3
لم تكن فكرة القرابة قد لامست قلبها بعد، لذا بدت داجون بوجهٍ هادئ كمن يسمع قصةً لا تعنيه.
وحتى إن كُشف أنها الأخت التوأم واضطرت للعيش في ذلك البيت، فليس من المعلوم إن كانت ستستطيع الانسجام فيه.
“إذاً، وماذا بعد؟”
“ماذا تعنين بماذا بعد؟”
ضحك جي وون بسخريةٍ ومدّ يده ليعبث بخصلات شعرها الأمامية. كانت حركةً طبيعية تشبه مداعبة الأخ لأخته.
فوجئت داجون بلمسته المفاجئة، غير أن جي وون نفسه بدا مرتبكًا؛ فلم يسبق له أن فعل ذلك مع سايو.
وبالنظر إلى طباعه المعتادة، كان تصرفه غريبًا بعض الشيء، لكن داجون لم تكن تعرف كيف يكون عادةً.
“يبدو أنكَ كنتَ مقرّبًا من أختي، أليس كذلك؟”
سألته وهي ترتب شعرها المبعثر بكفّها، فأشاح جي وون بنظره،
“كنا مجرد أخٍ وأختٍ غير شقيقين…..علاقةٌ عادية فحسب.”
لم يسبق لداجون أن رأت علاقة إخوةٍ غير أشقاء من قبل، لذلك لم يكن لديها تصورٌ عمّا تعنيه “العلاقة العادية” بينهم، فتجاهلت الأمر وانتقلت إلى موضوع آخر.
“فلنكمل ما كنا نقوله.”
رحّب جي وون بتغيير الموضوع، وأعاد يده المرتبكة إلى جيبه.
“حسنًا…..هل تعرفين شيئًا عن إدارة الشركات؟”
“لا. عشتُ في عالمٍ لا داعي لأن أعرف فيه مثل هذه الأمور.”
كانت حياتهما بلا أي تقاطع، لذا بدا جهلها طبيعيًا في نظره، بل مختلفًا عن جميع من عرفهم.
ومع أنه وجد الحديث معها مثيرًا على نحوٍ غير متوقع، فقد عقد حاجبيه وأدار وجهه نحو الأمام.
“على كل حال، حتى البقالة الصغيرة تنهار أرباحها إن مرض صاحبها أو غاب، فكيف بشركة مثل (شين كيميكال)-”
فقاطعته داجون فجأة،
“أنتَ مخطئٌ بذلك. في حيّنا توجد بقالةٌ اسمها (ناجو سوبر)، عندما مرضت جدّتهم، اجتمع الناس ليشتروا منها أكثر. قالوا أن تكاليف المستشفى مرتفعة، فلنساعدها بشرائنا.”
قاطعته كثيرًا حتى صار من الصعب عليه متابعة حديثه، فالتفت نحوها بنظرةٍ متحفظة، فما كان منها إلا أن أغلقت فمها بسرعة وأشارت بيدها أن يتابع.
“تفضل، أكمل.”
سعل خفيفًا، ثم عاد إلى الموضوع.
“على عكس البقالة، في الشركات تؤثر صحة الرئيس في صورة الشركة وسمعتها. لذا نحتاج إلى خلفيةٍ صلبة تحميها حتى لو انتشر خبر مرضه. وغالبًا لا شيء يحقق ذلك مثل الزواج.”
“إذًا، هذا الزواج…..من المفترض أن يكون من جانبكَ؟ أعني، كيف أناديكَ؟”
“….…”
“على كل حال، نحن إخوة، فهل أناديكَ…..أخي؟ وكيف كانت أختي تناديك؟”
فكر جي وون قليلًا، متذكّرًا سايو. كانت أحيانًا تناديه ساخرَةً بـ”أخي”، وأحيانًا تناديه باسمه، وأمام العائلة نادرًا ما تبادلا النداء.
تذكّر أيضًا كيف أجبرته أمهما ذات مرة على سماعها تناديه “أخي” عندما كانت صغيرة. فأومأ أخيرًا.
“نعم، ناديني هكذا.”
“حسنًا، أ….خي.”
تجهم وجهها كما لو أن الكلمة ثقيلةٌ في حلقها، وكان منظرها وهي تحاول تجاوز الإحراج مضحكًا لدرجة أن جي وون بالكاد حافظ على ملامحه الجادة.
“على أي حال! ما أقصده هو، أنكَ أنتَ أيضًا يمكنكَ الزواج. فلماذا يجب أن تكون أختي؟”
توسعت عينا جي وون بدهشة.
“ولِمَ تفترضين أني غير متزوج؟”
فأجابت بلهجة واثقة وكأنه سألها عن أمرٍ بديهي،
“أولًا، لا تضع خاتمًا.”
ألقى نظرةً عابرة على يده، فوجدها كما قالت: لا خاتم ولا حتى أثرٌ له.
“ثم إن هنالك شيئًا في الجو، في الإحساس…..المتزوجون يُشعِرونكَ بأنهم متزوجون.”
“إحساس؟”
“نعم، لا أستطيع وصفه تمامًا، لكنه موجود.”
لم يفهم ما تعنيه تحديدًا، لكنه أدرك أن ملاحظتها حادة.
“صحيح، أنا أعزب. وسايو أيضًا كانت كذلك.”
اتسعت عينا داجون بدهشة.
“سايو…..”
“سأتحدث عن ذلك لاحقًا. المهم الآن…..بما أنني لست من دم شين كيميكال الحقيقي، فزواجي لا يحمل أي تأثيرٍ قانوني أو عائلي.”
قال ذلك بنبرةٍ هادئة، بينما كانت داجون تراقبه بعينين متفكرتين، وكأن الصورة بدأت تتضح في ذهنها.
“إذاً، هناك شخصٌ خُطبت له أختي، والعائلة تريد إتمام الزواج في أسرع وقتٍ ممكن، أليس كذلك؟”
كان يتحدث إليها كما لو كانت سايو نفسها. كان عليه أن يبدو طبيعيًا كي لا يُفتضح أمر التمثيل، وكل تصرف منه كان محسوبًا بدقة لتجنّب أي خطأ.
“وسيصل قريبًا.”
“إذًا وجود الأخت ضروريٌ من أجله، أليس كذلك؟”
“ليست الأخت، بل أنتِ. أنتِ الآن سايو.”
قالها جي وون بلهجةٍ حازمة كي لا يترك مجالًا للخطأ.
“….…”
فأطبقت داجون شفتيها بصمتٍ حرج.
***
بعد أن قطعا مسافةً طويلة على الطريق السريع، وصلا أخيرًا إلى قاعة العزاء. كان عدد المعزين كبيرًا لدرجة أن المدخل امتلأ بالناس حتى ضاق بهم المكان.
وبينما كانت داجون تحدّق من داخل السيارة في الجموع الغفيرة، اجتاحها خوفٌ مفاجئ.
لا جدوى من الندم الآن، فالرجوع مستحيل، وكان عليها أن تتماسك رغم اضطرابها المتزايد.
“تماسكي، من هنا يبدأ كل شيء.”
قال جي وون ذلك وقد لاحظ توترها.
“حسنًا.”
“كما قلتُ لكِ، كل ما عليكِ هو البقاء هادئةً قدر الإمكان.”
“قلتُ أنني فهمت.”
حاولت داجون أن تشحذ عزيمتها وهي تتبع خطاه، لكن سرعان ما تجمّدت في مكانها.
“ستفهمين عندما تلتقينها…..إنكِ تشبهين والدتكِ إلى حدٍ مذهل.”
أدركت على الفور سبب ثقة جي وون بكلامه.
ارتجفت عيناها بشدّة حين وقعتا على والدتها الحقيقية. كانت تشبهها بالفعل، إلى حدٍ جعلها تتساءل: “هل سأبدو هكذا عندما أكبر؟”
اقتربت يوهي، والدة داجون البيولوجية، بخطواتٍ أنيقة بعدما التقت نظراتهما. و استقبلتها داجون جامدةَ الجسد كأنها تمثال.
“أنت، لِمَ تأخرتَ حتى الآن؟”
“…..هاه؟”
لكن السؤال لم يكن موجّهًا إليها، بل إلى جي وون.
“أين وجدتَها؟”
لم تعد داجون قادرة على التمييز إن كانت يوهي تقصدها هي أم سايو، فبقيت تحدّق فيها بصمتٍ مبهوت، إلى أن أجاب جي وون بنبرةٍ غامضة،
“من مكانٍ لم نكن نتوقعه أبدًا.”
تنهدت يوهي تنهيدةً طويلة ورقيقة، وبينما كانت داجون تراقبها، تذكرت كلام جي وون السابق: ليس كثيرون يعرفون بوجودكِ.
فهل كانت يوهي تعرف؟ أم تجهل الحقيقة تمامًا؟ من كلامها، بدا وكأنها تخاطب سايو.
“أين كنتِ طوال هذا الوقت؟ اختفيتِ بلا كلمةٍ واحدة، هاه؟”
لم تعرف داجون بمَ تجيب، و اكتفت بفتح فمها دون أن يخرج صوت، فاستعجل جي وون بالتدخل.
“لا تؤنبيها، من الطبيعي أن تكون مصدومةً بعد خبر الجدة.”
ربما أثارت كلماته شيئًا من الشفقة في نفس يوهي، إذ احتضنت داجون برفق. و كانت المفاجأة أكبر من أن تستوعبها، فتصلّب جسدها أكثر.
شعورٌ غريب اجتاحها—فهي لم تفكر قط أن أمها الراقدة في المستشفى كانت “أمًا مزيفة”، لكن كلمات جي وون السابقة عن “الدم الذي لا يجمعهما” عادت تتردد في ذهنها.
كانت هذه أول مرةٍ في حياتها تلتقي فيها بدمها الحقيقي.
وبينما كانت محاطةً بذراعي يوهي، رفعت نظرها نحو جي وون، وشعرت—ربما بوهمٍ منها—أن نظرته نحو لقائهما كانت ملتوية، متناقضة.
ثم انفكت ذراعا يوهي، ووضعت يديها برفقٍ على كتفي داجون.
“اذهبي، وودّعي جدتكِ للمرة الأخيرة.”
“نعم..…”
كان أمرًا لا يمكن تفسيره.
لم تعرف داجون إن كان السبب هو عناق يوهي، أم كلماتها التي طلبت منها أن تودّع جدتها للمرة الأخيرة، لكن شيئًا ما انفجر في صدرها فجأة، وارتفعت حرقةٌ في قلبها حتى احمرّت عيناها من غير إرادة.
“الدموع لا تجوز.”
رفعت داجون نظرها نحو يوهي، فوجدت في وجهها مزيجًا من الحنان والصرامة.
“لا يمكنكِ أن تذهبي وعيونكِ منتفخةٌ من البكاء.”
فهمت داجون في الحال من الذي لا يجب أن تراه وهي تبكي.
رمشت سريعًا لتمنع الدموع من الانهمار، فالتقت نظراتها بنظرات جي وون، الذي كان يراقبها بصمتٍ، وكأنه يكتفي بالمشاهدة.
وحين تلاقت عيونهما، شعرت داجون بخجلٍ غامض يصبغ وجهها بالحمرة. بينما دفعتها يوهي برفق من ظهرها، فبادرت بالسير نحو قاعة العزاء حيث كانت الجدة.
“لم أتوقع أنكِ ستبكين.”
“أنا لم أبكِ.”
قالت ذلك باحتجاجٍ خفيف، فمال جي وون نحوها هامسًا بنبرةٍ جادة،
“نسيتُ أن هذه أول مرة تلتقين فيها بعائلتكِ. يمكنكِ أن تبكي.”
رفعت وجهها إليه بدهشة، وكأنها لا تصدق أن هذا الرجل الذي كان يتحدث إليها دومًا ببرود هو نفسه من قال ذلك الآن، فابتسم ابتسامةً خفيفة.
“إنه عزاء، أليس البكاء فيه أكثر الأمور طبيعية؟”
“هل تريدني أن أنفجر نواحًا إذًا؟”
“جدتكِ كانت تحبكِ أكثر من ابنتها نفسها. حتى لو بكيتِ بحرقة، فلن يجد أحدٌ الأمر غريبًا.”
كلماته أوضحت أن الجدة كانت تحب الأخت التوأم، سايو، حبًا جمًا.
فخطرت في ذهن داجون فكرةٌ غريبة،
‘لو كانت قد رأتني قبل أن تموت، هل كانت ستحبني أيضًا؟’
لكنها سرعان ما بددت فضولها، فذلك سؤالٌ لا جدوى منه.
“أمّكَ…..قالت ألا تبكي.”
“قلتِ أمّنا؟”
“نعم، أمي.”
يا للسخرية، أن تكون في جنازة الجدة التي قيل أنها كانت تحبها أكثر من والدتها، بينما تنتظر هناك خطيبًا محتملًا لم تره في حياتها.
كان الأمر يثير الضيق في قلبها، لكنها عقدت العزم على أداء دورها كما ينبغي.
“لن أبكي. يجب أن أُري الرجل الذي قد يصبح خطيبي ابتسامةً جميلة، أليس كذلك؟”
قالت ذلك بنبرةٍ ساخرة وشفتيها منكمشتان في امتعاض.
“تؤدين دوركِ بإخلاص، هذا يسرّني.”
كتمت داجون غيظها وحدّقت به من طرف عينها، لكنه تجاهلها، أو تظاهر بذلك، وانحنى تحيةً لأحد الوافدين الجدد. ففعلت مثله بسرعة، مدركةً أنه من الحكمة أن تتبع حركاته.
ثم انهمكت بعد ذلك في استقبال تحيات أشخاصٍ لم ترَهم من قبل في حياتها. و حاولت أن تبدو رزينة، و هادئة، و حزينة بقدرٍ محسوب، وأن تتوارى خلف الآخرين دون أن تثير الانتباه.
ورغم ذلك، لم تتوقف عن مراقبة من حولها.
كان الرجل الذي اقترب منه جي وون رجلًا في منتصف العمر، بدا من ملامحه الوقورة أنه والد جي وون بلا شك.
شاهدته وهو يمد يده بثباتٍ ليسند يوهي التي بدت على وشك الانهيار، وكانت تتابع المشهد كما لو أنها تشاهد عرضًا من بعيد، بلا أي إحساسٍ بالانتماء.
وبينما كانت مختبئةً في أحد الزوايا، مستغرقةً في المراقبة، سمعَت صوتًا يناديها. أو بالأحرى، ينادي سايو.
“سايو.”
كان صوت جي وون رقيقًا إلى درجةٍ أربكتها.
في البداية لم تدرك أنه يقصدها هي، إلى أن كرر النداء بنبرةٍ أعلى قليلًا. عندها انتفضت واعتدلت واقفة، والتفتت إليه.
كان واقفًا إلى جانب رجلٍ آخر، وأشار إليها بيده أن تقترب.
و اقتربت بتوجس، فمد جي وون يده برفق، كأنه أخ حنون، وأمسك بذراعها برقة موجّهًا إياها نحو الرجل الواقف إلى جواره.
“قدّمي التحية، لقد جاء لرؤيتكِ.”
_____________________
جي وون اصغر بس شقوم حركاته حركات اخو كبير😭
واخيراااا البطل جا هااااهاهاعاها
بس صدق ليه احس الام تدري ان ذي مب سايو؟ قاعده تمثل هي بعد
المهم ذاه اسوأ لقاء عائلي😭 في عزا جدتها😔
Dana
Chapters
Comments
- 5 - سأتوقف عن هذا منذ يومين
- 4 - أول لقاء مع ذلك الرجل منذ يومين
- 3 - جاء لرؤيتكِ منذ يومين
- 2 - لأنكِ يجب أن تحضري كأختكِ منذ يومين
- 1 - جنازة الجدة منذ يومين
التعليقات لهذا الفصل " 3"