تستطع فهمه.
فانيسا، التي رتّبت أفكارها المعقّدة بهدوء، استجمعت شجاعتها و سألت مرة أخرى.
“هل… أنتَ في كامل وعيك؟ أن تتزوجني أنا، ملكة بلد منهار؟ هل تعتقد أن هذا منطقي؟”
“و ما الخطأ في ذلك؟ أليس من الشائع أن تُنهَبَ و تُؤخَذَ زوجة الشخص المهزوم؟”
“هذا عندما تأخدهن كمحظيات! بالتأكيد أنتَ لا تقصد انكَ ستُقيم حفل زفاف رسمي معي؟”
“ليست لديّ أي نية في أخذ محظيات ، و بالطبع، أنوي الزواج بكِ رسميًا.”
“…لماذا؟”
سألت بذهولز، غير قادرة تمامًا على فهم سبب كلامه. زواج؟ عقلها لم يستوعب هذا التحوّل غير المتوقع في الأحداث.
“إن لم أستطع قتلكِ أو ترككِ وشأنكِ، فقد قررت أن… أستولي عليكِ.”
كان صوت يورغن و هو يجيب غير مبالٍ كعادته، لكن في عينيه الذهبيتين ومضت رغبة غامضة.
بدا و كأنه نوع من الإصرار، و لكنه أيضًا بدا كدافع قاسٍ و خبيث.
“أنوي أن أجعلكِ ملكي و أُحطمكِ في قبضتي.”
“…و لكن لماذا.”
الصوت الذي خرج من شفتي فانيسا كان أشبه بزفرة منه بسؤال. عينا يورغن، اللتان أُغلقتا و فتحتا ببطء، مسحتا فانيسا الخائفة بعناية.
رفع زاوية فمه. كما لو أن اضطرابها و خوفها كانا يرضيانه كثيرًا.
“لأن هذا هو انتقامي، و العقاب الذي أفرضه عليكِ.”
مرة أخرى ، كلمات لم تستطع فهمها.
ولكن من دون أي تفسير، استدار و غادر الغرفة. تاركًا فانيسا المشوشة خلفه.
طَقطَقة
سمعت صوت قفل الباب و هو يُغلق.
لقد تم احتجازها مرة أخرى. في هذا المكان الفاخر بشكل غريب.
“……”
فانيسا، التي كانت واقفة في شرود، انزلقت إلى الأسفل على الجدار الذي كانت تستند إليه.
كانت مشوشة.
لماذا بحق السماء يفعل ذلك المجنون بها هذا…
هل التقيا حقًا في مكان ما، في وقت ما من قبل؟
لكن أنا… لا أتذكر شيئًا.
“آه…”
فجأة، تغلب عليها صداع ، فعبست فانيسا و تأوّهت.
عضت شفتها بقوة، و أغلقت عينيها ونظّمت تنفسها ببطء.
اجتاحها تعب هائل كما لو كانت قد خضعت لتعذيب قاسٍ. جسدها كان واهنًا و مرهقًا، كما لو كان سيتلاشى في أية لحظة.
أطلقت فانيسا تنهيدة عميقة و وجهها مدفون بين كفّيها. كان التوتر قد خـفّ ، و لكن صوت دقات قلبها غير المستقرة ما زال يُسمع بوضوح.
✦ ✦ ✦
يورغن، الذي كان قد غادر الغرفة التي احتُجزت فيها فانيسا و كان يمشي في الممر، توقف فجأة.
بعد أن وقف ساكنًا لفترة، ضغط جبهته على زجاج النافذة النظيف.
كان يجب أن يكون زجاج النافذة دافئًا من أشعة الشمس، لكنه بدا باردًا كقطعة جليد. لا بد أن السبب هو الحرارة المتبقية في جسده.
“……”
رفع يورغن زاوية فمه ، ساخرًا من رغبته الخاصة.
لو استطاع ، لاقتلعها.
المشاعر ، الذكريات ، كل شيء.
كان قد توقّع ذلك ، لكنها حقًا لا تتذكر شيئًا. اللقاءات ، الوعود ، الأمل الذي كان في وقتٍ ما خلاصه الوحيد في الحياة―
أن تنسى كل شيء.
كنتُ لأفضّل قتلكِ.
لو أنكِ اختفيتِ من هذا العالم ، لو لم تعودي موجودة…
هل كنتُ سأشعر بتحسن؟
✦ ✦ ✦
بعد حوالي ساعة، ظهرت الخادمات و هن يحملن بعض الوثائق.
عندما أدركت فانيسا أنها ليست سوى عقد زواج، تمتمت بلسانها بخفة.
يبدو أن يورغن لم يكن مخدّرًا أو ممسوسًا. إنه حقًا ينوي الزواج بها.
“يمكنكِ… التوقيع هنا.”
أشارت الخادمات إلى خانة التوقيع في نهاية الوثيقة، و كنّ يراقبن ردّ فعل فانيسا. بدا أنهنّ كنّ مشوشات مثلها من هذا الموقف المجنون.
أمسكت فانيسا بقلم الريشة ، و ابتلعت التنهيدة التي كانت على وشك الخروج من شفتيها. كانت تنوي أن تفعل ما يريده يورغن. في الوقت الحالي.
لأن عليها أن تبقى على قيد الحياة.
من يدري ما الذي قد يفعله ذلك المجنون إن رفضت التوقيع و بدأت في المقاومة. يورغن دريـك لم يكن بكامل قواه العقلية بوضوح. بعد كل شيء، لم يكن لدى فانيسا أي ذكرى عن لقائه― أو حتى عن شخص يشبهه.
عندما انتهت فانيسا من التوقيع ببطء و قدّمت الورق للخادمات، استلمنه براحة ظاهرة.
لو كانت قد رفضت التوقيع حتى النهاية وتسببت في فوضى، لكان ذلك قد سبّب لهنّ المتاعب.
“انتظرن.”
أوقفت فانيسا بسرعة الخادمات اللواتي كنّ على وشك الانسحاب بمجرد أن حصلنَ على عقد الزواج.
كان لديها شيء لتسألهن. على الرغم من أنها لم تكن متأكدة مما إذا كنّ سيجبن بصدق.
في مواجهة الخادمات اللواتي أظهرن علامات الحيرة و كـنّ واقفات على مسافة محرجة، طرحت فانيسا السؤال الذي كانت تفكر فيه.
“أود أن أعرف قدر الإمكان عن الدوق. هل يمكن لإحداكن أن تخبرني عنه؟”
“هذا هو… حسنًا… ما الذي تريدين معرفته بالضبط…”
“فقط… كيف عاش. أنا لا أعرف عنه شيئًا على الإطلاق.”
كل ما كانت تعرفه فانيسا عن يورغن هو أنه الابن غير الشرعي للدوق السابق. و أنه ورث لقب الدوق في سن العشرين، لكنه كان يخدم كجلاد للإمبراطور قبل ذلك بكثير. هذا كل شيء.
وُلدت و تربّت في بلد دافئ في الجنوب، و لم تكن فانيسا على دراية بأوضاع الشمال. عندما كانت أميرة في روينغرين أو خلال فترة حكمها كملكة تيريفرون، كانت لقاءاتها نادرة مع النبلاء الإمبراطوريين، و لم يكن أيٌ منهم من الشماليين.
نبلاء الشمال لم يكن لديهم وقت للأنشطة الاجتماعية لأنهم كانوا في حرب مع موجات لا تنتهي من وحوش الصقيع على مدار العام.
مكان لا يزول فيه رائحة الدم أبدًا. هكذا كان والدها يصف الشمال. و كأنه كان خائفًا…
[فانيسا، ابنتي العزيزة. يجب ألا تذهبي إلى الشمال أبدًا. هل تفهمين؟]
كان قد جعل فانيسا تعده مرارًا ألاّتذهب إلى الشمال.
علاوة على ذلك، قال لها ألا تتفاعل مع سكان الشمال، ولا حتّى تحاول التعرف عليهم.
في ذلك الوقت، اعتقدت أنه مجرد قلق مفرط من أب يهتم بها كثيرًا… لكن حين تفكر في الأمر الآن، كان هناك شيء غريب في ذلك.
“حسنًا… بما أننا نخدم السّيد، لا يمكننا التحدث بتهور عن سيدنا…”
تحايلت الخادمات، و تجنبن السؤال. كان من الواضح أنهن قلقات من إثارة غضب يورغن إذا قُلـنَ شيئًا غير ضروري أمام فانيسا.
كانت فقط تطلب منهن أن يخبرنها بنوع الحياة التي عاشها يورغن، هل كان ذلك صعبًا حتى؟ لم يكن يورغن يبدو كسيّـد طاغية يعاقبهن فقط لمجرد التحدث عنه قليلًا.
“فهمت. سأطلب من شخص آخر، لذا يمكنكنَ الذهاب الآن.”
“نعم، صاحبة السمو.”
و بينما كانت تراقبهن و هن يهربن كالأرانب المذعورة، تمتمت فانيسا بلسانها.
✦ ✦ ✦
“فانيسا… أُخذت على يد من؟”
كان ديكلان، ملك ريونغرين الحالي و شقيق فانيسا، مصدومًا من الخبر غير المتوقع الذي سمعه للتو.
“هل قلتَ دوق دريـك؟ هل هذا صحيح؟”
“نعم، وفقًا لما اكتشفته… يبدو أن الأمر كذلك.”
“يورغن دريـك… لماذا بحق السماء ذلك الرجل…”
تنهد ديكلان بيأس و بدأ ينقر بأطراف أصابعه على مسند عرش العرش. خاتم الخاتم في إصبعه الأوسط الأيمن و التاج الذهبي على رأسه تلألأا ببريق تحت ضوء الشمس المتسلل عبر الزجاج الملون.
“كنت أتوقع من الإمبراطور إخضاع تيريفرون منذ مدة. سقوط تيريفرون ليس مفاجئًا حتى، لكن…”
لطالما كانت تيريفرون شوكة في خاصرة الإمبراطورية منذ أن صعد الطاغية الشهير ليروي إلى العرش. بينما أراد الإمبراطور أن تكون دوله التابعة مسالمة تحت حكمه، ظل ليروي يسبب الاحتكاكات مع الدول المجاورة.
تزويج فانيسا لـليروي كان اختيار ديكلان العقلاني من أجل ريونغرين. من خلال تحالف زواج ، يمكنهم تجنب النزاعات المزعجة و كسب بعض الحقوق المفيدة.
في اليوم الذي كانت فيه تيريفرون ستسقط في قبضة الإمبراطورية ، خطط لقطع العلاقات بسرعة مع العائلة الملكية لتيريفرون و إعادة فانيسا إلى ريونغرين. و كان قد أعدّ العديد من الترتيبات من أجل ذلك حتى الآن…
“…أسر فانيسا على يد دوق دريك أمر غير متوقع إطلاقًا.”
نقر ديكلان بلسانه. وفقًا لخطته، كان من المفترض أن أرنو تيريفرون – ذلك الأخ الأحمق لـليروي – هو من يحضر فانيسا إلى ريونغرين…
لكن لسبب ما، وصل أرنـو وحده إلى القصر الملكي في ريونغرين، يثرثر بأنه لا يعرف ما إذا كانت فانيسا على قيد الحياة أم لا.
ندم ديكلان بشدة على تعامله مع ذلك الأحمق الذي لم يستطع حتى تهريب فانيسا فقط. كان محبطًا بشدة لخسارته فانيسا عبثًا، و التي لا تزال تملك فائدة كبيرة.
و مع ذلك.
اتضح أن فانيسا على قيد الحياة. و تمّ أسرها علـى يد دوق دريـك.
“لإعادتها، سأضطر إلى دفع فدية من حيث المبدأ. هذا مزعج، و لكن…”
فانيسا، الأميرة الوحيدة التي تحمل دم العائلة الملكية لريونغرين، لا تزال ورقة مفيدة. حتى و إن كانت متزوجة سابقًا و تلاحقها شائعات مشؤومة.
كانت تلك الفتاة جميلة لدرجة أن الإمبراطور نفسه تفاجأ عندما رآها.
إذا عُرض ذلك الجمال، فلن يكون هناك نقص في الحمقى الذين سيفتنون بها بغباء. تمامًا كما حدث مع ليروي تيريفرون.
“أحتاج إلى كتابـة رسالة. أنوي إرسالها إلى الدوق دريـك في أقرب وقت ممكن، لذا جهّزوا رسولا.”
“نعم، صاحب السمو.”
‘لا أعلم لماذا أخذ دوق دريك فانيسا، و لكن…’
في جميع الأحوال، لا بد أن وجودها عبء عليهم.
هكذا كان ديكلان يعتقد دون أدنى شك، أنهم سيوافقون بالتأكيد على هذه الصفقة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"