في اليوم الثالث بعد انطلاقهم نحو أراضي دوقية دريـك، تمكنوا أخيرًا من استئجار مأوى.
لم تكن فانيسا تمانع التخييم، لكن الاغتسال في جداول الغابات كان مزعجًا من نواحٍ عديدة.
وبما أنها المرأة الوحيدة في المجموعة، كان عليها أن تقلق بشأن احتمال أن يراها أحدهم أثناء استحمامها.
وعلى الرغم من أنها كانت متزوجة بالفعل، إلا أن فانيسا كانت لم تحظى بليلتها الأولى، وكانت ترغب في تجنب سوء الحظ المتمثل في رؤية جسدها من قبل رجل ما .
كانت في الأصل من العائلة المالكة، لكنها الآن أسيرة، وإذا لم يُظهر الإمبراطور الذي يمسك بمقبض السيف الرحمة، فقد يتم خفض رتبتها إلى عبدة في أي وقت.
تاريخيًا، كانت النساء المستعبدات دائمًا فريسة سهلة لأصحاب النوايا السوداء. وعلاوة على ذلك، كانت فانيسا جديرة بلقب الجمال الفريد، لذا كان من المحتمل أن يكون هناك العديد من الرجال الذين سيحاولون استغلالها إن سنحت لهم الفرصة.
فجأة خطرت لفانيسا صورة ليروي في بالها.
ذلك الوغد كان يرغب بي بشدة. لكنه لم يستطع لأنه كان يعاني من مشكلة عقم.
كانت تراقب ظهر يورغن و هو يقفز من العربة أولًا، غارقة في أفكارها.
من الذي قتل ليروي في النهاية؟ هل كنتُ أنا؟ أم ذلك الرجل؟
“ما الذي تقفين هناك شاردة لأجله؟ إن لم تتبعيني بسرعة، سأترككِ خلفي.”
يورغن، الذي كان قد ابتعد مسافة لا بأس بها، وهو ينظر إلى فانيسا، تحدث بخشونة.
ولأنها لم تكن تريد أن تُترك خارجًا دون حتى نار تخييم في هذا الطقس البارد، نزلت فانيسا بسرعة من العربة و ركضت نحو يورغن.
ثم فجأة، تعثرت بحجر و سقطت.
“آه…!”
كان ذلك يحدث كثيرًا.
هل كان السبب أنها خرقاء؟ لا. لو كان كذلك، لكان الأمر أفضل.
كان ذلك بسبب سوء الحظ الذي يلاحق فانيسا كأنه لعنة. كانت تسقط كثيرًا، تسقط في الماء، تكاد تسقط من أماكن مرتفعة، و كادت تحترق حتى الموت عندما اشتعلت ملابسها من نار الموقد.
باختصار، كانت الحوادث الغريبة تحدث لها كثيرًا و كأن العالم كله يحاول قتلها.
نهضت فانيسا من مكان سقوطها، تمسح الأوساخ عن يديها و ملابسها بعادة مألوفة. كان الدم يتسرب من كفيها المجروحتين قليلاً. و لم يكن ذلك فحسب، بل كانت ركبتاها تؤلمان أيضًا، مما يشير إلى أن الجلد هناك قد تم كشطه أيضًا.
كان يؤلم قليلاً، لكن الألم كان محتملاً.
اقتربت فانيسا بحذر من يورغن الذي كان واقفًا في مكانه. ثم تمتمت بنظرة محرجة قليلاً.
“أممم، أنا أميل إلى السقوط كثيرًا.”
“……”
تقلّص فم يورغن كما لو كان لديه شيء ليقوله ، لكنه نقر بلسانه بإيجاز ثم رفع فانيسا كأنها كيس.
عندما وجدت نفسها فجأة معلقة على كتفه في وضعية مهينة، بدأت فانيسا تركل قدميها وتصرخ.
“ما الذي تفعله؟ أنزلني!”
“ابقي ساكنة. إلا إذا كنتِ ترغبين في الموت.”
تجمّدت فانيسا خوفًا من التهديد القاتل.
ورغم أن يديها و قدميها كانت ترتجف من الإهانة، إلا أنه لم يكن في وسعها فعل شيء في وضعها الحاليّ كغنيمة حرب.
أغلقت فانيسا عينيها بإحكام و كأنها تهرب من الواقع. متجاهلة عمدًا النظرات الغريبة من فرسان عائلة دريـك وهم يلقون نظرات خاطفة عليها، ونظرات التساؤل من الناس الذين صادفوهم أثناء دخولهم النزل.
“…علينا أن نتشارك الغرفة؟”
في اللحظة التي ظنت فيها أنها يمكن أن تلتقط أنفاسها، واجهت صعوبة أخرى. قالوا إنه لم تكن هناك غرف كافية. لذا كان عليها أن تشارك غرفة مع يورغن دريك.
هذا لا يمكن أن يحدث. حتى وإن كنت سجينة، كيف يتوقعون مني أن أشارك غرفة مع رجل غريب؟
هل يمكن أنّـه سيحاول استغلال الفرصة ؟ كانت فانيسا جميلة إلى حد مثير للمشاكل، وكانت تعرف هذه الحقيقة جيدًا.
كانت تعرف أيضًا كمّ الشهوات القذرة التي يكنها الرجال في قلوبهم كلما نظروا إليها.
نظرت إلى يورغن بغضب كما لو كان مجرمًا مؤكدًا، و احتضنت نفسها بحذر. و مع ذلك، ظلّ يورغن غير مبالٍ تمامًا و كأنّـه ينظر إلى حجر على جانب الطريق.
“هذه هي الغرفة المزدوجة الوحيدة. و الباقي كلها غرف لأربعة أشخاص. إن كنتِ تفضلين مشاركة غرفة مع فرساني ، فلكِ الحريّـة في ذلك.”
“م-مهلًا…!”
دخل الغرفة أولًا و كان على وشك إغلاق الباب.
اندفعت فانيسا إلى الأمام بشكل انعكاسي ، و دفعت الباب بكتفها و زحفت بجسدها عبر الفتحة الضيقة. إذا كان عليها أن تختار بين مشاركة غرفة مع ثلاثة رجال أو رجل واحد، فإن الخيار الثاني هو الأفضل بوضوح.
بعد أن دخلت بالكاد، نظرت فانيسا إلى يورغن بغضب و هي تلهث بشدة. رفع هو طرف فمه بابتسامة ملتوية، كما لو كان يسخر من ضعف لياقتها، ثم فجأة بدأ يخلع ملابسه.
“……!”
في اللحظة التي ظهرت فيها عضلات بطن الرجل و صدره المشدودة، سارعت فانيسا إلى تغطية وجهها بكفيها، حاجبةً بصرها.
لماذا، لماذا يخلع ملابسه فجأة؟
كان قلبها ينبض بعنف من الخوف من أن تتعرض لشيء فظيع.
و أثناء حبسها لأنفاسها، مدفونة في الظلام، شعرت فجأة بوجود قريب جدًا منها.
فزعت فانيسا و ارتجفت، و في تلك اللحظة، رفعها يورغن. لكن هذه المرة، كان الأمر بطريقة محترمة، كما لو كان يحمل شخصًا ثمينًا، لكن فانيسا كانت فقط غارقة في الخوف.
“أنزلني…!”
صرخت بصوت حاد و تململت. أجلسها يورغن عند رأس السرير، و على نحو غير متوقع، ركع أمامها.
نظرت إليه فانيسا مذهولة، شفتيها ترتجفان.
“م-ما الذي تفعله…”
“……”
غمس قطعة قماش في حوض ماء، بللـها، ثم فجأة رفع تنورة فانيسا. بدأت فانيسا تتحرك بعنف و كأنها في نوبة.
“أنتَ منحرف! كنتُ أعلم أنكَ ستقوم بـ…!”
و قبل أن تركله بعيدًا، لامس القماش المبلل ركبتها المصابة بلطف.
تجمدت فانيسا، ناظرةً إلى يورغن بذهول. رمشت رموشها الكهرمانية.
ما هذا الموقف…؟
كان لمسه ثابتًا و لكنه غريب في رقته. كانت تشعر به ينظف جرحها بلطف، حريصًا على ألاّ يؤلمها.
لم تستطع فانيسا سوى أن ترمش و تحرّك شفتيها بصمت، غير قادرة على استيعاب هذا الموقف. بدا و كأن حلقها يجف.
ما هذا الرجل…؟ إذا كان سيعاملني بخشونة، فليفعل ذلك و حسب. لماذا يُظهر هذا اللطف ويُربكني؟
بينما كانت فانيسا غارقة في أفكارها، أنهى يورغن تنظيف الجروح في ركبتها و كفها، و ذهب إلى حد وضع مرهمٍ عليها.
ثم رفع تنورتها مرة أخرى، محاولًا تجريد فانيسا من ملابسها تمامًا ما عدا فستانها الداخلي.
“م-ما الذي تفعله!”
“اخلعيها.عليكِ ارتداء ملابس جديدة.”
يورغن، الذي جرّد فانيسا من كل شيء ما عدا قميصها الداخلي على الرغم من مقاومتها، رمى لها بعض الملابس من صندوق خشبي ، متجاهلًا غضبها.
و بينما أمسكت فانيسا الملابس الطائرة بشكل انعكاسي، فتحتها و فحصتها. كانت عبارة عن ثوب بليو مصنوع من الصوف، و سترة من فرو السنجاب، وحزام من جلد البقر.
‘…هذا أفضل مما توقعت؟’
كان الأمر غير متوقع، إذ كانت تتوقع أن تُعطى خرَقًا.
أن يعطيها ملابس يمكن لإنسان فعليّ ارتداؤها… بل حتى رمى لها حذاء شتوي لتبدله.
فانيسا، التي كانت قلقة من الإصابة بعضة الصقيع بسبب ارتداء أحذية قماشية رقيقة، التقطت الحذاء بسرعة و ارتدته. الجلد السميك و الصوف الناعم كانا يحيطان بقدميها براحة، و يمنحانها دفئًا.
راضية عن ملمس الملابس والأحذية الجديدة، رفعت فانيسا تقييمها ليورغن بمستوى واحد. ربما لم يكن عديم الإحساس كما ظننت.
ومع ذلك، عندما بدأ يورغن الاستحمام بغض النظر عما إذا كانت فانيسا تراقبه أم لا، انخفض تقييمها له مرة أخرى.
كيف نشأ هذا الرجل ليكون بهذه الهمجية وهو نبيل رفيع المستوى؟ إنه وغد عديم الحياء، لا يملك حتى ذرة من الخجل.
بل كانت لديه الجرأة ليسأل فانيسا، “هل ستستحمين أيضًا؟” و كأنها ستكشف جسدها أمام رجل غريب؟
و عندما ردت عليه بذلك، رفع يورغن زاوية فمه كما لو كان يسخر منها، ثم تجاهلها و خرج.
بعد فترة، دخلت خادمة و بدلت ماء الحمام، وبينما تُركت فانيسا وحدها في الغرفة، ترددت قليلًا قبل أن تقترب من الحوض الخشبي.
عندما رأت ماء الحمام يعلوه بخار يرتفع بلطف، شعرت فعلًا برغبة في الاستحمام.
بعد أن فكرت للحظة، أغلقت الباب بإحكام، ثم خلعت ملابسها و دخلت الحوض.
و عندما غمرت جسدها في الماء الساخن، ارتخت أعصابها المتوترة بشكل طبيعي. و عندها فقط أدركت فانيسا كم كانت متوترة.
…هل يمكن أنه لاحظ ذلك و لهذا كان متعاطفًا؟
لا، ذلك الرجل الأناني لا يمكن أبدًا أن…
هزت رأسها بقوة، و غاصت عميقًا في الماء.
فقاعات الهواء التي أطلقتها صعدت إلى السطح وانفجرت.
✦ ✦ ✦
“إذًا، ما نوع العلاقة التي تربط بينهما؟”
كان الفرسان، الذين تجمعوا في الطابق الأول من النزل لتناول العشاء، يجلسون في مجموعات صغيرة وهم يهمسون.
بعد أن أنهوا حملتهم، كانوا يرتدون سترات قطنية و سراويل جلدية و سترات من الفرو، بعدما خلعوا دروعهم.
بالطبع، كانوا لا يزالون يحملون أسلحتهم — سيوف، أقواس، رماح — والتي كانت امتدادًا لجسد الفارس.
“هل من الممكن حقًا أن تكون… تعرفون، هي؟”
كان المقصود بـ “هي” ملكة تيريفرون، التي اختطفها دوقهم، يورغن دريـك ، شخصيًا.
كون ذلك الـ يورغن دريـك أبدى اهتمامًا بامرأة لم يكن صادمًا بقدر حقيقة أن المرأة التي أثارت اهتمامه هي ملكة تيريفرون، و ليست أحدًا آخر.
ملكة تيريفرون!
لماذا هي تحديدًا؟
“…هل صحيح أنه أينما ذهبت تلك المرأة، تنتشر الأوبئة، و تحدث الحرائق، و تموت الحيوانات ؟”
عندما طرح أحدهم الموضوع بهدوء، أصبح الجو أكثر برودة. فالشائعات عن ملكة تيريفرون كانت معروفة جيدًا حتى في دوقية دريـك.
جمال يمكن أن يُسقط مملكة.
جمال لا مثيل له.
لكنها امرأة مشؤومة تتبعها مصائب غريبة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 3"