4
‘جاء لرؤيتي؟ إذًا، هل من الممكن أن هذا الرجل..…؟’
حين تلوّنت عينا داجون بالارتباك وهي تلقي التحية بخجل، أمسكها جي وون بقوةٍ من ذراعها.
“مر وقتٌ طويل منذ آخر لقاء.”
عند تحية داجون له، رد الرجل بابتسامةٍ خفيفة وبإيماءةٍ بسيطة من عينيه.
“هل قولكِ أننا لم نلتقِ منذ مدة طويلة هو نوعٌ من اللوم لأنني لم أتواصل معكِ خلال تلك الفترة؟”
“لـ، لا يمكن أن يكون كذلك.”
بحسب ما سمعته داجون من جي وون في السيارة، فقد قال أنهما التقيا قبل نحو شهر، فهل هناك خطأٌ ما؟
شعرت داجون أنها قالت شيئًا غير مناسب فارتبكت، لكنه سرعان ما حوّل نظره إلى جي وون.
“لم آتِ خصيصًا لأرى الآنسة كيم سايو.”
“نعم، نشكركَ على قدومكَ رغم انشغالكَ.”
لم يتبادل الرجل سوى بضع كلماتٍ شكلية مع داجون، ولم يبدو مهتمًا بها.
وحتى الأحاديث التي جرت بينه وبين جي وون كانت رسميةً ولم يكن هناك مجالٌ لتدخلها. وبالطبع، لم تكن تنوي التدخل أصلًا.
“رأيتها عدة مراتٍ في حياتها، للأسف.”
“لقد كانت تعاني من مرضٍ مزمن منذ وقتٍ طويل.”
بينما كانت داجون تقف في المنتصف متوترةً لا تدري ماذا تفعل، أشار جي وون بخفةٍ إلى غرفة العائلة الخاصة (VIP) التي لا يُسمح بدخولها إلا للأقارب.
“لا تذهب هكذا، اشرب كوب شايٍ مع سايو قبل أن ترحل. لو لم تتوفَ جدتها فجأة هكذا، لكان الحديث عن الخطوبة قد بدأ بالفعل، أرجو المعذرة.”
“مـ، ماذا؟ شاي؟”
نظرت داجون إلى غرفة العائلة التي أشار إليها جي وون، ولم تكن حتى تعرف بوجودها. و لم تستطع إخفاء صدمتها من جرأته على تركها وحدها مع الرجل.
“لا تهتموا بالأمر.”
حين فهمت داجون رده على أنه رفض، أطلقت تنهيدةً خفية من الارتياح. بدا وكأنه قالها لمجرد المجاملة، وهو ما أراحها كثيرًا.
“إن كان الأمر كذلك، فربما نلتقي في وقتٍ آخر. شكرًا لقدومكَ.”
ابتسمت داجون دون وعيٍ ابتسامةً مشرقة وهي تسارع لتوديعه.
بدا لها أن جي وون عبس للحظة، لكنها فكرت أن سايو ربما كانت لتقول شيئًا مماثلًا.
كانت تبتسم، لكن في داخلها كانت تردد: “اذهب بسرعةٍ، أرجوكَ.”
عندها ارتفع حاجباه قليلًا.
“بالطبع، يجب أن نلتقي في المرة القادمة أيضًا.”
“في المرة القادمة؟”
كانت هناك كلمةٌ أزعجتها، لكنها لم تشك بشيء بسبب خصوصية الموقف في جنازة الجدة.
“اتصلي بي لاحقًا.”
“بدلًا من الانتظار، يمكنكَ أنتَ أيضًا أن تبادر بالاتصال.”
قالت ما فكرت به دون أن تتذكر أنها تمثل شخصية غيرها.
رفعت رأسها ونظرت إليه دون قصد، وفي تلك اللحظة فقط أدركت خطورة الموقف. ففي عيني الرجل التي كانت خاليةً من المشاعر سابقًا، ومضت شرارة اهتمامٍ خفيفة، وارتسمت ابتسامةٌ طفيفة على شفتيه.
ربما كانت ساذجةً حين وافقت على لعب دور أختها التوأم. مهما كانتا توأمين، فقد عاشتا حياتين مختلفتين تمامًا.
كل ما كانت تعرفه أن سايو لم تكن تتحدث كثيرًا، ولهذا اكتفت داجون بالصمت والوجه الحزين داخل قاعة العزاء.
لكن ما إن رأت هذا الرجل، حتى اجتاحها شعورٌ قوي بأن الأمور لن تكون بهذه السهولة.
شدّ جي وون قبضته قليلًا على ذراعها، وكأنه يقول لها ألا تتصرف من تلقاء نفسها.
لقد أساءت التقدير. حتى وإن كانت سايو قليلة الكلام، فهل كانت لتصمت إلى هذا الحد؟
نظرةُ تشا شين الغامضة جعلت داجون تشعر بارتباكٍ شديد.
“لنشرب الشاي.”
اتسعت عيناها بدهشة، متسائلةً إن كانت قد سمعت خطأ.
“إن كان الأمر للحظاتٍ فقط، فلا مانع لدي. ماذا عنكِ يا آنسة سايو؟”
تفاجأت بشدة لدرجة أنها التفتت فورًا إلى جي وون. وبدا جي وون، مراعيًا لوجود تشا شين، وكأنه أخٌ لطيف، إذ أومأ بابتسامةٍ هادئة.
“اذهبي قليلًا يا سايو.”
كان هذا منعطفًا جديدًا تمامًا.
أصبحت أفكار داجون بيضاء تمامًا. فهي لا تستطيع أن تبقى صامتةً في لقاءٍ منفرد معه.
ارتبكت إلى حد الجنون، ونظرت مرةً أخرى إلى جي وون، ثم إلى تشا شين المقابل.
كان له حضورٌ مختلف، يثير التوتر بطريقةٍ غريبة، ويغرز شيئًا يشبه الوخز في صدرها.
عضّت شفتها السفلى من التوتر، فالتقت عيناها بعينيه. وفجأة، مبض قلبها بقوة وسقط شعورها بالثبات.
لولا أن هذا اللقاء في مكان كهذا، لكانت نظرتها قد سُحبت نحو ملامحه الدقيقة وجسده الرجولي الأنيق. فبصراحة، كان رجلًا وسيمًا للغاية.
و ربما شعر باضطرابها، إذ ومض شيءٌ خفي في عينيه الباردتين.
كانت هناك لمحةُ عاطفةٍ خفيفة في سلوكه اللطيف قبل أن تختفي مجددًا، مما جعل داجون تشعر بخوفٍ لا تعرف سببه.
و أدركت حينها أنها وطأت أرضًا خطيرة.
تحدّث تشا شين بلفظٍ واضح وصوتٍ هادئ،
“الآنسة كيم سايو.”
“نـ، نعم..…؟”
ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ ساحرة.
“أرجو أن ترشديني.”
اسم الرجل الذي كان يُقال أن الحديث عن الخطوبة معه جارٍ، هو هان تشا شين.
وكان هذا أول لقاءٍ بينهما.
***
كان تشا شين يبدو فعلًا كمن جاء فقط ليشرب الشاي، إذ لم ينبس ببنت شفةٍ أثناء ذلك.
ورفعت داجون فنجانها بيدٍ مرتجفة تتظاهر بالشرب بدورها.
قال أنه لقاءٌ شكليٌ واحد فحسب، لكنها لم تفهم مطلقًا على أي أساس وثق جي وون وتركها وحدها معه. و لم تستطع تصديق أن جي وون اتخذ مثل هذا القرار.
خلال وقتٍ قصير، كانت رأس داجون الصغير يعمل بسرعة.
أن يتركها جي وون وحدها مع تشا شين دون أي خطة احتياطية، لا بد أن ذلك يعني أن تشا شين لا يعرف الكثير عن سايو.
وإن كانت لقاءاتهما السابقة تقتصر على الاجتماعات العائلية، فالأرجح أنهما لم يمضيا وقتًا طويلًا معًا. ويمكن استنتاج ذلك أيضًا من سلوكه المهذب والمتحفظ.
وبما أن أختها التوأم سايو كانت قليلة الكلام عادة، فقد خمّنت داجون أنه ربما لم يتبادلا الكثير من الأحاديث.
وبينما كانت تحاول فهم نية جي وون، حرصت في الوقت ذاته على ألا تُظهر أي ارتباكٍ على وجهها.
“لقد قصصتِ شعركِ.”
رفعت داجون رأسها عند سماع كلام تشا شين المفاجئ.
و الآن فقط تذكرت أن سايو في الصور كانت بشعر طويل. فلمست أطراف شعرها القصير الذي لا يصل إلى كتفيها، وقد بدا لها أقصر من المعتاد.
“هذا الطول يليق بكِ أيضًا.”
كانت على وشك الرد، لكنها غيّرت رأيها واكتفت بابتسامة.
قررت أن تقلل كلامها قدر الإمكان. فهي قد أجابت بابتسامة، ولا حاجة لكلماتٍ إضافية.
فالمحادثة تطول حين يتبادل الطرفان الحديث، لكن حين يكون الرد فاتراً، سرعان ما يعجز الطرف الآخر عن إيجاد ما يقوله.
“هل أزعجكِ وجودي؟”
سألها تشا شين حين اكتفى برؤية ابتسامتها دون أي كلمة.
لم يسبق لها أن التقت بسايو، لذلك لم تستطع حتى تخيّل كيف كانت ستتصرف في مثل هذا الموقف. و كل إجابةٍ تتطلب منها الكثير من التفكير، وهذا أرهقها.
بعد طول تردد، تمتمت أخيرًا،
“ليس من السهل الشعور بالارتياح التام.”
كانت إجابةً صادقة إلى حدٍ ما، أو بالأحرى، لم يكن من الممكن أن تشعر بأكثر من هذا القدر من الانزعاج.
هي ترتدي ثوب الحداد الأسود، وتجلس في غرفة مغلقة مع رجل وسيم تراه للمرة الأولى في حياتها.
وفوق كل ذلك، لم يكن الرجل المقابل ممن يمنحون شعورًا بالراحة، بل كان ذا تهذيب ظاهر يخفي خلفه حدةً في النظرات وغموضًا في النبرة.
لولا عملية أمها لي سوك، لكانت غادرت المكان فورًا، وهذا كان شعورها الصادق.
“هذا مطمئن.”
“مطمئن؟”
قالت داجون ذلك بدهشة، وقد ارتفع صوتها دون وعي.
“لأنكِ تفكرين بي، فهذا يعني أن البداية جيدة.”
“هل يقصد أنه جادٌ في موضوع الخطوبة؟”
فكرت داجون بقلق، فهي لا تؤدي هذا الدور إلا إلى أن تظهر سايو الحقيقية، لذا يجب ألا تُظهر الكثير من نفسها أمامه.
حتى الابتسام بلا سبب صار أمرًا مترددًا فيه، فهي لا تعرف طبيعة سايو الحقيقية.
كانت تتمنى لو يغادر الآن، لكن تشا شين لم يُبدِ أي نية لذلك. بل نظر إليها بابتسامةٍ هادئة، كما لو كان يستمتع بالوضع.
فرأت داجون أنه لا بد أن تُنهي اللقاء بطريقةٍ مهذبة.
“ألستَ…..مشغولًا؟”
كانت تلك طريقتها اللطيفة في إخباره أن يرحل. لكن جوابه جاء غامضًا بعض الشيء، فلم تعرف إن كان فهم قصدها أم لا.
“أنا مشغول.”
“إذًا ربما عليكَ أن-”
“لكنني جئتُ رغم انشغالي، بعد أن خصصت وقتًا لذلك.”
وماذا يُفترض بها أن تفعل الآن؟
عضّت داجون شفتها السفلى بقوة.
***
كان تشا شين يراقب سايو، التي كانت تعبث بكوب الشاي بإصرار، بنظرةٍ خالية من التعبير.
كيم سايو — لم يستطع أن يحدد تمامًا السبب، لكن الفتاة التي رآها اليوم بدت مختلفةً عن انطباعه الأول عنها.
في المرة السابقة، تناولا وجبةً معًا على سبيل الواجب ثم افترقا، وكان لقاؤهما آنذاك باهتًا حدّ الملل.
وجهها كان جميلًا إلى حدٍّ ما، لكنه لم يكن شيئًا مميزًا بالنسبة له؛ فحولَه نساءٌ أجمل منها كثيرًا.
هل ينبغي وصفها بالمهذبة؟ أم بالمنطوية؟ على أي حال، لم يكن في سايو ما يثير اهتمامه. كانت مجرد شريكةٍ مناسبة اختارتها العائلتان، لا أكثر ولا أقل.
ويبدو أن سايو بدورها لم تكن تبدي اهتمامًا خاصًا به، فلم تسأله شيئًا، ولم تُظهر سوى دهشةٍ خفيفة عندما رأته للمرة الأولى، ثم عادت لوجهها الخالي من التعابير.
التقيا لقاءً رسميًا قصيرًا ثم افترقا سريعًا، وها هو اليوم يراها من جديد.
كان ينوي الاكتفاء بتحيةٍ بسيطة والانصراف، لكن شيئًا فيها أثار حواسه على نحوٍ غامض.
لم يعرف ما هو بالضبط، لكنه شعر أن تلك المرأة التي بدت باهتةً بلا لون في لقائهما الأول، أصبحت اليوم وكأنها اكتسبت لونًا جديدًا.
كانت هي نفسها، لكنه شعر بأنها مختلفةٌ بشكلٍ غريب.
“سنلتقي كثيرًا في المستقبل، لذا علينا أن نعتاد على بعضنا.”
“نـ، نعم، أعتقد ذلك؟”
كانت تتردد في كل إجابة، تحرك عينيها بتوترٍ وكأنها تبحث عن الكلمات المناسبة.
ورغم أنه لم يكن لديه ما يقوله حقًا، إلا أن رغبةً خفية في استفزازها جعلته يبقى جالسًا عمدًا. وبما أنه الضيف، لم يكن بوسعها مغادرة المقعد أولًا.
كانت تبدو في غاية الانزعاج، تعدّل جلستها مرارًا وكأنها لا تجد مكانًا مريحًا، ثم سألت فجأةً وكأن فكرةً ما خطرت ببالها،
“هل ترغب في كوب شايٍ آخر؟”
“لا، لا حاجة لذلك.”
بدت على وجهها لمحةٌ خفيفة من الارتباك، وكأنها لم تتوقع رفضه.
“أعني…..كم من الوقت تودّ أن أخصّصه لكَ؟”
“هاه؟”
رغم ملامحها الجادة، كانت عيناها مضطربتين لا تهدآن لحظةً واحدة.
لم يعرف تشا شين سبب هذا الاضطراب الغريب، لكنه بدأ يشعر بالفضول حيالها.
منذ دخولهما غرفة العائلة لم يمضِ وقتٌ طويل، لكنها أظهرت خلالها تعابير وجه تتراوح بين الفرح والاضطراب.
“متى يمكنني التواصل معكِ مجددًا؟”
قال ذلك وهو يراعي أجواء الجنازة، معتبرًا سؤاله نوعًا من اللباقة، لكنها بدت مترددةً في الإجابة كأنها تواجه معضلةً معقدة.
“هل عليَّ أن أتصل أنا أولًا؟”
“سيكون ذلك أفضل.”
“حسنًا، سأتواصل معكَ أنا إذاً.”
“جيد.”
نهض تشا شين من مقعده وهو ينهي الحديث، فبادرت سايو بالوقوف أيضًا.
“سأنصرف الآن.”
“آه…..”
بدا على وجهها للحظةٍ بريقُ ارتياح، لكنها سرعان ما أخفته بعناية، محاولةً محو أي أثر للمشاعر.
كان تشا شين يتساءل كيف يمكن لامرأةٍ تُظهر هذا الكم من التعابير المختلفة أن تبدو بلا لون أو حياة في لقائهما الأول.
لم يكن لديه وقتٌ ليطيل البقاء، ورغم رغبته في مراقبتها أكثر، فقد كان يعلم أن التواجد طويلًا في مجلس عزاء ليس تصرفًا لائقًا.
و كان وقت شرب كوبٍ من الشاي كافيًا.
_________________________
البطل كاريزما كان بغير اسمه حسيت كأنه صيني بس آنا تقول كذا عادي ذاه اسم كوري وخليته😂
داجون تجنن يعني شافته وسيم وحلو بس ماقالت وناسه بكمل التمثيل دام ذاه خطيبي عاقلة بنتي😔
اما جي وون توك شايفها تتبوسم ليه تخليهم لحالهم؟😭
المهم واضح تشا شين بيقعد يقول واو مثيرة للفضول لين يطيح✨
Dana
Chapters
Comments
- 5 - سأتوقف عن هذا منذ يوم واحد
- 4 - أول لقاء مع ذلك الرجل منذ يوم واحد
- 3 - جاء لرؤيتكِ منذ يوم واحد
- 2 - لأنكِ يجب أن تحضري كأختكِ منذ يوم واحد
- 1 - جنازة الجدة منذ يوم واحد
التعليقات لهذا الفصل " 4"