لم تكن فانيسا تعرف من هو.
كانت تلك أول مرة تلتقيه فيها.
ومع ذلك، كان يحدق بفانيسا و كـأنه يعرفها.
علاوة على ذلك، ما كان في عينيه، مهما نظرت إليه…
كان حقدًا شديدًا، أقرب إلى نية القتل.
ذلك الشعور الواضح الذي نقله بعنف لم يكن شيئًا يمكن لفانيسا، التي كانت بالفعل ضعيفة، أن تتحمله.
كان الرجل ضخمًا جدًا لدرجة أنها اضطرت لإمالة رأسها إلى الخلف لوقت طويل لتتمكن من النظر إليه، و كان أكثر رعبًا من أي كائن رأته من قبل.
حتى الإمبراطور الذي رأته عندما ذهبت إلى عاصمة إمبراطورية كارتيس، لم يكن بهذه الهيبة. الرجل الذي أمام عينيها بدا… شبه غير بشري.
بينما يحدق بها شخص بهذه القوة الطاغية وكأنه سيقتلها، بالكاد استطاعت فانيسا التنفس.
من يكون هذا الرجل ؟
ولماذا ينظر إليّ هكذا؟
و لماذا كان ليروي مغطى بالجروح؟
كانت الأسئلة تتكرر واحدة تلو الأخرى. بالكاد تمكنت فانيسا من نطق واحد منها.
“هـ-هل.. ستقتلني؟”
كان صوتها، المرتعش بدقة مثل رنين آلة وترية، مليئًا بالخوف. فتح الرجل فمه و هو يحدق بفانيسا بعينين تشبهان الشمس المشتعلة.
“…أنا أفكر في ذلك.”
استدار قليلاً و ركل جسد ليروي الممدد على الأرض بقدمه. ثم انحنى، و رفع ذراع ليروي اليمنى، و سحب الخاتم من إصبعه الأوسط. كان خاتم ختم محفور عليه شعار ملك تيريفرون الفريد.
وضع الرجل الخاتم في جيبه، ثم أمسك بشعر ليروي و رفع رأسه.
ليروي، سواء كان ميتًا أو فاقدًا للوعي، لم يظهر أي حركة على الإطلاق.
بعد أن فحص الرجل باختصار ملامح ليروي، استل سيفه من خصره بتعبير خالٍ تمامًا من الاكتراث.
اتسعت عينا فانيسا.
لا يمكن…
ما حدث بعد ذلك حدث في غمضة عين.
لمع وميض فضي أمام عينيها، و سقط جسد ليروي على الأرض بصوت مكتوم. و كان الرجل يمسك برأسه، يتدلى.
تدفقت الدماء بلا توقف من العنق، المقطوع بنظافة مرعبة.
أعاد الرجل سيفه إلى غمده، و استدار لينظر إلى فانيسا، و وجهه ملطخ بالدماء. و بوجود بقع الدم الحمراء الزاهية فقط على وجهه الشاحب المظلل، بدا مظهر الرجل أكثر غرابة.
مع علمها أنه لم يتبقَ لها مكان للهرب، تراجعت فانيسا إلى الوراء بغير توازن. كانت خائفة حتى الموت، تخشى أن يستل الرجل سيفه مجددًا و يقطع رأسها أيضًا.
اقترب الرجل منها ببطء. لم يكن من الممكن قراءة تعبير وجهه. لكن النظرة في عينيه، الممتلئتين بالكراهية، كانت واضحة جدًا.
“…ملكة تيريفرون.”
همس بصوت منخفض للغاية.
“اعتبارًا من اليوم، سقطت تيريفرون.”
…ماذا؟
اتسعت عينا فانيسا بشدة.
ماذا يقول؟ سقطت تيريفرون؟
“وأنتِ غنيمتي من الحرب.”
قبل أن تتمكن فانيسا من الرد على تلك الكلمات، التقطها الرجل بسرعة و حملها على كتفه.
قاومت فانيسا المذهولة بكل قوتها، لكن دون جدوى. غادر الرجل بهدوء السجن السفلي المظلم. متجاهلًا تمامًا مقاومتها الضعيفة.
✦ ✦ ✦
30 نوفمبر، عام 213 حسب التقويم الإمبراطوري الكارتي.
سقطت مملكة تيريفرون.
كانت التهمة تجديفًا ارتكبه بعض من أفراد العائلة المالكة، بما في ذلك الملك، و كبار المسؤولين.
الشخص الذي حقق هذا الإنجاز المرعب بتدمير مملكة في ثلاثة أيام فقط، تنفيذًا لأمر الإمبراطور، ― هو دوق الإمبراطورية، يورغن دريـك.
وقد سُلبت فانيسا على يد ذلك الرجل نفسه.
كان ذلك في يوم شتوي ظل فيه برد قاسٍ قد نهش العالم بأسره مستمرًا لفترة طويلة.
✦ ✦ ✦
قعقعة، قعقعة.
اهتزت العربة ذات الأربع عجلات، التي يجرها حصانان عضليان، بعنف وهي تسير على طريق ترابي وعر مليء بالحجارة.
جلست فانيسا منكمشة بجانب النافذة، تتسلل بنظراتها نحو الرجل الجالس أمامها.
لم يمضِ سوى ساعة واحدة فقط منذ علمت أن هذا الرجل هو “الدوق دريـك” نفسه.
عندما أُخرجت من السجن كأنها حزمة على كتفه، كانت القلعة في فوضى، النيران تتصاعد من كل مكان، و الهواء مشبع بالدخان اللاذع. الحديقة الفاخرة التي كانت موجودة من قبل دُمرت و دُهست، و الجثث المجهولة ملقاة على الأرض.
عندها فقط أدركت فانيسا أن شيئًا مروعًا قد حدث. إما أن تيريفرون قد تم غزوها، أو أن أحدهم دبّر تمردًا، أو إن لم يكن ذلك―
فقد وُضعت أمام منصة الحكم الإمبراطوري.
إمبراطور كارتيس، أكبر دولة في قارة أسترا هذه، كان حاكمًا مطلقًا يسيطر على جميع الملوك.
عدد الدول التي دمّرها الإمبراطور بتهمة التجديف منذ تأسيس الإمبراطورية يتجاوز التسع بسهولة.
و ذلك الرجل، الدوق يورغن دريـك، كان مشهورًا بكونه أشرس منفذ لأوامر الإمبراطور. و بوجود الإمبراطور كخلفية له ، كان لديه الامتياز لفعل أي شيء يريده تقريبًا.
لم تكن فانيسا قد رأت وجهه من قبل، لكنها كانت تعرف اسمه، ولم تدرك هويته إلا عندما ناداه أحد الأتباع قائلًا: “سموك، الدوق دريـك”.
و عند التفكير في الأمر، فإن الأعلام المعلقة في كل أنحاء القلعة كانت تحمل أيضًا شعار تنين يكشر عن أنيابه و مخالبه. كان التنين الأسود رمز عائلة دريـك.
بمجرد مغادرتهم القلعة، دفع الدوق دريـك فانيسا إلى هذه العربة و تركهـا دون أي اهتمام لأكثر من خمس ساعات. بالطبع ، مع وجود حراس مكلّفين بمراقبتها.
والآن كان يسافر في العربة مع فانيسا إلى مكان ما.
و بالطبع، لم يتم تبادل أي كلمة بينهما حتى الآن.
…هذا غير مريح.
إنه أشبه بالجلوس على أشواك. شعرت فانيسا بإحساس هائل من الضغط لمجرد وجوده.
كان يتجاهلها تمامًا عندما تسترق النظر إليه، ولكن عندما كانت تفعل شيئًا آخر، كان يحدق بها بشدة لدرجة أن الأمر كان مرهقًا.
كانت مشوشة، غير قادرة على فهم ما الذي يفكر به هذا الرجل. كانت فانيسا تتسلّل بنظراتها خلسة نحو الرجل الذي كان يتجاهلها باستمرار، عندما جمعت أخيرًا شجاعتها لتنطق بالكلمات التي تدربت عليها في رأسها أكثر من مئة مرة.
“أ-أيها الدوق.”
“……”
“هل لي أن أسأل إلى أين تأخذني؟”
على الرغم من أنها كانت أميرة من دولة صغيرة، كانت فانيسا لا تزال أميرة، لذا استخدمت أسلوب حديثها المعتاد معه. لكن يورغن لم يبدو أنه يقدّر ذلك. كان تعبيره غير مرحّب به تمامًا.
هل كنتُ متعجرفة جدًا كسجينة؟ هل كان يجب أن أطلب بلطف أكثر؟
و بينما كانت تفكر بذلك بجدية، جاءها صوت يورغن، باردًا كشتاء منتصف العام.
“أنتِ ذاهبة إلى قلعتي.”
“إلى قلعتك؟ هل ستُعدِمُني هناك؟ و ليس في ريفينيو…؟”
ليروي، ملك تيريفرون، كان من المفترض أن يُعرض رأسه على جدران العاصمة، ريفينيو، لذا سيكون من اللائق أن تُعدَم مَلكتـه في ريفينيو أيضًا.
لكن لماذا لم يتم إعدامها في ريفينيو؟ ربما كانوا يخططون لاتهامها بأنها ساحرة و حرقها على الخشبة كمثال؟
موت الساحرة هو نوع من طقوس التطهير. إنه يحمل المعنى السحري لحرق الأشرار لتطهير العالم…
الجموع الجاهلة سترحب بحرق ساحرة. كان اللورد سيستخدمه لأغراض سياسية.
‘سواء كان حرقًا على الخشبة أو قطع رأس، فهو موت بائس على أي حال…’
إذا كان مصيرها الموت، فإن قطع الرأس سيكون أفضل بكثير من الحرق على الخشبة. سيكون أقل ألمًا.
“……”
حدق يورغن في فانيسا دون أن يقول شيئًا. مرة أخرى، كان نظره مشوبًا بكراهية شديدة. لم تكن فانيسا تفهم لماذا يكرهها هذا الرجل بهذا الشكل.
لم يسبق لهما أن التقيا من قبل، و لم تكن فانيسا، المنتمية لعائلة رونغرين الملكية، عدوة لعائلة دريـك.
ربما كان مجرّد سخص مجنون. ربّمـا بدأ فجأة يكره فانيسا بشدّة عند لقائه بها لأول مرة اليوم. فقط لأنه مجنون.
“…لقد فكرتُ في قتلكِ عندما وجدتكِ.”
تجمدت فانيسا عند الصوت المفاجئ، مرتعشة. كان صوته هادئًا رغم تلك الكلمات الوحشية.
“ظننت أن ذلك قد يجعلني أشعر بتحسن قليلًا. لكن…”
“……”
“أظن أنه من الأفضل أن أبقيكِ على قيد الحياة بعد كل شيء.”
“……”
“لن يكون ممتعًا إذا متِ بسهولة شديدة.”
الرجل، الذي يشبه صمت الليل المظلم، أظهر ابتسامة لأول مرة.
رغم أنها كانت أشبه بتعبير مشوه بشدة أكثر من كونها ابتسامة.
✦ ✦ ✦
سيستغرق الأمر حوالي أسبوع للوصول إلى دوقية دريـك بالعربة.
في اليوم الأول، اضطروا للتخييم في العراء لعدم وجود مرافق إقامة قريبة.
جلست فانيسا منكمشة أمام نار المعسكر، تراقب اللهب المتطاير. تدفقت إلى ذاكرتها ذكريات التخييم مع والدها عندما كان لا يزال حيًا.
في ذلك الحين، كنتُ أسعد إنسانة في العالم… رغم أنني كنتُ سيئة الحظ وغالبًا ما أتعرض لحوادث أو تجارب قريبة من الموت…..حسنًا، أظن أن ذلك لا يزال كما هو الآن.
عانقت فانيسا الجزء العلوي من جسدها بكلتا ذراعيها و انحنت برأسها بعمق. هل كان ذلك بسبب حرارة النار الدافئة؟ بدا أن جسدها و عقلها، اللذان كانا متوترين طوال الطريق، قد استرخيا قليلًا.
“لا تجلسي قريبًا جدًا من النار.”
عند سماع التوبيخ الخشن، نظرت إلى الجانب، و بالفعل، كان يورغن قد اقترب.
جلس بجانبها و أخرج حبة بطاطا من السلة التي كان يحملها بيد واحدة، و ألقاها في نار المعسكر.
من الواضح أن تلك البطاطا كانت وجبة اليوم، و فانيسا، التي كانت تتضور جوعًا منذ أيام، شعرت بجوع شديد لمجرد تخيل طعم البطاطا المشوية.
سال لعابها. لم تتمكن إلا من شرب الماء منذ مغادرتها السجن، لكن بدا أنها ستحصل أخيرًا على شيء صالح للأكل.
على أي حال، بما أنه قال انه لن يقتلها، قررت فانيسا أن تبذل جهدها للبقاء على قيد الحياة الآن. رغم أن عقل الشخص المجنون قد يتغير فجأة و يحاول قتلها في أي لحظة، فإن أكل البطاطا كان مهمًا الآن.
“آه، لقد نضجت تمامًا.”
أضاء وجه فانيسا و هي تخز البطاطا بعصا. دحرجتها بسرعة و انتظرت قليلًا لتبرد، ثم عندما لم تستطع الانتظار أكثر، أمسكت بها بيدها و قشّرتها.
كانت البطاطا الخارجة للتو من النار ساخنة جدًا، لكن الحرارة كانت محتملة. كانت فانيسا على وشك أن تنفخ على البطاطا المقشرة بالكامل و تأخذ قضمة، عندما توقفت فجأة و نظرت إلى الجانب.
“……”
كان يورغن يحدّق بها بنظرة لا تُصدق.
…هل لأنه، باعتباري غنيمة حرب، كنت أحاول ملء بطني دون أن أكون حذرة؟
بعد أن ترددت قليلًا، تنهدت فانيسا داخليًا و قدمت البطاطا إلى يورغن. ارتفع حاجباه الأسودان الكثيفان قليلًا. تحدثت فانيسا بتردد.
“تفضل، تناولها أولًا. سأخرج حبة أخرى لأكلها…”
عندها، أطلق يورغن ضحكة صغيرة. كانت بوضوح استجابة ساخرة. لم أفهم لماذا يثير ضجة حتى عندما أُظهر له اعتباري.
و بينما كانت فانيسا تتذمر داخليًا، أجاب يورغن بنبرة صلبة كعادته.
“كُليها أنتِ. أنا بخير.”
هل يعني أنه سيتخطى الوجبة؟ لكن من الطريقة التي أخرج بها البطاطا المشوية الطازجة من النار، لم يبدو الأمر كذلك.
إذن، هل يعني أنه لا يريد أكل البطاطا التي قشّرتها…؟ بدا أن هذا هو التفسير الأقرب للحقيقة، حدّقت فانيسا فيه خفية. كل هذه الضجة بسبب بطاطا تافهة.
على أي حال، التهمت فانيسا البطاطا الدافئة بشهية. كانت لذيذة جدًا لدرجة أنها كادت أن تبكي، إلى الحد الذي نسيت فيه للحظة وجود الرجل المخيف الجالس بجانبها.
بعد أن استمتعت تمامًا ببطاطا واحدة، و بينما كانت تحاول إخراج واحدة أخرى لتأكلها و هي تراقب ردة فعل يورغن، امتدت من الجانب بطاطا مقشرة، بيضاء.
نظرت فانيسا بعينين مستديرتين، تتناوب النظر بين البطاطا و وجـه يورغن. كان يضغط عليها لتأكل بسرعة بنظرة صامتة و تعبير شرس للغاية.
“ش-شكرًا لك…”
تلقت فانيسا، التي كانت مترددة، البطاطا بيدين مرتعشتين. و مع ذلك، لم تكن تملك الشجاعة لتأكلها.
ماذا لو كانت بطاطا مسمومة؟ لقد سمعت أن البطاطا المنبتة تحتوي على سم. ربما كان يريد الاستمتاع برؤيتها و هي تتعذب بعد أكل السم…
‘من الغريب أن يقشّر لي البطاطا بعدما قال انه يريد قتلي…’
ربما كنتُ شديدة الشك. ربما أعطاها لي فقط لأتناولها…
لكن حتى لو كان تقديم البطاطا هو طريقته الخاصة في الاهتمام، لم تستطع فانيسا تقبّله كما هو.
كان يورغن دريـك مجنونًا يمكن أن يتغير في أي لحظة، و كانت فانيسا لا تشعر نحوه إلا بالخوف.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 2"