تم تحديد جدول رحلة عمل تشا شين بشكلٍ مفاجئ. فحزمت داجون معه أمتعته لأسبوعٍ كامل.
في الحقيقة حاولت مساعدته، لكن كان من الصعب عليها اختيار أي الجوارب تأخذ، وأي ربطة عنقٍ تضع. و كان هو يختار، وهي تساعده في تغليف كل قطعةٍ على حدة.
وقد قال لها أن الأمر لا بأس به، لكنها أصرت بعنادٍ على المشاركة في تجهيز أمتعته.
“إذاً هذا هو الشعور. أن تقوم الزوجة بتجهيز حقيبة سفر زوجها.”
نظر تشا شين بنظرةٍ غامضة إلى داجون وهي تضغط الحقيبة وتغلقها بقوةٍ وحزم. وشعرت داجون بدورها بشعورٍ غريب عند سماع كلمة “زوجة” التي قالها.
و قبل سفره، أوصلها إلى الشركة ثم توجه إلى مطار إنتشون.
“سأتصل بكِ عندما أصل.”
وعندما لم يتبعه جونغ يول كما لو كان ظله كالمعتاد، شعرت داجون بشيء من الغرابة وسألته.
“ألن تسافر معه، السكرتير بارك؟”
“الرئيس قال لي أن أبقى وأعتني بالسيدة.”
“آه.”
وأضاف جونغ يول،
“قال أنه لا يثق بأحدٍ غيري.”
ولم يُخفِ فخره بذلك. فشعرت داجون بدفءٍ في صدرها لاهتمام تشا شين الدقيق بها وهي بمفردها.
أوصاها جونغ يول مرارًا أن تخبره إن واجهت صعوبةً أو احتاجت شيئًا. فابتسمت بخفة وقالت أنها ستفعل، ثم نزلت إلى المشغل في الطابق السفلي.
وكعادتها، رفعت شعرها بقلم التلوين واندفعت بكل تركيزٍ إلى العمل على أنماط التصميم. وفي أثناء ذلك، وصل هيونغي إلى العمل، ونظر بإعجابٍ إلى نمطي التصميم اللذين أنهتهما.
“التصميم أنثوي، لكن السيلويت رجولي.”
وأجابت داجون وهي تعمل على النمط الثالث.
“الأناقة الأنثوية تبرز بقوةٍ عندما تكون مانِشية. ويجب خفض النغمة اللونية ليظهر الطابع الإمبراطوري.”
“بهذا المعدل، سننتهي من النمط هذا الأسبوع.”
لم يُخفِ هيونغي دهشته.
“أريد أن أُسرع.”
كانت داجون ترغب في تقديم هديةٍ بقدرتها لمن وثق بها، تشا شين. أرادت أن تُنجز جزءًا من التصميم قبل عودته من رحلة اليابان.
“إذاً عليّ أن أسرع أنا أيضًا. القماش تم تحديده، المشكلة في الإكسسوارات فقط….”
قال هيونغي ذلك بصوت متحمس وهو يعود إلى طاولته.
حين انضم كمصممٍ مساعد لم تكن تتوقعه، كانت داجون قلقةً في البداية، لكنها مع الوقت أصبحت مرتاحةً للعمل معه.
كان ذكيًا في العمل وذو حسٍ جيد، والأهم أنه لم يكن متحيزًا في تعامله معها رغم أنها ليست مصممةً رسمية. وكانت تعلم أن ذلك لم يكن بالأمر السهل.
***
كم من الوقت مر؟ بعد أن سمحت لهيونغي بالانصراف أولًا، بقيت داجون تواصل العمل وحدها. ومع غياب تشا شين في رحلة العمل، الذي كان يخرج معها دائمًا، تأخر وقت انصرافها.
“سيدتي!”
و دون أن تسمع طرقًا على الباب أو تشعر بدخول جونغ يول، ناداها بصوتٍ أعلى.
“سيدتي!”
“نعم!”
عندها فقط استعادت داجون وعيها.
“لقد تأخرتِ.”
“سأنهي هذا فقط-”
فقاطعها جونغ يول على الفور.
“هذا أمرٌ من الرئيس بالعودة.”
“آه….”
يبدو أنه كان يتوقع أنها ستفرط في العمل إن لم يكن موجودًا. وعند سماعها أنه أمرٌ من الرئيس، استعادت رشدها كمن استفاق من سحر.
“تفضلي بالاستعداد والخروج.”
ودون أن تلاحظ الابتسامة التي ارتسمت على شفتي جونغ يول وهو يخرج أولًا، رتبت داجون طاولة العمل في النهاية.
وبعد أن أوصلها جونغ يول إلى البيت، دخلت داجون منزلًا غارقًا في الظلام وشعرت بالوحدة.
لم يمضِ حتى يومٌ واحد على سفر تشا شين، ومع ذلك شعرت بهذا الإحساس، فاستغربت من نفسها.
وبعد أن أنهت الاستحمام بجسدٍ مثقل، وردها اتصالٌ من تشا شين. فشعرت بفرحٍ حتى آلم صدرها.
[ماذا كنتِ تفعلين؟]
“كنتُ أستحم.”
[حقًا؟ هذا يعني أن دوامكِ تأخر اليوم، أليس كذلك؟]
و ترددت داجون قليلًا.
“نعم، قليلًا.”
[طلبتُ من جونغ يول أن يهتم بكِ، يبدو أنه قصّر في عمله.]
“لا، أبدًا. أنا من أردتُ العمل أكثر، لكنه أصر أن أعود.”
وبنبرة استعجالٍ دافعت عن جونغ يول، فضحك تشا شين بخفة.
[هل تقفين في صف رجلٍ آخر أمامي الآن؟]
و على عكس كلماته، كان صوته في غاية اللطف. فاحتضنت داجون ركبتيها وأسندت ذقنها عليهما براحة.
“السكرتير بارك مسموحٌ له.”
[آه~ هكذا تقولين إذاً، هذا محزن.]
قال ذلك بنبرةٍ لا توحي بالحزن أبدًا.
“قلتَ له أن يعتني بي، أليس كذلك؟ إنه صديقٌ تثق به.”
فضحك معترفًا.
[صحيح. هو زميلٌ أثق به كثيرًا وصديقٌ أيضًا.]
ارتفعت زاوية شفتيها قليلًا وهي تبتسم مثله.
[أنا أشتاق إليكِ.]
ساد صمتٌ قصير، ثم قال ذلك بصوتٍ خافت.
وكأنها كانت إشارة، إذ تسللت المشاعر نفسها إلى قلبها.
“وأنا أيضًا.”
[سيكون الأسبوع طويلاً.]
كانت داجون تشعر بالمشاعر نفسها أيضًا. كان أسبوعٌ من دونه يبدو طويلًا للغاية.
استمرت المكالمة بينهما. و راح يحدّثها عمّا مرّ به يومه منذ وصوله إلى اليابان، وكانت داجون تُنصت باهتمامٍ لحديثه العابر وتبتسم بهدوء.
لم تلقِ هي ولا تشا شين بالًا إلى كم طالت المكالمة. وبينما لم تستطع إنهاء الاتصال، راحت تُنصت إلى صوته الدافئ، ثم غفت دون أن تنتبه متى حدث ذلك.
***
حالما وصل إلى العمل، انطلق هيونغي بسرعةٍ خاطفة نحو غرفة العمل في القبو وكأنه يُخبّئ فيها عسلًا، فنظرت إليه هوا يونغ بضيق.
و عندما تبعته حتى المصعد في النهاية، رفع هيونغي حاجبيه كأنه يتساءل عن سبب تصرّفها.
“آه، لماذا؟”
“إلى أين وصل العمل؟”
“هل تبعتِني فقط لأنكِ فضولية؟ ظننتُ أنكِ مهتمةٌ بي قليلًا.”
اشتعل غضبها فصاحت بحدة، فهزّ هيونغي رأسه ساخطًا وكأنه لا يرغب حتى في التعامل معها.
“أظن أن النمط سيكتمل خلال هذا الأسبوع. اكتفيتِ الآن؟”
“كاذب!”
انساب ما في قلبها مباشرةً إلى لسانها.
“ولِمَ تظنين أني أكذب! إنه حقيقي!”
“أليس كذلك؟ مجرد شخصين فقط يعملان على المشروع، ثم إن كفاءة أحدهما حتى الآن لم تُثبت بعد.”
“لم تُثبت كفاءته، إذاً.…”
“هل كلامي خاطئ؟”
“حسنًا، في العادة هكذا يظنّ الناس.”
‘هل يعني أنه هو أيضًا يفكّر كذلك؟’
شعرت هوا يونغ بقليلٍ من الراحة. غير أن هيونغي هزّ كتفيه وأكمل حديثه.
“لكن عندما عملتُ معها، فهمتُ الأمر.”
“فهمتَ ماذا؟”
“لماذا اختارت أنطوان الأستاذة كيم.”
“الأستاذة كيم؟”
في تلك اللحظة وصل المصعد.
“إذًا، أستأذن.”
قال هيونغي ذلك بنبرةٍ مستفزّة واختفى داخل المصعد. لرمقته هوا يونغ بنظرةٍ مذهولة.
صحيحٌ أن فريق التصميم لم يكن بطيئًا، لكن لا يمكن مقارنة سرعتهم بما ذكره هيونغي.
بل وفقط شخصان؟ لم تستطع أن تصدّق أن سايو، التي لا تملك حتى معرفةً كافية في التصميم، تعمل بهذه السرعة.
طبعًا قد يكون سريعًا بلا جودة. لكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟ ماذا لو كانت أنطوان قد أدركت فعلًا كفاءتها؟
شيءٌ ما واصل استفزاز داخلها. و عندما عادت إلى غرفة التصميم، رأت ها كيونغ وأعضاء الفريق يسرعون نحو غرفة الاجتماعات.
مهلة الشهر التي طرحتها أنطوان وضعت فريق التصميم في حالة استنفار. ومع اضطرارهم كذلك إلى التنافس مع سايو، تحوّل هذا الصراع إلى مسألة كبرياء.
“ما الذي تفعلينه؟ ادخلي.”
قالت ها كيونغ ذلك، وكانت آخر من يدخل غرفة الاجتماعات، وهي تتوجه بالكلام إلى هوا يونغ.
“يقولون أن النمط سينتهي هذا الأسبوع عندهم!”
فضحكت ها كيونغ بسخرية.
“المهم ليس السرعة بل درجة الاكتمال.”
ثم توقفت قبل أن تدخل، والتفتت بجدية إلى هوا يونغ.
“دعيهم وشأنهم. لنركّز على عملنا نحن.”
“لكن على لسان يو هيونغي، يقول أنها مدهشة.”
“ماذا تقصدين؟”
“يقول أنه صار يفهم لماذا اختارت أنطوان عملهم.”
فتقلّص وجه ها كيونغ واشتعل بريقٌ في عينيها.
“حتى أنتِ يا هوا يونغ؟ لماذا تتصرفين هكذا.”
“في حال….مجرد في حال حدث فعلًا واختارت أنطوان عملهم، فسيكون ذلك إهانةً لنا.”
“لن يحدث هذا. لن أسمح أن يصل الأمر إلى ذلك الحد.”
حدّقت ها كيونغ إليها بقوة، وكأن من تقف أمامها ليست هوا يونغ، بل سايو نفسها.
وكانت هوا يونغ تشعر بالمشاعر ذاتها. لن تسمح بهذا أبدًا. لن تسمح بانهيار كبريائها هي أيضًا بعد تشا شين.
“صحيح. أنا أيضًا لن أسمح بذلك.”
عندها فقط ابتسمت ها كيونغ برضًا.
“الآن فقط قلتِ ما يرضيني.”
“كنتُ أريد أن أعرف ما في قلبكِ. لا تقلقي. لن يكون الأمر كبيرًا….مجرد خيّاطة.”
“هذا ما قصدته.”
وأثناء دخولها غرفة الاجتماعات، تلألأت عينا هوا يونغ وكأنها عقدت عزمًا على شيءٍ ما.
***
“وماذا عن الأزرار والسحّابات؟”
رفع هيونغي إصبعيه مشكّلًا علامة النصر وهو يبتسم.
“الدفعة الأخيرة، حصلتُ عليها كلها. فالمكوّنات المستوردة يجب تأمينها حين تكون متاحة.”
“وجودكَ معي يبعث على الاطمئنان فعلًا يا هيونغي.”
“طبعًا. اتركي كل شيءٍ لي بثقة. يو هيونغي من غير الثقة لا شيء.”
فانفجرت داجون ضاحكة من خفّة ظلّه.
“آه، لكن….أستاذة كيم.”
ثم تغيّر صوته المرح فجأة إلى نبرةٍ حذرة.
“نعم.”
“يقولون أن اليوم هو عشاء فريق التصميم الجماعي. وقد طلبوا مني أن أشارك معهم.”
“سمعت ذلك قبل قليل من السكرتير بارك. انصرفْ مبكرًا اليوم.”
“أعتذر.”
حكّ هيونغي رأسه، ثم همَّ بالذهاب قبل أن يعود أدراجه.
“أستاذة كيم!”
“نعم.”
وحين رفعت عينيها عن طاولة العمل ونظرت إلى هيونغي، ابتسم ابتسامةً لطيفة.
“عندما ننهي هذا، فلنقم نحن أيضًا بعشاءٍ جماعي.”
“حسنًا. عندما ننتهي سنقيم عشاءً جماعيًا.”
“نعم! إذاً أراكِ غدًا.”
وبمجرد أن فتح باب الورشة ليخرج، فتح جونغ يول الباب ودخل في اللحظة نفسها.
“آه! هل لديكَ عملٌ طارئ؟”
“لماذا لستَ في العشاء الجماعي؟”
“أنا في طريقي الآن، إلى العشاء.”
وبينما كان جونغ يول يراقب هيونغي وهو يخرج، تذكّر فجأةً سبب مجيئه ونادى على داجون.
“سيّدتي!”
“نعم.”
“السيد الرئيس في طريقه إلى هنا.”
في تلك اللحظة، هبط قلب داجون بعنف. و تلاشت هيئة تركيزها في العمل.
منذ أن سمعت بأن تشا شين قادم لم تعد قادرةً على الإمساك بعملها. و ظلت تلمس القماش الذي كانت تعمل عليه ثم تتركه وتعود إليه مرارًا باضطراب.
لم يكن إلا أسبوعًا واحدًا، لكنه كان أطول فراقٍ منذ زواجهما. وعلى الرغم من أنهما كانا يتحدثان كل ليلة، إلا أن الشوق لم يهدأ بسهولة.
وبينما هي على تلك الحال، فُتح الباب ودخل تشا شين. و كانت داجون واقفة بهدوء أمام دمية القياس. فنظر جونغ يول إليهما تناوبًا ثم ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على شفتيه.
“إذاً، أستأذن.”
“إلى أين تذهب؟”
“سأنصرف. انتهى الدوام.”
أجاب جونغ يول بطباعه المعتادة.
“ومن قال أنكَ تستطيع الانصراف؟”
“وقت الانصراف قد مضى بالفعل.”
انحنى جونغ يول تحيةً قصيرة لداجون ثم خرج وهو يبتسم وأغلق الباب خلفه. فنظر تشا شين إلى جونغ يول المنصرف وضحك بخفة، ثم عاد واستدار نحو داجون.
وفي تلك اللحظة، لم تستطع داجون أن تتمالك نفسها أكثر، فألقت بنفسها بين ذراعيه. لم تدرك حتى أنها ارتمت عليه من تلقاء نفسها.
وفي البداية بدا تشا شين متفاجئًا، لكنه سرعان ما أحاط كتفيها بذراعيه.
التعليقات لهذا الفصل " 45"