كان لقاؤها بهما محض صدفة. حين نزلت هوا يونغ متأخرةً إلى مرآب السيارات لتلتحق بعشاء فريق التصميم، رأت تشا شين وسايو يتوجهان إلى السيارة.
وقد تجمّدت دون أن تجرؤ حتى على مناداته، وهي تحدق في نظرة تشا شين نحو سايو كأنها أثمن ما في العالم.
وخلال تلك اللحظة كان قد غادر المرآب بسيارته.
وقفت هوا يونغ وحدها، مذهولة بلا حراكٍ لوقت طويل.
لم يكن واقع زواج تشا شين وسايو يتجسد في ذهنها إلا حين تراهما معًا، فتصفعها الحقيقة مثل ماءٍ بارد.
وظلت تحدق في الاتجاه الذي اختفيا إليه، ثم فجأة اتخذت قرارًا آخر، وعادت أدراجها نحو المصعد، متجهةٍ إلى ورشة التصميم في الطابق السفلي.
“لكن عندنا عملتُ معها، فهمتُ الأمر.”
“ماذا فهمتَ؟”
“لماذا اختارت أنطوان الأستاذة كيم.”
كانت كلمات هيونغي تنغرس في صدرها. أرادت أن ترى بعينيها كم هو مذهلٌ ذلك العمل الذي يصنعانه.
وبعد أن نزلت من المصعد ووقفت أمام باب الورشة، حدقت في الباب لحظة.
لم يسبق لها في حياتها أن حاولت التلصص على عمل غيرها. لكن ترددها لم يدم طويلًا، فأدخلت كلمة المرور بلا تهيّب.
بيب بيب بيب.
“هاه؟”
أدخلتها مجددًا، لكن تكرر صوت الخطأ مرة أخرى. بيب بيب بيب.
‘حتى الرقم غيّروه؟ لمجرد تلك الخيّاطة؟!’
اشتعل الغضب فيها كالنار المصبوبة بالوقود. وعجزت أخيرًا عن كبح غضبها، فأطلقت صرخةً هستيرية وبدأت تركل باب ورشة التصميم بعنف.
‘كيم سايو، كيف تجرؤين على اللعب بي.’
وفي تلك اللحظة، وبينما كان عقلها يتلاشى تحت سطوة الغضب، مرّت شظية ذكرى في رأسها فجأة.
“لكن حقًا، ألا تريدين أن تخبريني من هو ذلك الرجل الذي معكِ؟”
“قريبًا. سأريكِ بأسرع وقتٍ ممكن، لكِ أنت فقط.”
الرجل الذي قالت سايو انها ستريه لهوا يونغ وحدها.
أعادت هوا يونغ تصفّح الرسائل التي أرسلتها لها سايو عندما كانت في باريس. لم تخبرها باسمه بعد، لكنها قالت أنها ستريها إياه وحدها، وكانت هناك عدة صور ليد رجل وظلٌ ضبابي لجسده.
‹ما هذا. يبدو طويل القامة.›
‹نعم. إنه طويلٌ نوعًا ما.›
‹من هذه الصور لا أستطيع معرفة من هو. لماذا تخفينه حتى عني؟›
‹لا أستطيع الكشف عنه لأحدٍ بعد.›
وبينما تقرأ تلك الرسائل، غرقت هوا يونغ في التفكير
‘شخص لا تستطيع الكشف عنه بعد.…؟ من عساه يكون؟’
كانت سايو كثيرة التفكير وحذرةٌ في طبعها. كانت تثق بهوا يونغ وحدها، لكنها نادرًا ما تبادر بالبوح.
ورغم شعورها أحيانًا بالأسى، إلا أنها كانت تفهم ظروفها. ثم إن هوا يونغ نفسها كانت غارقة في العمل بباريس إلى حد لم يترك لها وقتًا للقلق بشأن رجل سايو.
كانت تريد اعتراف تشا شين بها. كانت تريد الوصول إليه. وكانت أيامها كلها تركض نحو ذلك فقط. ولهذا لم تُعِر رجل سايو اهتمامًا يُذكر حينها.
لكن الآن تغيّر كل شيء. لم تعد تستطيع تجاهل سايو، التي سخرت منها، بل وصارت تهدد مكانتها الآن.
‘إذاً حتى وهي تملك رجلًا خفيًا، تزوجت بأخي تشا شين.’
وماذا لو عرف تشا شين ذلك؟ أو عرفته عائلته؟
هدأ الغضب شيئًا فشيئًا عن وجهها، وحلّت محله سكينةٌ باردة، ثم ارتسمت ابتسامةٌ ماكرة على شفتيها.
***
حين عادت داجون إلى البيت بعد شراء ما يلزم للعشاء، تلقت فجأةُ اتصالًا من شين آي.
كانت بالقرب منهم، وقالت أنها تريد تناول العشاء معهم لترى تشا شين بعد عودته من السفر، ولتطعم زوجة ابنها التي تتعب كثيرًا.
وما إن وضعت داجون الأغراض في الثلاجة واستعدت للخروج إلى المطعم الذي ذكرته شين آي، حتى فوجئت بشخص غير متوقع يزور المنزل.
“هوا يونغ.…”
حيّتها داجون بدهشة، بينما ابتسمت هوا يونغ بهدوء.
“عاد أوبا من السفر بسلام، صحيح؟”
سألت وهي تنظر نحو تشا شين الذي خرج مع داجون.
“آه، ما الذي جاء بكِ؟”
“في الحقيقة، أنا التي طلبت من أمي أن تدعوكم للعشاء.”
“حقًا؟”
“لكن لماذا جئتِ إلى بيتنا؟ نحن أيضًا كنا سنخرج الآن.”
سألها تشا شين، فبدت عليها الحيرة.
“في الحقيقة، جئت لأطلب من سايو شيئًا.”
“منها؟”
نظرت داجون إليها باستغراب، فرفعت هوا يونغ جزءًا من فستانها لتريهما.
“أتلفته عن طريق الخطأ، وأحتاج ثوبًا أبدّله بسرعة.”
“آه.”
واحمرّ وجهها خجلًا، ثم قالت لتشا شين أن والدته وحدها وتطلبه أن يسبقهم إلى هناك.
فتبادل تشا شين النظرات مع سايو لحظة وهو يفكر.
“اذهب أنتَ أولًا. سآتي أنا وهوا يونغ بعد قليل.”
“حسنًا. سأسبقكما إذاً.”
قال تشا شين لهوا يونغ أيضًا إنه سيطلب الطعام أولًا، وطلب منها أن تأتي سريعًا، ثم غادر.
أما داجون، فصارت تفكر ما الثوب الأنسب لإعارته لهوا يونغ، بما أنهما متقاربتا الطول.
“لنجرّب شيئًا معًا.”
“سأذهب إلى الحمام أولًا.”
“آه؟ حسنًا.”
ورأت داجون هوا يونغ تتجه مسرعةً نحو الحمام، فتوجهت هي أولًا إلى غرفة الملابس.
***
لكن هوا يونغ غيّرت اتجاهها في منتصف الطريق واتجهت نحو غرفة النوم.
كانت نظراتها وهي تمسح المكان باردةً إلى أقصى حد.
خرجت بهدوء من الغرفة، ثم نظرت حولها قليلًا وفتحت باب المكتب. و عندما تأكدت من أن غرفة الملابس بعيدةٌ قليلًا، اندفعت إلى الداخل وقد حسمت أمرها. وعلى المكتب كان ملف أعمال سايو.
تلألأت عينا هوا يونغ ببرودةٍ حادة. و أخرجت هاتفها من حقيبتها، وبسطت مخططات التصميم على الطاولة، ثم بدأت تلتقط صورها واحدةً تلو الأخرى دون أن تفوّت شيئًا.
عندما انتهت هوا يونغ من التقاط كل الصور، اكتشفت حقيبة سايو الموضوعة فوق المكتب.
وحين فتشت الحقيبة لاح لها دفترٌ صغير. فأصغت قليلًا تتحسس إن كانت سايو على وشك الدخول، ثم فتحت الدفتر.
و كان داخلَه مرسومًا بدقة مسارُ تصور التصميم خطوةً بخطوة.
‘أأنتِ حقًا من صممتِ هذا؟ مثلُكِ أنتِ؟’
انفلتت منها ضحكةٌ ساخرة تلقائيًا.
ومع إدراكها أن الوقت يداهمها، بدأت تلتقط الصور بسرعةٍ ورقةً بعد أخرى.
و عندما همّت بإغلاقه بعد الانتهاء، توقفت فجأةً عند ملاحظة مذكرةٍ خلفية.
[ورشة العمل، 909033]
“الورشة.…؟”
في تلك اللحظة، دوّى صوت سايو تنادي هوا يونغ. وكان مصدر الصوت على ما يبدو من غرفة الملابس.
فأغلقت هوا يونغ الدفتر وأعادته إلى الحقيبة ثم خرجت مسرعةَ من المكتبة.
و عندما دخلت غرفة الملابس استقبلتها سايو بعد أن اختارت بعض الملابس.
“لقد اخترتُ عدة قطع، أيها تظنينه أنسب؟”
“اختاريها أنتِ لي.”
“أنا؟”
“نعم، أريد أن أرتدي ما ترينه مناسبًا لي.”
ترددت سايو قليلًا ثم اختارت واحدةً من بين القطع.
“بما أنكِ ذات تون بارد، أظن أن هذا اللون سيظهر عليكِ أفضل.”
قرّبت سايو الثوب من جسد هوا يونغ لتتأكد من مدى ملاءمته. أما هوا يونغ فكانت تنظر إليها بابتسامةٍ كأنها قناع.
“إذاً سأختار هذا.”
حسمت هوا يونغ الأمر من دون أن تتأمل الثوب جيدًا.
“سأرتديه اليوم وأعيده غدًا في الشركة.”
“لا داعي للعجلة، أعيديه متى شئتِ.”
“حسنًا، طالما أنكِ موافقة فهكذا سيكون.”
“إذاً اذهبي وبدّلي ملابسكِ، سأنتظركِ في الخارج.”
ناولتها سايو الثوب وهمّت بالخروج من غرفة الملابس، عندها باغتتها هوا يونغ بسؤال.
“بالمناسبة يا سايو!”
“نعم؟”
“ماذا حدث لذلك الرجل؟”
“ها؟”
تجمد وجه سايو التي كانت قد استدارت بهدوء. فاتسعت عينا هوا يونغ اتساعاً مؤلماً من شدة الفرح.
“أقصد الرجل الذي قلتِ أنكِ تحبينه.”
تلعثمت سايو تحت كلماتها البطيئة المتعمّدة ولم تستطع الرد.
“لقد أنهيتِ الأمر قبل الزواج، صحيح؟”
“….نعم.”
“بالطبع فعلتِ، فلا بد أنكِ لم تتزوجي تشا شين أوبّا قبل أن تُنهيه، أليس كذلك؟”
“أمم.…”
حاولت سايو أن ترسم شيئًا يشبه الابتسامة على وجهها المتصلب.
“إن كان كذلك فهذا جيّد، أنتما تبدوان رائعين معًا، وتبدين سعيدة.”
“نعم، شكرًا لكِ.…”
وأما سايو فقد تجنبت نظراتها، لعلها تُخفي ارتجاف عينيها.
“سايو!”
“نعم.”
صار صوت هوا يونغ هامسًا خافتًا.
“إياكِ أن يُكتشف الأمر، يا سايو.”
“ماذا؟”
“لو عرف أوبّا أن هناك رجلًا كهذا، فسيتأذى كثيرًا.”
“…….”
“كثيرًا جدًا.”
“…….”
رفعت سايو عينيها فجأة صوب هوا يونغ بعد أن كانت تائهة النظر طوال الوقت، وقد غدت نظرتها حادةً كأنها تحاول سبر نيتها.
‘يا للعجب، أتجيدين إطلاق مثل هذه النظرات يا كيم سايو؟’
ازدادت متعة هوا يونغ بتغير سايو. بينما ثبتت سايو بصرها عليها ثم تكلمت.
“لا يوجد رجلٌ يمكن أن يؤذي تشا شين.”
عندها التوت ملامح هوا يونغ بقبحٍ واضح.
“لا يوجد؟ ولكنكِ بالتأكيد-”
فقاطعتها سايو مؤكدة بنبرة حازمة.
“أقصد أنه على الأقل الآن لا يوجد.”
“…….”
“الجميع يخوض علاقاتٍ قبل الزواج، أنتِ أيضًا ربما مررتِ بعلاقة، وتشا شين بدوره لم أكن الأولى في حياته. ثم إن ذلك الرجل لم يكن من النوع الذي سيتعذب لأنني التقيتُ أحدًا قبله قبل الزواج.”
“…….”
“أقدر قلقكِ، لكنني بخير، فلا تشغلي بالكِ.”
كان وقع كلماتها أشبه بصفعةٍ موجعة.
لم تُحوّل سايو نظرها حتى تحت حدّة نظرات هوا يونغ الطاعنة. وبسبب جزمها، تملك هوا يونغ شعورٌ بالارتباك للحظة.
ذلك الرجل الذي قالت سايو أنها لأول مرة منحتْه قلبها.
أيمكن أن تُنهي أمره بتلك السهولة؟ كان ذلك غير قابل للتصديق.
لو كانت لا تعرف كيم سايو لقلنا ربما، لكنها تعرفها. لم تكن سايو من ذلك النوع.
ومع ذلك فإن نظرتها الثابتة غير المرتجفة كانت كفيلةً بأن تهز هوا يونغ نفسها.
“لنذهب الآن، لابد أنهما بانتظارنا.”
كانت سايو هي من استعادت هدوءها أولًا.
وحتى حين خرجت لتغيّر ملابسها بقي الاضطراب عالقًا في نفس هوا يونغ.
وعندما خرجت هوا يونغ بعد أن بدّلت ملابسها، غادرت سايو المنزل وكأن شيئًا لم يحدث.
كان في الأمر شيءٌ غير طبيعي.
‘أكانت هكذا فعلًا؟’
صارت سايو فجأةً غريبةً في نظر هوا يونغ.
عينان كانتا دومًا مبللتين بالفراغ والكآبة. وسلوكٌ يفيض بلا رغباتٍ ولا رغبة في شيء.
وحتى مهارتها في إصلاح الملابس كانت أمرًا مدهشًا، فضلًا عن رسومات التصميم التي رسمتها بمهارةٍ وفق ما طلبته أنطوان.
فهل هذه فعلًا سايو التي تعرفها؟ بدأ الشك يتسرب إلى قلبها.
‘هناك شيءٌ غير طبيعي.’
وفي طريقها إلى المطعم حيث شين آي وتشا شين، راحت هوا يونغ تسرق النظرات الخاطفة نحو سايو بعين حائرة.
ولعل قصة قصّ شعرها بدلت جوّها قليلًا أيضًا.
‘غريبة….غريبةٌ جدًا.’
غمرها إحساسٌ بأنها تفوّت أمرًا عظيمًا. لكنها لم تكن تملك أدنى فكرةٍ عما يكون.
________________________
يارب تعرف انها مب سايو وتخليها مع تشا شين وجعععععع
مع انها واضح تستس باحتراف مب مخليتها
بعدين ليه صورت؟ بتسرق التصميم بعد؟ مجنونه؟ وجعين
بعدين الرقم الي جنب ورشة العمل كان رمز الباب؟🤡 امسكوا هوا يونغ
التعليقات لهذا الفصل " 46"