4
استمتعوا
⚔︎
لم تكن مورغانا تُدرك تلك التوقّعات، وهي تكافح لإخماد عواطفها.
لا، عليّ أن أبدو هادئة.
في هذا الوقت بالذات، كان من البديهي أنّ احتجاجها على مورغوس، التي ربّاها الدوق طوال حياته، لن يجلب لها شيئًا.
‘وبصراحة ما فعلته مورغانا من قبل…’
كنتُ أريد أن أستتر بدرعٍ من الدم، لكن لا خيار أمامي. أليس من اللازم أحيانًا ترك بعض الثغرات ليشعر الناس بآدميّة المرء؟
كيف يُعقل أن تُظهر مورغانا قسوةً مُفرطة منذ البداية؟
عندها صاح دوق فاي وضرب المكتب بقبضته، زاجرًا.
“أتدرين خطورة جريمة محاولة تسميم دوق؟! لا أرى فيكِ أي أثرٍ للندم!”
ولهذا لم تستطع مورغانا التفوّه بكلمة، رغم أنّ ذهنها كان يعجّ بالهواجس.
‘حتى لو توسّلت إليه أن يعيدني إلى بريطانيا، فلن يقبل…’
ومهما حدث، فلن يُفلتني الدوق، حتى وإن حاولتُ قتله بالسم.
أمّا كوني محبوسة حتى الآن، فهو أصدق دليل على ذلك.
‘لكن عليّ أن أجني المال. ولهذا أحتاج إلى شيءٍ من الحرية في هذا القصر…’
وبفضل سمعة مورغانا المنكسرة، فقد اجتنبتها المخلوقات جميعًا منذ البدء، حتى إنّ غرفتها بدت مقفرة لا يزورها نملٌ ولا بشر.
وكان دوق فاي قد ضاق ذرعًا برؤية وجهها، حتى إنّ بصره لم يغادر الأوراق الملقاة على مكتبه.
وببرودٍ قال لها.
“عيشي هادئة، في عزلةٍ لا يعرفكِ فيها أحد من الخارج. سأغفر لكِ هذه المرّة فقط. ولن تكون هناك مرّة ثانية.”
‘نعم، هذه طريقة تقليدية أخرى.’
فأسرعت مورغانا تنحني قائلة.
“أعتذر، يا دوق.”
خشخشة—
سمعتُ خرير ثيابٍ يوحي أنّه رفع رأسه.
في السابق، كانت مورغانا تخاطبه دائمًا بتهكّم وتدعوه “أبي”.
لكنّها الآن استبدلتها بلقب “دوق”، بعدما رأت أنّ لقب الأب لا يجلب لها سوى العواقب.
ومضت تقول بجدٍّ.
“أنا آسفة حقًّا لأنني حاولتُ تسميمك في ذلك اليوم. لقد جاء اعتذاري متأخرًا.”
“…”
“أظنّ أنّ أمي أرادت أن تنال مكافأة لقاء قدومها إلى أفالون، وكانت مستعدّة للموت.”
ورغم أنه لم يُجب، كانت واثقة أنّه يُصغي إليها.
فالذي ارتكبته مورغانا لم يكن ليُغتفر لولا قوّة دماء فاي التي تجري في عروقها.
ولهذا عزمت أن تستخدم كل ما تستطيع. الاستعطاف، والتوسّل، وحتى الإصرار.
“لأنني نشأت بلا أب، لم أتعلم الآداب، فلم أعتبر ذلك ذنبًا. أرجوك سامحني.”
ساد صمتٌ ثقيل لا يقطعه سوى دقات عقرب الثواني في ساعةٍ بعيدة.
وبعد حين، قال صوتٌ هادئ.
“ارفعي رأسكِ.”
وعندما تجرّأت ونظرت أمامها، وقعت عيناها على تلك العينين البنفسجيتين، تشبهان عينيها، تتفحّصانها بصرامة، كأنّهما تفتّشان عن نيّتها الخفيّة.
وبتعابير مشدودة، سألها الدوق.
“إذن لقد تخليتِ عن حضور مراسم الخلافة؟”
“كلا، ما زلتُ أرغب في حضور الحفل.”
“آه، الآن غيّرتِ طريقة إصرارك.”
قهقه دوق فاي ساخرًا، كأنّه كان يتوقّع ذلك.
لكن مورغانا أجابت بعزمٍ وإخلاص.
“لن أُرغِمك كما فعلتُ من قبل. سأُراجع نفسي وأبقى هادئة لبعض الوقت، فأرجو أن تُراقبني.”
ارتجفت عينا الدوق، وبدت الدهشة عليه من جرأة تلك الطفلة التي انحنت فجأة.
فانحنت مورغانا أكثر وقالت.
“قد يكون لحظة من المودة، لكنني سأكون ممتنة لو اعتبرتها الطلب الأخير لطفلة وُلدت نتيجة احتضان الدوق.”
‘إن كان الأمر كذلك، فلن يبدو غريبًا إن لزمتُ السكون لبعض الوقت.’
أدارت مورغانا بصرها نحو المكتب، فلم تسمع منه ردًّا آخر.
وقبل أن تغادر، سألها صوته الهادئ.
“أأنتِ جادّة؟”
فاستدارت بابتسامةٍ خفيفة، مجيبة.
“بالتأكيد،ايها الدوق.”
⚔︎
لم تختلف الغرفة التي عادت إليها كثيرًا عمّا كانت عليه، لكن هذه المرّة فُتح الباب بسهولة.
يبدو أنّ اعتذارها قد وصل إلى مسامعه.
جلستُ على السرير الذي تفوح منه رائحة الغبار، وإذا بالخادمة تدخل متردّدة تحمل بيدها صينية طعام.
لم أدرك أنها هي من كانت توصل الخبز إلى غرفتي إلا حين رأيت وجه الخادمة.
الخادمة المذعورة بدت محرجة من الباب المفتوح على مصراعيه، ولم تعرف ما تصنع.
قسوة مورغانا لم تكن تفرّق بين هدف وآخر.
ممتزجة بشعور دفين بالدونية، حتى لتظن أن كل من ينظر إليها يتجاهلها لأنها ابنة غير شرعية نشأت في حيّ بائس.
حاولت أن أسترجع من ذاكرة مورغانا أسماء من تنمّرت عليهم، لكن الضحايا كانوا كُثرًا، ولم يقتصر الأمر على الخادمات فقط.
كانوا أكثر من أن يُحصَوا.
وبسبب ذلك، وجدت مورغانا نفسها فجأة في صراع محتدم مع الخادمات.
‘ماذا فعلتُ؟ هل ضربتها؟ هل رميت شيئًا؟ هل شتمت…؟’
أشارت مورغانا بحذر شديد نحو الطاولة القديمة قائلة.
“يمكنكِ أن تتركيه هناك.”
“آآه! آآه!”
“واااه!”
“آه!”
“آآآه!!!”
فجأة صرخت الخادمة، ومورغانا التي كانت متوترة صرخت بدورها معها.
لم أقل شيئًا أصلًا.
لكن حين التقت عيناهما عند صرخة مورغانا، انسكب الحساء من يد الخادمة.
“آه… ساخن… ساخن…”
بدأ الأمر بصراخ، ثم اختلط بأنين ألم من الحروق التي سبّبها الحساء.
أما مورغانا فوثبت مذعورة.
“يا إلهي، ماذا أفعل؟ لا بد أنه يؤلمكِ… هل أنتِ بخير؟”
“لا… لا بأس!”
غير أن ملامحها كانت تتلوّى بالألم وهي تقول إنها بخير.
التقطت مورغانا قطعة قماش ومسحت بها قدم الخادمة المبتلة بالحساء.
بدت حمراء متورّمة، وكأن الخادمة على وشك أن تبكي.
مرّرت مورغانا أناملها برفق على كاحلها، وما إن لامستها تلك اللمسة المضيئة حتى بدأ الجلد الأحمر المتورم يعود إلى حاله الطبيعي.
قالت مورغانا للخادمة، التي اتسعت عيناها دهشة.
“إن شعرتِ بألم، سأوصيكِ بعشب مناسب. في مكان مليء بالأعشاب، ستجدين سيقانًا كثيرة بأوراق متعددة، أحضريه لي.”
“ماذا؟”
“إنه عشب عادي، حجمه هكذا تقريبًا… اسألي البستاني عنه، فهو فعّال إلى حد ما.”
قدّرت مورغانا حجمه بكف يدها، فتراجعت الخادمة خطوتين وزادت المسافة بينهما.
كانت لا تزال تشكّ في مورغانا.
لكن لحسن الحظ، كانت مورغانا متمكّنة من معرفة الأعشاب.
فقد اعتادت أكل نباتات الجبال حين لم تجد ما تأكله في الأحياء الفقيرة، وبما أنّ لديها قدرة على الشفاء، لم تمت من النباتات السامة.
وهكذا درست الأعشاب بالفطرة، وباعت ما استطاعت منه لتكسب قوت يومها.
ومع ذلك لم يكن المال وفيرًا، إذ لم يكن أحد يثق بطفلة فقيرة تبيع أعشابًا دون إذن.
كل ما تبقى لمورغانا، التي صبرت دون أن تدرك أنّ ما تملكه قوّة خاصة، كان معرفة واسعة بالأعشاب الطبية.
ابتسمت مورغانا محاولة أن تبدو لطيفة، لكن الخادمة هزت رأسها وكأنها رأت شبحًا، منكرة الواقع.
“لِمَ… لِمَ تفعلين هذا؟ ماذا اقترفتُ بحقكِ؟”
“لا شيء، لم تخطئي. لكن إن واصلتُ أكل هذا الطعام فسوف يتأذى بطني.”
كنتُ أعيش في بلدٍ يعتمد على الأرز في غذائه، لكن لا أستطيع أن أجوع.
والآن وقد صرتُ على هذا الحال، نويت أن أتناول ثلاث وجبات يوميًا على الأقل، ليتحسّن مظهري.
في الوقت الحاضر، كان عليّ أن أضع أساسًا أجمع به المال في قصر دوق فاي.
بأكبر قدر ممكن من السرية، دون أن يلحظ أحد.
فإن كُشف مخططي بالعودة إلى بريطانيا، قد أُسجَن في زنزانات أفالون.
كان لا بد من كسر بعض الحدود، لكن في حدود أن أتحرك دون أن أثير شكوكًا.
رمشت الخادمة للحظة إثر كلام مورغانا، ثم خرجت وهي تترنح قليلًا، وعادت بعد حين ومعها خبز وحساء.
لكن هذه المرة كان في الحساء المائي قطعة لحم.
⚔︎
وفي اليوم الذي أعطت فيه مورغانا دواءً مصنوعًا من الأعشاب، دخلت الخادمة التي قدّمت نفسها باسم أوليا، وهي تجرّ صينية وتشكرها بخجل.
قالت الخادمة.
“لقد كنتِ محقّة انستي، بفضلكِ شُفيتُ تمامًا!”
وكانت عيناها تتلألآن على غير ما كانتا بالأمس حين كانت مذعورة.
أجابت مورغانا بدهشة من تبدّل حالها.
“إنه لا يُحدث أثر كبير.”
“لكنه عظيم بالنسبة لأمثالنا ممن لا يقدرون على شراء عشبة واحدة!” تابعت الخادمة.
“كنتُ حمقاء، ظننتكِ شخصًا مخيفًا لأن كل من حولي كانوا يخافون من الانسة مورغانا.”
“أوه، فهمت!”
“كان الجميع يريدون البقاء بعيدين، لذا تم تكليفي مؤخرًا، والآن بعد أن أفكر في الأمر، أشعر بالرضا!”
فبفضل وصولها المتأخر إلى قصر دوق فاي، لم تشهد بعد جرائم مورغانا الماضية.
كانت أوليا، وهي تضع الحساء ذاته أمام مورغانا، تنفخ وجنتيها بغيظ.
“هل يُعقل؟ كسرتِ إناء طعامها، وعلّقته حول عنق الخادمة، وهددتها باستدعاء الدوق؟! أنتِ لستِ كذلك أبدًا!”
فلعل مورغانا قد فعلت ذلك حقًا…؟
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"