كانت فانيسا تحتضر.
‘إنه بارد……’
مرّ أسبوع منذ أن حبسها زوجها القاسي في هذه الزنزانة تحت الأرض.
الماء و الخبز الأسود اللذان كانا يُقدّمان لها مرتين في اليوم انقطعا منذ ثلاثة أيام، و مع برودة الطقس، انخفضت درجة الحرارة في السجن أكثر.
كانت تتلوى من الجوع و البرد ليل نهار، لكن معدتها لم تعد تتفاعل. كان جسدها المتجمد بالكاد يشعر بأي إحساس.
زحفت العناكب الصغيرة بخفة على أرضية الحجر الباردة المغطاة بطبقة رقيقة من الغبار. كانت فانيسا مستلقية ملفوفة ببطانية رقيقة، تحدق في تلك العناكب بعينين فارغتين.
برد ، أنا جائعة ، لا أريد أن أموت.
كان عقلها ممتلئًا بمثل هذه الأفكار فقط.
رمشت ببطء ، ثم أطلقت فانيسا ضحكة مريرة فجأة.
أن يكون مصيرها أن تموت من الجوع وهي ترتجف من البرد.
من كان ليتخيل أن فانيسا روينغرين، الأميرة النبيلة السابقة لمملكة روينغرين، ستموت بهذه الطريقة؟
لا يزال الأمر لا يبدو حقيقياً. منذ زواجها من ملك تريفيرون قبل عام، شعرت و كأنها تعيش في كابوس فظيع.
كان زوجها وغدًا. باعها شقيقها ديكلان، مقابل بعض المصالح التجارية، لذلك الوغد.
لم تكن قد استسلمت لكل شيء بشكل سلبي. حاولت الهرب قبل الزواج، و حاولت الإفلات من قبضة زوجها، لكن كل المحاولات باءت بالفشل.
وفي النهاية، تم سجنها في هذا الزنزانة. بسبب خيانة خادمة، اكتشف زوجها خطتها للهروب.
‘…لو كان والدي على قيد الحياة، لما سامح من فعلوا بي هذا أبدًا.’
أدّى تذكّر والدها الراحل إلى جعل عينيها تحترقان بالدموع.
كان والدها، الملك الحكيم الذي جعل البلاد مزدهرة، يعتز بفانيسا أكثر من أي كنز في العالم. كم بذل جهدًا لحماية ابنته التي ابتليت منذ الطفولة بحوادث غريبة.
نشأت فانيسا تحت حماية و حـب والدها، وتلقت الإعجاب والاحترام من جميع الناس. كانت تلك هي الأميرة فانيسا من مملكة روينغرين.
“تبًا لك، ديكلان.”
ذلك الوغد باعني لقمامة بشرية أسوأ من الوحوش. و هو يعلم تمامًا كيف سأُعامَل!
انحدرت دمعة ساخنة على خد فانيسا. وفجأة لمعت عيناها الجامدتان في الظلام.
ديكلان، و زوجها…… لو كان بوسعها فقط أن تمسك بمقبض السيف بيديها و تنتقم، فلن تكون لديها أمنية أخرى في هذه الحياة.
أغمضت عينيها، ترتجف من الغضب.
كان الجو باردًا.
انتظرت الموت.
لكن حتى الموت، لا يبدو أنه يأتي بسهولة.
وقع، وقع، سُمعت خطوات أقدام في الممر. فزعت فانيسا و نهضت ببطء من مكانها و راقبت المدخل بحذر.
كانت الخطوات مألوفة.
كانت تستطيع تمييز مشيته كـكلب مدرّب جيدًا.
فبعد كل شيء، كانت تلك الخطوات دائمًا تسبق زياراته لضربها.
طق.
توقف رجل يحمل شعلة أمام القضبان الحديدية. أضاء الضوء المتراقص وجهه. كان زوج فانيسا، ليروي تريفيرون.
“لقد مر وقت، أيتها الملكة. هل اشتقتِ إليّ؟”
كما هو الحال دائمًا، تحدث ليروي بنبرة لا تحتوي على ذرة من كرامة ملكية بينما كان يفتح الباب الحديدي و يدخل.
علّق الشعلة على الحامل المثبت بالجدار وتقدّم ببطء نحو فانيسا.
تكوّرت فانيسا كالقنفذ ، ترتجف من الخوف المتعلّم.
كان ليروي يعاملها بعنف يوميًا ، و كأن مشكلته في العُقم كانت ذنبها ، مع أن الجميع كانوا يعلمون أنه يعاني من ذلك منذ وقت طويل قبل زواجه منها.
في كل مرة يأتي فيها ليروي لرؤية فانيسا، كان دائمًا يبدأ بركلها. لكن اليوم كان مختلفًا.
على غير العادة، لم يبدأ بالركل فورًا، بل وقف هناك فقط، يحدّق بها من الأعلى.
و لم يكن ذلك هو الأمر الغريب الوحيد. كانت ثيابه الملكيّة القرمزية ملوّثـة بآثار السخام و الدماء هنا و هناك.
علاوة على ذلك، عند التدقيق أكثر، كان وجه ليروي مختلفًا عن المعتاد. رغم أنه كان قمامة بشرية، إلا أنه كان دائمًا يحافظ على مظهر وسيم، لكن اليوم كان وجهه مليئًا بالخدوش و الجروح و آثار للحروق.
…ما الذي يحدث؟
ماذا قد حدث؟
هل قام أحد الوزراء، الذي لم يعد يحتمل طغيان ليروي، بالتمرد؟
“…قبل زواجنا بأربعة أيام، أعطى كبير الكهنة نبوءة كنصيحة.”
تمتم ليروي، يحدق في فانيسا بعينين باردتين.
“قال أن فانيسا روينغرين، رغم أنها جميلة جدًا، إلا أن جمالها سيجلب لها مصيرًا مشؤومًا، يتسبب في الكوارث أينما ذهبت.”
“……”
“فإذا أردتُ إلغاء الزواج، فعليّ أن أُسرِع… هذا ما قاله كبير الكهنة.”
ركع ليروي و أمسك بذقن فانيسا بخشونة. كانت عيناه البنيتان المحمرّتان تلمعان بالجنون، و الكراهية، و النية القاتلة، و الرغبة.
“أصبحتُ أعمى بسبب هذا الوجه الجميل، لذلك فقدت صوابي. أيتها الملعونة. كل هذا بسببك! أنتِ، التي لا تجلبين سوى الحظ السيء، سحرتِني و جلبتِ الكارثة لتريفيرون! كان يجب أن أقتلكِ منذ زمن بعيد!”
بعد أن زمجر بغضب، أفلت ذقن فانيسا و أمسك بشعرها.
و عندما شعرت فانيسا أن العنف على وشك البدء كالمعتاد، أغلقت عينيها بإحكام.
لكن، بدلاً من أن يصفع وجهها أو يركل بطنها، رماها ليروي بخشونة على الأرض.
نظرت فانيسا إليه بعينين نصف مغمضتين، و كتفيها منكمشين. كانت عينا ليروي تلمعان بوحشية. ثم جلس فوق فانيسا و بـدأ يخنقها بكل قوته.
“موتي…! فقط موتي!”
“آه…!”
كانت فانيسا تختنق و تذرف الدموع وهي تحاول أن تتنفس.
لقد جنّ ليروي تريفيرون تمامًا، و كان يحاول قتلها أخيرًا.
لكنها لم تكن تريد أن تموت هكذا…… لم تكن تريد أن تموت على يد مثل هذه القمامة البشرية!
رفعت فانيسا ركبتها و ركلته بكل قوتها . كانت ضربة عنيفة، مستمدة من طاقة لا تعرف من أين جاءت.
أطلق ليروي أنينًا مؤلمًا مصحوبًا بالشتائم، وخفف قبضته عن عنق فانيسا. في تلك اللحظة، تدحرجت فانيسا إلى الجانب، هاربة من تحته.
“أنتِ…… أيتها الحقيرة……”
كان ليروي، الذي انكمش، قد نهض بتمايل بعد قليل، و مد يده نحو فانيسا مجددًا.
تعثرت فانيسا إلى الخلف، وبدأت ترمي عليه كل ما وقعت عليه يدها.
غلاية نحاسية، كوب، وعاء حساء ، ملعقة خشبية، وحتى البطانية الرقيقة التي كانت مصدر دفئها الوحيد…..
أصاب بعضها وجه ليروي و جبهته قبل أن تسقط، بينما لم يلمسه بعضها الآخر إلا لمسًا عابرًا بلا فائدة.
تقدم ليروي إلى الأمام. فالتقطت فانيسا من جديد أي شيء يمكنها الإمساك به و لوّحت به في وجهه بكل قوتها.
“هاه……”
في تلك اللحظة، اجتاح فانيسا دوار جعلها تترنح. ولم يفوت ليروي تلك اللحظة فـاندفع نحوها.
طنين.
سقط الشيء الذي كانت تمسك به فانيسا على الأرض الحجرية محدثًا صوتًا عاليًا.
تبين الآن أنه كان شمعدانًا نحاسيًا قديمًا.
“كيف تجرؤين على مقاومتي؟”
“آه……! آه……”
بدأ ليروي يخنق عنق فانيسا بكل ما أوتي من قوة. تكونت دموع في عينيها الزرقاوين الداكنتين. و ارتسمت ابتسامة قاسية على شفتي ليروي و هو يراقب معاناة فانيسا.
“أنتِ رفيقتي في طريق الموت، فانيسا. ستذهبين معي حتى النهاية! أنتِ لي إلى الأبد!”
كان وعيها يتلاشى تدريجيًا. وعلى الرغم من أنها كانت تعلم أن المقاومة عديمة الجدوى، إلا أن فانيسا استمرت في الكفاح بيأس، بينما تتحسس الأرض بيدها.
بدافع غريزة البقاء فقط، و لأجل ألا تموت، أمسكت بقوة شيئًا باردًا و صلبًا لامسته يدها.
وضربت به رأس ليروي بكل ما تملك من قوة.
ضربة!
صدر صوت تمزق جلدٍ عاليًا.
طنين.
سقط السلاح من يد فانيسا، محدثًا صوتًا حادًا و واضحًا. ظلت فانيسا تنظر إلى ليروي و هي تلهث بأنفاس ثقيلة.
تدحرجت عينا ليروي إلى الخلف، كاشفتين عن بياضها مع عروق دموية. و تلاشت القوة من يديه تدريجيًا و هو يترنح بضعف.
ثم سقط جسده الثقيل على فانيسا، ساحقًا إياها.
ولم يعد هناك أي حركة.
“……هاه.”
أخذت فانيسا، التي كانت متجمدة في مكانها كالصخر، نفسًا عميقًا.
و بيدين مرتجفتين، حاولت أن تدفع ليروي بعيدًا و تخرج جسدها من تحته.
رغم أن جسدها لم يتحرك بسهولة، إلا أن اقترابها الشديد من هذا الرجل المقزز جعل جلدها يقشعر، فبدأت تصارع بكل قواها.
و بعد جهد طويل، تمكنت فانيسا أخيرًا من تحرير نفسها من تحته و جلست بجانب ليروي الساقط، تحاول تهدئة أنفاسها المضطربة.
كان قلبها ينبض بقوة. و ظلت فانيسا تحدق بشرود في الشمعدان النحاسي على الأرض. يبدو أنه كان السّلاح الذي ضربت به ليروي.
كان طرف الشمعدان ملطخًا بالدماء الحمراء الداكنة، و الدم كان ينزف أيضًا من رأس ليروي المغمى عليه.
ظلت فانيسا تحدق بشرود في بركة الدماء التي تشكلت على الأرض الحجرية.
هل مات؟
هل قتلتـه؟
ارتجف جسدها كله كأوراق الحور.
رغم أنها كانت قد اصطادت الحيوانات مع والدها بضع مرات، إلا أنها لم تقتل إنسانًا من قبل.
فضلًا عن أن ليروي تيريفرون كان زوجها و ملكًا لدولة. لقد قامت للتو باغتيال ملك. و هذه خيانة عظمى، تُعاقب بالحرق حيّة أو الربط على منحدر كطعام للغربان.
“……لا، لم أقتله……”
هزّت فانيسا رأسها، منكِرة الواقع.
كان هذا مجرد حادث. يجب أن أخرج من هنا قبل أن يكتشفني أحد. الهروب من هذا السجن السفلي والذهاب إلى أي مكان. شعري هذا قد يلفت الأنظار، لذا يجب أن أغطيه بالوحل أو شيء من هذا القبيل…..
عندها حصل ذلك.
كليك، كليك.
سُمِع صوت احتكاك المعدن بالمعدن عن قرب.
تجمدت فانيسا في وضعها غير الطبيعي و هي على وشك الوقوف. وفي تلك الحالة، أدارت رقبتها المتخشبة لتنظر في اتجاه الصوت.
خرج رجل من الظلام.
كان شعره أسود كأنه ذاب في العتمة، و عيناه، اللتان كانتا تحدقان بها مباشرة، كانتا بلون ذهبي زاهٍ. و وجهه شاحبٌ بشكل مرعب.
كان وجهًا رقيقًا و جميلاً، ومع ذلك يبدو باردًا .
كان يرتدي درعًا معدنيًا كاملاً ، مصنوعًا من معدن له بريق أزرق غامض. و يبدو أن صوت احتكاك المعدن كان قادمًا من ذلك الدرع.
دخل الزنزانة التي كانت فيها فانيسا دون تردد، و توقف فجأة أمامها.
كان وجهه، و هو ينظر إليها من الأعلى، بلا تعبير و مجرد من العاطفة. ولكن عيناه…… بشكل غريب،
كانتا تغليان.
“فانيسا رونغرين.”
في اللحظة التي نُطِقَ فيها اسمها، ارتعشت فانيسا لا إراديًا و انكمشت كتفاها.
كان صوتًا أجشًا ، منخفضًا. كأنه يقمع عنوة عاطفة ما تغلي في الداخل.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 1"