كان تشا شين يقود السيارة بوجهَ تغمره البرودة. لم ينتبه حتى إلى أن جونغ يول الجالس بجانبه كان يراقب حالته بحذر بسبب الهالة الضاغطة التي تنبعث منه.
عاد وهو يحمل مناديل مبللة كما هي دون أن يستخدمها، فظهر على جونغ يول وجهٌ يموت فضولًا لمعرفة ما جرى، لكن تشا شين لم ينبس بكلمة.
في الحقيقة لم يكن هناك ما يشرحه. سايو اختفت دون أن تقول أنها ستذهب أو ستعود. وكان تشا شين يشعر بخواءٍ غامض وكأنه نسي شيئًا مهمًا.
“ما الأمر……”
تردد جونغ يول قليلًا قبل أن يتكلم، لكن تشا شين لم يُجِب.
“دعنا نتوقف في الاستراحة القادمة، أريد الذهاب للحمام.”
لم يردّ تشا شين تحديدًا، لكنه أدار السيارة نحو الاستراحة. وبينما كان غارقًا في تفكيره، قطب حاجبيه فجأة. فلم يحتمل جونغ يول أكثر و سأل،
“كانت تلك المرأة، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
ارتبك تشا شين قليلًا ثم قطب حاجبيه.
“لا أظنها كانت عمتكَ، ومنذ أن لاحقتها وأنت تتصرف بشكلٍ غريب.”
لم يُنكر تشا شين ولم يؤكّد. حتى هو نفسه وجد سلوكه مليئًا بالغرابة. لم يحدث يومًا أن انشغل بامرأة إلى هذا الحد. كان الأمر يزعجه بشدة.
“حتى أنتَ تراها غريبة، أليس كذلك؟”
“هاه؟”
“مقابلتي لامرأة يجب أن تكون في سيول هنا أمرٌ غريب، ومظهرها كان غريبًا أيضًا.”
“تكلّم بشكلَ مفهوم، كيف أفهم كلامًا مبتورًا هكذا؟”
“ومجرد أنني أتصرف هكذا……هذا أيضًا غريب.”
“صحيح، أنتَ غريبٌ جدًا اليوم. هل من الممكن أنكَ……؟”
حدّق جونغ يول فيه بنظرة مليئة بالشك، ثم تحدّث بنبرة مازحة،
“واقع في الحب؟”
“ماذا؟”
“هاها. رجلٌ يتصرف بلا عقل بعد أن يقابل امرأة، ماذا يكون ذلك؟ إنه الحب طبعًا!”
فضحك تشا شين ساخرًا من فرضيته.
“التقيتُها مرتين فقط……لا، ثلاث مرات بعد اليوم.”
“ثلاث مرات؟ وهل هذا مهم؟ الوقوع في الحب يكفيه مرةٌ واحدة!”
كان لقاءً غريبًا بلا شك. لكن ما يزعجه هو هذا الشعور غير المريح. فومض في عيني تشا شين شيءٌ من الضيق.
“اترك الهراء وانزل. لقد وصلنا.”
“انزل معي، دعنا نشرب قهوة.”
نزل تشا شين من السيارة كما اقترح جونغ يول، فقد شعر أنه بحاجة إلى إسبريسو قوي ليصفو ذهنه.
وبينما تقدم بخطواته، هز رأسه بعنف كأنه يريد طرد أفكاره.
“ألم تقل أنكَ تريد الحمام؟”
سأله تشاسين باستغراب حين سار جونغ يول معه نحو المقهى بدلًا من الحمام.
“قلت ذلك فقط لأجعلك توقف السيارة قليلًا. كنتَ غريبًا جدًا.”
“لهذه الدرجة؟”
“أكثر من ذلك.”
كان جونغ يول يجيبه بخفةَ وهو يهمّ بالطلب، ثم توقف فجأة.
“ماذا هناك؟”
سأله تشا شين مستغربًا من توقفه.
“هناك، هناك! أليس ذلك جي وون، مدير شين كيميكال؟”
اتبع تشا شين اتجاه إصبع جونغ يول. إنه جي وون. ساعدهم على ملاحظته طول قامته البارز، خاصةً في هذا الوقت المتأخر حيث لا يوجد أحدٌ تقريبًا. و كان وجهه جادًا وهو يتحدث في الهاتف.
لم يتوقع تشا شين أن يرى ليس سايو فقط، بل جي وون أيضًا في المكان نفسه.
“كما توقعت، لا بد أن هناك أمرًا ما في تلك العائلة.”
“هل نذهب ونلقي عليه التحية؟”
“اتركه.”
منع تشا شين جونغ يول حين حاول التوجه إليه. بينما خرج جي وو من المقهى بوجهٍ متجهم وهو ما يزال على الهاتف، وتابعته عيون تشا شين بصمت.
“لماذا؟”
“يشعرني الجو بأنه من غير المناسب أن نتحدث معه الآن.”
“حقاً؟”
لم يكن قريبًا بما يكفي لقراءة تعابير وجهه جيدًا، لكن طريقة خفض صوته داخل مقهى فارغ كانت كافيةً لتقول أن الأمر ليس عاديًا.
“آه! شين كيميكال……أليس هذا بيت العائلة التي التقيتَ ابنته في لقاء تعارف سابق؟”
“صحيح.”
“التي قلتَ أنها مثل دمية بلا مشاعر؟”
وكان قد رأى تلك المرأة التي وصفها بأنها باردةٌ وعديمة المشاعر تنهار أمامه اليوم.
“كنت أظنها مثل دميةٍ بلا إحساس……”
تسرّبت مشاعر معقدة غير قابلة للتعريف إلى صدر تشا شين.
“لكن، لا أدري……الآن لستُ متأكدًا.”
“هاه؟”
“لا أعرف……”
فنظر جونغ يول إليه بوجهٍ تملؤه الحيرة.
***
ازداد وجه جي وون عبوسًا وهو يتحدث عبر الهاتف.
“ماذا؟”
دفع جي وون شعره إلى الخلف بعصبية.
“إلى أن أصل هناك، لا تلمسوها ولو من طرف شعرة. أرسل لي العنوان الدقيق فورًا.”
أغلق جي وون الهاتف وتوجه إلى سيارته بخطواتٍ حادة.
لم يكن هناك شيءٌ يسير كما يجب. كان يعلم منذ البداية أن داجون لن تتصرف كما يريد، لكنه لم يتوقع أن تعلن رغبتها في العودة بهذه السرعة.
تصرّفها هذا جعله يتوتر. فقد كان عليه إتمام هذا الزواج قبل أن يُعرَف مرض رئيس مجلس الإدارة شين يونغ غيل للعامة.
ورغم أنها كانت تعيش ضائقةً جعلتها ترهن المنزل للحصول على قرض، إلا أنّ داجون قالت أنها لا تريد فعل شيء يخالف الضمير.
وهذا يعني أنها لم تصل بعد إلى مرحلة فقدان الأمل كاملة، لذلك قرر جي وون أن يضيّق عليها أكثر. ماذا ستفعل إن جعلتُهابلا مكان تعود إليه أصلًا؟
عندما وصل إلى سيارته أخذ نفسًا عميقًا. غير أن هواء الليل كان خانقًا وثقيلًا. و لم يشعره الهواء البارد بالراحة بل زاد ضيقه.
“نا داجون……إلى متى ستصمدين؟”
ثم غادرت سيارة جي وون الاستراحة بسلاسة.
***
خرج رجلان من السيارة الفضية. و كانت الأضواء المسلطة على وجه داجون ساطعةٌ لدرجة أنها أغمضت عينيها وشوّهت ملامحها للحظة.
وما إن تغلّبت على الضوء ونظرت جيدًا، حتى عرفت هويتهما. كانا مقرضي المال الذين استدانت منهما. يبدو أنهما سمعا بخبر احتراق منزلها الذي كان رهنًا لديهما.
وما إن اقتربا منها حتى أمسك أحدهما بتلابيبها دون كلمة، وكأنهما تأكدا أنها تستعد للهروب من البلدة، ثم رماها إلى الأرض بقوة دون أي تردد.
“تقترضين مال الناس ثم تهربين في الليل؟”
“اتركني!”
كانت عينا داجون تلمعان بغضبٍ في عتمة الليل. لم يعد لديها ما تخسره، فصرخت فيهما بلا تردد.
“سأسدد المال!”
“وبأي مال؟ بيتكِ احترق بالكامل!”
“سأسدده مهما كان، فقط اتركني الآن. لم أتأخر يومًا عن السداد، ولم أكن سأهرب!”
“ها أنتِ تُضبطين الآن تمامًا وأنت تهربين. أي هراءٍ هذا؟”
ضحك الرجل بخبث.
“لم أكن أهرب، كنت ذاهبةً الى والدتي.”
“إلى والدتكِ؟ هل تظنين أننا مغفّلون؟”
“إن كان هناك من يستخف بالآخرين فهم أنتم، لا أنا. لستُ شخصًا حقيرًا لدرجة أن آكل أموال الناس.”
“واو، لسانكِ يعمل جيدًا”
“هراء، المزيد من الهراء.”
ضحك الرجل الآخر بسخريةٍ وهو ينظر إليها بازدراء.
“يا آنسة! نحن لا نصدق كلام الناس. لو صدقناه لكنا أفلسنا من زمان، تعلمين؟”
“نعم، والرهان أيضًا تبخر، فبماذا نثق لنتركك؟ هاه؟”
تسارعت دقات قلب داجون خوفًا، لكنها عرفت أن إظهار الخوف سيجعلها فريسةً سهلة. فشدّت قبضتها بقوة حتى غرزت أظافرها في كفها، وحملت عينيها بصلابةٍ حتى لا تنهار.
“صحيح، البيت احترق. إذًا ماذا تريدان بالضبط؟”
“ماذا نريد؟”
ابتسم الرجل الواقف في الخلف بسعادةٍ وهو يعقد ذراعيه.
“ما نريدُه بسيط. المال الذي اقترضتِه!”
“قلت سأدفعه!”
“كيف ترفعين صوتكِ؟”
صفعها الرجل الذي يمسك بتلابيبها بقوة. فاهتزّ نظرها، وانفجرت حرارةٌ لاذعة على خدّها. ويبدو أنها عضت داخل فمها عندما تلقت الضربة، فقد شعرت بطعم الدم.
أمسك الرجل وجهها بعنفٍ وهي مطروحةٌ على الأرض، وأجبرها على النظر إليه.
“دعينا نتحدث الآن عن كيف ستسددين المبلغ.”
تسلل الرعب في صدرها.
لم يسبق أن ضربها أحدٌ من قبل. ولم يسبق أن واجهت نظراتٍ ممتلئة بهذا القدر من الشر. فلم تستطع فعل شيء سوى محاولة حبس دموعها.
و كانت متمسكةً بعناد: لن أجعل أمثالكم يشعرون بأنني ضعيفة.
“انظر إلى عينيها، يا لها من وقحة.”
“يجب أولًا أن نزيل هذا الشر من عينيكِ.”
ابتسم الرجل الخلفي ابتسامةً مرعبة وهو يرتدي قفازه ببطء. فأغمضت داجون عينيها بإحكام.
لو لم تكن والدتها موجودة، لتمنت أن تنتهي حياتها هنا فحسب.
كانت تعيش حياةً متواضعة، لكنها لم تعرف يومًا هذا القدر من الإهانة. كل شيءٍ انحدر بعد حادث والدتها.
شعرت أن دموعها تتجمع، فعضّت شفتها السفلى بقوة. فلو بكت الآن لن تستطيع التوقف.
“الآن بدأتِ تفهمين، أليس كذلك؟”
ولكن في تلك اللحظة حدث ذلك. الضوء القوي الذي كان يسطع عليهم جعل الرجال يغطون عيونهم المبهورة.
“ما هذا!”
اقترب الرجال بشكلٍ تهديدي من السيارة التي وصلت أمامهم وكأنهم سيتشاجرون معها فورًا. لكن ما إن اعتادت أعينهم على الضوء واستعادوا رؤيتهم حتى تراجعوا قليلاً.
كانت سيارة دورية. و نزل شرطيان من سيارة الدورية.
“من أنتم؟”
أطلق أحد الرجال ضحكةً متكلفة وكأنه يحاول تلطيف الموقف.
“نشكر تعبكم، لا شيء هنا، يمكنكم متابعة طريقكم.”
“لقد خرجنا بناءً على بلاغ. تلقينا بلاغًا بأن رجلين يضربان امرأة.”
“بلاغ؟”
كان المكان نائيًا، فمن الذي رأى ومن الذي تقدم بالبلاغ؟
نظر الرجال إلى الشرطة بوجوهَ مذهولة، فاقترب أحد الشرطيين من داجون.
“آنسة! هل أنتِ بخير؟”
فارتسمت خيبةٌ فاضحة على وجوه الرجال.
“قلنا لكم، لا يوجد شيء.”
“ومن قال أننا نسألكم؟!”
ترنحت داجون ونهضت بصعوبة. و كان فمها جافًا وكأنها ابتلعت الرمل.
“أنا بخير.”
“أرأيتم! لا يوجد شيء.”
وحين لم يتخلَّ الشرطيان عن نظرات الشك تقدمت داجون خطوةً نحو أحدهما.
“ذلك……”
فاقترب الشرطي خطوةً منها.
“ماذا هناك، يا آنسة؟”
“……الطريق خطِر، هل يمكن أن توصلاني إلى البيت؟”
“حسنًا، تفضلي، اصعدي.”
قادها الشرطيان إلى المقعد الخلفي للسيارة، فتبعتهما داجون بهدوء. بينما حدق الرجال بها بوجوهٍ ممتلئة بالغضب وهم يشاهدونها تتجه نحو سيارة الشرطة.
ولكن عندها حصل ذلك.
“سأوصلها أنا إلى المنزل.”
خرج صوتٌ فجأة جعل داجون، والشرطيين، والرجال جميعًا يلتفتون نحو صاحبه.
في خضم الفوضى لم ينتبه أحدٌ للسيارة التي تقدمت خلف الدورية. وحين رأت داجون الوجه المألوف اتسعت عيناها.
“داجون.”
كان صوته رقيقًا يذوب حنانًا.
“أنتَ……”
قاطعها جي وون ومد يده نحوها.
“آسفٌ على التأخر. تعالي.”
“عفوًا، من تكون أنتّ؟”
لأجاب جي وون بهدوء على سؤال الشرطي.
“أنا أخوها.”
و شعرت داجون بشيءٍ يندفع في صدرها بقوة، لكنها عضت شفتها السفلى كي لا تبكي.
________________________
ويت ويت ويت ويتتتتت جي وون هو الي حرق بيتها!؟ وين الي اقول واضح انه اخو حنون وش السالفه هذا وش خيبة أمل
المهم وين تشا شين حسبته بيجي مب مفروض ذاه وقت ظهور البطل والجنتل وتوقع له وكذا؟😔 وجع
التعليقات لهذا الفصل " 8"