6
استمتعوا
⚔︎
كان الدوق فاي يعاني في الآونة الأخيرة قلقًا شديدًا يُؤرّقُ قلبه ويُكدّر صفوه.
وكان السبب في ذلك مورغانا التي اقتحمت قصره فجأة، مدّعيةً أنّ والدتها الراحلة قد أفصحت لها عن أصلها الحقيقي.
من ملامحها التي تُشبه الدوق إلى قوتها التي تضاهي قوّته، لم يكن لديه مبرّرٌ لرفض وجودها.
بل إنّ طباعها الجامحة كانت كفيلة بأن تجعله يرضخ للأمر الواقع، إذ لو لم يقبلها، لكانت قد صرخت في أرجاء القارّة كلها قائلةً إنّها الابنة غير الشرعية لدوق فاي.
‘أيعجز الناس عن رؤية الشبه الواضح بيننا؟’
كانت أفالون تمرّ بمرحلةٍ حرجةٍ قبيل اعتلاء الملك الجديد العرش.
ولأن كان غياب السيف المقدّس نذيرَ شؤمٍ للبعض، فإنّ الدوق لم يجرؤ على التذمّر، فهو من نسل حورية البحيرة وذو قوى السحرية.
ووفقًا لما ورد في الكتب المقدّسة، فإنّ إكسكاليبر كان سيفًا مقدّسًا صنعته حوريةُ البحيرة في زمنٍ عمّت فيه الوحوشُ أرجاء القارّة، وغرقت الأرضُ في فوضى لا مثيل لها.
خافت الحورياتُ أن تمتدّ أيادي الطامعين الدنسة إلى السيف، فصنعنه بأيديهنّ الخالصة، وجعلن له حُرمةً لا يجرؤ على انتهاكها إلا مَن امتلك النقاء التامّ
وحين يقع السيفُ في يدِ غير المستحقّ، فإنّه يُحدث جراحًا لا يقدر على مداواتها إلا من يمتلك قوى الحوريات أنفسهنّ، إذ كانت قدرتهنّ وحدها كفيلةً بشفاء من مسّه السيف المقدّس.
ومنذ تلك الحقبة الغابرة، اختفت أخبارُ إكسكاليبر، فلا يُعرَف إلى من انتقل، ولا أين استقرّ، وظلّ ذكرُه مجرّدَ أسطورةٍ تهمس بها الرياحُ على ضفاف البحيرة
تحوّل الأمر إلى مجرّد أسطورة تقول إنّ إكسكاليبر جلب الاستقرار للقارّة، وأنّ أفالون وبريطانيا وُلدتا من المنطقة المحايدة المحيطة بالبحيرة.
لكن قبل أكثر من مئة عام، حدث ما لم يكن في الحسبان—
إذ ظهر السيف المقدّس من جديد، مغروزًا في مياه البحيرة!
اهتزّت القارّة بأسرها جراء الظهور المفاجئ للسيف المقدّس.
“لقد سقط السيف المقدّس في أيدي الطامعين!”
“لا، بل هو وحيٌ من الحاكم! عودةُ السيف نذيرٌ بأنّ الشرّ سيجتاح القارّة من جديد!”
“أليس السيف الآن على مقربة من حدود بريطانيا فقط؟”
“وما رأيُك، دوق فاي؟”
لم يكن الدوق يعلم كيف عاد السيف إلى الوجود، غير أنّ كونه من سلالة حورية البحيرة جعله في نظر الناس مسؤولًا عن تلك المعجزة الغامضة.
تزامن ذلك مع صدور نبوءةٍ على لسان القدّيسة حديثة الولادة.
[سيعمّ الفوضى أرجاء القارّة، ومن ينتزع السيف المقدّس من غمده سيكون ملك بريطانيا، يعيد النظام ويحكم الأرض.]
ومنذ ولادة الأميرة غوينيفير في بريطانيا، ازدادت مكانةُ آل فاي اضطرابًا.
إذ تلقّت الأميرة وحيًا بأنّها ستتزوّج من الرجل الذي سينتزع السيف، وبذلك أصبح الجميع واثقًا أنّ المختار سيظهر في هذا الجيل.
بل حتى قبل صدور النبوءة، حاولت دماءُ الملوك والنبلاء في أفالون وغيرِها انتزاع السيف مرارًا، لكنه لم يتحرّك قيد أنملة.
فمَن استطاع سحبه، سيغدو ملك بريطانيا وحاكم القارّة بأسرها—وستندلع الحرب لا محالة.
وفي خضمّ هذا الاضطراب، لو تسرّب خبرُ أنّ ابنةً غير شرعيةٍ ذات قوى شفاءٍ خارقة قد فُقدت من منزل حورية البحر وظهرت في بريطانيا.
‘قد يكون قد مضى وقت طويل منذ آخر اجتماع لمجلس الشيوخ…’
لقد نظر كثيرٌ من النبلاء الجدد باحتقارٍ إلى منزل فاي، ذاك المنزل العريق الذي حكم طويلًا.
ولو صعد ملكٌ جديدٌ إلى العرش، فسيكون أولَ من يُطيح بهم بلا رحمة، بحجّة أنهم زرعوا بذور السلطة القديمة.
أما مورغانا، فكانت سرًّا لا ينبغي أن يُكشف، لا خارج القارّة ولا في قلب العاصمة.
‘لم أكن أعلم أن المرأة التي التقيتُ بها في مهرجان البحيرة كانت من بريطانيا…’
لو كنت أعلم، لما التقيت بها حتى في تلك اللحظة العابرة.
تأخّر الندم، وكانت مورغانا”قد بلغت بالفعل، فجاءت تبحث عنه.
منذ اليوم الأول، غضب غضبًا شديدًا حين مدّت يدها على وجه مورغوس، لكنها لم تُلقِ له سمعًا ولم تتظاهر بالاستماع.
جرّب الدوق فاي الحبس، والغضب، واللين… غير أنّ مورغانا كانت في كلّ مرةٍ تردّ بالسخرية ذاتها.
“لستَ أبي، فلا تُملِ عليَّ ما أفعل.”
بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، فذكّرته بأنّها لم تُسجَّل رسميًّا حتى الآن كابنةٍ غير شرعية له.
في مجتمع النبلاء، كانت العائلة تسبق الحبّ، والواجب يسبق الرغبة.
فكان من شيمهم أن يتزوّجوا من أنسابٍ طاهرةٍ في منازل عريقة، وأن يُنجبوا الورثة فحسب.
وفي أغلب الأحيان، لم يكن الأزواج يرون وجوه بعضهم إلا في ليلة الزواج، ثمّ ما يلبثون أن يعيشوا متباعدين بعد إنجاب الأطفال، ليدخلوا في دوّامةٍ لا تنتهي من الخيانات والانفصال.
كان فريدي أحد أولئك النبلاء العاديين. لم يتخيّل قطّ أن تُولد مورغانا من تلك العلاقة العارضة.
وكان كونها من بريطانيا أيضًا مصدر صداع لا يُطاق، وكلّ ما قامت به كان يُحدث ضجيجًا وفوضى.
‘ذلك الطبع الناري الذي دفعها منذ اليوم الأول إلى رمي الشوكة في وجه الخادمة.’
ربّما بسبب نشأتها في الشوارع، فقد كانت تجهل الأدب والتهذيب.
ولم تكن تنوي الاستماع أو التعلم حتى لو عَلِّمت
غير أنّها، إن وجدت نفسها مضطرة إلى الطاعة، لم تتورّع عن الصراخ مطالبةً بكلّ ما تشتهيه.
“لِمَ تُعطي مورغوس وإيلين شوكًا بأطرافٍ ماسية، وتُعطيني أنا المستديرة؟! أحضر لي مثلها حالًا!”
صرخت مورغانا يومها، والشرر يتطاير من عينيها، وما زال الدوق يذكر تلك النظرة المليئة بالحقد.
“بينما كنتُ أزحف على الأرض أُصارع البؤس، أنتم كنتم تأكلون وتعيشون برخاء، أليس كذلك؟”
كانت كلماتها تفيض رغبةً في الانتقام والتعويض.
وفي أحد الأيام، بينما كان فريدي يتفحّص أوراقه في مكتبه، ارتفع ضجيجٌ من النافذة.
“أوليا! لا تفعلي هذا!”
“ولِمَ لا؟ أليس من حقي؟”
“إن لمستِه، ستموتين!”
بمجرد سماع صوتها، شعر الدوق بألمٍ ينبض في صدغيه.
“لِمَ هذا الملحق قريبٌ إلى مكتبي إلى هذا الحدّ؟”
تمتم بضيق، وهو يظنّ أنّها تُعذّب خادمتها مجددًا.
لم يرد أن يتدخّل أكثر من اللازم، فالحوار لا يُجدي مع من لا يفهم سوى صدى صوته، مثل مورغانا.
‘لكنها كانت مختلفة قليلًا البارحة…’
تذكّر نظرتها الخافتة، وعينيها المبللتين بالدموع وكأنها تُراجع نفسها، فهزّ رأسه غير مصدّق.
‘تبكي؟ مورغانا؟! حتى الكلاب المارّة لن تُصدّق ذلك!’
كانت تغضب حين تنتزع مورغوس خصلةً من شعرها، لكنها لم تذرف دمعةً واحدة قط.
ثمّ تعالت أصواتُ الخادمات مجددًا من الخارج.
“ها هو ذا!”
“أخيرًا وجدته!”
“أتنوين بيعه أيضًا؟”
“بالطبع، وسأبيعه بثمنٍ باهظ!”
لقد بدأت مورغانا بابتزاز الخدم وأخذ المال منهم بالقوّة.
قبل لحظات هدّدتهم بالموت إن لمسوا شيئًا، والآن تجني أرباحًا منهم بلا خجل.
‘إلى أيّ حدٍّ ستتمادين يا مورغانا؟!’
لم يصدق الدوق أنّها تحمل كيسًا من النقود منذ أيام، وتجمع المال من كلّ ركنٍ في القصر.
حتى الخادمات المحيطات بها بدأن يُحنين رؤوسهنّ لها خوفًا.
“بارتون!” صاح الدوق بصوتٍ غاضب.
كان بارتون جالسًا بهدوء على الأريكة، يحتسي الشاي دون أن يحرّك ساكنًا.
رفع فنجانه بابتسامةٍ هادئة.
“أتودّ أن تشرب قليلًا يا صاحب السموّ؟”
“أتشرب الشاي في وقتٍ كهذا؟!”
“إذن، هل أخبرك بأنّ التهنئة المرسلة إلى البلاط الملكي لم يُرَدّ عليها بعد؟”
“ولِمَ تقول هذا الآن؟!”
شهق الدوق غاضبًا.
كان الملك الجديد، الذي أوشك على التتويج، يتجاهل منزل فاي تمامًا.
ومع أنّ أفالون كانت على حافة الانهيار، فإنّ الشائعات تدور بأنّ النبلاء الأذكياء شرعوا في شراء الالقاب في بريطانيا، بل إنّ بعضهم دعا إلى ضمٍّ سلميٍّ للمملكة.
وفي وقتٍ كان الملك بحاجةٍ إلى دعم منزل فاي لتثبيت سلطته، لم يكلّف نفسه حتى بالردّ على رسالتهم.
كان أمرًا بسيطًا يمكن لأيّ مساعدٍ أن يفعله.
تنفّس الدوق بعمقٍ ليكبح غضبه، ثمّ ابتسم ابتسامةً باردة وهو يفتح شفتيه ببطء.
تراجع بارتون قليلًا واضعًا كوبه جانبًا وقال بنبرةٍ مازحةٍ متوجّسة.
“ما بالك تبتسم هكذا ثانية؟ إنّ الأمر مخيف.”
لم يكن الملك يدرك الخطأ الجسيم الذي يرتكبه.
ظنّ أنّ منزل فاي فقد نفوذه، لكنه نسي أنّ في حوزته ورقةً اسمها مورغانا.
صحيح أنّها ابنةٌ غير شرعية ذات طبعٍ قذر، لكنّها بدت في الآونة الأخيرة أكثر هدوءًا وخضوعًا، ما جعل الأمل يتسلّل إلى نفسه.
“يبدو أنّ مورغانا تُزعج الخدم من جديد.”
“طالما لم تجد وقتًا لتحتسي الشاي، سيظلّ بين حاجبيك ذلك التجعّد يا صاحب السمو.”
كان بارع في عمله، لكنّ طبيعته اللامبالية تلك كانت تُثير حنق الدوق.
فنهض الدوق فاي بعزمٍ وقال بحزم.
“سأستدعي مورغانا الآن بنفسي، لم أعد أحتمل هذا الطغيان.”
“لن تحتاج إلى ذلك، صاحب السمو.”
“ماذا تعني؟”
قبل أيام، كان بارتون نفسه من يقترح أن يُعاقبها، أو على الأقلّ أن تُستخدم قوّتها لمصلحة العائلة، وها هو الآن يقف موقف المتفرّج.
رفع كوبه مجددًا وقال بهدوءٍ متنافرٍ مع الموقف.
“سمعتُ أنّ هذا الشاي أصبح رائجًا في الآونة الأخيرة… اشتريتُه بقطعه فضيه واحدة.”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 6"