تقليديًا، فإن ابنة العائلات الملكية أو النبيلة التي تحيط بها شائعات مشؤومة لا تكون ذات قيمة سياسية على الإطلاق.
ومع ذلك، فإن ملك رونغرين السابق كان يعتز بأميرته الوحيدة كما يعتز بحياته. كم كانت فانيسا رونغرين مشؤومة، و كم كانت جميلة — و كم كانت محمية، كان أمرًا معروفًا للجميع في العالم.
الأميرة، التي نشأت كجوهرة ثمينة، بيعت إلى دولة مجاورة بعد وفاة الملك، نتيجة لمؤامرة شقيقها. و وفاءً للشائعات التي تقول انها أميرة مشؤومة، كانت في طريقها لإغراق تلك الدولة المجاورة في الخراب.
على الرغم من أن حظّ البلاد كان سيئًا منذ صعود الطاغية، إلا أن تيريفرون، التي كانت لا تزال دولة غنية، انهارت في ثلاثة أيام فقط.
بالطبع، يجب النظر إلى أنّ سقوط تيريفرون كان بسبب قسوة الإمبراطور، الحاكم المطلق الذي يمتلك سلطة غير محدودة.
في جميع الأحوال، بما أن دولة مزدهرة تحولت إلى رماد في لحظة، كان من الطبيعي التفكير في، “ربما، كما يشاع، تلك المرأة جلبت الحظ السيء.”
“…لن يحدث شيء سيئ لأراضي دريـك، أليس كذلك؟ مثل تفشي وباء.”
“أو اندلاع حريق كبير.”
“أو جفاف…”
عبّر فرسان عائلة دريـك عن افتراضاتهم الكئيبة كلٌ على حدة. الوحيد الذي تنهد و ردع هذا الوقاحة من الفرسان كان قائد الفرسان.
“لا تتحدثوا بهذه القسوة. لا تزال أميرة ذات نسب نبيل، على أي حال.”
“أميرة؟ قد تكون من العائلة المالكة، لكنها الآن مجرد سجينة. ما لم تدفع عائلتها، العائلة المالكة في رونغرين، فدية لاستعادتها.”
“ليس فقط بسبب نسبها. إذا كان لديكم أعين، فلا بد أنكم رأيتم. سيّدنا… يهتم بالأميرة.”
“……”
عندما أشار قائد الفرسان بوضوح إلى الحقيقة التي كان الجميع يتجنبها، غرقت الأجواء في الغرفة و كأن ماء بارد صُـبَّ فوقهم.
كأن البرد تسلل فعلاً، بدأ بعضهم يفرك أذرعهم. و ارتسمت على بعضهم تعبيرات و كأنهم قاموا بِـالعضّ على حشرة، و وجوههم كانت شاحبة اللون.
من الصعب تصديق ذلك.
ذلك الـ يورغن دريـك — السيف المشحوذ بالدم، الذي لا يعرف إلا الحرب طوال حياته — يهتم بامرأة.
كان من الواضح كم سيسخر الإمبراطور إن علم بهذه الحقيقة.
“حسنًا، نعم… إنها جميلة جدًا، أليست كذلك؟ تلك المرأة. عندما رأيتها أول مرة ، ظننت أنها خرجت من لوحة فنية خالدة.”
حاولوا تفهّم أنّه ليس من الغريب من صخرة صلبة كـ يورغن دريـك أن يبدب اهتمامًا بها، نظرًا لأنها فاتنة الجمال، لكن الأمر كان لا يزال صعب القبول —
“…هل يمكن أن يكون دوقنا قد تلبّسته روح أثناء معركة الدفاع الشمالية الأخيرة؟”
على الرغم من أنهم كانوا يعلمون أن ذلك مجرد شك غبي، إلا أن أحدهم تفوه بتلك الحماقة.
رجل ذو قوة غير بشرية، وامرأة ذات جمال غير بشري.
اتفق الجميع على أنها تركيبة غريبة بالفعل.
✦ ✦ ✦
لم تدرك فانيسا وجود مشكلة كبيرة إلا عندما حان وقت النوم.
كان هناك سرير واحد فقط في الغرفة.
لم تستطع سوى أن تضحك على نفسها لأنها لم تلاحظ هذا إلا الآن.
أعتقد أنني كنت شاردة طوال الوقت. و هذا ليس غريبًا، بعد أن أصبحت ملكة لدولة سقطت بين ليلة وضحاها و تـمّ جريّ إلى هنا.
‘بوجود سرير واحد فقط، سيضطر أحدنا للنوم على الأرض…’
لكن، هذه الأرض…
“……”
عقدت فانيسا حاجبيها قليلًا من الضيق المتزايد.
أرض ترابية طبيعية كانت لتكون أفضل. لكن هذه… الأرضية الخشبية مليئة بالأوساخ المتغلغلة لدرجة تجعلها تشك فيما إذا تم تنظيفها يومًا. حتى لو فرشت بطانية فوقها، فستظل غير مريحة. و كانت تبدو وكأن الحشرات قد تخرج منها. صراصير كبيرة، سوداء، كثيرة الأرجل، قذرة.
لقد كانت تكره الصراصير بشدة. إلى حدّ الإغماء.
سرقت فانيسا نظرة خفية إلى يورغن، الذي كان جالسًا على صندوق ، يهتم بسيفه. اللمعان الأزرق للسيف ألقى بظل قطري على وجهه.
مع بشرته الشاحبة، و اللون المعدني الأزرق المضاف، جعله كل ذلك يبدو أكثر رعبًا. عضّت فانيسا شفتها، متسائلة كيف تقترب من هذا الرجل الذي كانت شديدة الحذر منه — و هي خائفة منه.
بالفعل، كان هذا الرجل هو نوع الأشخاص الذين كانت فانيسا تخاف منهم بشدة — قاتل حقيقي قتل عددًا لا يُحصى من الناس، تفوح منه رائحة دماء ساحة المعركة.
كانت خائفة و مشوشة، لا تدري لماذا يكرهها مثل هذا الشخص، أو ما الذي ينوي فعله بإبقائها على قيد الحياة بدلًا من قتلها فورًا.
الرعب من أن السيف في يده قد يخترق قلبها في أي لحظة.
كان شعورًا منقوشًا في ذهنها بشكل حيّ منذ أن رأت الدم في الزنزانة تحت الأرض.
و ربّما بعد أن لاحظ نظرها المتردد و الخجول، التفتت عيناه الذهبيتان ببطء نحوها. و فجأة، و بدون وعي، أخفضت فانيسا نظرها و ارتجفت شفاهها.
كانت على وشك جمع شجاعتها لتسأله أين ينبغي أن تنام.
“أنتِ سـتنامين على السّرير.”
تحدث الرجل و هو ينهض من فوق الصندوق، بينما يغمد سيفه.
فانيسا، التي كانت واقفة بجانب النافذة، رمشت في حيرة.
أنام على السرير… وحدي؟ هل يقصد أن السرير لي بالكامل؟
“إذن… أين تنوي أن تنام؟”
سألت فانيسا بحذر ، لكن يورغن لم يجب. بل فرش بطانية على الأرض و استلقى عليها بلا مبالاة. ثم، بوجه متجهم منزعج، أغلق عينيه وأمر:
“أطفئي الشمعة.”
“……”
وعلى الرغم من انزعاجها من معاملته لها كخادمة، أطاعت فانيسا الأمر.
لا فائدة من التمرد. فأنا، بعد كل شيء، سجينة أسَرها هذا الرجل.
وعندما أطفأت الشمعة، أصبحت الغرفة مظلمة تمامًا بعد زوال مصدر الضوء الوحيد. تلمست فانيسا طريقها إلى السرير و استلقت عليه.
و بينما كانت تغطي نفسها بالبطانية التي تفوح منها رائحة عفونة خفيفة، أدركت فجأة أن هذا السرير يتسع لشخصين مع متسع إضافي.
…شعرت ببعض الذنب ، لكنه لم يكن كافيًا لرغبتها في مشاركة السرير مع ذلك الرجل.
نظرت فانيسا جانبًا نحو الأرض. رأت لمحة من الرجل المستلقي هناك بلا غطاء.
أليس غير مرتاح؟ كيف ينام هكذا؟
لا يزال الأمر مفاجئًا، عندما فكرت فيه مجددًا. لقد تنازل عن السرير لها.
بالطبع، لم يكن ذلك الشيء المفاجئ الوحيد…
‘لا أصدق أنه لن يفعل شيئًا لي حقًا.’
ملكة لدولة سقطت بين يدي جلاد الإمبراطورية. كانت في وضع لن يكون غريبًا فيه مهما فُعل بها، لكن لم يحدث شيء فظيع كما كانت تتخيل. على الرغم من وقوعها في حالة يرثى لها، لم تشعر بأنها معذبة.
بل… هل تم إنقاذي؟
بفضل الإمبراطورية و ذلك الرجل الذي دمّر تيريفرون، تمكنت من الهرب من عنف ليروي المريع.
يورغن دريـك — الذي كانت نواياه من المستحيل فهمها — قال انه سيبقيها على قيد الحياة لأن الأمر لن يكون ممتعًا إذا ماتت بسهولة.
كان من الممكن تفسير ذلك بأنه سيعذبها إلى الحد الذي تتمنى فيه الموت. لكن هل تصرفاته هذه… تعذيب؟
إنها بعيدة كليًا عن التعذيب…
سرقت فانيسا نظرة أخرى إليه. كان ساكنًا، ربما نائمًا بالفعل. في الهدوء الساكن، بدا أن أنفاسها وحدها مرتفعة بشكل غير طبيعي.
يبدو كرجل يكرهها، لأسباب لم تكن تفهمها.
ومع ذلك، كانت أفعاله متناقضة.
من أنتَ حقًا؟ متى و كيف التقينا من قبل؟
بينما كانت تتأمل في أسئلة لن تجد لها جوابًا أبدًا، أغلقت فانيسا جفنيها بلطف بينما غمرها النعاس.
في صباح اليوم التالي.
فتحت عينيها من تلقاء نفسها عند الفجر. نهضت بسرعة و نظرت إلى الأرض، لكن يورغن لم يكن في أي مكان.
غسلت فانيسا نفسها بعناية بالماء الذي يبدو أن طاقم النزل قد تركه، و مشطت شعرها المتشابك بيديها بسرعة، ثم نزلت إلى الطابق السفلي.
عندما ظهرت في غرفة الطعام التي كانت أيضًا بمثابة ردهة، خيّم صمت غريب على المكان. كان نزلاء النزل، و خاصة الرجال، يحدّقون بها علنًا بنظرات فاضحة.
تجاهلت فانيسا كل تلك النظرات كعادتها و نظرت حولها. لم يكن يورغن في أي مكان، فقد ذهب إلى مكان ما في وقت مبكر من الصباح.
و بينما كانت تفكر في العودة إلى الغرفة و البقاء فيها، اقترب منها شخص بخطوات ثقيلة. ارتعبت فانيسا بشكل انعكاسي، و حدّقت بالشخص بحذر.
الرجل ذو الشعر الرمادي الداكن، و العيون باللونين الأخضر و الأزرق مختلطين بشكل غريب، و الوجه الذي يوحي بالوحشية، و البنية قوية، كان شخصًا تعرفه فانيسا.
لم تكن تتذكر اسمه، لكنه كان يُقال إنه قائد فرسان فلوجل التابعين لعائلة دريـك.
في الطريق إلى هنا، لم يكن فرسان يورغن ودودين مع فانيسا. بل إنهم، بعيدًا عن الـودّ، كانوا يرمقونها بنظرات متجهمة أو غريبة، يصعب تفسيرها.
لذلك واجهت فانيسا قائد الفرسان الذي أمامها بتوتر طبيعي. الرجل، الذي ذكّرها بحيوان بري كبير، كان طويلًا لدرجة أن فانيسا اضطرت لرفع رأسها لتنظر إليه.
انحنى قائد الفرسان قليلًا لفانيسا، ثم تحدث بصوت جهوري يليق ببنيته المشابهة للدب.
“أنا آرثر كرومين، قائد فرسان فلوجل التابعين للدوق دريـك.”
“آه… فهمت.”
أومأت فانيسا برأسها بتعبير مذهول تجاه أسلوبه الذي كان مهذبًا بشكل غير متوقع. لقد كانت تجهّز نفسها نفسيًا للتعرض للسخرية و التهكم الذي سيُلقى على أسيرة مثلها.
“إذا كنتِ تفكرين في تناول الإفطار، فهل ترغبين في المجيء إلى هناك و الجلوس معنا؟”
نظرت فانيسا إلى الاتجاه الذي أشار إليه. على جانب من غرفة الطعام، كانت هناك خمس أو ست طاولات دائرية مشغولة بفرسان عائلة دريـك الجالسين في مجموعات صغيرة.
و كان جميعهم يراقبونها بنظرات فضول و ترقّـب.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 4"