ساد هواءٌ ثقيل داخل السيارة. و كانت داجون تحدق خارج النافذة بعينين جافتين تمامًا. بينما كان وجهها يغشاه إرهاقٌ شديد لكنها لم تكن نائمة.
و أول من كسر الصمت كان جي وون.
“لماذا لم تتصلي؟”
للمرة الأولى تحولت عينا داجون من النافذة إليه.
“بمن؟”
“طبعا بي أنا…….”
ابتلع جي وون بقية كلامه. و كان صوتها هادئًا، لكن نبرة داجون كانت حادةً كالإبرة. فآثر الصمت حتى لا يستفزها.
“كنت سأفعل……لكنني لا أعرف رقمكَ.”
“أعطيتكِ بطاقة عملي.”
“رميتها.”
حدق جي وون بدهشةٍ في داجون التي عادت تحدق خارج النافذة.
كان على وشك قول شيء لكنه ما إن رأى وجهها حتى أغلق فمه. فقد كان خدها الأيسر منتفخًا بشكل قبيح، وقد تمزقت حتى شفتيها من شدة الضرب.
‘أوغادٌ مجانين.’
الحيوية التي لم تفقدها حتى عندما كانت والدتها مريضةً اختفت بالكامل في يومٍ واحد.
“هل أنتَ ذلك الطرف الذي أبلغ الشرطة؟”
كلمة “ذلك الطرف” أزعجته، فتوتر فمه قليلًا، لكنه أومأ مؤكدًا.
“نعم، أنا.”
أو بالأحرى مساعده هو الذي فعل.
“وكيف عرفتَ؟”
“رأيتُ ذلك.”
“رأيت؟ منذ متى؟”
“هل ذلك مهم؟”
“بالنسبة لي مهم. هل رأيتَ كل ذلك؟ كل ما حدث لي وأنا أُضرب بتلك الطريقة؟”
اشتعل بريقٌ ناري في عيني داجون للحظة. كان طبيعيًا أن تنفجر هكذا وقد كُشف أضعف جانبٍ لديها.
“نعم.”
“إذاً كان عليك تكملة المشاهدة فقط. لماذا تدخلت؟ لماذا؟”
وعلى عكس انفعالها، ازداد جي وون هدوءًا.
لقد رأى هذا الوجه من قبل. نفس الشعور الغريب، نفس الملامح التي ظهرت عند سايو حين كانت تغضب منه بشدة.
“شعرتُ بشيء غريب، فاتصلت بالشرطة أولًا. ولو تأخروا كنتُ سأتدخل بنفسي. لكن الشرطة وصلت قبل أن أتحرك.”
“لستَ أخي الحقيقي، فلا تتصرف كأنكَ كذلك.”
“صحيح، لست أخاكِ. تذكري هذا جيدًا ولا تخلطي بعد الآن.”
“لا داعي لأتذكر. لن أراكَ مرةً أخرى على أي حال.”
صرررر— فجأة انحرف جي وون وأوقف السيارة. و مال جسد داجون بفعل الاهتزاز.
أوقف السيارة ثم خرج فورًا. و كان أمام متجرٍ صغير.
دخل جي وون المتجر وجمع الأدوية الإسعافية الموضوعة على الرف كأنه يكنسها بيده، ثم دفع ثمنها.
و خلال الدفع، نظر عبر الزجاج نحو سيارته، لكن التظليل الداكن لم يسمح برؤية الداخل أبدًا.
“هل أضعها لكَ في كيس؟”
“نعم.”
نظر الموظف باستغرابٍ إلى كمية الأدوية التي اشتراها، لكنه تجاهل الأمر.
ثم أخذ الكيس وعاد إلى السيارة. و رمقته داجون بنظرةٍ مذهولة.
“لو أردت الوقوف فقل ذلك على الأقل.”
“هاتي وجهكِ.”
“ماذا؟”
“وجهكِ.”
عندها فقط أدركت أن ما اشتراه كان أدوية. فضحكت ضحكةً خفيفة بلا روح، لكنها لم تستسلم بسهولة لكلامه.
“لا داعي. ليست إصابةً خطيرة.”
“اسمعي الكلام فقط.”
وعندما لم تستمع إليه، أمسك جي وون بمعصمها وجذبها نحوه.
“ماذا؟ ماذا تفعل؟”
حاولت داجون الإفلات بقوة، لكنه لم يتحرك قيد أنملة.
“فقط ابقي ثابتة.”
أخذ جي وون يبحث داخل الكيس ثم أخرج مرهمًا ودهنه على الشفة الممزقة. فارتجفت داجون من اللسعة، لكنه لم يتوقف.
و أدركت فجأةً مدى قربهما داخل السيارة المغلقة، فحولت نظراتها بتوتر. و عندما لاحظ رغبتها الواضحة في الابتعاد، أمسك جي وون بخدها باليد الأخرى ليمنعها من الهرب.
“هذا مؤلم!”
“لذلك أضع الدواء حتى لا يؤلم بعد الآن.”
رغم معرفته بأن القبضة هي ما يسبب ألمها، تجاهل الأمر وغير الموضوع عمدًا.
“ربما بدا غريبًا أني ظهرت فجأة.”
ثم بدأ يضع مرهم الكدمات على خدها المنتفخ.
“آخ!”
تأوهت داجون من الألم، وحدّقت به كأنه هو السبب. فارتفع طرف شفتي جي وون ارتفاعًا طفيفًا.
كان ظهور مخالبها نحوه كالقطة أفضل بكثيرٍ من أن تفقد حيويتها تمامًا.
وحين رأى داجون تحدق بعينيها الضيقتين بعدما لمحت ابتسامته الخفيفة، سارع جي وون بمتابعة الكلام.
“لقد وضعتُ شخصًا يراقبكِ.”
اعترف جي وون بصراحة. و اشتعلت النيران مجددًا في عيني داجون لكنها لم تقل شيئًا.
وفي تلك الأثناء أنهى جي وون وضع الدواء وأخذ يتفقد إن كان هناك موضعٌ آخر مصاب وهو يضيف،
“كنت أريد التأكد من أنك عدتِ بسلام.”
“يبدو أنكَ عادةً ما تضع أشخاصًا لمثل هذا.”
“لو كنتُ واثقًا أنكِ ستتصلين، لما وضعتُ أحدًا.”
“يبدو كأنكَ تلقي باللوم كله عليّ.”
لم يُجب جي وون وسأل شيئًا آخر.
“أين ستقيمين من الآن فصاعدًا؟”
فتنهدت داجون تنهيدةً يائسة.
لقد أخبرته أنه وضع شخصًا يراقبها، وبما أنها امرأةٌ ذكية فلا يمكن ألا تدرك أنه يعرف بأن منزلها احترق واختفى.
غرقت داجون في مقعد الراكب المساعد. فلم يكن سؤالًا يُتوقع منه إجابةً أصلًا.
“……سأبقى بجانب أمي.”
“لو كانت والدتكِ فستستيقظ قريباً.…”
“توقف. لا أريد سماع هذا الكلام.”
وقع بصر جي وون على يد داجون التي كانت تتحرك بخفة، فلاحظ وجود خدوشٍ في راحة يدها أيضًا.
وعندما أمسك بيدها دون استئذان حاولت داجون سحبها في فزع، لكنها لم تستطع التغلب على قوته.
كانت خدوشًا تركتها أظافرها، وبدا كم ضغطت بقوةٍ حتى تركت علاماتٍ واضحة.
أمسك جي وون يدها بإحكام، ووضع المرهم على راحة يدها ثم ألصق الضمادة. وفي النهاية، وكأنها استسلمت تمامًا، تركت يدها بين يديه ووجهت بصرها إلى النافذة.
“سأتكفل بعلاج نا لي سوك حتى النهاية.”
عند هذا الكلام التفتت عينا داجون المثبتتان على النافذة نحوه.
“…….”
كان هذا أول طُعم يلقيه.
“وسأسدد ديونكِ أيضًا.”
عندما ذكر جي وون الديون عضّت داجون شفتها السفلى مجددًا.
ربما في تلك اللحظة تذكرت وجوه الرجال الذين كانوا يهددونها.
ماذا لو واجهتهم مرة أخرى؟ هل ستنجو هذه المرة؟
على الأرجح لن يحالفها الحظ مجددًا.
“……ويمكنني القبض على مرتكب حادث الدهس والفرار أيضًا.”
اتسعت عينا داجون بدهشة.
يبدو أنها صُدمت من معرفته بأمر الحادث. فالطريق الذي وقع فيه الحادث بلا كاميرات مراقبة ولا شهود. والشرطة أدارت ظهرها للقضية منذ زمن بسبب نقص الأدلة.
“كنتَ تعرف هذا أيضًا؟”
بدلًا من الرد، تحدّث جي وون عن شيئٍ آخر.
“لا أستطيع أن أعِدكِ، لكنني سأبذل كل ما بوسعي.”
“…….”
“لا أستطيع تحديد المدة، لكن عندما تعود سايو وتنتهي مهمتكِ، سأساعدكِ كي تتمكني من العيش دون أي مشقةٍ بعدها.”
اضطربت داجون بوضوح. فكل ما يقدمه يبدو مغريًا حد الحلاوة.
“لماذا……تفعل كل هذا؟”
كانت عيناها مليئتين بالشك. فأجاب جي وون بصوتٍ لطيف،
“لأن هذا يتعلق بإنقاذ العائلة.”
“…….”
“ونحن الآن عائلتكِ أيضًا.”
***
كانت لي سوك مستلقيةً بوجهٍ هادئ.
و لا تعرف داجون لماذا تبدو كذلك، لكنها هكذا شعرت. ربما لأن الغرفة تغيرت.
فمشهد لي سوك وهي ترقد في غرفة فردية بأحدث المستشفيات، مجهزةٌ بكل الأجهزة الطبية، كان كافيًا ليضعف قلب داجون.
هذه أشياء لا تستطيع داجون منحها لأمها مهما ضحت بنومها وعملت ليلًا ونهارًا.
و كان جي وون يقف إلى جانبها دون أن يقول شيئًا. لا كلمات إقناع، ولا كلمات استعجال.
وقف بصمتٍ فحسب، وعندما رأى داجون تحدق طويلًا في أمها، غادر بهدوءٍ كي يتركهما وحدهما.
“أمي…….”
‘لقد احترق منزلنا بالكامل…….’
لم تستطع داجون النطق بهذا الجزء. ورغم أنها بلا وعي، أرادت أن تسمع أمها كلماتٍ مليئة بالفرح والأمل فقط.
لم تستطع أن تخبرها كم الوضع ميؤوس منه.
وبالنظر إليها هكذا، بدت لي سوك وكأنها ليست بلا وعي، بل غارقةٌ فقط في نومٍ عميق.
“أمي……أنا، لقد قابلتُ عائلتي.”
لم تكن تعرف إن كانت لي سوك قادرةً على سماعها، لكن داجون أمسكت بيدها وبدأت تروي لها ما مرّت به كما لو كانت تحكي تفاصيل يومٍ عادي.
“يبدو الأمر غريباً، صحيح، لكن لدي جد، ولدي أختٌ أيضًا. ويقولون أن هناك جدةٌ أيضًا لكنها توفيت. لذلك ذهبت إلى قاعة جنازتها.”
و لم تستطع الحديث عن أمها الحقيقية.
“فجأة أصبح لدي الكثير من العائلة، وهذا مربك……لكنه لم يكن أمرًا سيئًا. كنتُ أعتقد أنه ليس لي أحد غيركِ يا أمي، لكن تخيلي، يا للعجب……حتى أخٌ غير شقيق ظهر لي. الرجل الذي دخل معي قبل قليل يقولون أنه أخي غير الشقيق. أليس هذا مضحكًا؟”
ابتسمت داجون و دموعها متلألئة.
“اسم أختي سايو. كيم سايو. لم أقابلها بعد، لكن بما أننا توأم فلا بد أنها تشبهني، أليس كذلك؟ يقولون أن شخصيتنا مختلفةٌ تمامًا. أنا هكذا أتصرف كما يحلو لي، أما هي فكانوا يقولون أنها آنسةٌ مهذبة تمامًا.”
ضحكت داجون وكأن الأمر يروق لها فعلًا.
“هل يمكن أن نكون توأمًا حقًا؟ كيف يمكن أن نكون مختلفتين لهذا الحد؟ غريب، أليس كذلك؟ هذا كله لأنكِ ربيتِني كما يحلو لكِ يا أمي، تعلمين ذلك؟”
رمقتها بنظرة مداعبة، ثم بدأت عيناها تلمعان تدريجيًا.
“لكن أمي…….”
خطف؟ ما زالت غير قادرةٍ على تصديق ذلك.
“أمي……هل حقًا خطفتني؟”
ولكن هل يمكن أن يسمى ذلك خطفًا؟ لقد كانت تحملها في بطنها عشرة أشهر.
“حين أخذتِني وهربتِ……كيف كان شعوركِ؟”
كانت لي سوك أيضًا تقول إنها كانت تعيش مع جدتها فقط. وقالت أن الجدة توفيت بمرضها قبل أن تولد داجون.
“تلك الفترة……بعد أن رحلت الجدة وتركتِك وحدكِ……هل شعرتِ آنذاك بما أشعر به الآن؟ هل كنتِ خائفةً من أن تبقي وحدكِ؟ هل كنتِ خائفةً مثلما أخاف أنا الآن؟”
كانت لي سوك، التي اضطرت لفعل أي شيءٍ لتدفع تكاليف جراحة الجدة المصابة بسرطان القولون، تشبه داجون بطريقةَ مؤلمة؛ فداجون أيضًا لم يكن أمامها خيارٌ سوى فعل ما تقدر عليه لدفع تكاليف علاج أمها.
لم يخطر لها أن تلك الجملة العابرة التي قالتها لي سوك يومًا “كان يجب أن أفعل أي شيء” كانت مرتبطةً بولادتها نفسها.
“يقولون أن لدي عائلةً الآن……عائلةً كبيرة……لكني خائفةٌ من أن أبقى وحدي يا أمي. خائفةٌ جدًا أنكِ سترحلين وتتركينني وحدي. لذلك توقفي عن النوم واستيقظي، أرجوكِ، هاه؟”
امتلأت عيناها بالدموع، لكنها مسحتها متظاهرةً بالتماسك.
“أكثر شخصٍ أريد أن أراه……هو أنتِ. وأنتِ تعلمين ذلك، أليس كذلك؟”
و رغم محاولاتها الشديدة، ظلت الدموع تتجمع في عينيها.
“أنا خائفة……وأرتعب.”
امتلأت عيناها بالدموع التي لم تتوقف.
“أمي، متى ستستيقظين؟ ألا تشتاقين لرؤيتي؟ توقفي عن النوم لكل هذا الوقت……واستيقظي.”
ثم اشتدت قبضتها على يد لي سوك.
“يدكِ دافئةٌ هكذا……فلماذا تظلين نائمة…….”
وضعت داجون وجهها على يد لي سوك وكأنها تذوب فوقها. وسرعان ما ابتلّت أغطية السرير.
“أمي، هاه؟ أمي…….”
أصبح صوت داجون أكثر خفوتًا.
“لا تواصلي النوم فقط، ردي عليّ قليلًا. لم أسمع صوتكِ منذ وقتٍ طويل. أرجوكِ استيقظي، هاه؟”
و سرعان ما ابتلت يد لي سوك بدموع داجون. ثم انهار بكاؤها ولم تستطع منعه بعد الآن.
__________________________
لا ولا شي بس تشا شين دخل بعيوني
جي وون منب ضامنته هو مافالها صريح بس واضح هو الي حرث البيت صوح؟ يروع
ولا ابي داجون مره تشوفه صدق اخوها ثم تدري بعدين الغبنه مب حلوه
التعليقات لهذا الفصل " 9"