كان خارج نافذة السيارة معتمًا جدًا. كان ليلًا حالكًا إلى درجة يستحيل معها تمييز المكان.
وأمامهم، تجمّعت حشراتٌ صغيرة حول أضواء السيارة الأمامية.
“في الأصل كنتُ أنوي الذهاب إلى كوخ يانغ بيونغ. كنتُ أريد قضاء الليلة الأولى هناك، لكن بما أن أولئك الشبان تبعونا فقد غيّرتُ الاتجاه.”
“أتخشى أن يتبعونا إلى هناك؟”
حتى من دون سؤال كان الجواب واضحًا. فلو كان كوخه، من المستحيل ألا يعرف الأصدقاء مكانه، بل من المرجح جدًا أن يسبقوه إليه وينتظروه هناك.
“لا يمكنني قضاء أول ليلة زفافٍ مع أولئك الشبان.”
كان على وجهه انزعاجٌ واضح.
“إذاّ، إلى أين سنذهب الآن؟”
ما إن طرحت سؤالها حتى ساد الصمت قليلًا لدى تشا شين. ولأن الجواب طال، نظرت إلى وجهه من الجانب، فصدر منه أنينٌ خافت.
“بصراحة…..لا خطة لدي بعد.”
خارت قوى داجون حين سمعت الجواب الذي توقعته. ورغم أنها لم تُظهر ذلك، فقد كانت جائعةً جدًا.
لقد ارتدت فستانًا ضيقًا ملاصقًا للجسم، ولذلك لم تأكل شيئًا منذ عشاء الأمس. كان فستانًا جعلها تشعر منذ جلسة القياس بأنها لن تأكل براحة حتى ينتهي كل شيء.
كانت يوهي راضيةً عن الفستان، لكن بالنسبة لداجون، التي لم تكن تتطلع للزواج أصلًا، لم يكن سوى عبءٍ ثقيل.
“لا أدري إن كان هناك مكانٌ للمبيت حولنا هنا اليوم بما أنه يوم جمعة.”
“ولا نرى مطاعم أيضًا.…”
فأبدى تشا شين حرجًا.
“القرى كهذه تغلق محلاتها مبكرًا دائمًا. فلا زبائن متوقعين، ولا سبب يدعوهم لفتحها حتى وقتٍ متأخر. بل إن عدد المطاعم قليلٌ أصلًا.”
تجاوزت داجون مرحلة الجوع حتى بدأت تشعر بحرقةٍ في معدتها.
و أخذت تتصفح في هاتفها بحثًا عن بيوتٍ ضيافة قريبة وهي تتكلم بلا مبالاة، لكنها فجأة شعرت بنظراتٍ موجهة إليها فرفعت رأسها لتلتقي عيناها بعيني تشا شين الذي كان يحدق بها وكأنه يراها للمرة الأولى.
وما إن تلاقت النظرات حتى أدركت خطأها.
“يبدو أنكِ جئتِ إلى هنا كثيرًا؟”
كانت حذرها قد انهار دون أن تشعر، فعادت تتصرف بطبيعتها.
وقد سمعت أن سايو لم تكن تخرج حتى إلى التجمعات الاجتماعية الضرورية، فكيف لها أن تأتي إلى مثل هذه القرى؟
“فقط مع صديقاتٍ مرةّ أو مرتين.…”
“صديقات؟”
توتّرت عندما التقت عيناه المستقيمتان بنظرتها، فأخطأت مجددًا.
و بدا أن شيئًا ما خطر ببال تشا شين فتلألأت عيناه.
“آه! أظنني سمعت أنكِ قريبةٌ من هوا يونغ.”
“هوا يونغ؟”
كان اسماً لا تعرفه. لكنها، مهما كانت منعزلة، لم تكن سايو بلا صديقةٍ واحدة على الإطلاق.
فابتسمت داجون ابتسامةً مترددة وتهربت من الجواب.
“مم….نعم.…”
“هوا يونغ وأنا نعرف بعضنا منذ الطفولة. سيكون جيدًا أن نلتقي جميعًا لاحقًا.”
“هاه؟”
ربما لم يرَ ارتباكها، فقد واصل القيادة وهو في مزاجٍ جيد.
‘تعرفان بعضكما منذ الطفولة.…’
إن التقت بهم الثلاثة كما قال، فقد ترتكب خطأً لا يمكن إصلاحه. فمرّ بردٌ في صدر داجون، و أقسمت ألا تسمح بحدوث لقاءٍ يجمع الثلاثة معًا مهما كان.
عندها أشار تشا شين بيده إلى دار ضيافةٍ ظهرت أمامهما.
“ما رأيكِ في ذلك المكان؟”
من الخارج بدا نظيفًا وله جوٌ لطيف. بل وحتى لو كان نُزلًا متهالكًا، لكان مناسبًا لها الآن ما دام يوفر مكانًا لترتاح فيه. فقد كانت مرهقةً إلى ذلك الحد.
“جيّد. لكن هل ستكون فيه غرفةٌ شاغرة؟”
سرعان ما عرفا الجواب. إذ أخبرهما صاحب الدار بوجهٍ معتذر أنه لا توجد غرفٌ شاغرة.
وأضاف نصيحةً غير سارة بأن معظم الأماكن محجوزةٌ مسبقًا، وبما أن نهاية الأسبوع على الأبواب، فمن الصعب إيجاد غرفةٍ في أي مكانٍ قريب.
وبعد أن تنقلا بين عدة بيوتٍ ضيافة أخرى، أدركت داجون أن كلام صاحب الدار كان صحيحًا.
لو كانت تعلم هذا لاقترحت الذهاب إلى كوخه حتى لو كان أصدقاؤه المشاغبون ينتظرونه هناك. فتسلل إليها ندمٌ خفيف.
و قد تجاوز جوعها مرحلة الألم حتى بدأت تفقد الإحساس به. فرمقت تشا شين بنظرةٍ جانبية، و رأت أنه كان مرتبكًا أكثر منها.
“هل نعود باتجاه الكوخ؟”
“لحظةً فقط.”
كان يبدو أنه يرسل رسالةً لشخصٍ ما.
لمن في هذا الوقت؟
كاد فضولها ينفجر، لكنها لم تسأل.
ثم رن هاتفه فجأة. و كان هناك صوت رجلٍ يُسمع من بعيد.
لم تفهم الحديث، لكنه بدا متذمرًا بعض الشيء. ولأن تشا شين كان يتكلم بوجهٍ جاد جدًا، انتظرت داجون بصمتٍ انتهاء مكالمته.
“إذاً هل هذا ممكن أم لا؟ …حسنًا، هكذا أصبحت الأمور. توقف عن التذمر قليلًا.”
بدا بينهما ألفةٌ كبيرة من نبرة كلامه.
وفيما كان يعقد حاجبيه طوال المكالمة، تسللت أخيرًا مسحةٌ من الليونة إلى وجهه.
“حسنًا. عندما أعود إلى الشركة سأرد لكَ الجميل. شكرًا.”
وما إن أنهى المكالمة حتى أظهر تشا شين أجمل ابتسامةٍ له منذ انتهاء مراسم الزواج.
“وجدتُ لنا مكانًا للمبيت.”
الوجه المضيء لتشا شين دلّ على أنّ المتصل كان صديقه وسكرتيره بارك جونغ يول.
قال أنه تذكّر فجأة أن مقرّ التدريب التابع للشركة يقع قريبًا من هذه المنطقة، وقد جاء إليه قبل عامين بسبب ورشة عمل.
“مركز تدريبٍ للموظفين؟”
كان مكانًا بعيدًا جدًا عمّا توقعته.
“كما هو الحال في كل الشركات، يُستخدم لتدريب الموظفين الجدد، وتُقام فيه الندوات التي يحضرها حتى كبار التنفيذيين.”
“وهل يجوز لنا الذهاب إلى مكانٍ كهذا؟”
خافت داجون من أن ينتهي بها الأمر وهي تواجه موظفي تشا شين.
“لا بأس. في العطلة الصيفية يُفتح أيضًا كمنتجع.”
فأسكتتها إجابته المنطلقة.
“هل يمكن أن يكون هناك موظفون الآن للتدريب؟”
“غالبًا نعم. فقد بُني لهذا الغرض.”
مركزٌ للراحة والتدريب خاصٌ بموظفي هانشين. بالنسبة لداجون، التي يجب أن تتفادى الظهور أمام الناس قدر الإمكان، كان مكانًا مزعجًا جدًا.
أما وجه تشا شين فكان خفيفًا مرتاحًا وكأن حِملًا كبيرًا زال عن كاهله.
“إذاّ لنذهب إلى هناك؟”
“حسنًا….”
***
كان المركز في الجبال هادئًا وساكنًا.
ومنذ أن دخلت داجون البوابة، ورأت الموقف ممتلئًا بالسيارات حتى آخره، بدأ الشك يتسلل إليها: هل يمكن فعلًا أن تكون هناك غرفةٌ شاغرة؟
صحيحٌ أن تشا شين جلبها بثقة، لكن رؤية تلك السيارات المكدسة جعل القلق يزيد.
“هل أنتِ جائعة؟”
ثم سألها فجأة.
“نعم، قليلًا.…”
حتى شعور الجوع اختفى، لكن رغبتها في الأكل كانت قويةً جدًا.
وعندما وصلا إلى المبنى المخصّص للنزلاء، ركن تشا شين السيارة بمهارة.
وقد كان المبنى منفصلًا عن المبنى الرئيسي، وبدا خصوصيًا للغاية.
“هناك متجرٌ ذاتي يعمل حتى الثانية عشرة. لنذهب ونشتري شيئًا بسيطًا.”
فكت داجون الحزام ونزلت تتبع خطاه.
بدا أنه يعرف المكان جيدًا، فهو يمشي إلى المتجر دون أي تردد.
و كان الطريق المؤدي إلى المبنى الرئيسي متعرجًا، وعلى جانبيه أزهارٌ برية صغيرة.
وبما أن الأرض كانت من حجارة المساج الخشنة، كانت داجون تنظر تحت قدميها وهي تمشي.
وما إن لاحظت خطاه بجوار خطاها، نظرت إليه باستغراب. فقد كان يمشي ببساطةٍ بسرعة بطيئة تناسب سرعتها.
في تلك اللحظة أحست داجون بشعورٍ غريب. ذلك الحرص الهادئ منه جعل صدرها يضطرب بلا سبب.
وبما أنها ترتدي حذاءً مسطحًا، بدا لها أطول وأكثر قوةً من المعتاد.
“بهذه الطريقة سيُغلق المتجر قبل أن نصل.”
ثم ابتسم ابتسامةً لطيفة.
“هلّا نمشي أسرع قليلًا؟”
“حسنًا.”
وفور إجاباتها، أمسك تشا شين بيدها وقادها معه.
كانت هذه المرة الثانية التي يمسك فيها يدها، لكنها كانت مختلفةً عن المرة الأولى التي كانت فيها متوترةً فلم تنتبه لشيء.
الآن كان كل وعيها مصبوبًا في يدها. و كان قلبها ينبض بعنف. ولو لم يكن الجو هادئًا إلى هذا الحد، خاليًا حتى من أصوات الحشرات الليلية، لخشيت أن يسمع صوت قلبها.
وقد كانت يده الدافئة تحتضن يدها الباردة، ونظراته شديدة العذوبة.
“سيكون في المتجر فقط طعامٌ جاهز، هل يناسبكِ ذلك؟”
“آكل أي شيء. بل أنا قلقةٌ عليكَ أنتَ.”
“وأنا لا أمانع أي شيءٍ أيضًا.”
دخلا المتجر وهما لا يزالان متشابكي الأيدي، لكنهما تركاها حين بدأا اختيار الأطعمة.
وبرغم تركها، بقي الدفء في يدها.
“لم تأكلي شيئًا منذ الصباح، صحيح؟”
“ماذا؟”
“الفستان الذي ارتديتِه. لا يمكن ارتداؤه بعد الأكل.”
لم تعرف هل هذا يدل على أنه شديد الملاحظة أم أنه يعرف الكثير عن النساء، فشعرت بمزيجٍ غريب.
“أنا أيضًا لم آكل شيئًا.”
“لماذا؟”
“لماذا؟ لأنني كنتُ متوترًا بالطبع.”
‘هو أيضًا؟ كان متوترًا؟’
نظرت إليه داجون بدهشةٍ صامتة. فلم يخطر في بالها أبدًا أنه قد يتوتر.
“يبدو غريبًا أنكِ ترين ذلك مستبعدًا.”
و ابتسم حين رأى ملامحها المكشوفة.
“لا….أعني….نعم.”
ثم ضحك بخفةٍ على جوابها المربك.
“إذًا هل هو نعم أم لا؟”
“….لم أتوقع أنكَ ستتوتر.”
“توترت….وشعرت بنبضي أيضًا.”
“….…”
‘هو….شعر بنبضه؟ أهو من التوتر؟’
ورغم أن كلامه طبيعيٌ تمامًا، كان قلبها ينبض بارتباكٍ لا تستطيع السيطرة عليه.
“أليس هذا طبيعيًا؟ فأنتِ الشخص الذي سأقضي معه حياتي كلها. ربما كنتُ أكثر ارتجافًا منكِ.”
ابتسم وهو يقولها، فشردت عيناها على ابتسامته قبل أن تدرك وتسحب بصرها.
“إن انتهيتِ من الاختيار فلنعد للغرفة.”
“حسنًا.”
وفي تلك اللحظة—
“أوه….سيدي؟”
التفتا سويًا نحو الصوت. و كان هناك رجلٌ يقف هناك وكأنه يعرف تشا شين.
وخلفه كان رجلان وامرأتان يحدّقان بفضول. بدا أن واحدًا فقط يعرفه، لكن ما إن سمع الآخرون لقبه حتى اتسعت أعينهم جميعًا وهم ينظرون إليه.
“يا إلهي! ظننتُ أن زفافكَ اليوم، ولم أتوقع رؤيتكَ هنا!”
قدم الرجل نفسه بحماسٍ قائلًا أنه تولى تدريب الموظفين الجدد هذه المرة، وأمل أن يتذكره تشا شين.
ولم يُعرف هل كان تشا شين يتذكره أم لا، لكنه رد عليه بود وهدوء.
و شعرت داجون بانقباض، فقد تحقق ما كانت تخشاه. عندما اقترح الذهاب للمركز، خشيت من احتمال مواجهة موظفيه، وها هو يحدث بالفعل.
“ألم تكونا في شهر العسل؟”
“فكرنا بأن نتجول داخل البلاد دون أي خطة.”
فأطلقت الموظفتان الصغيرتان صرخات إعجاب: “يا إلهي! يا إلهي!” وكأن الفكرة رومانسيةٌ جدًا في نظرهما.
“وهذه هي السيدة إذاً؟”
وما إن التقت أعينهما، انحنت داجون قليلًا بتحيةٍ خجولة، فانحنى الجميع معها احترامًا.
و بدا أن تشا شين لاحظ ترددها، فطوّع مجرى الحديث إليه بسلاسةٍ لينقذها.
“أليس اليوم يوم خروجٍ للموظفين الجدد؟”
“نعم! صحيح. الباقون فقط مجتمعون لحفلةٍ خفيفة مع بعض الوجبات الخفيفة.”
راقبت داجون تشا شين وهو يتكلم معهم بسهولةٍ وبراعة.
ومنحهم نصيحةً أخيرة بأن يستمتعوا بمرحلة تدريبهم رغم صعوبتها، فهي فرصةٌ لا تتكرر.
كان واضحًا أنهم كانوا ينتظرون منه قول شيءٍ آخر، لكن تشا شين أمسك بيد داجون وغادر المتجر معهم خلفه.
_____________________
مره حلوين استنى بس داجون تعلمه الصدق وتاخذ راجتها معه واضح تشا شين هو الي بيوقع اول وهي متوتره😭
المهم كله من اخوياه عنهم تقروشوا يضحككك
وذولا الي معهم عساهم يخلونهم لحالهم مانبي احد خير تراه شهر عسل تـء
التعليقات لهذا الفصل " 30"