الفصل السابع: السيد كاروين الودود
إميليا نظرت إلى معطف ديفيد الذي غطّى جسدها ثمّ نظرت إليه.
لم تتمكن من رؤيته بوضوح بسبب الإضاءة خلفه، لكنّه كان يعبس لسبب ما.
“أنا بخير. لا أشعر بالبرد، سيدي الدوق.”
أدركت أنّ ملابسها مبللة، وخشيت أن يتبلل معطفه، فحاولت إعادته إليه.
رفض وقال:
“لا بأس. ارتديها. قد تصابين بالبرد.”
نظرت إميليا، التي كانت تحدّق في ديفيد الذي أدار رأسه، إلى جسدها للحظه . كانت بلوزتها المبللة ملتصقة بجسدها فشعرت بالخجل
لم تلاحظ ذلك في ظلام السيارة، لكن تحت الإضاءة الساطعة، كان الأمر واضحًا بشكل صارخ
شعرت إميليا باختناق، فقال ديفيد:
“لم أرَ شيئًا بوضوح.”
“….”
“رأيتُ لمحة فقط. نسيتُ الأمر بالفعل. لا داعي للقلق.”
“….”
لم تصدّق كلامه عن عدم رؤيته بوضوح، لكنّها شعرت بالامتنان لقوله ذلك على الأقل.
عندما أدخل ديفيد إميليا إلى متجر ميل، ضجّ المتجر بالفوضى. لم يكن دخول دوق كاروين مفاجأة فحسب، بل جاء مع امرأة مغطاة بجاكيته.
أدرك موظفو المتجر غريزيًا أن عليهم معاملتها بمنتهى الرعاية.
جلبوا كرسيًا مريحًا لإميليا لتجلس عليه، ومنشفة نظيفة لتغطية شعرها المبلل.
بينما كانوا يفعلون ذلك، تحدث ديفيد مع مدير المتجر.
سرعان ما عاد المدير حاملًا صندوق إسعافات أولية.
اقترب ديفيد من إميليا حاملًا الصندوق.
اتسعت عينا إميليا بدهشة.
“سيدي الدوق؟ ما هذا…؟”
‘هل يمكن أن يكون…؟ لا، لا يمكن أن يكون هذا ما أفكر فيه…؟’
لكن، على عكس توقعاتها، جثا ديفيد على ركبة واحدة أمامها وقال بهدوء:
“ما هذا؟ سأعالجكِ بالطبع.”
تحقق أسوأ مخاوفها.
لوّحت إميليا بيديها بذعر محاولة منعه.
“سيدي… سيدي الدوق، دعني أفعل ذلك…!”
لكنه فتح صندوق الإسعافات بمهارة وبدأ العلاج. بدا وكأنه اعتاد على هذا، وكان سريعًا جدًا.
عندما لامس المطهر جروحها، عبست إميليا من الألم، لكن الموظفين من حولها أصدروا أصوات تأوه بدلاً منها.
بدَوا وكأنهم يرون الاثنين كعاشقين يهتمان ببعضهما بعمق، فاحمرّ وجه إميليا قليلاً.
أدركت إميليا أثناء العلاج أنّها أصيبت بالعديد من الجروح الصغيرة من دحرجتها على السلالم، وهو أمر لم تلحظه سابقًا لأنها، منذ انضمامها إلى جيش التحرير، لم تهتم إلا بالإصابات الكبيرة.
“هذه الجروح… لا داعي للقلق بشأنها…”
قالت إميليا لنفسها بخجل.
عبس ديفيد وقال:
“ما هذا الكلام؟ أنتِ مصابة بهذا القدر!”
“….”
‘هل أنا مصابة كثيرًا؟’
شعرت إميليا بشعور لا تستطيع تفسيره.
بعد علاجها، بدأ ديفيد يتجول في المتجر لاختيار أحذية.
نظرت إميليا، التي كانت ترتاح على الكرسي، إلى ديفيد وهو يسير بأناقة رغم ارتدائه حذاءً أكبر من مقاس قدمه.
‘أنا اعتدتُ على ارتداء أحذية تشارلز الكبيرة منذ طفولتي، لكن…’
كيف يمكن لهذا الرجل، الذي لم يضطر يومًا لارتداء حذاء غير مناسب، أن يبدو بهذه الأناقة؟ بدا وكأن الأناقة متأصلة فيه بغض النظر عما يرتديه.
تساءلت إميليا فجأة عما إذا كانت قادرة على إغواء رجل بهذا التميز.
في هذه الأثناء، اختار ديفيد مجموعة من الأحذية التي أعجبته.
“هذا.”
“وهذا أيضًا.”
“هل يمكنكِ إظهار هذا أيضًا؟”
وُضعت الأحذية التي اختارها ديفيد أمام إميليا، لكنها كانت كلها أحذية براقة وفاخرة.
تغيرت ملامح إميليا.
لاحظ ديفيد ذلك وسأل:
“ما الأمر؟ هل لا تعجبكِ؟”
“لا، لا، إنها تعجبني كثيرًا.”
أجابت إميليا، لكن ديفيد بدا منزعجًا.
عبس قليلاً وقال:
“لا تكذبي.”
“….”
‘كيف عرف أنني أكذب؟’
شعرت إميليا بالقشعريرة وابتسمت بتكلف.
لم تكن تحب الأشياء البراقة. ربما أحبتها في طفولتها، لكن بعد وفاة سكارليت بلير، توقفت عن ارتداء أو استخدام الأشياء الفاخرة، لأنها شعرت أنها، كونها مذنبة، لا يحق لها ذلك.
كان لخدم عائلة بلير، الذين لم يتقبلوا رؤيتها سعيدة، تأثير كبير على هذا التفكير.
ومع مرور تسع سنوات، أصبحت الأشياء البسيطة ذوقها الشخصي. لكنها شعرت أن من الوقاحة التمسك بذوقها أمام هدية، فحاولت تجاوز الأمر.
لكن ديفيد أصرّ:
“إذا لم تعجبكِ هذه، فماذا تحبين؟”
“كل ما اخترته يعجبني. إنه رائع.”
“تكذبين مجددًا.”
“….”
“أخبريني، ما هو ذوقكِ الحقيقي؟”
كان واضحًا أنه لن يتجاوز الأمر دون إجابة.
أخيرًا، أدارت إميليا عينيها الزرقاوين وقالت بحذر، مشيرة إلى حذاء في زاوية المتجر:
“ذوقي… هو مثل ذلك.”
تبع ديفيد نظرها إلى حذاء جلدي بني بسيط في زاوية أقل وضوحًا.
كان متينًا وأنيقًا، لكنه بدا عاديًا جدًا وبسيطًا.
شعر ديفيد بالضيق.
لماذا تختار مثل هذا الحذاء بملامحها الجميلة؟
كان قد أتى إلى متجر ميل لأنه يحتوي على أحذية فاخرة تناسب مظهر إميليا اللافت ومهنتها كممثلة. لكنه تنهد وأخذ الحذاء الذي اختارته وعاد إليها.
عندما همّ بإلباسها الحذاء، اتسعت عيناها مجددًا.
“سأرتديه بنفسي…”
“ابقي ساكنة.”
ألبسها ديفيد الحذاء بعناية على قدميها المعالجتين حديثا.
فقدت إميليا الكلام. حتى عند ارتداء ملابس لمهمة، لم يكن بإمكانها اختيار ما تريد.
كان شعورها بأن ذوقها قد يكون مهمًا لشخص ما أمرًا غريبًا جدًا.
بعد مغادرة متجر ميل وركوب السيارة، تساءلت إميليا عن كيفية استمرار هذا اللقاء.
‘هل سيعيدني إلى البيت؟’
لكن عندما أغلق السائق باب السيارة وجلس، أعطاه ديفيد أمرًا غير متوقع:
“إلى تيدي.”
‘تيدي…؟’
قبل أن تسأل إميليا، انطلقت السيارة إلى حانة كبيرة.
رافق ديفيد إميليا المذهولة إلى الداخل بسلاسة.
“مرحبًا، تيدي.”
حيّا رجلاً خلف المنضدة يعد النقود.
ردّ الرجل ذو الشعر الأشقر الرمادي بعبوس:
“النقيب؟ ما المناسبة المفاجئة؟ هل ستطلب مني إخلاء الحانة؟”
ابتسم ديفيد بدلاً من الإجابة. تنهد تيودور بعمق، فهذا حدث من قبل.
بدلاً من طرد ديفيد، أمر تيودور موظفًا بإخلاء الحانة من الزبائن.
اتسعت عينا إميليا.
“هل هذا… لا بأس به؟”
كانت مرتبكة، لكن ديفيد أجاب بهدوء:
“لا بأس. الجميع هنا يفضل المال على الشراب.”
كان يتبادل النظرات مع الزبائن العراض الذين يغادرون، كما لو كان يعدهم بتعويض مالي.
‘تعويض بالمال؟ هل يعرف من هم هؤلاء؟’ بدت إميليا متوجسة.
لكن ديفيد لم يشرح أكثر، واكتفى بالابتسام.
سرعان ما أصبحت الحانة خالية.
اقترب موظف بحيوية وقال:
“لم نرَكَ منذ مدة، سيدي الدوق! يا إلهي… هل أتيتَ مع سيدة اليوم؟”
“أجل. أعطنا مقعدًا جيدًا.”
“بالطبع!”
ردّ الموظف بحماس وقادهما إلى مقعد في وسط الصف الأقرب للمسرح، حيث كان بيانو كبير يشير إلى أن هذا أفضل مكان لسماع الموسيقى.
اختفى الموظف ثم عاد حاملاً زجاجة خالية مليئة بالزهور البرية وضعها كقطعة تزيين في منتصف الطاولة.
‘زهور بيضاء… صفراء…’
نظرت إميليا إلى الزهور بذهول.
شعرت كما لو كانت في موعد آخر. مثل تلك الليلة التي تناولا فيها الستيك، والتقطت صورة القبلة، ورفضت طلب موعد إضافي.
‘صحيح، لقد رفضتُ موعدًا إضافيًا آنذاك…’
قاطع صوت ديفيد أفكارها:
“الآنسة برايت، هل نتزوج؟”
التعليقات لهذا الفصل " 7"