1
الفصل الأول: إعلان الخطوبة
الليل الصامت المظلم كان غارقًا في السكون.
شخص ما، لم يستطع النوم طوال الليل العميق، غفا أخيرًا في سباتٍ خفيف، يتقلب بقلق. المرأة التي تتنفس بهدوء في نومها بدت وكأنها أسيرة كابوس، تتأوه بصوت خافت.
مدّ أحدهم يده ليمسح خصلات شعرها برفق. الحرارة جعلتها تتجهم لوهلة قبل أن تفتح عينيها ببطء. أهدابها افترقت كاشفةً عن عينين كالبحر العميق، لا تزالان محاطتين بعتمة الليل.
“مرحباً، إيميلين.”
الشخص الذي التقت عيناه بعينيها حيّاها بمودة. كان رجلاً مستلقيًا بجوارها، يسند نفسه على ذراعه، يراقبها بعينين هادئتين. عيناه الخضراوان انعطفتا بدفء، وابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيه.
إيميلين، التي كانت لا تزال نصف غافية، تمتمت بشرود:
“…زينون؟”
“نعم، إنه أنا.”
عند إجابته الواضحة، اتسعت عينا إيميلين التي كانت تحمل شكًا وحيرة.
هل هذا حلم؟ وإلا كيف يمكن أن يكون أمامها الآن؟
قبل أن تستوعب الموقف، مرّر زينون يده مرة أخرى على شعرها الداكن بحركة دافئة. تعمقت ابتسامته، وتحدث بصوت منخفض أقرب إلى الهمس:
“هل رأيتِ كابوسًا؟ كنتِ تنادين باسمي باستمرار.”
“كيف… أنت هنا…؟”
تلعثمت من شدة ارتباكها، بالكاد استطاعت صياغة جملة مفهومة. ابتسم بسخرية خفيفة وكأنه يسخر من حيرتها.
“لماذا تتعجبين؟”
يده التي كانت تزيح شعرها توقفت، ثم انزلقت لتستقر على جبينها، وبعدها على خدها. حرارته بدت حقيقية أكثر من أن تكون حلمًا.
لماذا هو هنا في جناح دوقية الأسرة؟ لا تزال غير قادرة على الفهم، نظرت إليه إيميلين بعينين متسائلتين. نظراته العميقة الخضراء المقترنة بجديّة وشيء من العبثية كانت تمامًا كما تحفظها في ذاكرتها.
حبها الأول، الخائن… الذي تركها. إيميلين لم تنسه قط.
اقترب زينون وهمس بصوت خافت:
“لقد وصلني خطابك.”
“خطاب…؟”
عيناها اتسعتا في ارتباك، بينما تابع:
“الخطاب الذي تخبرينني فيه أنك ستتزوجين رجلاً آخر.”
تجهم وجهه قليلًا، وقطّب حاجبيه الوسيمين وهو يحدّق بها. وأضاف بنبرة بطيئة:
“في رسالتك الأخيرة توسلتِ إليّ أن أعود، وقلتِ إنك تحبينني… أكان ذلك كله كذبًا؟”
ظهر في عينيه بريق حزن عابر. فتحت إيميلين فمها لتجيب، كان لديها الكثير لتقوله، لكن الكلمات لم تخرج. شعرت وكأنها مشلولة، أسيرة كابوس.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة باردة تخفي مشاعره. قال بهدوء متعمد:
“حسنًا… في النهاية كان مجرد لعبة بيننا، أليس كذلك؟ لعبة ممتعة، حتى لو تركت بعض الندوب غير الضرورية.”
انقبض قلب إيميلين عند سماع تلك الكلمات. كانت هي ذاتها الكلمات التي قالها لها قبل أن يهجرها.
وبينما بقيت صامتة، متجمدة في مكانها، ظل زينون يراقبها بعينيه الثاقبتين.
قال بابتسامة غامضة:
“شعرك… ما زال بالطول نفسه؟ تمامًا كما قلت لكِ يومًا إنه يليق بك.”
ثم أطلق زفيرًا حارًا، وعيناه تلمعان بتناقض بين الحنين والتهكم.
“إيميلين…”
همس باسمها، بينما قلبها كان يصرخ داخليًا:
ابتعد.
ابتعد…
بدأت عيناها تلمعان بالدموع. حاولت إيميلين جاهدة أن تدفع الكلمات من حنجرتها، تتعثر وهي تحاول النطق.
وفي رؤيتها المشوشة، لمحت خصلات شعره الذهبي المبعثرة. ويدها كانت تستقر فوق ذلك الشعر الذي يشع كالشمس.
“إيميلين…”
تمتم باسمها وكأنه زفرة. ارتجف جسدها بأكمله، فسرت قشعريرة على طول عمودها الفقري. أغمضت عينيها بقوة، وجمعت شجاعتها لتجذب شعره بكل ما أوتيت من قوة.
“توقف أيها اللعين!”
انفجرت كلماتها فجأة وكأنها حطمت جدارًا. فتحت عينيها فجأة وهي تلهث، فمها مفتوح، وصدرها يرتفع ويهبط وهو يملأ رئتيها بالهواء بعد شعور خانق.
بين أنفاسها المتقطعة، بدأت تحدّق بعينيها نصف المغلقتين. ومع انجلاء الرؤية، رأت سقف سريرها المزدان بستارة من الدانتيل. لم يكن زينون هناك. يداها لم تعودا ممسكتين بشعره.
أطلقت تنهيدة مشوبة بالدهشة، وأخذت تنظر حولها ببطء. ضوء الفجر الخافت كان يملأ الغرفة. الصمت كان أثقل من المعتاد. لم يكن زينون موجودًا.
عندها فقط أدركت الحقيقة، فتمتمت بدهشة:
“يا له من كابوس…”
من كان يظن أنه سيظهر في أحلامها فقط لأنها أرسلت له رسالة؟ وبمحتوى مهين كهذا أيضًا…!
شعرت بمرارة الخداع، وأطلقت تنهيدة عميقة، ثم جذبت الغطاء على رأسها بغيظ. أغمضت عينيها محاولة أن تعود للنوم، لكن وجهه ظل يطاردها.
وجهه الوسيم كما كان. تلك الغطرسة، وتلك الثقة المتعجرفة. مهما حاولت الهرب، ظل الرجل الذي زلزل كيانها حاضرًا في ذاكرتها.
زينون ترانسيوم.
ابن العائلة المنافسة، الرجل الذي أحبته إيميلين يومًا حتى أنها كادت أن تتخلى عن عائلتها لأجله. حتى لو وقف والدها في طريقهما، كانت على استعداد لفعل أي شيء لتكون معه.
كانت تؤمن أنه سيبادلها الشعور. لكن قبل أن تتحقق آمالها، تركها ورحل.
[منذ البداية… ألم يكن كل ما بيننا مجرد لعبة؟
أنت تعلمين هذا كما أعلمه أنا—لم نكن يومًا صادقين بحق مع بعضنا. لا داعي لأن نطيل الأمر أكثر ونهدر الوقت. وفي النهاية، لم نحصد سوى الخسائر…
آه، لكن سأعترف بشيء واحد—لقد كان الأمر ممتعًا.]
ترك خلفه رسالة ساخرة، يدّعي فيها أن كل شيء لم يكن سوى لعبة. فانهارت حياة إيميلين الهادئة تمامًا بسببه.
زينون ترانسيوم، الذي همس لها بالحب، رحل إلى أرض بعيدة دون أن يلتفت وراءه. إيميلين، المخدوعة بحلم زائف، تلقت صدمة هزّت كيانها.
لقد خسرت كل شيء. وبسبب علاقتها بابن عائلة منافسة، وُضعت تحت مراقبة صارمة من والدها، وحُبست في بيتها. لوقت طويل حاولت أن تمحو أثره من قلبها، ترتجف من طعنات الخيانة. تلك المرحلة امتدت لأربع سنوات.
(والآن تقول إن كل ذلك لم يكن سوى لعبة؟)
زينون ترانسيوم كان رجلاً قاسيًا حتى الأعماق. هو من أعطاها الحب والأحلام والأمل… ثم انتزعها منها جميعًا. كان حبها الأول، المتغطرس، والجارح.
***
مع بزوغ الفجر، أسرعت إيميلين لتتفقد إن كانت قد تلقت رسائل. ربما لأنه ظهر في أحلامها، شعرت بقلق غريب. هل من الممكن أنه أرسل ردًا على رسالتها التي أخبرته فيها بخطبتها؟
لكن، كما في كل مرة، لم يكن هناك أي رد منه. شعرت بالارتياح والقلق في الوقت نفسه.
مترددة، اقتربت من مكتبها، ثم انحنت وسحبت درجًا صغيرًا من تحته، متناسية وقار النبيلة. في الداخل، كانت هناك حزمة من الرسائل كتبتها كلها لشخص واحد. رسائل لم تُرسل أبدًا.
تجهم وجهها قليلًا، وظل صدى صوته من الحلم يرن في أذنها:
“لقد وصلني خطابك. الخطاب الذي تخبرينني فيه أنك ستتزوجين رجلاً آخر.”
(هل كان من الخطأ أن أرسل تلك الرسالة؟)
مهما انتظرت، لن يأتيه رد منه. وقد تعبت من الانتظار. مرّت يدها على الرسائل التي لم تُرسل قط، ثم أغلقت الدرج بوجه عابس.
(يكفي. لقد قررت نسيانه. زينون ترانسيوم.)
تصلبت ملامحها بعزم. كانت تعلم أن الحلم لم يأتِ إلا لأن زينون قد عاد في هذا الوقت إلى “إلفارتو”. لقد مرت أربع سنوات كاملة منذ أن تركها.
ولكي لا تهتز أمام الماضي، عزمت إيميلين على أن تضع حدًا لكل ما يربطها به. قريبًا، ستتمكن من نسيان كل شيء.
حبها الأول سيمحى تمامًا بزواجها المثالي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"