لقد استسلمت لفكرة معاملتها كغنيمة حرب.
لكن الرجل الذي يقف أمامها كان يبعث إحساسًا، كيف يمكن وصفه، أسوأ من ذلك حتى.
تلك اللمعة الخبيثة في عينيه، كما لو أنّه ينظر إلى لعبة يمكنه كسرها متى شاء.
هذا الرّجـل خطير.
خطت فانيسا خطوة إلى الوراء دون وعي، و اشتدّ جسدها مثل قنفذ.
“إيسكال. كنتَ هنا بالخارج.”
“بالطبع. بصفتي شقيقكَ الأصغر، أليس من الطبيعي أن أرحب بكَ عند عودتك؟”
من خلال كلامه ، بدا أن هذا الرجل هو شقيق يورغن.
إيسكال دريـك… اسم لم أسمع به من قبل.
“إذاً، ما قصّة هذه الغنيمة؟ هل تنوي استخدامها كمدفئة سرير؟”
سأل إيسكال، الذي لا يشبه يورغن إطلاقًا رغم كونه شقيقه، و هو ينظر إلى فانيسا.
ارتعش حاجب يورغن، و أجاب بصوت بارد و كـأنّه يخفي شيئًا.
“أنتَ تعرف أنني لا أحتفظ بمدفئات سرير.”
“حسنًا، نعم… لكن ربما غيرتَ رأيك. ثم، أليس من الـخسارة أن تستخدم مثل هذه الجميلة فقط للزينة؟”
“كفَ عن هذا ، إيسكال. هذا ليسَ من شأنك.”
رغم أنها لم تكن متأكدة، بدا أن يورغن منزعج من كلام و أفعال شقيقه الأصغر . و بينما كانت فانيسا تفكر في أنّـها لم تتوقع أن تتعاطف مع يورغن دريـك، اقترب منها فجأة و جذبها بعنف.
فانيسا، التي لم تفهم ما يحدث ، رافقته منسحبة معه و هي تلتفت إلى الخلف.
في عيني إيسكال دريـك الداكنتين، و المثبتتين عليها، كانت تدور دوامة من المشاعر المريبة.
دفع يورغن فانيسا بعنف إلى غرفة في الطابق الثاني من المبنى الرئيسي ، في الجناح الشرقي.
كانت تعتقد أنها قد تكون زنزانة بلا نوافذ، لكن، و بشكل مفاجئ ، كانت غرفة نوم حقيقية. و بينما كانت تنظر حولها في حيرة، حدّق فيها يورغن ببرود ثم استدار ليغادر.
نقرة.
جاء صوت قفل يُغلق من خارج الباب.
اقتربت فانيسا مرتبكة من الباب بسرعة، و حاولت دفعه و سحبه بكل ما أوتيت من قوة. لكن الباب بقي مغلقًا بإحكام ، لم يتحرك قيد أنملة.
…هل أنا محتجَزة حقًا؟
رغم أن حبسها فجأة كان أمرًا عبثيًا ، إلاّ أنّها عندما فكرت في الأمر بهدوء ، لم تجد الأمر غريبًا جدًا. في النهاية، كانت قد أُسرت كغنيمة حرب.
لكن ما كان محيّـرًا هو… أن فانيسا رمشت ببطء، و نظرت بعناية حول الغرفة. كانت غرفة النوم فاخرة جدًا بالنسبة لسجينة بسيطة.
سجادة جدارية فخمة تحمل شعار عائلة دريـك معلقة على أحد الجدران، أثاث صلب مصنوع من خشب الماهوغاني، سرير أنيق بستائر مخملية ومظلة، و حتى سجادة من جلد نمر على الأرض…
بدت الغرفة أشبه بغرفة نبيلة حقيقية أكثر من كونها غرفة لسجن أسيرة.
لا يمكن أن يكون يورغن قد أخطأ في اختيار الغرفة…
إذاً، ما معنى هذه المعاملة؟ هل كان بسبب مكانتها الملكية، أنهم أظهروا بعض الاحترام؟
لكن، ما الفائدة التي سيجنيها يورغن دريـك من كونه مهذبًا معي؟
اقتربت فانيسا من السرير و جلست عليه. و بينما كانت تحدق في السقف بشرود، فُتح فجأة باب جانبي، وزدخل ثلاثة أو أربعة أشخاص. من خلال ملابسهم، بدا أنهن خادمات.
“اعذرينا يا صاحبة السمو. لدينا أوامر من السيد لمساعدتكِ في الاستحمام و التجميل. يرجى الانتظار قليلًا ريثما نجهز ماء الحمام.”
“……”
صاحبة السمو… مثل الفرسان ، بدا أن هؤلاء الخادمات قررن أيضًا مناداة فانيسا، ذات الوضع الغامض، بـ”الأميرة” أو “صاحبة السمو”.
حسنًا، بما أن تيريفرون لم تعد موجودة ، فسيكون غريبًا مناداتها بـ”جلالتكِ”.
كانت فانيسا أصلاً أميرة من رونغرين، لذا قد تكون هذه أنسب طريقة لمناداتها.
لكنني أسيرة ، و مع ذلك لا ينادونني فقط بالأميرة، بل و يعاملونني كضيفة نبيلة فعلًا.
ما الذي يفكر فيه يورغن دريـك بحق السماء؟ ملكة ساقطة ذات سمعة مشؤومة مثلي لا يجب أن تكون ذات قيمة له.
“ربما…”
عند الفرضية المفاجئة التي خطرت ببالها، أصبحت عينا فانيسا باردتين.
✦ ✦ ✦
“أن يفعلها يورغن، ذلك الشقيق الغير إنساني ، و يعود و معه امرأة…”
كان إيسكال واقفًا بجانب نافذة في الممر، ينظر إلى الحديقة. كان الخدم ينقلون الكنوز الذهبية و الفضية التي تم الحصول عليها كغنائم من هذه الحملة إلى المخزن.
يورغن دريـك، الذي يتمتع بتفضيل الإمبراطور، كان دائمًا يحصل على نصيب وافر لنفسه كلما أخضع أراضي أو دولًا ، كبيرة كانت أم صغيرة، بصفته “الجلاد”.
و لم تكن هذه المرة مختلفة. نقَر إيسكال بلسانه و هو ينظر إلى جبل الكنوز.
يورغن ، الذي كان يكنز الثروات مثل تنين جشع، بدا ناقصًا بطريقة ما. سلوكه في تكديس الثروة كما لو كان يحاول ملء فراغ لا يُملأ كان ضربًا من الجنون.
حسنًا، بالنظر إلى ماضي يورغن و البيئة التي نشأ فيها ، يمكن فهم ذلك.
و لهذا، كان الأمر غير متوقع أكثر. تلك المرأة… كانت جميلة بشكل مخيف ، و لكن أن تكون ملكة تيريفرون.
“أتساءل ما السبب الذي جعل يورغن يعيد تلك المرأة حيّة بدلاً من قتلها. حتى أولئك الفرسان اللعينون لا يبدو أنهم يعرفون سبب ذلك.”
وحتى إن كانوا يعلمون، فلن يتفوه أولئك العبيد المحاربون بكلمة واحدة.
أولئك الحثالة المتغطرسون… ليتهم يموتون في المعركة و يعودون جثثًا في يوم من الأيام. زمجر إيسكال و هو يتمتم بهذه اللعنة.
بصفته الابن غير الشرعي للدوق السابق، و الأخ غير الشقيق ليورغن، كان يحتل موقعًا غامضًا في هذا القصر.
قبل أربع سنوات ، عندما رفع يورغن سيف الانتقام، نجا إيسكال بالانضمام إليه ، لكنه كان يعيش كعالة ، دون أن يحصل على أي نصيب لنفسه.
ولهذا ، كان يُحتقر بشكل خفي من التابعين، و الفرسان، و حتى من الخدم الوضيعين.
قشرة فارغة ، لا يستحق حتى أن يُدعى فارسًا.
عديم الجدوى ، لا يساعد حتى في شؤون الدولة.
لم يكن إيسكال غافلًا عن ما يُقال عنه.
ذلك الإذلال ، و تلك الكراهية الذاتية ، و الغضب ― كلما اجتاحته تلك المشاعر الموحلة ، كان يشعر و كأنه على وشك الجنون.
لكن إيسكال كان عاجزًا . أخوه غير الشقيق كان يمتلك مهارات قتالية تتجاوز حدود البشر، و كان “مستخدِم قوة” مباركًا. ماذا يمكنه أن يفعل ضد كائن كهذا؟
بينما كان يحمل عقدة نقص دنيئة تجاه يورغن، كان إسكال يخافه في نفس الوقت . تلك القوة غير البشرية، تلك الحِدّة المصقولة بجنون و دماء ساحة المعركة…
‘تلك المرأة…’
تلك المرأة التي بدا أن يورغن يريد الاحتفاظ بها في قبضته لسبب ما.
هل يمكن لتلك المرأة أن تسقطه؟ اجتاحه فضول، و دافع مثير مليء بالقلق.
لو استطاع فقط أن يرى يورغن دريـك يسقط، و لو مرة واحدة فقط…
✦ ✦ ✦
بعد الاستحمام و تغيير ملابسها إلى ملابس نظيفة، تمددت فانيسا على السرير و نامت بعمق لساعات.
لكي تبقى على قيد الحياة، يجب أولًا أن تأكل جيدًا، و ثانيًا أن تنال قسطًا وافرًا من الراحة.
و مهما حدث، لم تكن فانيسا تنوي الموت. رغم أنها أُسرت و أُحضرت إلى عرين التنين، فإن مبدئها كان البقاء حتى النهاية.
ألم تحتمل و تستمر في العيش حتى وهي زوجة ليروي العنيف؟ و الآن بعد أن تحررت أخيرًا من ذلك الوغد، لا يمكنها أن تتخلى عن حياتها الآن.
نهضت فانيسا و هي تمدّد جسدها المتيبس. بدا أن الوقت كان فجراً، و كان ضوء محمر يضيء خلف الأفق.
بينما كانت تنظر بهدوء إلى السماء التي تحولت إلى ظلال غامضة من البنفسجي و الوردي، اقتربت فانيسا من الباب و حاولت إدارة المقبض.
كليك
سمعت صوت القفل وهو يعمل.
جربت الباب الجانبي أيضًا ، لكن الأمر كان نفسه. بدا أنها لا تزال في حالة حبس.
حدّقت فانيسا في الباب المغلق بإحكام و كأنه عدوّها اللدود. و عزمت أن تسأل يورغن عن نواياه حتمًا عندما تراه.
جاء يورغن لرؤية فانيسا حوالي الساعة الحادية عشرة صباحًا في ذلك اليوم.
فانيسا، التي كانت تحل الألغاز التي جلبتها الخادمات بلا مبالاة لتمضية الوقت، قفزت واقفة فور أن رأته.
كان تصرفه جافًا، كما لو أنه جاء ليتحقق مما إذا كان الكلب الذي يربيه لا يزال حيًا.
اقتربت فانيسا من الرجل الذي وقف فقط مكتوف اليدين، يحدق بها، و جمعت شجاعتها لتتحدث.
“دوق، هناك شيء أود التأكد منه.”
“ما هو؟”
“هل تنوي تسليمي إلى العائلة المالكة في رونغرين مقابل فدية؟ هل قال شقيقي إنه سيفعل ذلك؟”
كان صوت فانيسا و هي تطرح هذا السؤال باردًا للغاية. بدلًا من أن يبدو كأنها تأمل حدوث ذلك، بدا كأنها لن تغفر له أبدًا إن فعله.
أجاب يورغن بابتسامة خفيفة:
“لا بد أنكِ خمّنتِ أنني لم أجلبكِ إلى هنا بتلك النية ، أليس كذلك؟.”
“إذن لماذا؟ هل تنوي تقديمي كقربان إلى ‘الجبهة الحمراء’؟”
الجبهة الحمراء.
إن الجبهة الشمالية التي تحد أرض البرد القارس شمال دوقية دريـك تُدعى بذلك أيضًا. لأن ضبابًا أحمر، مملوء بدماء الجنود الذين قتلتهم وحوش الجليد ، يخيّم هناك دائمًا.
تم إلغاء عادة تقديم النساء الجميلات كقرابين إلى تلك الجبهة الحمراء منذ أكثر من مئة عام، لكنها قالتها على سبيل الاحتمال.
فهي ـ فانيسا رونغرين، كانت جميلة بما يكفي لتجعل الحمقى يحملون أوهامًا باطلة و خرافات تافهة.
نقر يورغن لسانه و كأنه سمع هراءً سخيفًا وقال:
“أنا لا أفعل مثل تلك الأمور.”
كان تعبيره و كأنه تلقى إهانة. لم تُبعد فانيسا نظرها عن نظراته الحادة ، و سألت مجددًا. كان في صوتها أثر القلق و الخوف و الإحباط الذي كانت تكبته.
“إذن، ما الذي تنوي فعله بي، و أنتَ تبقيني حبيسة هنا؟”
“……”
حدق يورغن بها بصمت طويل. كان ذلك الصمت باردًا كمنتصف الشتاء. و في لحظة ما، بدأ يقترب منها، خطوة، خطوتين. كمن يطارد فريسة.
مع كل خطوة يخطوها اقترب فيها منها ، شعرت فانيسا بأنفاسها تتقطع ، و تراجعت خطوة بخطوة.
و عندما وجدت نفسها محاصرة بالحائط ، بلا مكان آخر تهرب إليه ، خيّم ظل يورغن الطاغي عليها كأنّه على وشك أن يبتلعها.
نظرت إليه فانيسا إلى الأعلى ، و هي تبتلع ريقها. بدأ جسدها المرتجف من الخوف يهتز قليلًا. بدا الرجل العملاق المشع من الخلف أكثر تهديدًا من أي وقت مضى.
“هناك شيء واحد فقط أريده منكِ.”
قالها كما لو أنه يلعنها.
“تزوجّيني، يا ملكة تيريفرون. لا، يا فانيسا رونغرين.”
بالنسبة لعرض زواج، فقد كان يفتقر إلى أي الرومانسية أو الأمل.
بـصوت بدا و كأنه يغلي بالكراهية، و الحقد، و الرغبة في الدمار.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"