لم تكن داجون وحدها التي تفاجأت عندما أمسك تشا شين بيدها فجأة، فقد تعالت خلفها تنهيداتٌ ممزوجة بالغيرة من الموظفات.
خرجا من المتجر وعادا في الطريق الذي سلكاه سابقًا، بينما سيطرت على داجون مشاعر معقدة.
“اصبري ستة أشهرٍ فقط.”
“إن صبرتِ نصف عام، سأجعلكِ تغادرين هذا المكان الموحش.”
عاد إلى ذهنها كلام جي وون، فشعرت فجأةً بواقعية هذا الزواج.
‘بعد ستة أشهر….سأطلّق هذا الرجل؟’
“لن أنسى هذه الرعشة التي تشعرين بها الآن، وسأكون زوجًا جيدًا.”
فتساءلت: كيف ستفترق عنه؟ تشا شين شخصٌ طيبٌ للغاية لدرجة أنها لم تستطع حتى تخيّل الانفصال عنه بطريقةٍ سيئة.
لم تكن تريد إيذاءه أبدًا. لكن لا يمكنها الاستمرار في حياتها تحت اسم “سايو”. حتى لو كان شكلها مطابقًا لسايو، فربما يُكشف أمرها يومًا ما.
طن-
لم تدرك أنّ تشا شين فتح باب الغرفة إلا عندما سمعت صوت المزلاج.
عندها فقط أدركت الحقيقة الواضحة: أنها ستعيش معه ستة أشهرٍ كاملة في مساحة مشتركة.
‘يا إلهي! هل أنا حمقاء؟’
لقد أصبحت زوجته. فتوقفت بلا إرادة أمام الباب، مترددةً في دخول المكان الذي لا يوجد فيه سواهما.
وكأن تشا شين شعر بترددها، التفت إليها بابتسامةٍ لطيفة.
“هل….”
“…….”
“هل أنتِ خائفة؟”
“ليس خوفًا تمامًا.…”
اهتزّ بريق عينيها قليلًا، فبدا وكأن حقيقتها ظهرت دون قصد.
“أعرف ما الذي تخشينه.”
“…….”
تأملها تشا شين بصمتٍ طويل، وكأنه يقرأ قلبها.
“أعدكِ. لن أفعل شيئًا لا تريدينه.”
“….…”
“لا شيء. أبدًا.”
كان صادقًا. و وجدت داجون نفسها فجأة تتساءل: كيف كان سيكون هذا الزواج لو لم يكن على أساس التبديل؟
لو اعترفت بها يونهي كابنتها الحقيقية، ولو التقى تشا شين بها كـ“داجون” لا “سايو”، فكيف كان سيسير كل شيء؟
ربما بدلًا من الصبر لستة أشهر، كانت ستنظر إليه بقلبٍ صريح….لا خائف.
شعورها بأنها تخدعه طعن قلبها من جديد.
ثم دخل تشا شين الغرفة وملأ الغلاية بالماء ثم ضغط زر التشغيل. و تبعته داجون وأخرجت أكواب النودلز من الكيس الذي اشترياه في المتجر.
“ستأكلين واحدًا، صحيح؟”
“نعم.”
انسجم الاثنان كأنهما اعتادا هذا الروتين منذ زمن.
“والأرز؟”
سأل وهو يحمل الأرز الجاهز.
“إذا لم نضع الأرز داخل النودلز، فأين المتعة؟ طبعًا سآكل.”
“أوه، يبدو أنكِ تعرفين كيف تُؤكل النودلز.”
ابتسم تشا شين وهو يضع الأرز في الميكروويف.
“أليس واضحاً؟ وأنتَ؟”
“بالطبع~”
و ضحكا بخفةٍ وهما يتبادلان النظرات.
“حسنًا، اجلسي. تبقى ثلاث دقائق فقط. بالضبط ثلاث دقائق.”
“لكنني أحبها نصف مطهوة.”
“لا. لو قالوا 3 دقائق فهذا لأنها اللحظة المثالية.”
“اَه؟ لكن هذا….حسب الذوق.…”
ضبط مؤقتًا على هاتفه، ثم شبك ذراعيه بإصرار، فاندفعت من داجون ضحكةٌ صغيرة على عناده اللطيف.
“لماذا تضحكين؟”
فتساءل بحيرة وهو يراها تضحك.
“لأنكَ لطيف.”
“أنا؟”
“ومن غيركَ؟”
“وأنا أطهو نودلز الكوب؟ هكذا فجأة؟”
“نعم. فجأةً بدا لي تشا شين لطيفًا جدًا.”
وما إن بدأت تضحك حتى بقيت الابتسامة معلقةً على شفتيها. وضحك هو أيضًا. ثم راح يتأمل وجهها بصمت.
“ماذا؟”
فسألته وهي تشعر بالحرج.
“لأنكِ….لطيفة.”
“هذا ما قلتُه أنا للتو.”
“وأنا أيضًا….فجأة بدوتِ لي لطيفةً جدًا.”
احمرّ وجه داجون فورًا وتلاشَت ابتسامتها شيئًا فشيئًا. و اهتزّت عيناها بعينيه، فابتلعت ريقها بقلق. و بدا أنه يجد ارتباكها ظريفًا للغاية.
“آه….الثلاث دقائق! لم تمر؟”
رمقت الساعة لتبتعد بعينيها عن نظراته. وفي اللحظة نفسها رن المؤقت. فابتسم بسخرية لطيفة ثم أخرج الأرز من الميكروويف.
“كان يجب أن أطعمكِ شيئًا أفضل….لكن أول وجبةٍ في شهر العسل تنتهي بنودلز رخيصة.”
“وما المشكلة؟ أنا أحب النودلز كثيرًا.”
ولإثبات كلامها، أخذت أول لقمة، فأخذ هو أيضًا يأكل.
***
كانت أعمق نومةٍ منذ زمن طويل.
لم ترَ حلمًا واحدًا. منذ حادثة دهس لي سوك، و لم تنم داجون بهذه الراحة.
وعندما بدأ الضوء الرمادي الأول يظهر من خلف النافذة، شعرت بمن يوقظها بلطف.
“سايو! سايو!”
‘سايو؟’
حين سمعت اسماً غريباً تنادَى به، عقدت حاجبيها في اللحظة نفسها.
وقد كانت اليد التي تهزّها، سواءً كانت تحاول إيقاظها أو مداعبتها، مفعمةً باللين.
‘لماذا يناديني بسايو؟’
ثم استفاقت تماماً في لحظة.
“آسفٌ لإيقاظكِ وأنتِ نائمة.”
وحين فتحت عينيها رأت وجه تشا شين يطلّ عليها من الأعلى.
“أنا آسفٌ حقاً، لكن يجب أن أعود إلى سيول فوراً.”
كون أول من تراه عند استيقاظها في الصباح هو تشا شين، وأنها تزوجتْه بالأمس، عبر سريعاً في رأسها كصدمةٍ واحدة.
وحين حاولت النهوض بسرعةٍ من شدة المفاجأة، كاد أن يصدم رأسها برأسه.
“لا حاجة لكل هذا التسرّع.”
فأمسك تشا شين كتفيها يهدّئها وهو يبتسم برفق.
عندها فقط تذكّرت داجون بوضوحٍ أحداث الليلة الماضية.
إذ تناولا العشاء المتأخر ثم اتفقا أن تنام هي على السرير بينما ينام هو على الأريكة. كان ذلك مراعاةً منه لها حتى لا يُثقل عليها زواجاّ تمّ على عَجَل.
“ستنام على الأريكة؟”
“رأيتُ قبل قليلٍ أن السرير أصغر مما توقعت.”
“لكن الأريكة ستكون غير مريحة. أو يمكنني أنا أن أنام عليها.”
“إن كان أحدنا لا بد أن يتحمّل عدم الراحة، فالأفضل أن أكون أنا. أشعر أني أمتلكُ قدرةً جسدية أفضل من سايو.”
وبدا أنه يعني ما يقول، إذ أخذ الوسادة والبطانية الإضافية من السرير وتمدّد على الأريكة.
ولم ينسَ أن يقول لها تصبحين على خير، و ليلةً هانئة.
في البداية بقيت عيناها مفتوحتين بسبب وجوده هناك، لكن سرعان ما غلبها النعاس من شدة الإرهاق الذي لازمها طوال اليوم.
“حدث أمرٌ في الشركة. يجب أن نغادر مباشرةً بعد الإفطار.”
“هل الأمر سيئ؟”
سألته وهي تنهض من السرير.
“لا تقلقي. ليس بالأمر الخطير.”
“…….”
“يتعلق بتنصيبي رئيساً للشركة.”
رئيساً؟ كانت تسمع هذا للمرة الأولى.
“رئيس…|الشركة؟”
و تغيرت ملامح تشا شين إلى الدهشة هذه المرة.
“نعم، قريباً! ألم يخبركِ أحد؟”
“لا…….”
قطب حاجبيه لوهلةٍ ثم عاد ليشرح بلطف.
“لم يبقَ سوى القليل على تولّي منصب الرئيس. لا يوجد ما يمكن تسميته تجهيزات، لكن قد أنشغل على نحو غير متوقع. ربما أتأخر كثيراً أيضاً. أنا آسف، ليس من اللائق أن يحدث هذا في الأيام الأولى من الزواج.”
فكرة أنه مديرٌ تنفيذي بالكاد استوعبتها، فكيف بكونه سيصبح رئيساً للشركة؟ ومع ذلك هزّت رأسها بتفهم.
“إذاّ فلنغادر حالاً.”
قالت ذلك بصوت متعمدٍ بالحيوية.
“لكن بعد الإفطار.”
“ألم يكن الأمر عاجلاً؟”
“ليس عاجلاً إلى حدّ تفويت وجبة الصباح.”
وحين استدار ليغادر الغرفة، أدركت داجون أخيراً أنه قد استحمّ للتو. فشعره الذي لم يجف تماماً كان يلتصق بعنقه.
فأسرعت هي أيضاً بالقيام لتستعد لغسل وجهها.
“سأغتسل بسرعة. أما الإفطار.…”
“خذي وقتكِ. وسنتناول شيئاً في الطريق.”
“حسناً.”
ردّت داجون وهي تخطو بخُطى سريعة نحو الحمّام.
وقبل أن يُغلق الباب طلب منها تشا شين أن تفكّر في ما ترغب في تناوله ثم أخبرها بأن ذلك واجبٌ عليها التفكير به.
لم تُجبه، بل أغلقت الباب وضغطت معجون الأسنان على الفرشاة.
وقبل أن تضعها في فمها، توقّفت أمام صورتها في المرآة.
تذكّرت فجأة سايو، التي تحمل نفس ملامحها والتي كانت تتنفس بصعوبةٍ من خلال أجهزة ضعيفة. وسرت برودةٌ خفيفة في صدرها، متسائلةً إن كان ما تفعله ما يزال صواباً.
لكن الماء قد انسكب ولا سبيل لإعادته.
ومهما يكن، فهذا هو اليوم الأول لهما كزوجين.
***
في طريقهما إلى سيول، انكسر حلم الرحلة الطويلة التي يجولان فيها أنحاء البلاد كيفما اتفقا، لكن اختيار الطريق العام بدلاً من الطريق السريع لم يكن سيئاً.
بدا وكأن تشا شين قد بحث مسبقاً، فكان يوقف السيارة بين الحين والآخر ليجعل داجون تقف وسط طرقٍ مزهرة ويأخذ لها الصور.
وحين سألته كيف يجد وقتاً لذلك بينما هو متجهٌ إلى سيول لأجل عملٍ طارئ، لم يُجب، بل وعدها برحلةٍ قادمة.
“في الحقيقة، بعد استلام منصب الرئيس سأكون مشغولاً أكثر لفترة، لكن تحمّلي قليلاً. سنسافر مجدداً، هذا وعد.”
“سأنتظر، لكن عليكَ أن تفي بهذا الوعد.”
كانت داجون في الحقيقة غير مهتمةٍ كثيراً بالرحلة، لكن استمرار شعور تشا شين بالذنب جعلها تتصنّع شيئاً من التهديد اللطيف.
ثم وصلوا إلى سيول خلال ثلاث ساعاتٍ تقريباً.
“لأن عائلة سايو…..”
نطق بذلك لحظة، ثم استدرك خطأه سريعاً.
“لا، أقصد….لأن والدتكِ استعجلت أمر الزواج، فقد اخترنا منزلنا الزوجي على عَجَل.”
بدا أنه ينوي إيصالها إلى منزلها الجديد.
“نحن ذاهبان إلى هناك الآن؟”
فأومأ بالإيجاب.
“بصراحة، أنا نفسي لم أره بعد. أمي وعمّتي تولّتا كل شؤون الديكور، لكنهما تركتا التفاصيل الصغيرة لتقومي بها بنفسكِ.”
“هكذا إذاً.”
“آه، صحيح….وحين استعجلنا في شرائه اكتشفت جاراً لطيفاً وممتعاً هناك.”
“جاراً ممتعاً؟”
في تلك اللحظة أدركت داجون أن المشهد خارج النافذة مألوفٌ جداً.
‘آه! أهذا المكان؟ لا يمكن.…’
“يبدو أن أخي الأكبر يسكن في المبنى نفسه.”
*قصده جي وون لأنه اخو زوجته صار اخوه
وحين تأكد لها أن حدسها كان صحيحاً، اتسعت عيناها وهي تحدّق في وجه تشا شين.
و كان ذلك جي وون، الذي قال سابقاً أنه سيعود إلى شقته بعد زواج سايو.
كونها ستسكن الآن في نفس المبنى مع ذلك الرجل جعلها لا تعرف إن كان ذلك أمراً جيداً أم سيئاً.
ثم أوقف تشا شين السيارة أمام المبنى. و كان يريد إنزالها ثم التوجه مباشرةً إلى الشركة.
أرسل لها عبر الرسائل رقم الشقة والرمز السري وقال مبتسماً بمزاحٍ خفيف أنه سيراها مساءً.
“سأتصل بكِ.”
وما إن نزلت من السيارة حتى انطلق تشا شين مبتعداً. و استدارت داجون وتنظر إلى المبنى بإحساسٍ جديد.
ستعيش هنا لستة أشهر قادمة. فتقبلت الأمر بهدوء.
لم يكن في قلبها لا شعورٌ خاصٌ بالزواج، ولا خوف. كانت فقط تتقبل الوضع كما هو.
دخلت المبنى، وفوراً حيّاها الحارس الشاب وكأنه كان يعرف بأنها ستصل اليوم. فأجابته بانحناءة، ثم ركبت المصعد وضغطت زر الطابق 62، منزلها الجديد.
وحين بقيت وحدها في المصعد، استقر نفسُها في هدوءٍ عميق.
و عندما وصل المصعد وفتح بابه، فوجئت بامرأةٍ تقف أمام باب منزلها.
__________________
ام تشا شين؟ احس بيصير يضحك وهي جايه ثم تشوف ولدها مب معها وتقعد تسبه😂
التعليقات لهذا الفصل " 31"