كانت داجون تهمّ بإبعاد يد جي وون حينها لمحت لي سوك وهي تخرج من الردهة حديقة المستشفى، و رأتها تتنزه مع الممرضة المُرافِقة.
“أوصيتُ بأن تتحركا في مكانٍ يمكننا رؤيتهما فيه.”
لم تستطع داجون منع غصّةٍ غريبة من أن تعصف بقلبها حين وقعت عيناها على كتفي لي سوك الهزيلين، فعضّت شفتها السفلى بقوة.
بينما وقف جي وون خلفها، ينظر معها من خلال النافذة ويتابع،
“لا تتضايقي من أنكِ لم تستطيعي مجرد دفع كرسيها المتحرك.”
“هذا شعوري. ألا يحقّ لي حتى أن أتحكم في مشاعري؟”
“لا أقصد هذا.”
“…….”
“أنتِ تفعلين كل ما بوسعكِ من أجل السيدة نا لي سوك. إنها تتعافى، ولو ببطء.”
“….أعرف.”
“بل إن تحسّنها ووصولها إلى هذه المرحلة هو بفضلكِ.”
“…….”
متى يا تُرى ستعامل لي سوك داجون كما كانت تفعل في السابق؟ بدا ذلك اليوم بعيدًا كالأفق.
“لذلك تحمّلي قليلًا. بعد نصف عامٍ سأمنحكِ الحرية كما وعدتكِ.”
“نصف عام….”
“وربما أبكر من ذلك أيضاً.”
التفتت داجون نحوه بدهشة، أما هو فلم يُبعد نظره عن النافذة.
“أعدكِ.”
فاشتدّت قبضتُها.
نصف عام. لي سوك تحتاج إلى العلاج، وهي لا تملك خيارًا آخر. لم يكن أمام داجون سوى التحمّل كما قال.
‘نصف عام يمكن اعتباره قصيرًا.’
حاولت التفكير بإيجابية، لكن ضيقًا مفاجئًا قبض على صدرها، فسعت لتهدئة القلق الذي بدأ يتسلل إليها.
لكنها لم تكن تعرف آنذاك أن مشكلةً غير متوقعة كانت على وشك الظهور.
***
بعد إنهاء عمله وفي طريقه إلى المنزل، استبدّ تشا شين شعورٌ لطيفٌ غريب.
لم يكن طريق العودة إلى البيت الذي اعتاده، بل إلى منزله الجديد…|المنزل الذي سيعيش فيه مع سايو.
كان ما حدث قد جرى بسرعةٍ لدرجةٍ مدهشة. بدأ كل شيء منذ لقائه الأول بها، يوم كانت جالسة كالدُمية، ثم مراسم الجنازة، وفي المستشفى، ثم اللقاءات التي تلت ذلك.
سار مع التيار حتى وجد نفسه في هذا اليوم.
فابتسم بخفة وهو يتذكر سايو تكافح النوم طوال الطريق عائدةً إلى سيول، محاولةً مراعاة كونه يقود.
رغم حساسيتها الشديدة تجاه الغرباء، كانت سا يو إنسانةً دافئة وطيبة على نحو غير متوقع. وأدرك تشا شين أن الشائعات لم تكن يومًا جديرةً بالثقة.
وأخيرًا انفرج الزحام قليلًا ووصل إلى المنزل. و انزلق بسيارته إلى الموقف، ركنها، ونزل.
لكنه ما إن همّ بالدخول إلى المبنى حتى توقفت قدماه حين رصد هيئتها التي يعرفها….سايو.
“أه؟”
كانت تترجل من سيارة جي وون. و لم يكن تشا شين قد سمع أنها خرجت، فحدّق بهما مستغربًا قبل أن يناديها،
“سيدة سايو!”
كانت ملامحها متكدّرة قليلًا، لكنها ما إن رأته حتى اتسعت عيناها بدهشة واضحة. و إرباكها المفاجئ هذا زاد من حيرة تشا شين.
“سيد تشا شين….”
“إلى أين ذهبتِ؟”
اقترب منها بينما حيّى جي وون الذي نزل بعدها بانحناءةٍ قصيرة.
“نعم، خرجت قليلًا فحسب….”
وجاء الرد من جي وون، كأنه يسارع ليتكلم بدلًا عنها.
“أرادت رؤية والدتها، فذهبنا لزيارتها بسرعة.”
هذه المرة اتسعت عينا سا يو أكثر وهي تنظر إلى جي وون باضطراب، ثم التقت عيناها بعيني تشا شين قبل أن تهرب بنظرتها، فشعر بشيءٍ من الأسف.
كما شعر هو بالغربة وهو متجهٌ إلى منزله الجديد، لا بد أن التغيّرات كانت ثقيلةً عليها هي أيضًا.
“آه….كنتُ أنوي أن نذهب معًا عندما ينتهي عملي. يبدو أنني قصّرت.”
“لا….كنتُ وحدي في البيت فحسب، فخطر ببالي الأمر.”
هزّت سا يو رأسها نافية.
“سأخصص وقتًا قريبًا لنذهب سويًا.”
و اكتفت بإيماءةٍ صغيرة.
“سأدعوكم إلى البيت قريبًا. لنتناول العشاء معًا.”
“متى ما شئتَ.”
بادل جي وون التحية بابتسامةٍ مهذّبة. وآخر نظرةٍ رمق بها سا يو مرّت كطيف عابر قبل أن يشيح بعينيه.
لم يفُت ذلك تشا شين، لكنه حين التفت إليه كان جي وون قد سبقهم نحو المصعد. فتراجع تشا شين عن اللحاق به.
“لم آكل العشاء بعد….هل تودّين الذهاب للتسوق؟”
نظرت إليه سا يو بقلق حين سمعت أنه لم يتناول شيئًا حتى هذه الساعة. حتى جي وون الذي ضغط زر المصعد ألقى نحوه نظرةً سريعة.
“لم تأكل بعد؟”
“ليس في البيت شيء، صحيح؟”
“لا يوجد سوى مياهٍ الشرب.”
“إذاً لنذهب لشراء بعض الأغراض. لنحضّر شيئًا نأكله.”
مدّ يده نحوها، فوضعت سا يو يدها في يد تشا شين بطبيعية. ومرة أخرى شعر بنظرات جي وون عليهما.
كان ذلك الإحساس الغريب يعود ليتسرّب إليه، لكن تشا شين قرر تجاهله. و في تلك اللحظة انفتح باب المصعد.
“سأصعد أولاً.”
“حسنًا.”
و بعد أن ردّ تشا شين التحية، دخل جي وون إلى المصعد واختفى.
“لنذهب.”
“نعم.”
وحين لم يبقَ في المكان سواهما، عاد ذلك الشعور الدافئ يُداعبه من جديد. فقد كانت يد سا يو داخل يده أدفأ مما توقع.
***
أثناء تسوّق البقالة اكتشفت داجون شيئًا لم تكن تعرفه عن تشا شين.
أولًا: أنه يملك شغفًا غير متوقعٍ بالطبخ. فقد سألها عن الأطعمة التي تحبّها، وما إن ردّت أنها لا تكره شيئًا على وجه الخصوص حتى عبس كأنه غير راضٍ عن الإجابة.
“إذاً سأغيّر السؤال.”
نظرت إليه داجون وهي تدفع السلة إلى جانبه.
“ما الطعام الذي لا تحبينه؟ الشيء الوحيد الذي لا يمكنكِ أكله أبدًا.”
“طعامٌ لا أحبه؟”
“فكّري جيدًا. لا بد أن هناك شيئًا.”
“همم….الآن بعد أن أفكر، أنا لا آكل العصيدة كثيرًا. أشعر أنها طعامٌ يُؤكل عند المرض فقط. كل شيءٍ فيها مفرومٌ وصغير حتى لا يحتاج للمضغ….كأنها تُؤكل لا لأن طعمها لذيذ، بل لأنكَ لا يمكنكَ البقاء بلا طعام.”
“إذاً أنتِ تحبين الإحساس بالقوام في الطعام.”
قال تشا شين ذلك، فشهقت داجون بخفة،
“آه! ربما حقًا!”
وكأنها تكتشف ذوقها الخاص لأول مرة.
وحين وصلا إلى قسم الخضار، أخذ يشير بخبرةٍ ويمسح الخضروات بعين دقيقة قبل أن يضعها في السلة.
“هل لديكِ حساسية؟”
“لا.”
“خضارٌ لا تستطيعين أكلها؟ أو لا تحبينها؟”
“لستُ طفلة، لا أختار بهذه الطريقة.”
“جيد.”
بعد الخضار، اتجها إلى قسم اللحوم.
“ما نوع اللحم الذي تفضلينه؟”
“اللحوم أحبّها كلها. لا أرفض شيئًا.”
“تحبين الأنواع الدسمة مثل البريسكيت؟ أم تفضلين اللحم الأخفّ؟”
كان السؤال مفصّلًا لدرجة جعلت فمها يُفتح بدهشة.
“أحب الاثنين….أنا لا أميّز في اللحم. لكن أسئلتكَ شديدة الدقة.”
عندها خرج من فم تشا شين ما لم يخطر ببالها قط،
“مستغربه؟ حلمي الأصلي كان أن أصبح شيفًا.”
“شيف؟”
حفيد شركة كبرى وعضو مجلس إدارتها….وكان حلمه أن يصبح طاهياً؟
توقفت داجون في مكانها وحدّقت به وكأنها تراه لأول مرة.
“لمَ؟ لا يناسبني؟”
“ليس الأمر أن ذلك لا يناسبكَ….بل لم أتخيله أبدًا.”
فابتسم و كأن الأمر بديهي.
“على فكرة، تلقيت تعليمًا رسميًا في أمريكا. لكنني لم أكمل التخرج.”
“آه…….”
بدا تشا شين شاردًا، كأنه يستعيد ذكرى بعيدة. وكانت ابتسامته التي تبعتها ابتسامةً مريرة بما يكفي لجعل داجون تتردد في سؤاله عن سبب عدم إكماله الدراسة.
وحين شعر بنظرتها، غيّر نبرة صوته ليصبح أخفّ، و تحدّث بثقة،
“على كل حال، يمكنكِ الترقب. لن يخيب ظنكِ.”
“أنا فعلًا متحمسةٌ جدًا.”
عادا إلى المنزل محمّلين بحاجياتٍ كثيرة، وما إن وصلا حتى بدأ تشا شين الطبخ فورًا. و راقبته داجون بدهشةٍ وهو يمسك السكين بمهارة غير متوقعة.
كانت تظن أن الطبخ لا يلائمه على الإطلاق، لكن حين رأته يعمل بدا الأمر طبيعيًا للغاية. فقد كان يستمتع فعلًا بالطبخ، و يتعامل مع المكوّنات بجديةٍ ورويّة.
جلست داجون على الكرسي قرب الطاولة الملحقة بمنضدة التحضير، تراقبه بانجذابٍ لا تستطيع إخفاءه.
بدأ تشا شين بسلق البطاطس حتى أصبحت هشة، ثم هرَسها، ووضع في القدر الحليب ودقيق الأرز وأشعل النار.
لم تستطع داجون تخمين ما الذي يحاول صنعه.
وحين تحوّل الحليب ودقيق الأرز إلى قوام حريري، أضاف الزبدة، ثم قطّع اللحم محافظًا على خطوط أليافه. أما اللحم فكان يُقلى مع الخضار المفرومة وزيت الزيتون ومسحوق الصنوبر.
لطالما رأت داجون أسعار الطعام المبالغ فيها عند لقائها بأمها الحقيقية وعائلتها على أنها مجرّد فقاعة.
لم تكن تفهم ما الاختلاف الكبير الذي يستحق تلك الكلفة. لكن وهي تراقب تشا شين يطبخ….بدأت تدرك فجأة لماذا تكون أطباق الطهاة باهظة الثمن.
‘إنه نوعٌ من الفن.…’
وبوجه بالغ الجدية، أعدّ تشا شين عشاءً لشخصين.
كانت داجون قد تناولت الطعام أصلًا حين أكلت لي سوك عشاءها، لذا لم تكن جائعة. لكن رؤية تشا شين يطبخ بكل هذا الإخلاص جعلتها تعجز عن قول أنها ليست جائعة.
“هذه أول مرة أطبخ فيها لسايو، لذا أنا متوترٌ فعلًا.”
ثم جلس أمامها.
“أنا لا أجامل. سأقيّم الطعم بكل قسوة، احترس.”
قالت ذلك وهي تلتقط الشوكة كأنها تعلن الحكم، فتنهد تشا شين بخفة.
“الآن بدأتُ أقلق حقًا.”
“لكن….ما اسم هذه الأكلة؟ صنعتها بكل ذلك الجهد، فلا بد أن أعرف اسمها.”
“إنها تاراكجوك مع لحم هانو مشوي.”
“تاراكجوك مع هانو مشوي….حتى الاسم غير عادي. أنا أيضًا متوترة. هذه أول مرة أتذوق فيها شيئًا كهذا.”
“حقًا؟”
ويبدو أن توتره كان حقيقيًا، فبينما غرست داجون شوكتها في قطعة لحم الهانو وبدأت تمضغ ببطء، لم يستطع هو حتى أن يرفع الملعقة.
“كيف هو؟”
سأل غير قادر على الصبر، بعدما ابتلعت الطعام وشربت جرعة ماءٍ متعمّدة أطالت بها التشويق. كان ينظر إليها بترقّبٍ ناري.
“أريدكَ أن تطهو لي هذا الطبق مجددًا لاحقًا. إنه لذيذٌ بشكلٍ لا يُصدّق. يا إلهي.”
“حقًا؟”
“نعم. لذيذٌ جدًا. هيا تذوّق طعامكَ.”
عندها فقط تنفّس تشا شين الصعداء وبدأ بالأكل.
“همم~ مع أنني طبخته بنفسي….لكنه فعلًا لذيذ.”
وحين رمى تلك الجملة بنبرةٍ مازحة بعد أن زال توتره، انفجر هو و داجون بالضحك في الوقت نفسه.
نهض ثم أحضر زجاجة نبيذ كان قد اشتراها خلال التسوق. و وجد كأسَي النبيذ بسهولة وملأهما.
“إنه نبيذ تشيلي. ليس غاليًا، لكنه ينسجم جيدًا مع لحم الهانو، لذلك اخترته عمدًا.”
“ما دام بتوصية الشيف، فلا مجال للشك.”
مدّت داجون يدها لتأخذ الكأس، لكن تشا شين سارع ليأمر،
“لكن هذه المرة ممنوعٌ أن تشربي حتى الثمالة.”
“أوه.…”
كان واضحًا أنه يلمّح إلى تلك الليلة التي شربت فيها مع أصدقائه.
لم تكن سيئةً في شرب الكحول، لكنها بلا شك تركت انطباعًا ثابتًا لديه.
“في تلك الليلة….شربت الويسكي بكميةً كبيرة دفعةً واحدة، لهذا حصل ما حصل.”
لكن اعتذارها لم يُبدّد نظرة الارتياب من وجهه.
“فلنكتفِ بكأسٍ واحد فقط.”
“…….”
“الشرب للحدّ الذي يمنحكِ شعورًا جميلًا فقط….هذا هو الأفضل.”
“حسنًا، كأسٌ واحدة فقط.”
فابتسم تشا شين ورفع كأسه. و رفعت داجون كأسها بدورها، فقرّبه من كأسها.
و تناغم صوت الزجاج الرنان تَرن! عاليًا في المطبخ.
_____________________
وش الحياة الحلوه ذي بالله كملوا على ذا الرتم لين يدري انها داجون
وشسمه بسوي نفسي ماشفت اخر جملة يوم قالت المؤلفة ماتدري ان به مصييه
المهم حتى تشا شين يشوف جي وون غريب ما ألومه😭 يا تسوي نفسك صدق اخو ياتنقلع ولا حركات الزوج السابق ذي بعدنا عنها
التعليقات لهذا الفصل " 33"