أصِيبت فانيسا في النهاية بنزلة برد. ومن بين كلّ الأشياء، كانت إنفلونزا شديدة.
في اليوم الذي اختُطفت فيه من قبل إسكال و سقطت في البحيرة، نقعت جسدها في ماء دافئ و أكلت الزنجبيل المحفوظ في العسل بمجرد عودتها إلى القلعة، و مع ذلك أُصيبت بالبرد.
وفقًا للأخبار التي سمعتها بينما كَانت تتحمّل الحمى الشديدة، فقد فرّ إسكال بأموال سرية كان يخفيها.
عندما سمعت هذا، كانت فانيسا متأكّدة. لقد خطَّط إسكال منذ البداية لطعن يورغن في الظهر و الهرب.
لقد كانت هي فقط الحافز.
“ذلك الوغد…”
ألم يقل إنّه سيعود؟ بالتأكيد.
في ذلك الوقت، ظنت أن كلامه مجرّد هذيان من مجنون، لكن الآن عندما تفكر في الأمر، أصبح الأمر مزعجًا. شعور بالتشاؤم بأنها ستتورط في مشكلة و خطر آخر.
سمعت أن يورغن قد أرسل أناسًا لتعقب إسكال، لكن، حسنًا، لم يبدو أنّه سيُلقى القبض عليه بسهولة. بدا و كأنه كان يستعد لهروبه منذ فترة طويلة.
“وغد كالأفعى…”
سعلت فانيسا مرارًا و ضغطت ظهر يدها على جبهتها الساخنة. إذا تطورت هذه الإنفلونزا إلى التهاب رئوي، فقد تموت أخيرًا.
لكن، إسكال دريك… سيكون من غير العادل أن تموت دون أن تنتقم من ذلك الوغد اللعين.
“يجب أن أرد الدين لديكلاين أيضًا قبل أن أموت.”
كانت أسنانها لا تزال مطبقة لمجرد التفكير في ديكلاين.
خائن. مصدر الشقاء. مخادع.
لقد أقسم أمام والدهما المحتضر أنه سيعتني بأخته الوحيدة الشقيقة ويحميها طوال حياته.
ومع ذلك، خان ذلك القسم وباع أخته. ذلك النذل الذي هو أسوأ من الكلاب.
تخيلت مرات لا تُعد ولا تُحصى ما هي الكلمات، وما هو الصوت الذي ستستخدمه لشتم ديكلاين إذا قابلته مجددًا.
كانت فانيسا تتمنى أن يعاني ديكلان بقدر ما عانت هي على يد ليروي. أن يدفع ذلك الوغد الشرير ثمن دفعه لشخص آخر إلى الجحيم…
نعم، لذا…
“لا يمكنني أن أموت بعد.”
ستبقى على قيد الحياة بكل قوتها.
حتى لو حلّت بها مصائب كاللعنات، مرة بعد مرة.
تأوهت فانيسا ونهضت والتقطت الجرس الموجود على طاولة السرير الجانبية، وقرعته.
وعندما ظهرت الخادمة على الصوت وانحنت أمام فانيسا، تحدثت، محاولةً الحفاظ على كرامتها حتى بصوتها المحتضر.
“أعتقد أن حرارتي ترتفع مجددًا، هل يمكنكِ إحضار خافض للحرارة؟ و سأكون ممتنة إذا تمكنتِ من تغيير المنشفة المبللة بأخرى باردة.”
“نعم، سأُحضّرها فورًا، سمو الأميرة.”
و بعد قليل، عادت الخادمة بخافض الحرارة، وابتلعت فانيسا الدّواء المرّ بعزيمة علَى التعافي مهما كَان الأمر.
فقط انتظر، ديكلان رونغرين.
يومًا ما، سأرى بالتأكيد وَجهكَ الوقح ملطخًا باليأس.
✦ ✦ ✦
“رسول مِن رونغرين؟”
“نعم. يقول إنّه أَحضر رسالةً من الملك.”
“…دعوه يدخل.”
بمجرد صدور أمر السّيد ، فُتحت أبواب القلعة المغلقة بإحكام و أُنزِل الجسر المتحرك. دخل رسول الملك القلعة ببطء على حصانه، حاملاً علم مملكة رونغرين، و كان يورغن يراقب المشهد من أعلى جدران القلعة الداخلية.
سرعان ما وصل الرسول إلى مدخل القلعة الداخليّة و تمّ إيقافه من قبل فرسان بعيون شرسة. وبعد لحظات، و مع فتح البوابة، ظهر رجل ضخم له ظهر في مُواجهة الضوء من خِلال الفتحة.
تراجع الرسول بلا وعي من ذلك الضغط القاتل و أمسكَ بلجام حصانه بإحكام.
كانت هناك عينان ذهبيتان تحدقان فيه. بشعر أسود قاتم و بشرة شاحبة نموذجية لشعوب الشمال… هذا الرجل كان يورغن دريك ــ منفذ الإعدام الأقوى للإمبراطور وحاكم الشمال.
“ما شأن ملكِ رونغرين بفالنسيا؟”
عند الاستفسار البارد، ابتلعَ الرسول ريقه و أخرج رسالةَ الملك من صدره.
كانت الرسالة، الملفوفة و المختومة بشريط حريري، لم تتجعّد حتى في الطريق إلى هنا، بفضل مدى حرصه على حملها. قدّمَ الرسول هذه الرّسالة الثمينة إلى الدّوق دريك و قال:
“هذه رسالة مهمة أرسلَها جلالة الملك. وقد أمَرني بانتظار الرد هنا.”
“……”
كان يورغن، الذي كانَ يحدّق في الرسول بعينين هادئتين بشكل مخيف، قد أومأ برأسه قليلاً، فتقدّم أحد الفرسان المصطفين على الجانبين نحو الرسول و انتزع الرسالة.
انتزعها بشكل حرفيّ. بحركة خشنة بما يكفي لتكون مزعجة.
غضب الرسول للحظة من هذا التصرف، الذي يمكن اعتباره فظًا جدًا، لكنه قمع مشاعره بالقوة، محاولًا البقاء هادئًا.
فبعد كل شيء، هذا هو الشمال من الإمبراطورية.
مكان خارج عن تأثير الممالك الجنوبية.
ذهبت الرسالة التي انتزعها الفارس الشرس مباشرة إلى يد الدوق دريك.
فتح يورغن دريك الرسالة في مكانه دون أن يتحرك، و ابتسم ابتسامة تشبه ملاك الموت بعثت قشعريرة في العمود الفقري لمن شاهده.
“فهمت…”
تمتم بصوت منخفض لنفسه.
“كنت أتوقع أنهم سيطلبون مثل هذا الطلب.”
مبتسمًا بسخرية، رمى يورغن رسالة الملك بإهمال و أمر أحد الخدم بإحضار ورقة وقلم.
نظر الرسول إلى رسالة الملك على الأرض بعينين مصدومتين. لم يصدق ما يرى. كيف يمكنه معاملة رسالة من ملك مملكة بهذه الطريقة؟
‘حتى ولو كان يتمتع برِعاية الإمبراطور…!’
كان جسده كلُّه يرتجف من الغضب، و أحشاؤه تغلِي. و عندما كان الرسول قد فَقَدَ صبره أخيرًا، و كان على وشكِ فتح فمه بتهور ــ
“آه.”
التقط فارس بشعر يلمع كخيوط الذهب رسالة الملك. كان له وجه ناصع كأنشودة جوالة، و مع ذلك كان ينضح انطباعًا حادًا بطريقة ما. نفض الغبار عن الرسالة و ابتسم، مغمضًا عينيه الأرجوانيتين.
“سأتولّى أمر هذه. سيُّدنا معتاد على التّصرف بإهمال. لذا أرجو أن تتفهّم، و لا تصنع هذا التعبير الكئيب.”
“……”
من الواضح أنّه كان يبتسم بلطف، لكن… لمَاذا بدا الأمر مزعجًا بشكل غريب؟
و عَلى أيّة حال، و عندما أومأ الرسول بصمت وقد استعاد رباطة جأشه ــ
“غارسيا.”
سمع صوت الدّوق الجاف و هو ينادي أحدهم.
“آه، نعم، ما الذي تحتاجه؟”
و بحُكْم الرّد الذي أتى من جانبه، بدا أن هذا الفارس الأشقر الذي التقط رسالة الملك هو “غارسيا”. وبينما كان يهرع إليه، قال الدوق ببرود، ممسكًا بورقة و قلم فِي يديه.
“أعِرْني ظهرك.”
“ياللخزي، هل أنا مَكتب؟”
“اصمت و افعل.”
“حقًا…”
بينما كان الفارس المدعو غارسيا يتذمر و ينحني، استخدم الدوق دريك ظهره كمكتب، واضعًا الورقة عليه.
كان الرسول يراقب هذا المشهد الغريب و المهين و فمه مفتوح. ليس فقط أن ذلك الفارس كان يتحدّث بعصيان بهذه العفوية، بل إن الدّوق الذي رد عليه بالشتائم لم يكن أقل جنونًا.
…عبد قتال و سابقًا كان مرتزق، هكذا قالوا. هل هذا هو موطن انعدام التربية السليمة؟ تمتم الرسول في سره.
و بعد لحظات، اقترب دوق دريك من الرسول و أعطاه ورقة واحدة، غير مختومة حتى بشكل لائق، و كأنّه يرميها.
تلقّى الرسول رسالة الدوق، محاولًا ألا يُظهر استياءه. و سقط صوت بارد، و كأنّه مشبع بالسخرية، على رأس الرسول.
“افحصها.”
“……”
نظر الرسول لأعلى إلى الدوق، و فَتح الرسالة الهمجية ذات الصّفحة الواحدة. كان عليه أن يتحقّق فقط من وجود ختم عائلة دريك، لكن محتوى الرسالة الذي لفت نظره كان قصيرًا و سخيفًا لدرجة أنه قرأه كاملًا.
[أرفضُ الصّفقة. لا أحتاج لأي فدية. فانيسا رونغرين أسيرتي، وسأفعل بها ما أشاء.]
اهتزّت يد الرسول التي كانت تُمسك بالورقة.
‘هذا المجنون…’
هل هذه فعلًا رسالة يجب أن تُرسل لملك دولة؟
كانت عينا الرسول محمرتين من الغضب والمهانة بسبب الإهانة التي وُجهت لسيده. ولم يستطع كبح نفسه أكثر، فأشار إلى دوق دريك و صرخ.
“لم أرى يومًا شخصًا وقحًا إلى هذا الحد! دوق دريك! هل تعتقدُ أنّ قوتكَ ستدوم إلى الأبد؟ إلى متى تظنُّ أنّ الإمبراطور المتقلّب سيحميك!”
كانت كلِماته كقنبلة تمَّ إلقاؤها.
سقط صمت جليدي على المكان.
وفي ذلك الجو المتجمد، التفت يورغن دريك، الذي كان يتّجه نحو البوابة، ببطء.
و حين حدّقت عيناه الذهبية المشتعلة فيه مباشرة، انكمش الرسول كعشب صغير أمام مفترس.
“ذلك التّصريح للتو.”
ببطء شديد ــ و بخطوات متأنية، أعلن يورغن دريك.
“إهانة لجلالة الإمبراطور. يا رسول ملك رونغرين.”
“……!”
اتّسعت عيناه.
الإمبراطور المتقلب. كان هذا شيئًا لا يجب أن يقوله.
و عندمَا أدرك زلّته متأخرًا، حرّك شفتيه، لكنّه لم يستطع التفكير في أي عذر يعوّض ذلك.
“و أنا، بصفتي الكلب المخلص لجلالة الإمبراطور، لديّ الواجب و السلطة للحكم على المجرم الذي تجرّأ على إهانة سيّدي.”
“هيي، هييك…!”
بينما أمسكَ يورغن بياقته، أصبح الرسول يَئِنّّ خوفًا. بالنّسبة لشخص أبدى ذلك القدر من الجرأة، كان جبانًا للغاية.
“ه، ه..هذا ليس ما كنتُ أقصده، ذلك ــ”
بينما كان الرسول يتلعثم بالأعذار، رماه يورغن بخشونة على الأرض و التفت إلى الفرسان، و أمرهم بصوت بارد.
“قَيِّدوه و احبسوه. أنوي مقابلة جلالة الإمبراطور قريبًا للإبلاغ عَن هذه الجريمة.”
تحوّل وجه الرسول إلى الشحوب في لحظة.
“اـانتظر لحظة! دوق دريك! أنَا نبيل من رونغرين و مبعوث مباشر للملك، كيفَ تجرؤ على هذا! دوق دريك!”
صرخَ الرسول بينما كان يُسحبُ من قِبل الفرسان. و مع ذلك، فإن صوته الغاضب لمْ يصل إلى يورغن.
✦ ✦ ✦
بعد بضعة أيّام.
وصلَ رسول دوق دريك إلَى قصر مملكة رونغرين الملكي.
وما سمعه ديكلان من ذلك الرسول ــ كَان خبرًا صادمًا بأن رسول الملك المباشر قد تم القبض عليه وسجنه بتهمة التجرؤ علَى إهانة الإمبراطور.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"