5
استدار تشا شين بحزمٍ باردٍ إلى حد القسوة وغادر الغرفة. لكن بعد لحظات، توقف عن السير.
لم تكن داجون تتوقع أنه سيتوقف فجأة، فاصطدمت برأسها في ظهره. وحين التفت نحوها، كانت تمسك رأسها الذي اصطدمت به.
“لا داعي لأن ترافقيني. تبدين متعبة.”
تفاجأت داجون من كلامه ولم تستطع الرد للحظة.
“نـ، نعم….حسنًا.”
قالت ذلك، لكنها رغم ذلك تبعته خارج الغرفة لتودّعه.
ثم اقترب رجلٌ بدا كأنه سكرتيره الخاص من جانبه بمجرد خروجه من غرفة العائلة. و تابعت داجون تشا شين بنظرات مشوشة وهو يغادر قاعة العزاء.
كانت كلماته الأخيرة تبدو وكأنها قيلت بدافع الاهتمام بها، مما جعل شعورها غريبًا.
هزّت رأسها بقوةٍ وكأنها تريد طرد أفكارها، ثم بدأت تبحث بعينيها عن جي وون.
كان وحده حينها، بعدما انتهى لتوه من تحية أحد الضيوف. فاقتربت منه داجون وهمست بصوتٍ منخفض لا يسمعه أحدٌ سواهما.
“أريد التحدث معكَ قليلًا.”
مع مرور الوقت، أدركت أن هناك الكثير من الأمور التي لم تُشرح لها. كل شيء حدث بسرعة كبيرة، ففاتها فهم الكثير.
حين خرج جي وون خلفها، نظرت حولها تتأكد من عدم وجود أحدٍ قبل أن تبدأ الحديث.
“الآن فقط أدركت أنني نسيتُ أن أسأل عن أهم شيء.”
“ما هو؟”
أجابها بفضول وهو ينتظر كلامها التالي.
“المدة، المدة!”
“المدة؟”
“لا أعرف إلى متى سأضطر لفعل هذا. قبل قليل كنت أظن أن الأمر سينتهي بانتهاء الجنازة فقط، لكن ماذا لو لم تظهر أختي بعد ذلك؟ إلى أين اختفت بالضبط؟”
ضيّق جي وون عينيه قليلًا، ولم يجب، بل طرح سؤالًا آخر بدلًا من الرد.
“ماذا قلتِ للمدير هان؟”
“مهلًا، أنا من سأل أولًا!”
“أعتقد أنكِ وعدتِ أن تناديني بأخي.”
اشتعل الغضب في داخل داجون فجأة.
“إن كنتَ تتهرب من الإجابة، فانسَ الأمر. لأنني لن أستمر ما لم أسمع الحقيقة.”
“لا أتهرب، لكن لا يمكن تحديد المدة.”
“لا يمكن تحديدها؟”
“نعم.”
اختلطت الأفكار في رأس داجون، لا تعرف كيف تتعامل مع هذا الجواب.
“هل تعني أنها قد لا تظهر في أي وقتٍ قريب؟”
“صحيح.”
اتسعت عينا داجون من الصدمة، وفتحت فمها.
لقد كانت تظن أن التمثيل سينتهي مع انتهاء الجنازة، لكن الآن اتضح أنه قد يمتد إلى أجلٍ غير معلوم.
إن لم تعد سايو إطلاقًا، فهل ستضطر إلى الاستمرار في هذا الجنون إلى الأبد؟
لم تستطع حتى تقدير المدة تقريبيًا. فحاولت أن تتمالك نفسها لتفكر بهدوء.
“إذا لم تعد أختي أبدًا..…”
أغمضت عينيها بقوة محاولةً طرد الفكرة، ثم فتحتهما لترى جي وون أمامها بوجهٍ جامد لا يظهر عليه أي تعبير.
“لا تقل أن عليّ أن أعيش كأختي من الآن فصاعدًا؟”
ظل جي وون صامتًا دون أي رد، مما جعلها تحدّق في وجهه بإصرارٍ تحاول التقاط أي إشارةٍ منه.
“لن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا.”
“هاه! هل هذا ما تسميه جوابًا؟!”
لقد كان يومًا مليئًا بالأحداث التي تجاوزت حدود العقل.
أن تكتشف أن أمها التي وثقت بها طوال حياتها لم تكن أمها الحقيقية بل أمًا بديلة — كان أمرًا صادمًا بما يكفي.
أما أن تواصل هذا التمثيل إلى أجلٍ غير مسمى؟ فهذا جنونٌ لا يمكنها تحمله.
لن تكون بهذه الحماقة. بل ستخبر الجميع بالحقيقة.
حتى لو اضطروا لإجراء فحص الحمض النووي من جديد، فسيكون أهون عليها من أن تستمر في ادعاء أنها أختها.
ستكشف كل شيءٍ وتذهب إلى أمها الحقيقية تطلب مساعدتها. ستتوسل إليها أن تنقذ المرأة التي ربتها، تلك التي إن لم تخضع للجراحة فورًا فستموت.
ربما، بدافع الشفقة والذنب تجاه الابنة التي لم تحتضنها يومًا، ستوافق الأم الحقيقية يوهي على المساعدة. فمن رآها قبل قليل، يمكنه أن يصدق أنها ستفعل ذلك.
“سأقول لهم من أنا حقًا.”
صرحت داجون بقرارها الثابت أمام جي وون. لكنه بدا هادئًا تمامًا، بلا أي دهشة.
“عاجلًا أم آجلًا، لا بد أن تُكشف الحقيقة.”
كانت إجابته غير المتوقعة كافيةً لأن تفقد داجون كلماتها للحظة.
“بعد انتهاء الجنازة، سأخبر أمي بكل شيء. إنها أول من يجب أن يعرف.”
هل يجب أن تفرح لأنه لا ينوي إخفاء الحقيقة إلى الأبد؟ لم تكن تعرف. كل ما شعرت به هو ارتباكٌ لا يوصف.
“لكن حتى لو عرفوا بوجودكِ، فلن يتغير شيء.”
“ما معنى أنه لن يتغير شيء؟”
تردد جي وون قليلًا، وكأنه لم يكن يرغب في الخوض في هذا الموضوع، ثم زفر بعمقٍ وتحدث بنبرةٍ هادئة لا توحي بأي تردد.
“حتى لو أعلنتِ أنكِ الأخت التوأم الصغرى، لا يمكن الكشف عنكِ رسميًا.”
“رسميًا؟”
“نعم.”
لم تعرف داجون حتى اليوم أن لديها عائلة، ولم يكن لديها وقتٌ أو طاقة لتفكير في الفرق بين الرسمي وغير الرسمي، لكنها فهمت تقريبًا ما يقصده.
حتى وإن كانتا توأمتين، فقد تحظى سايو وداجون بمعاملةٍ مختلفة.
نظر إليها جي وون بثباتٍ وهو يوضح الأمر.
“لو أعلنوا أن لديهما ابنتين توأم، سيتساءل الجميع أين كانت الابنة الأخرى طوال هذا الوقت، وما الذي حدث حتى فقدوها.”
“ومن الذي يجب أن يشرح هذا؟”
“كما قلتُ لكِ، أنتِ الآن جزءٌ من عائلة شين كيميكل. الأمر ليس مجرد لقاءٍ عائليٍ بسيط.”
فكرت داجون بحزن: كيف أصبح لقاء العائلة بهذه التعقيد؟ لقد شعرت برغبةٍ في البكاء.
“هل علينا أن القول ببساطة أنكِ اختُطفتِ؟”
“أمي لم تخطفني.”
“إذاً، ماذا عن أسمكِ و ما فعلته المرأة التي فرقتكِ عن والديّكِ الحقيقيين؟ لنقل أنها أخذت واحدةً من التوأم وهربت بها. بعد أن قبضت المال بالفعل.”
“حتى لو كان ذلك صحيحًا، فهي من ربّتني.”
رغم انفعال داجون وارتفاع صوتها، ظل جي وون متماسكًا وهادئًا.
“حتى لو نجحت العملية واستعادت وعيها، فإن أمّكِ…..ستواجه عقوبةً جنائية. ذلك يعتمد على قرار والدتكِ الحقيقية.”
وخزها الألم حين نطق كلمتي “أمّكِ” و”والدتكِ” بنبرةٍ ساخرة تُظهر التباين بين الاثنتين.
فضحكت داجون ضاحكةً بسخرية.
“لا تُضحكني. قبل لحظةٍ فقط قلتَ أنه من الصعب الإعلان عني للعالم، والآن تظن أنكَ تستطيع تهديدي بهذا الكلام؟”
“ليس تهديدًا، بل واقع. عليكِ أن تواجهي الحقيقة كما هي. كنتُ أنوي أن أخبر العائلة من أنتِ بالتدريج، بعد انتهاء جنازة الجدة.”
“…….”
“لكن، بخلاف سايو، لا يمكنكِ أن تُعرَفي أمام العالم. يكفي أننا بالكاد نتمكن من إخفاء مرض الجد.”
“إذًا لماذا أتيتَ لتبحث عني أصلًا؟ إن كنتُ بلا فائدة إلا كبديلة، فما الجدوى من وجودي؟”
انطفأت نظرات داجون، وغمرها حزنٌ عميق. ربما لم يقصد جي وون جرحها، لكن كلماته كانت مؤلمةً على أي حال.
و تابع حديثه بنفس الهدوء الجاف.
“صحيحٌ أن المخاطرة في إظهاركِ كبيرةٌ جدًا. لا يمكن إعلانكِ كابنة رسمية، لذا لن تستطيعي الحصول على أي حقٍ في الميراث، ولا حتى العيش بهويتك الحقيقية أمام العالم.”
“…….”
غامت نظرات داجون وكأنها تغرق في صمتٍ خطير، لكن جي وون، وقد عقد العزم على قول كل شيء، لم يتوقف عن الكلام.
“لكن هذا لا يعني أنك لستِ ابنة والدتكِ. إذا ساعدتِنا، فسنتكفّل بجميع مصاريف علاج نا لي سوك في المستشفى، وسندفع لكِ تعويضًا مناسبًا أيضًا. وبالطبع، الرئيسة لن تتجاهلكِ تمامًا، لذا فالشروط ليست سيئةً بالنسبة لكِ.”
تصلّب جسد داجون أكثر عند سماع حديثه عن والدتها البيولوجية التي لم تستطع بعد أن تشعر بها كأم. “لن تتجاهلكِ”؟
الآن أصبحت تُعامَل كأنها شخصٌ متلهف للحصول على الميراث، وشعرت بأن كرامتها تتهاوى إلى القاع أكثر فأكثر. لكنها لم تشر إلى تلك النقطة عمدًا، فقد أصبحت لا تهتم بذلك كله. و كان هناك ما يشغل تفكيرها أكثر.
“أين اختفت أختي؟”
قطّب جي وون حاجبيه قليلًا، فقد كان هذا سؤالًا خارج سياق ما كان يقوله. ومع ذلك، أجاب دون تردد.
“سايو رفضت الزواج. كان هناك شخصٌ آخر تحبه..…”
إذاً لقد أُجبرت على خطوبة شخصٍ لا تريده، والآن بعد أن اختفت، جعلوها –دون أي اعتبار لرأيها– تؤدي دورها بدلًا منها!
كان الأمر مثيرًا للغضب لدرجة أن داجون لم تستطع كتم انفعالها.
“لا أريد أن أسمع المزيد.”
“يبدو على وجهكِ أنكِ سمعتِ قصةً مروّعة.”
“صحيح، بل ومقززةً أيضًا.”
ابتسم جي وون ابتسامةً هادئة، كما لو كان قد توقّع رد فعلها هذا.
واكتشفت داجون اليوم شيئًا عنه: أنه كلما كان منزعجًا، ازداد وجهه هدوءًا وابتسامته ازدادت نعومة. والدليل أن عينيه لم تبتسما إطلاقًا.
“سايو عاشت الحياة التي لم تستطيعي أنتِ أن تعيشيها. وما أقوله هو أن تلك الحياة لم تكن مجانية، وهذه هي إجابتي على ما تعتبرينه قذرًا ومقزّزًا.”
“إذاً كان عليكم إقناعها حتى النهاية.”
“لكنها هربت قبل أن نحاول إقناعها، فماذا يمكننا أن نفعل غير ذلك؟”
إن كانت قد أحبّت أحدهم إلى درجة أن تهرب من أجل ذلك، فذلك شعور لا يمكن لأحد أن يفرضه عليها.
شعرت داجون بالغثيان من منطقهم الذي يبرر التضحية من أجل العائلة.
“ثم ظهرت الأخت التوأم فجأة، أليس كذلك؟”
قالت داجون ذلك بسخرية.
“نعم، ظهرتِ فجأة.”
ردّ جي وون بنفس السخرية. فاشتدت قبضة داجون حتى صار لون كفّها أبيض. و لم تعد تطيق البقاء هناك لحظةً أخرى.
“سأبقى فقط حتى نهاية جنازة الجدة.”
“…….”
“وسأبقى حتى تنتهي عملية أمي فقط. التقيتُ بخطيب الأخت كما أردتم، ومن بعد ذلك ابحثْ عن أختي وأقنعها بنفسكَ.”
ورغم تصريحها القاطع، ظل وجه جي وون خاليًا من أي تعبير، لا إنكار ولا موافقة.
فتركته داجون ودخلت قاعة العزاء أولًا، ولم يدخل هو إلا بعد وقتٍ طويل من دخولها.
***
لم يحاول جي وون أن يمنع داجون من الرحيل. بل عرض بلطفٍ أن يوصلها بنفسه، لكنها رفضت، فتراجع بهدوءٍ غير متوقع.
“حين تستقر حالة الرئيسة، سأخبرها عنكِ فورًا.”
“افعل ما تشاء.”
أجابت بنبرةٍ حادة، لكنها في داخلها شعرت بالغرابة.
كان من المفترض أن يكون موقفها القوي صادمًا له، لكنه تراجع بسهولةٍ تامة، وهذا جعلها تشعر بالذنب قليلًا.
ثم أضاف أنه سيفي بوعده ويتكفّل بعملية نا لي سوك كما اتفقا، فشعرت داجون بالامتنان رغم كل شيء.
بالطبع، بعد هذه العملية، ستتحمل كل شيءٍ وحدها من جديد. لكن متى لم يكن الأمر كذلك؟ لطالما كانت هي ونا لي سوك وحدهما في مواجهة الدنيا.
“اختطاف؟”
تذكرت كلماته السابقة وضحكت بخفة.
يا لسخافة ما قاله! لا يقول مثل هذا إلا شخصٌ لا يعرف كم كانت نا لي سوك أمًا طيبة.
صحيحٌ أن الأمر ما زال يصدمها أنها أخذتها وتركَت أختها، لكنها أقنعت نفسها بأن لا بد أنّ لديها سببًا وجيهًا.
حين تستيقظ نا لي سوك وتتعافى، ستسمع منها القصة بنفسها. فلم ترغب في أن تحمل ضغينةً تجاهها وهي طريحة المستشفى.
و كانت فواتير العلاج تتزايد يومًا بعد يوم، لكنها أقنعت نفسها بأنها مجرد “عملٍ مؤقت” أدّته.
والآن بعد أن حصلت على ما يكفي لتخفيف الأزمة قليلًا، ستعود للعمل من جديد، وتواجه الحياة كما اعتادت دائمًا.
________________________
You can’t بعد كل ذاه بترجعين حياتس طبيعي؟ هاهاهاعا
بس لحظه هم قالوا كم عمرها؟ واختها صدق طقت عشانها تحب واحد ثاني؟
وجي وون هدوءه ذاه وراه شي هو حبيب بس خوباثه😭
المهم ترا تنزيل الروايه يوم ثلاث فصول يوم ولا فصل 😘
Dana
Chapters
Comments
- 5 - سأتوقف عن هذا منذ يوم واحد
- 4 - أول لقاء مع ذلك الرجل منذ يوم واحد
- 3 - جاء لرؤيتكِ منذ يوم واحد
- 2 - لأنكِ يجب أن تحضري كأختكِ منذ يوم واحد
- 1 - جنازة الجدة منذ يوم واحد
التعليقات لهذا الفصل " 5"