وبينما تركض سايو داخل زقاقٍ ضيق مليءٍ بمحلات تفصيل الملابس، كان تشا شين يتلفت حوله بذهول، وكذلك جونغ يول الذي ترك الصندوق في السيارة ولحق بهما بالسرعة نفسها.
“هل هذا هو المكان الذي قصدتهِ يا سايو؟”
كانت سايو تركض وتركّز نظرها إلى الأمام فقط.
“ما زال علينا التقدم قليلًا.”
لم يفهم تشا شين من أين يأتيها كل هذا اليقين، وظل ينظر إليها بحيرة.
ثم التفتت سايو فجأةً نحوه.
“هيا أسرع.”
لم تُبطئ سرعتها قط.
و التقت نظرات تشا شين بنظرات جونغ يول للحظة، وكان فيهما القلق نفسه. بدا جونغ يول في حال لا تختلف كثيرًا عنه.
‘حسنًا….سنرى ما يحدث.’
بعد أن وصلوا إلى منتصف الزقاق، ضاق صدر تشا شين فسألها،
“إلى متى سنظل نمشي؟”
“لم يبق الكثير.”
في تلك اللحظة، أخرجت امرأةٌ رأسها من داخل أحد المحلات، وما إن رأت سايو حتى اتّسع وجهها بابتسامة.
“داجون؟”
‘داجون؟’
لكن سايو لم ترد، وواصلت الركض.
ظن تشا شين أن المرأة خلطت بينها وبين أخرى. لكن ما أثار استغرابه أنّ أشخاصًا آخرين في المحلات المجاورة أظهروا رد الفعل نفسه تمامًا عندما رأوا سايو.
ثم دخلت سايو متجرًا كُتب على لوحته بخط يدوي بسيط: “سونهـي للإصلاح”. فعبس تشا شين بوضوح.
هل ركضوا كل هذا الطريق….من أجل محل يبدو بائسًا كهذا؟
“داجون.…! هه!”
ظهرت المرأة – التي بدت في أواخر الثلاثينيات – بابتسامةٍ واسعة حين رأت سايو، لكنها صفعت فمها بخفة وكأنها تداركت خطأها.
“ما الذي أقوله….هه.”
نظرت المرأة إلى تشا شين وجونغ يول بنظرةٍ مترددة.
ثم تحدّثت سايو،
“كما شرحت لكِ في الرسالة، الأمر مستعجل.”
“حسنًا. لكن ستشرحينه لي لاحقًا، مفهوم؟”
أومأت سايو. وفي تلك اللحظة، تعالت الأصوات خارج المحل.
“قالوا أن داجون جاءت؟”
كان صوت تجمّع للناس. ولم يعد هناك مجال للشك. كانوا ينادون سايو باسم “داجون”.
فأعطت سونهي إشارةً لمساعدتها، التي خرجت بسرعةٍ لتفريق الناس. أما تشا شين فوقف مذهولًا، لا يفهم شيئًا.
فيما كانت سايو غير آبهة، وبدأت تفرد الفستان الممزق على طاولة العمل.
“فلنبدأ بهذا.”
أشارت إلى الجزء الممزق،
“يجب إصلاح هذا الجزء بالكامل أولًا.”
فتجلّى القلق على وجه سونهي.
“ليس سهلًا….أبدًا.”
بدا الإحباط على وجه تشا شين فور سماع ذلك، لكن سايو بقيت ثابتة.
أمسك الفستان بلا وعي، ونظر إليها مذهولًا، فتقدمت نحوه وهي تحمل مقصًا صغيرًا.
“اجلس هناك وافكّ الخياطة.”
“لا، هذا أنا.…”
حاول جونغ يول التدخل، لكن تشا شين رفع يده إشارةً له بالتوقف.
“كيف أفكّه؟”
فتحوّلت ملامح سونهي في الحال إلى ملامح ضيق.
“أه؟ ألا تستطيع فعل ذلك؟ هكذا! هكذا تمامًا!”
أرَت سونهِي له الطريقة في النهاية بالمقص الصغير.
“آه، هكذا….هكذا.”
وحين بدأ تشا شين يفكّ الغرز المؤقتة بمهارةٍ ركيكة، ارتسمت على شفتي سونهِي ابتسامة رضا.
“هكذا، أيها العارض! أنتَ بالفعل تستحق وجهكَ.”
فنظر جونغ يول إلى تشا شين كأنه لا يصدق ما يحدث. غير أن ذلك لم يدم طويلًا؛ إذ ألقت سونهِي عملًا على جونغ يول أيضًا.
“أنتَ أيضًا اجلس.”
“نعم؟”
وسرعان ما اعتاد تشا شين الأمر وصار أكثر هدوءًا تجاه جونغ يول.
“تقول لكَ أن تجلس.”
ما إن جلس جونغ يول بوجهٍ مكفهر حتى رمت إليه سونهِي صدرة هانبوك.
“ترى هذا الجزء الممزق؟ أكمل نزعه. وإن لم تعرف، فتعلم من هذا الأخ بجانبكَ.”
وبما أن حتى تشا شين صار ينزع الغرز المؤقتة بانصياع، لم يستطع جونغ يول أن يرفض.
“نعم.…”
وبتأنٍ بدأ جونغ يول أيضًا ينزع الغرز المؤقتة.
كان المشهد ممتعًا لسونهِي؛ رجلان ضخمان، في هيئةٍ أنيقة، يجلسان في زاوية الدكان ينزعان غرز فستان نسائي وصدرة هانبوك.
ثم أشارت بغضبٍ إلى جزء من الفستان الذي أُصلح.
“لكن من الذي لمس هذا؟ لقد فُعل بالقدم، بالقدم.”
نظر تشا شين فجأة إلى الغرز التي ينزعها بعدما سمع تقييمها الصريح.
كانت هوا يونغ هي من أصلحت فستان السيدة. وهي من أكثر المصممات كفاءةً في شركة هانشين للموضة.
وقد عادت حديثًا من فرع باريس، وأول ما قامت به بشكلٍ غير رسمي كان إصلاح فستان السيدة الفرنسية.
وبينما كان يحدّق في الفستان بمشاعر مختلطة، فُتح باب الدكان فجأة. و دخلت امرأة تحمل قماشًا وأخرى تحمل دانتيلًا، و عندما رأتا سايو ابتسمتا بسعادة.
“يا إلهي، من هذه؟!”
“يا للعجب، داجون-”
لكن سونهِي طردتهما فجأة وهي تكمّم أفواههما كأنما تطردهما من عالمها نفسه.
“أف، ما أشد الضجيج!”
“ما بكِ، أيتها الأخت!”
“بلا كلامٍ زائد، اخرجا. حسناً؟”
“لماذا! لماذا تفعلين هذا؟ على الأقل لنسلّم على داجون- امف!”
وابتعد صوت المرأتين المقتادتين وهما لا تفهمان شيئًا.
وخلال ذلك كله ظلت سايو مركّزةً على الفستان بلا أي اضطراب.
وضعت الفستان على طاولة العمل وبدأت تتفحصه بدقة.
كانت كل الأجزاء التي أصلحتها هوا يونغ قد أُزيلت. وبعد أن تأملت الفستان قليلًا، أخذت المقص وقصّت القماش بلا تردد.
شهق تشا شين من شدة الذهول. وتجمّد جونغ يول أيضًا، متوقفًا عن نزع غرز الهانبوك. لكن سايو لم تتوقف.
خاطت القماش الجديد، ثم قامت بالغرز اليدوية. و كانت حركتها بلا ترددٍ وسريعة.
وراحوا يراقبون تحول الفستان بين يديها كما لو أنهم يشاهدون سحرًا.
وبعد أن أنهت جزءًا كبيرًا من الإصلاح، كوّنت طياتٍ طبيعية ثم ثبتت الدانتيل. و بدا الفستان وكأنه يستعيد شكله الأصلي حتى بات من الصعب تصديق أنه الفستان الممزق ذاته.
وبينما هم مأخوذون بالمشهد، التفتت سايو إليهم،
“انتهيت.”
عندها فقط استعاد تشا شين وعيه وسأل جونغ يول عن الوقت.
“بقي نحو أربعين دقيقة.”
شكرَت سايو سونهِي وسألتها عن ثمن المواد، لكن سونهِي صاحت مستنكرةً أنها لا تستطيع أن تفعل من أجلها هذا القدر.
“لكن.…”
“لكن ماذا؟ اتصلي بي لاحقًا فقط، وأخبريني بما حدث. حسناً؟”
“سأتصل بكِ.”
وقد صل حديثهما الخافت إلى أذنَي تشا شين.
“أنا مضطرةٌ للمغادرة الآن، فالأمر عاجل.”
وبذلك خرجوا سايو وتشا شين وجونغ يول يركضون في الزقاق الذي جاءوا منه.
وهذه المرة تصدّر جونغ يول المشهد حاملًا الفستان.
وبينما كانوا يركضون، التفت تشا شين إلى سايو وراءه. وفي لحظة تعثرت قدمُها وفقدت توازنها، فتوقف تشا شين وركض إليها.
“أنا بخير، اذهب أنتَ.”
“ماذا تقولين؟ علينا أن نذهب معًا.”
“….…”
فمدّ تشا شين يده نحوها.
“أمسكي بي.”
للحظة صغيرة ثبتت فيها سايو بوجه يحمل مشاعر متضاربة، تنظر إلى يد تشا شين الممدودة. و تحولت نظرتها من يده إلى عينيه، ثم وضعت يدها فوق يده.
و شعر تشا شين بشيء لا يمكن وصفه وهو يشد على يدها.
“لنركض.”
ثم أمسكا أيدي بعضهما وركضا في الزقاق الضيق دون أن يُعرَف مَن بدأ أولًا.
***
في الحقيقة، كان اقتحام ورشة الإصلاح قرارًا اندفاعيًا لحظة وقوعه. فالذهاب مع تشا شين إلى مكان يحمل كثيرًا من آثار حياتها كداجون كان اختيارًا بالغ الخطورة.
صحيحٌ أنها استطاعت أن تطلب من سونهِي ألا تناديها باسم داجون وأن تتظاهر بعدم معرفتها، لكن لا يمكنها أن تطلب ذلك من الجميع.
ومع ذلك، لم تكن داجون تتوقع أن الشيء الذي فعلته طوال حياتها من أجل لقمة العيش فقط سيجعل قلبها ينبض بهذه الصورة.
كانت قد شعرت، وهي تتقمّص شخصية أختها سايو وتعيش كدمية، بمشاعر لم تعرفها من قبل، فتملّكها الاضطراب.
كما أسعدها أنها استطاعت مساعدة تشا شين في موقفٍ محرج. لكنها أيضًا كشفت الكثير.
وفي طريق العودة إلى الفندق، رماها تشا شين بنظرة تحمل سؤالًا.
“ما حدث اليوم لا يعرفه أحدٌ في العائلة، وأرجو ألّا يعرفوه لاحقًا.”
كان ذلك رجاءً بأن يحفظ سرّها.
كانت تريد ألا يعرف حتى جي وون ولا يوهِي ما حدث اليوم. وقد فهم تشا شين مقصدها ولم يفتح الحديث في هذا الجزء مجددًا.
ربما لأنه ظن أنها ستخبرهم بنفسها حين يحين الوقت. فهو لم يكن يعرف أن زواجهما مؤقت.
ثم تحدّث،
“من أين جاءتكِ كل هذه الثقة؟”
“عفوًا؟”
“أن تصنعي الفستان من دون أن تسألي أحدًا، وتكوني واثقةً بأن صاحبة الفستان ستعجب به.”
“كنت فقط أحاول الحفاظ على التصميم الأصلي.”
شعرت بنظرته إليها وكأنه اكتشف جانبًا جديدًا فيها.
‘قالت صاحبة الفستان إنها أصرت على إصلاحه. وذلك يعني غالبًا…..’
“إن كانت قد أصرت على إصلاحه، فهذا يعني أنها أحبت التصميم الأصلي.”
كان أغلب الناس الذين يسلّمون فساتينهم لليسوك يفعلون ذلك للسبب نفسه.
فلكل ثوبٍ قصة، وكانوا يريدون الاحتفاظ بذكريات ذلك الثوب.
“للثوب أيضًا معنى، وأنا صنعته وفق ذلك المعنى.”
بدت الدهشة واضحةً على وجه تشا شين. وكأنه يرى جانبًا جديدًا لم يعرفه فيها من قبل.
“إذًا أنتِ واثقةٌ أنها ستُعجب به؟”
“نعم.”
وظهرت ابتسامةٌ مفعمة بالثقة حول وجهها.
_________________
وااااااااو لو تدري هوا يونغ انها هي الي صلحته بتنقهر عسا 😂 بس ماظني بتدري من بيعلمها اصلاً هاااعاها
المهم يضحون خويات داجون كلهم فضحوها خلاص😭
ليتها تقول لنه اني ماخذة الخياطه هوايه واشتغلت معهم ومابغيت اقولهم اسمي فقلت داجون😔
بعد اشوا ماشال في خاطره يوم قالت بلا ثنين مساعديني وكذا ماقالت هذا زوجي
التعليقات لهذا الفصل " 38"