أعادت فانيسا النظر في خطتها للهرب من يورغن.
لم يكن لديها طريقة محددة أو أي شيء. لم يكن لديها مكان تلجأ إليه لطلب المساعدة.
فقط فكرّت بشكل غامض أنها لا تستطيع الزواج من هذا الرجل الغامض الذي يشتعل بكراهية غير مبرّرة تجاهها. لذا كانت تفكر فقط في الهروب.
لكن فانيسا أدركت متأخرّةً أن هناك خللًا في ذلك التفكير.
حتى لو أرادت الانتقام من ديكلان، لم يكن لديها أي قوة بيدها.
“ليس لديّ شيء الآن.”
لذا احتاجت إلى العثور على شخص يساعدها… شخص يشاركها نواياها.
“إذا كان هناك أحد من نبلاء رونغرين الذين لا يفضلون ديكلان…”
خطرت في بالها عدة شخصيات على الفور، لكن الأقوى بينهم بلا شك هو الدوق العجوز إيفانوود.
كان الدوق إيفانوود مواليًا مخلصًا للعائلة المالكة في رونغرين منذ أيّام والدها، لكنه لسبب ما لم يكن يوافق على ديكلان. و لهذا السبب قدّم التماسات عدة مرّات طالبًا إعادة النظر في أحقية ديكلان في وراثة العرش.
و مع ذلك، في ذلك الوقت، كان ديكلان ولي عهد معتدلًا، و على الرّغم من أنه تسبب في بعض المشاكل البسيطة، إلّا أنّه لم يكن لديه عيوب كبيرة تستدعي النقد، لذا لم يكن لادعاءات الدوق إيفانوود أي تأثير.
لو أنّ والدها استمع بجدية إلى نصيحة الدوق إيفانوود، لربّما تنحى ديكلان عن منصب ولي العهد. و كانت فانيسا ستصبح ملكة.
“كان الرأي العام سيشعر بعدم الارتياح، قائلين إن أميرة تجلب الحظّ السّيء قد اعتلت العرش.’
حسنًا، في هذه المرحلة، كل تلك الافتراضات لا داعي لها. فهي لم تكن مهتمة بالعرش في المقام الأول.
“العرش منصب مرهق و مُتعب. يبدو و كأنكَ تستطيع فعل أي شيء، لكن في الواقع هناك حدود لما يمكنكَ فعله حقًا.”
خاصة في عصر يحكمه إمبراطور مشكوك في إنسانيته، بعد أن حكم القارة لأكثر من 200 عام.
“… لذا، استخدام يورغن دريك سيكون الطريقة المثالية للانتقام من ديكلان.”
فهو في النهاية الحاكم الذي لا ينازَع في الشمال، و يحظى بكامل رضا الإمبراطور.
“يورغن على الأرجح لن يخاف من ممالك الجنوب. لن يحتاج حتى لذلك.”
إذا تزوجته و اعتمدت على سلطته… فلن يكون من المستحيل محاصرة ديكلان.
لكنها لم تكن تريد فعل ذلك.
و أيضًا لم تكن متأكدًة أصلاّ إن كان ذلك ممكنًا.
“كيف يمكنني إقناع رجل يقول إنه يكرهني بأن يكون في صفي؟”
لذا فمن الأفضل أن تتخلى عن أي توقع بإمكانية استخدام يورغن من البداية.
“في النهاية، هناك طريق واحد فقط…”
الاتصال بالدوق إيفانوود و طلب المساعدة.
في الوقت الحالي، لا توجد طريقة للاتصال به. لكن الأمور ستكون مختلفة في العاصمة… لأن لعائلة إيفانوود منزلًا في العاصمة.
“لا يجب أن يكون الدوق إيفانوود نفسه. سيكون كافيًا أن أقابل خادمًا من عائلته. يمكنني أن أطلب منه إيصال ما أريده…”
المشكلة هي الحرّاس الذين يُراقبونها تحت مسمى الحماية. رينيه و غارسيا. كيف يمكنها التخلص منهما؟
“من بين كل شيء، كلاهما يجيدان القتال… يبدو أنّه سيكون من الصعبِ التّخلص منهما. لا يمكنني التفكير في أي طريقة على الإطلاق.”
تنهدت فانيسا بعمق، شاعرةً بالعجز، و ألقت نظرة من النافذة. كانت الشمس قد اختفت بالفعل خلف الأفق، و كان الظلام يتسلل من الاتجاه المعاكس.
في اليوم التالي، سمعت فانيسا خبر مغادرة يورغن.
يبدو أنّه ينوي التوجه مباشرة إلى الجبهة الحمراء قبل التوجه إلى العاصمة، ليسحق قوات وحوش الصقيع تمامًا.
بالطبع، لم يكن من الوارد أن تقوم فانيسا بتوديعه. فقد استيقظت متأخرة جدًا لذلك، و بالإضافة إلى ذلك، فإن القيام بمثل هذا “الشيء الخاص بخطيبة حقيقية” لن يجلب لها سوى سخرية يورغن.
و مع ذلك، كان الأمر مؤسفًا. كان توديع يورغن أثناء ذهابه إلى ساحة المعركة سيكون مثاليًا لتنفيذ “الخطة الأولى”.
نعم، الخطة الأولى.
كانت النتيجة التي توصلت إليها بعد تفكير عميق الليلة الماضية. في الوقت الحالي، يجب أن تتصرف بمودّة تجاه يورغن لتجعله يخفض حذره.
بالطبع، كان يورغن دريك رجلًا حادًا و بارد القلب، و يبدو و كأنّه يرى نوايا الآخرين مباشرة، لذا قد تكون خطة فانيسا عديمة الفائدة تمامًا.
و مع ذلك، فإنها أفضل من عدم فعل أي شيء. ففي النهاية، لطعن شخص في ظهره، يجب أن تجعله يخفض حذره…
“و هنالكَ أمر آخر.”
نظرًا لأن الوقت مناسب و يورغن غائب عن القلعة، خطّطت فانيسا لإزعاج غارسيا للتحقيق في ماضي يورغن. بتفصيل قدر الإمكان. من البداية إلى النهاية.
لتجد حتّى و لو دليلًا واحدًا على سبب كراهية يورغن دريك لها، و لماذا ينفّذ هذه الخطة المجنونة لربطها بالزواج و تعذيبها حتّى يدمّرها.
“إذًا، هل هذا النبيذ رشوة؟”
سخر غارسيا و هو يرفع زجاجة النبيذ التي سلمتها له فانيسا. كان نبيذ فواكه عالي الجودة، و قد حصلت عليه بسهولة مفاجئة بطلبها من خادم في المطبخ. ربما اعتقد ذلك الخادم أن فانيسا ستشربه بنفسها…
“لم تكوني بحاجة لإعطائي هذا، كنت سأجيبكِ على أي حال. فصاحبة السمو على وشك أن تصبح الدوقة.”
“……”
كان يجب عليه فقط أن يقبل ما يُعطى له بامتنان، لكنه سخر عمدًا. إنه حقًا وقح.
حدّقت فانيسا بغضب في غارسيا.
“على أيّ حال، بما أنكِ أعطيتِني إياه، سأشربه جيدًا. فأنا أحب الكحول، كما تعلمين.”
ابتسم غارسيا، و أزال السدادة وسكب النبيذ في كأسه بصوت مزمجر. انتشرت رائحة حلوة من السائل الأرجواني العميق، لكن فانيسا لم تكن في مزاج للشرب. فهي لا تحب الكحول كثيرًا.
“قلتِ إنكِ فضولية بشأن ماضي الدوق، أليس كذلك؟”
سأل غارسيا و هو يرفع الزجاجة مجددًا بعد أن شرب كأسه. أومأت فانيسا، و هي تراقبه بينما يسكبُ النبيذ كالشلال.
“أود سماعه بالتفصيل، إن أمكن. كل ما تعرفه و تتذكرّه.”
“همم ― ذاكرتي ليست جيدة، كما تعلمين. لكن سأبذل جهدي.”
كان ذلك جوابًا جعل فانيسا تندم على تقديم النبيذ الغالي كرشوة. ضحك غارسيا و هو يرى الغضب واضحًا على وجه فانيسا.
سكب كأسًا آخر من النبيذ و ابتلعه، ثم بدأ يتحدث بنظرة بعيدة، و كأنه يسترجع الماضي.
“إذًا… عندما التقيتُ بسموّه لأول مرة، لنرَ، متى كان ذلك؟ لا أتذكر جيدًا، لكنّه كان قبل أكثر من 10 سنوات. في ذلك الوقت، كنّا مجرد صغار.”
رفع غارسيا يده ليُظهر ارتفاع طفل صغير و ابتسم.
“ويلهلمينا، أندريا، كلنا التقينا حينها. كنا جميعًا عبيد قتال.”
“عبيد قتال؟ يورغن… أيضًا؟”
“نعم، كنّا كذلك. لكنكِ حقًا لا تعرفين، أليس كذلك؟ هذه قصة مشهورة جدًا.”
“……”
لم تكن تعرف. أن يورغن كان عبد قتال…
في الأساس، كيف انتهى به، و هو يمتلك دم دوق، أن يصبح عبد قتال؟
وكأنه استشعر السؤال الذي خطر في ذهن فانيسا، أضاف غارسيا توضيحًا بتعبير يعرف ما تقول.
“سموّه بِيعَ كعبد قتال بسبب الدوقة السابقة وابنها. في البداية، لم يفصح سموه عن أصوله، لذا لم نعرف إلا لاحقًا.”
“…الدوقة السابقة و ابنها الشرعي باعوا يورغن كعبد قتال؟”
“نعم، هذا ما يُقال. لا أعرف التفاصيل، لكن يبدو أنهم دبّروا الإبلاغ عن فقدانه لتجنّب أعين الدوق السابق و باعوه إلى ساحة المعركة. طفل صغير لم يبلغ سن الرّشد بعد.”
“……”
كانت قصة صادمة. لكنها أيضًا معقولة. ففي أي عائلة نبيلة، غالبًا ما يلقى الأطفال غير الشرعيين مصائر مأساوية…
“إسكال قال ذلك. أوّل شيء فعله يورغن عندما أصبح دوقًا هو القضاء على الدوقة السابقة و ابنها…”
لابد أنه كان انتقامًا. و فجأة، ترددت كلمات يورغن في رأسها.
[لأن هذا هو انتقامي، والعقاب الذي أفرضه عليكِ.]
صحيح، يبدو أنّه من النوع الذي ينفذ انتقامه بالكامل بمجرد أن يقرر. شعرت فانيسا بالخوف لا إراديًا.
ماذا لو انتهى بها الأمر مقتولة مثل الدوقة السابقة و ابنها؟
…إن حدث ذلك فعلًا، فسيكون ظلمًا لا يُصدق. قد يصبح الأمر مفهومًا لو عرفت السبب، لكنها لا تستطيع فهم لماذا يريد يورغن الانتقام منها.
حتّى بينما كانت فانيسا غارقة في حيرتها، استمرّ غارسيا في حديثه بسلاسة.
“كان هناك الكثير من الفتيان الجنود الذين أُجبروا على القتال بجانبنا، لكن معظمهم مات بسرعة. فقط من وُلد قويًا استطاع النجاة. و من هذه الناحية، كان صاحب السّمو مميزًا. حتى في ذلك الوقت، كان سموّه، كيف أصفه… قويًا لدرجة أنكِ تتساءلين إن كان إنسانًا فعلًا، بدا وكأنه لا يمكن أن يموت. شعرت أنه سيبقى حيًا حتى بعد أن نموت جميعًا.”
“……”
“لكن… حتى سموّه لم يستطع الصمود أمام معركة شرسة اندلعت ذات يوم، و أُصيب بجراح خطيرة. لا بد أن النّدبة ما زالت موجودة حتى الآن. ندبة كبيرة تمتد هكذا ― من الكتف الأيسر حتى الخصر الأيمن عبر الظهر.”
“ندبة…”
تذكرت فانيسا جسد يورغن العاري الذي لمحته عن غير قصد في النزل أثناء رحلتهم. لكنها لا تتذكر إن كانت هناك ندبة. لقد كانت مرتبكة جدًا في ذلك الوقت.
“بسبب تلك الإصابة البشعة، و لزيادة الطين بلة، هاجمته وحوش صقيع مسمومة، فكان سموّه على شفير الموت. لكن حينها…”
توقف غارسيا لحظة، و هو يربّت على ذقنه بتعبير حائر.
“تقول الشائعة إن نبيلًا أجنبيًا أخذه، بنيّة استخدامه للتكاثر بعد إنقاذه؟ أن تشتري عبد قتال يحتضر عن عمد… ظننتُ أنه لا بد من أن ذلك النبيل مجنون. أو منحرف لديه ميول تجاه الأطفال.”
عبست فانيسا قليلًا عند الجزء المتعلق بـ”منحرف لديه ميول تجاه الأطفال”. إن كان يورغن قد عانى فعلًا على يد مثل هذا الشخص ، فإن شخصيته المتشائمة و العدائية ستكون مفهومة.
“فقدنا الاتصال بصاحب السّمو لمدة عام، ولم نكن نعلم إن كان حيًا أم ميتًا. لكن بعدها…”
تعمّقت عينا غارسيا و كأنه يبحث عن مكان بعيد وهو يحدّق في الفراغ. كما لو أنّه حتى في هذه اللحظة، يستطيع تذكر مشهد من الماضي بوضوح.
“في أحد الأيام، ظهر فجأة في الخطوط الأمامية. بعينين تتلألأن كالذهب.”
“……”
“و في تلك القزحية الذهبية، ظهرت وصمة الحاكم. في ذلك اليوم، ذبح سموه جميع الأعداء في الخطوط الأمامية بمفرده. كان إنجازًا لا يمكن تحقيقه بقوة بشرية. عرفنا لاحقًا فقط أنه نال بركة الحاكم.”
“……”
“حتى عندما سُئل عما حدث خلال ذلك العام، لم يُجب. فقط اشترانا جميعًا بالذهب من مكان ما، وقال لنا أن نقاتل ضمن فرقة المرتزقة الخاصّ به منذ ذلك الوقت.”
“……”
“بعد ذلك… حسنًا، حدثت أمور كثيرة، لكن إن أردت الخلاصة بإيجاز ― فإن فرقة المرتزقة خاصتنا حققت انتصارات متتالية في ’الجبهة الحمراء‘ و حققت إنجازات كبيرة، حتى لفتت انتباه الإمبراطور و نالت المكافآت، و تمّ الإعتراف بسموّه كوريث لدوقية دريك، مما أدى إلى وضعه الحالي.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"