كيااااا!
عندما كانت مخالب الوحش الشيطاني الحادّة و المعقوفة، الذّي أطلق صرخة خارقة، على وشك أن تضرب فانيسا…
انطلق سهمٌ من مكان ما و اخترقَ ساق الوحش. و عندما رأت الطاقة الذهبية المتوهجة في السهم، أدركت فانيسا أنّه أُطلِق بواسطة يورغن.
تبعته سهام أخرى، انغرست في جسد الوحش الشّيطاني المتلوّي من الألم. كان الضوء الذهبي المتلألئ يشعّ من السّهام التّي اخترقت تباعًا عينه و عنقه و قلبه.
الوحش الشّيطاني ، الذّي كان يرتجف بجناحيه الهائلين الممدودين ، سرعان ما سقط على الأرض بارتطام مدوٍ. سال الدّم بلا توقف من جسده، الذي كان ميتًا بلا شك، و غمر حطام العربة.
“……”
فانيسا التي كانت منهارة على الأرض وقد خانتها ساقاها ، سُحِبت من طرف شخصٍ ما بعنف. وعندما وقفتْ متمايلة، نظرت فانيسا إلى ذلك الشخص.
يورغن، الذي اندفع إلى هناك بطريقة ما، كان يمسك بذراعها و ينظر إليها بوجهٍ بارد.
فتحت فانيسا فمها بذهول لتناديه.
“الدوق…”
“لا تبتعدي. ابقي قريبةً منّي بشكل صحيح. إذا لم تُريدي الموت.”
بعد أن قال ذلك، أخرج يورغن سهمًا من جعبته و وضعه في قوسه. كانت هناك طاقة ذهبية متلألئة تدور في عينيه و في القوس و السهم اللّذين كان يمسكُ بهما.
لا يبدو بشريًا على الإطلاق… فكّرت فانيسا فجأة. محاطًا بالضوء، بدا فخمًا مثل كائن من الأساطير.
كانت السهام التي أطلقها يورغن تصيب نقاط الضعف في أهدافها بدقّة. حدث ذلك عشرات المرات. بدأت جحافل الوحوش الشيطانية، التي كانت تتقدّم بلا نهاية، تتردّد و تتراجع.
بدا أنّهم حكموا بأنهم لا يستطيعون هزيمة يورغن و فرسانِه.
راقب يورغن بعناية الاتّجاه الذي كانت تهرب فيه الوحوش الشيطانيّة.
فانيسا، التي كانت متشبثة بظهره كالمحار، استعادت وعيها ببطء و ابتعدت عنه قليلًا.
أن تتشبث به يائسة كما لو كان طوق النجاة… رغم أنّه كان موقفًا لا مفرَّ منه… بدأت فانيسا تعبث بيديها و هي تخفي وجهها الذي احمرّ خجلًا.
بالطبع، لم تنسَ أن تعبّر عن امتنانها.
“شكرًا لإنقاذي، أيها الدّوق. أنا مدينة لكَ بحياتي مرتين الآن. …لا، هل هي ثلاث مرات؟”
“……”
يورغن، الذي توقعت أن يسخر منها بتعبير ساخر واضح، اِلتزمَ الصمت بغرابة و هناك نظرةٌ غريبة في عينيه. بدا مستغربًا، و أيضًا منزعجًا بعض الشيء.
راقبت فانيسا ردات فعله و وقفت على مسافة أبعد قليلاً. و رغم أنّ الضجة التي سببتها الوحوش الشيطانية قد هدأت، إلاّ أن قلب فانيسا كان لا يزال ينبض بعنف بسبب التجربة المخيفة و غير المألوفة التي مرّت بهَا للتو.
ألقَى يورغن نظرةً غير مبالية نحوها، هي التي بدت وكأنها كيس شعير مستعار فارغ، و أصدرَ أوامر للفرسان.
“نظّفوا المنطقة. و أرسلوا حمامًا زاجلًا لإبلاغ العاصمة و فالنسيا بهذا الحادث.”
علَى ما يبدو فهم مُعتادون على مِثل هذه الفوضى، بدأ الفرسان بتنظيف المنطقة بمهارة.
جمعوا جُثَث الوحوش الشيطانية الميّتة و أحرقوها، و غطّوا برك الدم على الطريق بالتربة. و استعادوا الأمتعة السليمة من حطام عربة السفر المنهارة و استخدموا الألواح الخشبيّة كحطب.
و في جانب آخر، كَتب الفرسان الذين يعرفون القراءة و الكتابة رسائل و أرسلوها إلى العاصمة و فالنسيا. طارت حمامتان زاجلتان نجتا من الفوضى بأجنحتهما البيضاء في السماء.
يبدو أنّ سبب إبلاغ العاصمة و فالنسيا بهذا الحادث هو منعُ أيّة هَجمات إضافيّة محتملة. فسيكون كارثيًا إن تعرّض مسافرون عُزل يعبرون هذا الطريق الرئيسيّ لهجوم من وحوشٍ شيطانية.
و أثناء قيام المجموعة بمهامها بكفاءة، كانت فانيسا جاثية في زاوية، ترسم على الأرض بغصن أو تتنصّت على محادثات الفرسان.
و بما أن قائد الفرسان، آرثر كرومين، كان قريبًا، كان صوته أوضحهم.
“هذا غريب. وحشٌ شيطاني هاجم في سهل كهذا… من المفترضِ أن يكون هذا الطريق الرئيسي آمنًا.”
“هل يمكنُ أن يكون ذلك بسبب نحس سموها؟”
من تفوّه بهذه الكلمات المزعجة كان بالتأكيد غارسيا. حدّقت فانيسا به بعينين ضيّقتين. بدا أنه شعر بنظراتها، فاستدار قليلًا نحوها و ابتسم بخبث.
“لا تتحدث بسخافة، يا غارسيا. لا بدّ أن هناك سببًا آخر لحركة الوحوش الشيطانية غير الطبيعيّة. …لو كنتُ أعلم أن هذا سيحدث، لجلبت ساحرة. يمكنها بسهولة تتبع السبب.”
“أتعني جينلي؟ تلك المنعزلة دائمًا ما تكون محبوسة في برجها تُجري أبحاثها. لا يمكنها الانضمام إلى رحلة مثلِ هذه أبدًا.”
“هذا صحيح، و لكن…”
كانت فانيسا قد سمعت عن ساحرة تنتمي إلى عائلة دريك، لكنها لم تقابلها شخصيًا. و كما قال غارسيا، يبدو أن هذه الساحرة كانت منعزلة بالكاد تشارك في أيّ أنشطة خارجية.
“حسنًا، يبدو أنّ علينا الاستعداد للانطلاق مجددًا ― سموكِ! تفضلي خذي يدي. غارسيا هذا في خدمتكِ بكلّ إخلاص.”
“……”
غارسيا، الذي اقتربَ بهدوء من فانيسا، ابتسم كأفعى ماكرة و مدَّ يده. نظرت إليه فانيسا بنظرة غاضبة و نهضت واقفة.
تجاهلت يده و سارت مبتعدة، ممّا جعله يطلق “آه” و تبعها سريعًا.
“صاحبة السّمو، لا يمكنكِ تركي خلفكِ هكذا. أنا فارس الحراسة الخاص بكِ، كما تعلمين.”
“أعتقد أنّه من الأفضل أن أستبدل فارس الحراسة الخاص بي.”
“ماذا؟ لماذا؟ أين يمكنكِ أن تجدي فارسًا ماهرًا مثلي؟”
“أنتَ متساهل جدًا. لا تعرف شيئًا عن الفروسية.”
“حسنًا، ذلك لأنني كنتُ عبد حرب سابقًا، أليس كذلك؟ أرجو أن ترحميني.”
“ألم تقل من قبل إنكَ لا تريد الشفقة؟”
“ظننتُ أن شفقة سموكِ قد تكون استثناءً.”
كُلّما تابعت فانيسا هذه المحادثة السّخيفة مع غارسيا، كلّمَا شعرت أن عقلها بدأ يصبح ضبابيًا. و عندما التفتت لترمق ذلك المزعج الذي يتبعها عن قرب، تعثرت قدماها و اصطدمت بشخصٍ ما.
و عندما رفعت رأسها لترى من هو، التقت عيناها بعينين ذهبيتين باردتين. تجمّدت فانيسا، متشنجة دون وعي.
استقرّ صوت يورغن البارد كالصقيع.
“انظري إلى أين تمشين.”
“…آسفة.”
اعتذرت فانيسا بإيجاز و حوّلت نظرها بمهارة.
هل كانَ ذلك خوفًا؟
لا يزال قلبها ينبض عندما تنظر إليه.
“ستركبين في عربة الخدم. لحسن الحظّ، تلك ما زالت سليمة. قد تكون غير مريحة، لكنّها أفضل من قسم الأمتعة.”
“حسنًا.”
أومأت فانيسا بصمت لأمر يورغن المتسلّط الدّائم. و بينما كانت تعبث بيديها، تذكرّت فجأة اللحظة التي أنقذها فيها. ذلك الضوء الذهبي المتلألئ.
عندما سقطت في البحيرة بسبب مكيدة إسكال، و عندما هاجمها الوحش الشيطاني… لم يدعها تموت.
هذا الأمر جعل فانيسا تشعر بالتضارب.
“أمممم، دوق…”
نادته فانيسا عندما كان على وشك أن يدير ظهره بعد أن رمقها. سقطت نظرته عليها بلا مبالاة، كما لو أنّه يسأل عما تريد قوله. تردّدت فانيسا للحظة قبل أن تتحدث.
“حتى لو سألتكَ لماذا تكرهني، فلن تخبرني السّبب على الفور، أليس كذلك؟”
“……”
وجوده كان لغزًا أُسْقِط أمامها. كانت فانيسا تظنّ بشكل مبهم أنه لن يشرح، و أنّ عليها أن تكتشف الجواب بنفسها.
و كما توقعت، اختار يورغن الصّمت بدلًا من الإجابة على سؤالها.
حدّقت فانيسا بهدوء في ظهرهِ و هو يستديرُ دون كلمة.
رجل ظهر فجأة في حياتها ذات يوم.
أنقذها من أيدي ليروي تيريفرون الجحيمية، لكنه لسبب ما، يكرهها و قال إنه سيُدمّرها… هذا الرّجل الغامض…
قال إنّ سبب الاختطاف، و رغبته في الزواج منها و الاحتفاظ بها بجانبه، هو الانتقام و العقاب، لكن…
هل هذا كل شيء فعلًا…؟
…قد لا تتمكن من العثور على الجواب في الحال، لكن هناك شيء بدا مؤكدًا.
يورغن دريك ـ لم يكن يكرهها فقط.
✦ ✦ ✦
بريغينز، عاصمة إمبراطورية كارتيس.
هذه المدينة، المبنية على أساس عاصمة المملكة القديمة التي كانت موجودة فِي هذا المكان قبل أكثر من مئتي عام، كَانت المركز الذي لا جِدال فيه لقارة أسترا.
و بصفتها المدينة التي يقيمُ فيها الإمبراطور، أقوى شخصية في أسترا، كانت بريغينز فخمة، رائعة، راقية، و نظيفة.
ولكي يكون لهم حتى أدنى صلة بالإمبراطور، كان أصحاب النفوذ من جميع أنحاء أسترا يحتفظون غالبًا بمنازلهم في بريغينز.
من بينهم، ما يُعرف بـ”الموقع الرئيسي” من المنطقة السكنية المركزية الأقرب إلى القصر الإمبراطوري.
كان منزل عائلة دريك يقع هناك تمامًا.
‘…إنه مذهل.’
كانت تلك هي انطباعات فانيسا الموجزة و الصّادقة عند رؤية منزل عائلة دريك.
قصر فخم يعطي شعورًا بالهيبة و حديقة واسعة ذات تصميم جميل و راقٍ. كان هذا المستوى يضاهي فيلّا ملكية. لا، ربّما حتى أكثر إثارة للإعجاب حسب الحالة.
وقفت فانيسا في مكانها بمجرد أن خرجت من العربة، ثمّ بدأت تسير بحذر و هي تنظرُ حولها.
رغم أنّها لم تستطع رؤية الزهور لأنّ الوقت شتاء، إلاّ أنّه من مكان زراعة الورود و أشجار الليلك الموضوعة هنا وهناك، بدا أنه يمكن رؤية مشهد رائع من الأزهار المتفتحة إذا جاءَ المرء في أوائل الصيف.
“هناكَ حديقة زنبق في الفناء الخلفي. و هناك أيضًا بيتٌ زجاجيّ ، لكنه غير مُعتنى به الآن.”
“فهمت…”
رينيه، التي كانت تسير بجانبها، أخبرتها بلطف، فأومأت فانيسا بينما كانت تُعجب بالمشهد. كان غارسيا يتبعهم على مسافة صغيرة.
“قد يكون من الصعب التجول في القصر فورًا، فهل ترغبين في أخذ حمام و الراحة أولًا؟”
“نعم، من فضلكِ جهزي الحمام أولًا. و، سيدي غارسيا.”
رفع غارسيا حاجبه، و كأنه تفاجأ عندما نُودي اسمه فجأة. استدارت إليه فانيسا و أمرت بتعبير يُظهر اهتمامها الخاص.
“لا حاجة لأن تحرسني هنا، لذا يمكنكَ الذهاب و الراحة أيضًا. سأستدعيكَ إذا احتجتك.”
“همم… شكرًا لكِ على كلماتكِ ، لكن…”
توقف غارسيا، ناظرًا نحو يورغن الذي كان على مسافة. كان في منتصف محادثة مع مدير هذا القصر.
نظرت فانيسا إلى غارسيا بطرف عينها، بينما كان يراقب تفاعل يورغن بوضوح، و وبّخته بحدة مصطنعة.
“افعل ما يحلو لك. فقط ضع في اعتباركَ بأنه تفوح منكَ رائحة لأنكَ لم تغتسل جيدًا خلال الرحلة.”
“ماذا؟ رائحة؟”
قفز غارسيا مصدومًا ثمّ رفع ذراعه ليشمها. تجاهلته فانيسا و دخلت القصر مع رينيه. و من الصرخة التي بدت كأنها أنين و التي سمعتها من الخلف، بدا أن غارسيا أدركَ أخيرًا حالته غير المرتبة.
و في النهاية، عاد غارسيا إلى جانب فانيسا حوالي الساعة الخامسة مساءً. بدا أنيقًا، و قد اغتسل جيدًا، و مشّط شعره بشكل صحيح، و ارتدى ملابس جديدة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"