لم تكن قد استعادت وعيها إلا بالكاد، لذا كان من المستحيل التحدث مع لي سوك.
ومع ذلك، مقارنةً باللحظات التي كانت فيها تحدق في لي سوك التي لا تعرف متى ستستيقظ، كان ما يحدث الآن أمراً مشجعاً للغاية.
شرح الطبيب، وهو يتحدث إلى داجون المرافقة لجي وون، حالة لي سوك الحالية والعلاج الإضافي الذي سيجري لها.
وبما أنها استعادت وعيها، فقد أُضيف شرحٌ عن العلاج التأهيلي أيضاً.
أرادت داجون أن تسأل لي سوك ما إذا كانت ستتعرف عليها، لكن لي سوك التي استيقظت من سباتها الطويل عادت وأغلقت عينيها ونامت من جديد.
فارتعبت داجون من الجفون المنطبقة بضعف، و نادت جي وون بصوت مسموع.
وما إن استدعى جي وون الطبيب بسبب صوتها القَلِق، حتى طمأنهم قائلاً أن هذه المرة مجرد نومٍ حقيقي.
و ربما بسبب الشعور بالطمأنينة انسحبت القوة من جسدها. و أحسّت بنظرات جي وون التي كانت تتفحّصها من أعلى، لكنها تجاهلت الأمر.
لم يكن لديها ما يكفي من الطاقة لتبدي أي تفاعل. كان يوماً مُرهقاً استنزف مشاعرها كما لو كانت تركب قطاراً سريعاً.
حتى نظراتها التي كانت تتلمّس يد لي سوك النائمة حملت الكثير من الأسى.
“فلنذهب.”
لقد تأخر الوقت كثيراً. فوقفت داجون دون تردد. ولعل طاعتها المفاجئة كانت غير متوقعة، إذ ارتفع حاجب جي وون قليلاً.
حتى داخل السيارة، ظلت داجون صامتة كلياً. و ما حدث لسایو وسبب صدمتها بات يشبه ذكرى بعيدة جداً.
وربما كان كلام جي وون صحيحاً. لقد أصبحت متورطةً بعمق لا يسمح لها بالتراجع، أما ما يتعلق بسایو وعائلتها فليس في مقدورها تغييره.
سواءً كان ما حدث حادثاً أو غير ذلك، فلن يعود وضع سايو إلى ما كان عليه سابقاً.
و أمام واقع تعافي لي سوك الذي صار ملموساً، كان ما تستطيع فعله واضحاً وبسيطاً.
المدة التي وعد بها جي وون هي ستة أشهر. ففكرت داجون بأنها ستكمل الأشهر الستة وتغادر هذا البيت بأسرع وقتٍ ممكن.
***
كانت هيئة تشا شين ببدلته السوداء الكاملة تخطف الأنفاس.
وعلى الرغم من أن أسلوبها الرسمي الأنيق يمنح انطباعاً نظيفاً أكثر من كونه فاخراً، فإن بساطتها جعلت وسامته تبرز أكثر، مانحةً إياه حضوراً آسراً.
وقد انسجم لمعان الحذاء والمنديل الحريري في جيبه بترفٍ واضح.
وبينما كان تشا شين يعدّل رابطته، التقت عيناه بعيني سونغ بين في المرآة.
“ماذا؟”
“هل أبدو وسيماً؟”
وقف سونغ بين متبختراً، مزهوّاً بنفسه بعدما تزيّن وكأنه ذاهبٌ لحفل جوائز.
“من يراكَ يظن أن الزفاف زفافكَ.”
كان اليوم يوم زفاف تشا شين وسایو. وبما أن ابن هانشين الوحيد وابنة شين كيميكال الوحيدة سيتزوجان، فقد تدفق الضيوف من الوسطين السياسي والاقتصادي.
وبرغم أن العريس نفسه كان يجلس في غرفة الانتظار يتحدث مع صديقه بكل هدوء، تزاحم الصحفيون خارج القاعة لدرجةٍ بدت فيها سرية الحفل بلا جدوى.
حاولت العائلتان ـ اللتان تكرهان أي ظهور خارجي ـ منع الوصول تماماً، لكن خارج القاعة كان صاخباً كما لو أن مهرجاناً يُقام.
“أعتذر لأنني لفتّ الأنظار أكثر من العريس. مع أني كنت أريد فقط أن أبدو وسيماً قليلاً.”
ضحك تشا شين بخفة، فضحك سونغ بين معه.
“أنت ثاني واحدٍ منّا يتزوج.”
“لم أتوقع أن أتزوج قبلكَ.”
“أليس كذلك؟ أنا أول من بدأ لقاءات التعارف، ومع ذلك..…”
رغم أنه كان أكثر من استعجل الزواج بين أفراد عائلته، كان سونغ بين غريب الحظ في هذا الأمر.
كان جونغ مين ـ الذي سخر من سونغ بين أشد السخرية حين ذهب ليلتقي بخطيبات محتملات ـ أول من تزوّج، ثم تبعه تشا شين.
أما جي تشان فقد كان لديه مشروع خطبة أيضاً، بينما وحده سونغ بين بلا شريكةٍ واضحة.
“أين جونغ مين وجي تشان؟”
“سيصلان قريباً.”
مرّر تشا شين أصابعه على شعره المرتّب بعد سماع جواب سونغ بين، ثم جلس على الكرسي. واستند سونغ بين إلى الحائط ينظر إليه بتعبيرٍ غريب.
“هل أهنئكَ؟”
فضحك تشا شين بصوتٍ منخفض.
“طبعاً. أم أنكَ ستواسيني؟”
“ما الذي تريده؟ قل ما تريد وسأفعله.”
قال سونغ بين ذلك بحماسٍ يليق بمن أقام أكثر حفلات توديع العزوبية صخباً حين تزوج جونغ مين.
لكن تشا شين صبّ عليه الماء البارد،
“إن كان ممكناً…..فباركني. أريد أن أعيش بهدوء.”
“حسناً…..ابنة شين كيميكال كانت غير متوقعة فعلاً. لكنها ليست سيئة.”
وقد تلقى تشا شين كلام صديقه بجدية.
“اضبط ألفاظكَ أولاً. إنها من سأتزوجها.”
فاتسعت عينا سونغ بين بدهشةٍ حقيقية.
“أأنتَ جاد؟”
“وهل أمزح؟”
سحب سونغ بين كرسياً وجلس مقابله مباشرة.
“صحيح، أنتَ دائماً شديد التعلّق بما تملكه. حتى أشياؤك لم تكن تسمح لأحدٍ بلمسها.”
“وما الذي تريد قوله؟”
كان تشا شين يتوقع ما سيقوله صديقه، فانتظر بهدوء.
“هل….أحببتها؟ أعني….السيدة….لا، لا! زوجة أخي….يا للرعونة. المهم، هل أحببتها؟”
كان سؤالاً ساذجاً. فهو لم يقابلها إلا مراتٍ تُعد على الأصابع.
“سأحاول أن أفعل.”
فنظر إليه سونغ بين بوجهٍ يقول: “كنت أعلم أنكَ ستقول هذا.”
“هل تسير مشاعر الناس بتلك السهولة التي تتخيلها؟”
“سأبذل جهدي. وكما قلتَ، السيدة سايو ليست سيئة.”
“وهل هو أمرٌ سهل كما يبدو في الكلام؟”
“لن يكون صعباً.”
نظر سونغ بين إلى تشا شين بضيقٍ واضح.
“في مثل هذه اللحظات لا أدري هل ينبغي أن أصفكَ بالساذج أم بالبارد.”
ثم اقترب سونغ بين أكثر، وسحب كرسياً حتى صار أمام تشا شين مباشرة.
“النساء دائماً هنّ من أحببنَكَ وتشبثنَ بكَ. لكنكَ لم تُظهر يوماً أنكَ أحببتَ أحداً لدرجة فقدان السيطرة. يا رجل، الشيء الذي تملكه ولا تستطيع التحكم فيه….هذا هو قلب الإنسان.”
“أما أنا فسأتمكن. فلا تقلق.”
تجهم وجه سونغ بين من ثقة تشا شين المفرطة.
“لا تُطلِق الوعود الكبيرة. مجرد أنكَ لم تتغير طوال الفترة الماضية لا يعني أنكَ ستبقى كذلك.”
“وما العيب؟ لو وقعت في حب زوجتي، فهذا أفضل سيناريو ممكن، أليس كذلك؟”
“من يدري. في عالمنا—حيث الزواج صفقةٌ تجارية—لا أعلم إن كان ذلك جيداً أم سيئاً.”
“لا تقلق فعلاً. سأعيش معها جيداً.”
صار تعبير سونغ بين غريباً. ففتح فمه كأنه سيقول شيئاً، لكن باب غرفة الانتظار فُتح. كان الموظف الذي جاء ليبلغهم بموعد دخول العريس.
وفي تلك اللحظة وصل جونغ مين وجي تشان، ووقفا عند الباب يربتان على كتف تشا شين وهو يخرج.
ثم همس سونغ بين في أذن صديقه وهو يسير خلفه،
“على أي حال…..لا نعرف ما سيحدث لاحقاً، لكن مبروكٌ الزواج.”
تقدم تشا شين نحو باب القاعة وسط وداع أصدقائه.
وهناك، لمح سايو تقترب منه لتدخل معه. فاضطربت عيناه لوهلة.
رغم أن فستانها بدا ذا تصميمٍ بسيط، فقد كان مرصعاً بحبيبات اللؤلؤ الصغيرة التي تعكس ضوءاً هادئاً.
أما قصّة «حورية البحر» فأبرزت خصرها ووركيها وركبتيها بجرأة، فيما اكتمل جمالها بتسريحة الشعر المرفوع وإكليل الطرحة، فبدت كأنها لوحةٌ فنية.
كان الفستان أبعد ما يكون عن أسلوبها الهادئ البسيط. ومع كل خطوةٍ تخطوها، لمع بريق اللؤلؤ وقماش الفستان كالمجرة، ليجعل وجهها أكثر إشراقاً.
رفع تشا شين ذراعه وكأنه يطلب منها أن تتشبث بها. فوضعت يدها برفق على ذراعه.
ورغم أن الطرحة حجبت تعابيرها الدقيقة، فقد شعر باهتزازٍ خفيف في يدها. فغطّى يدها بيده.
“هل ترتجفين؟”
فرفعت سايو رأسها من يده إلى عينيه من جديد.
“نعم، قليلاً….لا، كثيراً.”
و ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ رقيقة كأنها تُذيب القلب.
“لن أنسى هذا الارتجاف….وسأكون زوجاً جيداً لكِ.”
بدت سايو مذهولةً تحت الطرحة.
“لن أجعلكِ تندمين.”
ثم قبض على يدها بقوة أكبر، و تركها و أكمل بهدوء،
“هل ندخل؟”
لم تستطع الرد مباشرة. و أخذت نفساً عميقاً أولاً، فوجد تشا شين ذلك لطيفاً فابتسم بصمت.
وما إن شعر بأن قبضتها على ذراعه ازدادت قوة، حتى سمع صوتها الحازم،
“نعم، لندخل.”
أرسل تشا شين إشارة، ففُتحت أبواب القاعة. وخطا هو وسايو أول خطوةٍ لهما على الممر في قاعة الزفاف المظلمة.
***
مرّ الوقت كالعاصفة. أُعلنت مباركة الزواج، ثم قدّما التحية لعائلتيهما، والتقطا الصور، واحتفلا بأفخم مراسم شهدتها حياتها.
وبعد استراحة قصيرة تلت الحفل الرئيسي، تبعت سايو التعليمات بهدوء حتى وصلت إلى حفل ما بعد الزفاف.
أما ما كانت تقلق بشأنه أكثر من غيره—شهر العسل—فقد حُل بسهولة إذ وافقت العائلة على أن يكون داخلياً بسبب وفاة جدتها القريبة.
ورغم أن الشبه بينهما كالتوأم كان مقبولاً، فإن بصمات الأصابع لا يمكن تزويرها، لذا لم يكن بوسعها ركوب الطائرة.
ومع اقتراب موعد الزواج، كانت داجون تحمل خوفاً خفياً من انكشاف أمرها.
وعلى الرغم من أنها كانت تخمّن أن جي وون والعائلة سيجدون حلاً، فقد ظل القلق يسكنها…..إلى أن انتهى الأمر ببساطة شديدة.
لم يُصرّ تشا شين على السفر للخارج، قائلاً أن السفر ممكنٌ في أي وقتٍ لاحق. بل واقترح السفر معاً إذا خرجا أي رحلة عملٍ خارج البلاد.
ومع أنها كانت تدرك أن سفرهما للخارج معاً شبه مستحيل، أجابت بأنها موافقة.
كان من الطبيعي أن تتساءل: هل سيهتم شخص جاب أنحاء العالم برحلة داخلية؟ لكن اتضح أن تشا شين لم يزر الكثير من الأماكن داخل البلاد.
فقد قال أن كثرة ما اعتقد أنه يستطيع الذهاب إليها في أي وقت جعلته لا يزورها أبداً.
وبالنسبة لداجون، فلم تكن مختلفةً كثيراً—مع فارق أنها لم تغادر مكان حياتها من الأساس. وهكذا انطلقا في شهر عسلٍ دون توقعاتٍ كبيرة.
وبينما كانا يبتعدان عن سيول وقد قطعا مسافةً طويلة، لاحظت داجون سيارةً تلاحقهما بإصرار.
لم يكن الأمر وهماً بتاتاً. وفكرت بأن عليها إخبار تشا شين، لكنها اكتشفت أنه بدوره كان يراقب السيارة في المرآة وكأنه يعرف من يكونون.
وما لبث أن ابتسم ضاحكاً بسخريةٍ خفيفة.
“ما الأمر؟”
فسألت داجون بقلق وقد خشيت أن يكونوا صحفيين.
“أنا أعرف هذه السيارة.”
“تعرفها؟”
“إنهم أصدقائي.”
“آه..…”
وبما أنها اختبرت سابقاً مزاح أصدقائه الثقيل، احتارت داجون بما ستفعله هذه المرة.
لكن تشا شين كان يفكّر بطريقةٍ مختلفة تماماً.
فجأة خفّض سرعة السيارة. بدا لوهلة وكأنه يتعمّد التمهّل ليتيح لهم اللحاق، لكن ذلك لم يدم طويلاً؛ إذ انحرف بسيارته عند نقطة غير متوقعة تماماً.
أما السيارة التي كانت تتبعهم مطمئنة، فلم تستطع الانعطاف في الوقت المناسب، فأضاعتهما تماماً.
وبدا اعتراضهم واضحاً إذ بدأ هاتف تشا شين يرن دون توقف، لكنه تجاهل ذلك تماماً وأغلق الهاتف كلياً.
لم يكن هناك وجهةٌ محددة يقصدها، وحتى بالنظر إلى نظام الملاحة لم يعد ممكناً معرفة أين وصلا.
فتساءلت داجون إن كانت وحدها تشعر بأنهما يدخلان طريقاً أكثر عزلة، بينما كان تشا شين لا ينطق بكلمة.
كانت الشمس تغرب. والطريق الريفي الخالي الذي غمره الظلام بدا موحشاً. و لو أنها قادت وحدها لارتعبت، لكن وجود الرجل الجالس بجانبها أزال عنها الخوف.
و كل ما هنالك أن الصمت الذي ملأ السيارة كان غريباً بعض الشيء.
“إذاً، إلى أين نحن ذاهبان؟”
___________________
ضاعوا؟😭😭😭 كله من اخوياه مجانين كان تبون تتبعونهم في شهر العسل؟؟؟
المهم ماتوقعت ينزوجون بسرعه كذا حسبت على الاقل بعد خمس فوصول ولاش
بس حلو كذا داجون مب راحعه لبيت يوهي المريضه وكب شايفه جي وون كثير ويمديها تروح للي سوك بعد😔✨
التعليقات لهذا الفصل " 29"