“لعلها ظهرت أمامها فجأةً في يومٍ وليلة كابنة، لذلك ربما لم ترها أختي ابنةً بقدر ما رأتها منافِسة. بل كانت تبدو كأنها تغار حتى من مجرد اقترابها من زوجها. حقًا إنها إنسانةٌ لا يمكن فهمها.”
لم تستطع داجون قول أي شيء، واكتفت بالنظر إلى جاهي وهي تربّت على سايو.
“لكن المثير للسخرية أنهما هما أنتما الاثنتان، هي وأمكِ، تشبهان بعضهما تمامًا.”
ارتفع شيءٌ خانق من داخل صدرها. ربما بسبب حديث جاهي الدائم عن رابطة الدم.
لم تعرف السبب بوضوح، لكن صدرها ضاق بشدة وصار النظر إلى سايو مؤلمًا. و شعرت أنه كان من الأفضل لو أنها لم تسمع شيئًا على الإطلاق.
“داجون.”
لأول مرة نادت جاهي اسم داجون. فهي لم تكن تناديها “سايو” مثل الآخرين، لكنها أيضًا لم تنادها “داجون” من قبل.
وحين تلاقت نظراتهما، اقتربت جاهي بوجهٍ جاد وأمسكت كتفي داجون بقوة. و كان طرفا عينيها محمرين. فشعرت داجون بالقلق مما ستقوله.
“هل تعلمين لماذا أصبحت سايو هكذا؟”
رغم أنها لم تسمع الجواب بعد، إلا أن شعورًا رهيبًا اجتاحها. و بدأت عيناها تضطربان بالفعل.
“سايو حاولت الانتحار.”
فتوقّف نفس داجون للحظة بعد ما قالته.
***
لا تعرف بأي حالٍ تركت جاهي.
و قد كانت تلك أول مرة تذهب فيها بنفسها للبحث عن جي وون. فطالما كان هو من يأتي ليأخذها أو يزورها ما لم تكن في المنزل.
لكنها هذه المرة لم تستطع إضاعة لحظةٍ واحدة وذهبت إليه مباشرة. وكانت هذه أيضًا المرة الأولى التي تأتي فيها إلى المقر الرئيسي لشركة شين كيميكال.
ورغم أنه قال أنه مشغولٌ وسيعاود الاتصال لاحقًا، إلا أنها أخبرته بأنها ستأتي بنفسها وأغلقت الهاتف، ثم اندفعت إلى مكتبه دون تردد.
كان صدرها يضيق حد الجنون. وحتى لو أن لقاءه لن يحل شيئًا، لم يخطر في بالها سوى التوجّه إليه.
وحتى لو كان والده موهان هو من أعطى الأمر الذي تسبب في جلبها بالقوة، يبقى جي وون هو الشخص المرتبط بها مباشرة.
وصلت داجون ودخلت مكتبه بتوجيهٍ من الموظفين. وقد كان منهمكًا في الأوراق، ولم ينظر إليها، بل قال للموظف،
“لا تُدخل أحدًا.”
“نعم.”
غادر الموظف الغرفة. وحتى بعد أن بقيا وحدهما، لم يرفع جي وون نظره عن الأوراق. فلم تستطع داجون الاحتمال وفتحت فمها.
“لا بد أن لديكَ شيئًا لتقوله لي.”
كان طرف صوتها يرتجف بخفة.
“انتظري. قلت لكِ أن لدي عملًا، وأنتِ من جاءت دون موعد.”
قطع صوته البارد كلماتها بلا رحمة. فعمّ الصمت الغرفة، ولم يُسمع سوى صوت تقليب الأوراق.
ومع مرور الوقت، لم تهدأ داجون، بل أحست بغضبٍ بارد يتجمّد داخلها. و بدأت كلمات جاهي التي سمعتها تدور في رأسها.
“بعد أن ساءت علاقتي مع والدي انتقلتُ للعيش وحدي. لكن بسبب أمي، لم أستطع الابتعاد تمامًا، فكنت أزور المنزل أحيانًا. لذا لم أكن إلى جانب سايو في اللحظة الحاسمة.”
و أكملت بصوتٍ مرتجف،
“يبدو أنها شقت معصمها لكنها لم تنجح. ثم عمدت إلى القفز عمدًا من فوق الصخرة الموضوعة كديكور أمام نافذة غرفة شين يوهي. لكن أختي أخفت الأمر عني أيضًا.”
وتذكرت أيضًا ما قالته الخادمة قبل مدة،
“الغرفة فارغة؟”
“نعم. تغيّرت غرفتها فجأة، ومنذ ذلك والغرفة مهجورة.”
كانت صورة وجه جاهي وهي تسخر وتقول: “هكذا هي حقيقتهم” ماثلةً أمام عينيها. فأغمضت داجون عينيها بشدة.
‘محاولة انتحار؟’
لو كان مجرد حادثٍ لكان الأمر صادمًا، فكيف والحقيقة أسوأ؟ فشعرت داجون بدوار.
“إنها تتظاهر بأن شيئًا لم يحدث، لكن هل يوجد سرٌ يبقى مخفيًا في هذا العالم؟ رغم أنها أختي، إلا أنها حقًا مثيرةٌ للاشمئزاز وتبعث على القشعريرة.”
شعرت داجون بقشعريرةٍ تسري في جسدها.
لو أن سايو هربت فقط مع الرجل الذي كانت تحبه، لما كان الألم بهذا العمق. كان يمكن أن يبدو الأمر كأنه يخص شخصًا آخر.
لكن صورة سايو الممددة مثل جثة، تتنفس فقط عبر الأجهزة، لم تغادر ذهنها. ومحاولة الانتحار فوق كل ذلك؟ كان الأمر يفوق الاحتمال.
ازدادت قبضتها على طرف تنورتها. و راحت تتساءل كيف كانت حالتها النفسية حين قررت القيام بهذا، وكلما فكرت ازداد الألم.
ثم رفعت رأسها فجأة، فالتقت عيناها بعيني جي وون الذي كان ينظر إليها. يبدو أنه أنهى عمله، إذ لم يعد يمسك أي أوراق أو قلم.
كانت لديها الكثير من الكلمات، لكنها لم تعرف من أين تبدأ. فلم تستطع فتح فمها بسهولة.
و رغم نظراتها الحادة، لم ينهض جي وون من مكانه. من المؤكد أنه تلقى تقريرًا يُخبره أين ذهبت مع جاهي، ولا بد أنه أدرك سبب مجيئها.
ومع ذلك ظل محتفظًا بتلك الملامح الصلبة وصمته.
“….هل حاولت شقيقتي الانتحار فعلًا؟”
و ارتجف جي وون ارتجافةً خفيفة.
“السيد جو جي وون، لماذا أخفيتَ هذا عني؟”
خلعت داجون قناع الأخوّة الزائفة. وكلما فكّرت في الأمر ازداد شعورها بالذهول.
الأسوأ من جي وون كان أمها الحقيقية يوهي. فصورة يوهي في الجنازة، وهي تعاملها كما لو كانت سايو، لم تغب عن ذهنها.
“يقولون أن رأسها تهشّم على الصخرة، أليس كذلك؟ حتى خالتي لم تعرف بالأمر إلا متأخرًا.”
على عكس داجون التي كانت تعيش عاصفةً من المشاعر، كان جي وون الذي يصغي إليها هادئًا تمامًا، كأنه ينوي الاستماع لكل ما تريد قوله حتى النهاية.
“وأنا….كنتُ هنا أتصنع دور الأخت وأنا لا أعرف شيئًا.”
“…….”
“لو لم تخبرني خالتي، لما عرفتُ أبدًا، أليس كذلك؟”
ولم يُبدِ جي وون أي تأييدٍ أو نفي.
“يقولون أنهم لحسن الحظ وجدوها قبل فوات الأوان فتمكنوا من منع موتها.….”
وهنا فقط تكلم جي وون الذي ظل صامتًا طوال الوقت.
“سايو في حالة موتٍ دماغي. لا فرق بينها وبين الميت.”
ارتجفت داجون من نبرة صوته الهادئة.
“موتٌ دماغي….”
“دماغها توقف عن العمل بشكلٍ نهائي لا يمكن علاجه. طبيًا تُعد ميتة، لكن الأجهزة تبقي تنفسها مستمرًا.”
كان صوته الخالي من أي انفعالٍ يجعل شعر داجون يقف.
فحاولت أن تأخذ نفسًا، بينما واصل جي وون كلامه بنبرةٍ ثابتة.
“هذا قرار الرئيس. لم يكن يريد لسايو أن تموت.”
فجّر ذلك جموحًا غاضبًا بداخلها.
“لا يريدها أن تموت؟ لكنها في موتٍ دماغي؟”
“…….”
“طبيًا….هي ميتة!”
“اخفضي صوتكِ. الغرفة بعيدةٌ عن غيرها لكن العزل ليس كاملًا.”
كتمت داجون ضحكةً ساخرة. وقد كان الغضب يشتعل في صدرها.
“حقًا….أنتم أناسٌ مثيرون للاشمئزاز. حتى في مثل هذا الوضع، أهم ما يشغلكم هو ألّا يسمعكم أحد؟”
فارتسمت على شفتي جي وون ابتسامةٌ باردة.
“حاولي التفكير بعقلانية.”
“بعقلانية؟”
“نعم، بعقلانية! أياً كان سبب وصول سايو إلى هذه الحالة، فالنتيجة واحدة.”
“كيف تستطيع قول شيءٍ كهذا!”
اتسعت عينا داجون من الذهول لحد العجز عن الكلام.
“على أي حال، بفضل ذلك سيكون بإمكانكِ إنقاذ نا لي سوك.”
“يبدو أنكَ تنسى باستمرار….أنا أيضًا ابنة هذا البيت.”
و ارتسمت على فم جي وون ابتسامةٌ ساخرة خفيفة.
“صحيح. أنتِ ابنة هذا البيت.”
ورغم أن الكلمات هي نفسها، إلا أن خروجها من فمه جعل ضعفًا لا يوصف يغمر جسدها.
“وماذا سيتغير؟”
تجمدت كلماتها عند حلقها.
“ألا تعتقدين أنه من الحكمة أن تفكري في أمكِ التي عاشت معكِ أربعة وعشرين عامًا….بدلًا من أختٍ لم يكن أحدٌ يعلم حتى أنها موجودة؟”
“سايو….هي أختي.”
فارتسمت ملامح غريبة على وجه جي وون.
“لم أكن أعلم أن رابطة الأخوّة بينكما عميقةٌ إلى هذا الحد.”
تحت وطأة الإهانة التي اجتاحتها عضّت داجون شفتها السفلى. فاقترب منها جي وون الذي كان يحدّق بها بثبات.
مسح بأصابعه الباردة الشفة التي كانت تكاد تتمزق بين أسنانها. فارتجفت داجون وتراجعت خطوةً إلى الخلف، و ابتسم جي وون ابتسامةً قصيرة ثم عاد وجلس براحةٍ على الأريكة المقابلة.
“الزفاف لم يعد بعيدًا. من الأفضل ألا تجرحي شفتيكِ.”
“أنتَ….إلى النهاية تظل هكذا.…”
“مهما فكرتِ في سايو فلن تعود إلى الحياة.”
“لا تتحدث عنها وكأنها ميتة.”
“أقول أنه لا شيء سيتغير.”
كان صوته، كالعادة، بلا أي ارتفاع أو انخفاض. بينما انغمس في مقعده وهو يحدّق بها بنظرة كسولة.
“اصمدي فقط ستة أشهر.”
كان صوته يحمل سلطةً قاسية أشبه بحكم نهائي.
“يبدو أن الأمر سهلٌ جدًا بالنسبة لكَ.”
“إن صبرتِ نصف عام فسأجعلكِ تغادرين هذا المكان الوحشي.”
“…….”
“هل أخبركِ بسر؟”
نظرت إليه داجون بنظرةٍ متبرمة.
“قريبًا ستبدأ عملية دمجٍ بين شركة شين كيميكال وشركة هانشين للكيماويات. قد لا تعلمين، لكنها خطةٌ يعملون عليها منذ سنة. ونِسَبُ الدمج قد تجعل حصة عائلة شين 15% أو ترفعها إلى 30%.”
فضحكت داجون بسخرية على هذا الكلام المفاجئ.
“وما علاقة هذا الآن؟”
و ابتسم جي وون ابتسامةً ساخرة مرة أخرى.
“هل شعرتِ أن خالتكِ تحمل ذنبًا تجاه سايو؟”
“نعم….بدا الأمر كذلك.”
لم تكن تفهم ما الذي يقصده، ولكن قلبها عاد ينقبض كأن شيئًا ثقيلًا يطبق عليه.
“هذا ما يسمّيه الناس….نفاقًا.”
“تكلم بوضوح!”
“الرئيس—جدكِ—لم يعد قادرًا على القيام بعملية توريث الإدارة بشكلٍ طبيعي. وحتى لو كان بصحة تتيح له ذلك، فهو لم يكن لينقل الإدارة بنفسه.”
“…….”
“والعنصر الحاسم في عملية التوريث هذه هو المجموعة التي تمتلك ثاني أكبر نسبة أسهم: مجموعة هانشين. سيمنحوننا ما نريد، وسنمنحهم ما يريدون. وزواج سايو….بل زواجكِ أنتِ، سيُثبّت هذا التحالف.”
“أنا لا أفهم شيئًا عن الإدارة أو التوريث، وكل هذا الكلام لا يعني لي شيئًا!”
“حسنًا. سأقولها ببساطة.”
ابتلعت ريقها بصعوبة.
“خالتكِ أيضًا شريكةٌ في الأمر. فهذه العملية تعود بالنفع على جميع أفراد العائلة….باستثناء الرئيس.”
ارتخت جفون جي وون قليلًا خلف عدّسته، في تعبيرٍ لا يناسب فظاعة كلامه، بينما كانت داجون تحدق به بذهولٍ فارغ.
“لذلك، كل ما عليكِ فعله هو الزواج كما هو مُقرر….من أجل العائلة.”
“…….”
“وبعد نصف عام….كما وعدتكِ، سأعيدكِ إلى حياتكِ الأصلية.”
سقطت القوة من كتفي داجون.
كانت قد جاءت مسرعةً بعد سماع ما حدث لسايو، ولكن غضبها الآن تبخر، تاركًا خلفه فراغًا موجعًا.
لم تكن تنتظر حبًا عائليًا….لكن ما سمعته تجاوز أي خيال.
“ولديّ خبرٌ جيدٌ أيضًا.”
خبرٌ جيد؟ شعرت بالكلمة كأنها غريبةٌ لم تسمعها من قبل. فرمشت داجون ببطء.
“نا لي سوك قد أفاقت.”
فعاد الضوء فجأةً إلى عيني داجون التي كانت تغرق في العتمة.
“ماذا….ماذا قلتَ؟”
“نا لي سوك، أمكِ….أفاقت.”
كانت نقطة ضعفها واضحةً جدًا. فحدّق جي وون بها بنظرةٍ يصعب تفسيرها بينما كانت داجون لدهشتها لا تكاد تتنفس.
______________________
وليه توك تعلمها ياحمار؟
اتفق بعد نص سنه تنحاش وتخلي ذا المجانين وتاخذ امها وتشا شين معها بس
المهم لايكون بعد جاهي مريضه؟ منب مصدقه جي وون لين تسوي شي لاني احبها خالتي😔
التعليقات لهذا الفصل " 28"