كان كلامه غريبًا إلى درجة جعلت داجون تشكّ في أنها سمعت خطأ.
[ألا تتذكرين؟]
“لا يمكن، هل تقصد أنني….رقصت؟”
ساد صمتٌ قصير من جهة تشا شين.
كيف يفترض بها أن تتلقى هذا؟ شعرت داجون بأن صداع ما بعد الثمالة، الذي بالكاد هدأ، يعود ليطرق رأسها.
[آه….يبدو فعلًا أنكِ لا تتذكرين.]
رقص؟ هل يمكن للمرء، حتى ولو كان ثمِلًا، أن يفعل شيئًا لا يفعله عادة؟
“….هذا غير ممكن.”
حتى هي نفسها لم يكن في صوتها أي ثقة.
[لا داعي للخجل. لقد رقصتِ جيدًا.]
“أنتَ تكذب، أليس كذلك؟”
و عاد صوت تشا شين يجيب بعد لحظة تأخرٍ طفيفة.
[إلى أين يصل مدى تذكّركِ؟]
“حسناّ….أنتَ قلت لي ألا أجهد نفسي….ثم….كنتُ أتعلق بكَ وصديقكَ كان يصفق.…”
[آه، صحيح.…]
أمسكت رأسها وهي تحاول جمع شظايا الذاكرة.
“ثم شربتُ لأني خسرت….وبعد ذلك مباشرةً صديقكَ ذو الشعر القصير-”
[سونغ بين.]
“نعم، هو بالضبط.”
تنهدت داجون وأكملت كلامها.
“سونغ بين شرب….”
كانت تنتزع الكلمات بصعوبة حين سمعت ضحكةً مكتومة من طرف الهاتف.
[إذًا انقطع الفيلم فعلًا.]
“…….”
[ولا تتذكرين أنكِ رقصتِ؟]
“….لا، لا أتذكر.”
كان الأمر غير قابلٍ للتصديق، فسألته مجددًا،
“من رقصت؟ أنا حقاّ؟”
[حسنًا، قد يحدث أن تنسي.]
“لا، فقط….يصعب علي تصديق ذلك.”
[ماذا بالضبط؟]
“حتى لو كنتُ ثمِلة، هل يمكن أن أفعل شيئًا لا أفعله أبدًا؟”
[يبدو أن ذلك قد يحدث.]
من نبرة تشا شين التي تحمل شيئًا من المزاح، أدركت داجون أنه يمازحها.
و عندما ابتسمت باطمئنان، أطلق هو أيضًا ضحكةً منعشة للغاية.
مجرد سماع ضحكته جعل أذنيها تدغدغان بلا سبب. كانت قد رأته دائمًا يبتسم بهدوء، فتساءلت فجأة كيف يبدو وجهه حين يضحك ضحكًا مريحًا هكذا.
“لماذا تضحك؟”
[وأنتِ، لماذا تضحكين؟]
“لنفس السبب الذي تضحك لأجله.”
[أنا أضحك لأنني تذكرت رقصكِ، فهل عاد إليكِ شيءٌ من الذاكرة؟]
بسبب كذبته الطبيعية تلك، صار صوت داجون منزعجًا قليلًا.
“لقد سخرتَ مني بما يكفي، يكفي الآن.”
[كما تشائين.]
ورغم جوابه الهادئ الذي جعلها تعقد حاجبيها، إلا أنها لم تشعر بالضيق منه.
وكأن تشا شين أدرك ما كانت تقلق بشأنه، فأكمل،
[لم يحصل شيءٌ يمكن اعتباره خطأ. وحتى لو حدث، لم يكن هناك أحدٌ واعٍ بما يكفي ليراه أو يتذكره. الشخص الوحيد الذي كان بخير هناك كان أنا.]
فشعرت بالارتياح، إلا أن تشا شين أضاف،
[لديكِ عادةٌ لطيفة عندما تشربين.]
‘آه….’
ابتلعت داجون أنينًا داخليًا.
“….توقف عن المزاح.”
فضحك تشا شين ثانية وكأنه وجد الأمر مسليًا، ثم انتقل للموضوع الأساسي.
[سمعتُ أنكِ ترغبين في الإسراع بعقد الزواج.]
“ماذا؟”
[آه… هل كنتِ تجهلين ذلك؟]
رغم أن زواجها كان يُبرَم دون أخذ رأيها بعين الاعتبار، إلا أن داجون كانت تصاب بالذهول في مثل هذه اللحظات. لكنها كانت أيضًا سريعةً في تقبّل الأمر.
“أليس ما حدث أمس خطوبة؟”
قالت ذلك بأخف نبرة ممكنة.
[هذا حديثٌ قيل حتى قبل الخطوبة. أنا قلت أن الأمر لا يزعجني، لكن هل يزعجكِ أنتِ يا آنسة سايو؟]
لم يعد هناك مجالٌ لمشاعر من نوع “أحب” أو “أكره”. فحاولت داجون أن تتحدث دون أن يتسرّب الاستسلام إلى صوتها.
“لا. لا بأس بالنسبة لي أيضًا.”
عاد صوت تشا شين يتخلله ضحكٌ لطيف.
[هذا جيدٌ إذًا.]
وفي تلك اللحظة تحديدًا، فكّرت داجون بأن من حسن حظها أن يكون تشا شين هو شريك زواجها.
***
أصبح وقت الشاي مع يونغ غيل جزءًا مألوفًا من روتين داجون اليومي.
وفي الحقيقة، كان مجرد “وقت شاي” بالاسم فقط، فالأحاديث الحميمة لم تكن تدور فيه. كانت داجون تتكلم غالبًا، ولم يكن واضحًا ما إذا كان يونغ غيل يستمع أم لا.
و عندما تكون معه، كان السكرتير تشوي والطبيبة غو يبتعدان دومًا لتركهما وحدهما، ولذلك وجدت داجون نفسها تخبر يونغ غيل بأشياء لا تستطيع قولها لأي شخصٍ آخر.
كانت الحكايات أحيانًا عن حياتها عندما كانت تعيش مع لي سوك، وأحيانًا عمّا حدث بعد دخولها هذا البيت.
وكون يونغ غيل لا يستطيع استقبال كلامها جيدًا جعل الأمر أسهل عليها لتتكلم بحرية، حتى بات أشبه بغابة الخيزران الخاصة بها.
“يجب أن أذهب الآن.”
ما إن وقفت حتى لحقها بنظره، وقد كان يأكل هريسة الكاكي بالملعقة.
نظرته التي لم تكن متأكدةً سابقًا إن كانت تدرك وجودها، أصبحت الآن شاردةً حنونة.
“لا تذهبي، يا سيدة كيم!”
في البداية حين ناداها بـ“سيدة كيم” استغربت، لكن لاحقًا صارت ترد عليه بلطف،
“لديّ مكانٌ يجب أن أذهب إليه مع خالتي.”
وبعدما أخبرها السكرتير تشوي بأن يونغ غيل يخلط أحيانًا بين الناس، صارت لا تبالي بما يناديها به.
“ألا يمكنكِ عدم الذهاب؟”
“في الحقيقة….أنا ذاهبة لرؤية أختي.”
همست داجون بذلك ليونغ غيل وحده. فتوسعت عيناه بدهشة.
“لدى السيدة كيم أخت؟”
“شش! لقد حصلتُ عليها مؤخرًا. وهذا سر.”
“شش! سر.”
رفع يونغ غيل إصبعه السبابة أمام شفتيه كما فعلت.
“سأعود بأسرع ما يمكن.”
وحين اقترب السكرتير تشوي، تركته داجون في رعايته واتجهت للخروج. فقد كان الوقت قد حان تقريبًا لوصول جاهي لاصطحابها.
كانت هذه الزيارة الثانية لسايو. فبعد أيامٍ من قولها أنها تشتاق لرؤيتها، استدعتها جاهي فجأة دون سابق إنذار.
لم يكن واضحًا إن كان ذلك من طبعها الارتجالي أو ضمن خطة مدروسة، خاصةً أن داجون لم يكن لديها أي جدول مهم سوى مقابلة تشا شين. ولهذا لم تكن تعترض كثيرًا على هذه القرارات المفاجئة.
وبما أنها لم تُبدِ أي تذمّر سابقًا، فقد كررت جاهي الأمر هذه المرة أيضًا دون إبلاغ مسبق.
“هل تناولتِ الغداء؟”
سألت جاهي بمجرد أن جلست داجون في السيارة.
“نعم أكلت.”
“جيد. أنا أيضًا تناولت الطعام.”
أجابت جاهي بحدةٍ معتادة قبل أن تنطلق مباشرة.
وبما أنها المرة الثانية التي تذهب فيها، فقد كانت داجون أقل توترًا. فاللقاء الأول بسايو كان بمثابة صدمة كبيرة لها.
من الطبيعي أن يُربكها أن تقابل فردًا آخر من عائلتها يرقد فاقد الوعي، بعد ما حدث مع لي سوك. فلم تعتد يومًا على رؤية أحبّتها مرضى هكذا.
“هيا انزلي.”
قالت جاهي ذلك بعد أن أوقفت السيارة، زافرةً بحرقة. و تبعتها داجون نحو غرفة سايو المحصنة بتدابير أمنية مشددة.
سرعان ما قلّ الكلام بينهما. وبمجرد أن دخلتا الغرفة، اجتاح داجون ذلك الشعور الغريب مرة أخرى.
رغم أن شكل سايو لم يتغير منذ المرة الأولى، إلا أنه كان كافيًا ليصدم داجون من جديد.
سايو، التي تتنفس فقط بفضل الأجهزة، بدت وكأن حياتها على وشك الانطفاء. فوقفت داجون متيبسة، تحدّق بها.
ورغم أن وقع الصدمة كان أقل من المرة الأولى، إلا أن رؤيتها وكأنها ترى نفسها مسجّاةً جعلت الخوف يتسلل إلى أعماقها.
أختها التوأم التي لم تلتقِ بها إلا الآن بعد أن تجاوزتا العشرين. جسدٌ أشبه بدمية محنّطة، لا يتحرك قيد أنملة، ووجه بلا حياة.
وبين نبض يتسارع وداخلٌ بارد يتمدد، وقعت داجون في دوامةٍ من مشاعر متناقضة وهي تنظر إليها.
و لعل جاهي فهمت حالها، فربّتت على ذراعها برفق.
“حقًا أنتما الاثنتان متشابهتان كثيرًا. صحيحٌ أن هذا طبيعي بما أنكما توأمان، لكن.…”
“…….”
“لو أنك لم تُختطفي ونشأتِ مع سايو، هل كانت حياتكما ستبدو مختلفةً عمّا هي عليه الآن؟”
شعرت داجون بغصّةٍ حين سمعت كلمة اختطاف، وهمّت أن تصحح لها كالعادة أنه لم يكن اختطافًا، لكنها عدلت عن ذلك. فقد تعلمت أن التصحيح لا يغيّر شيئًا.
“لا أدري.…”
“ألم يقل لكِ المدير جو بشأن حالة سايو شيئًا؟”
كانت جاهي تنادي جي وون بـ“المدير جو”.
“لم أسأله عن التفاصيل.”
“حتى لو سألتِ، لن يجيبكِ بوضوحٍ على أي حال.”
اقتربت جاهي من سايو وربتت على رأسها.
كانت خصلات شعر سايو تنزلق بلا حياة بين أصابعها، بينما كانت تنظر إليها داجون بصمت.
بدا واضحًا أن جاهي تملك تعلقًا خاصًا بعائلتها. فظهور ابنة أخت أخرى، وقد كبرت فجأة، كان كفيلًا بأن يصدم أي أحد، لكنها تقبّلتها فقط لأنها من دمها.
الأمر الذي بدا سهلاً عليها كان مثيرًا للاستغراب بالنسبة لداجون نفسها.
“ألا تشعرين بالاستياء من أمكِ؟”
لم تفهم داجون تمامًا مقصد السؤال، فترددت في الإجابة.
“فبعد أن وجدتِها أخيرًا، تبدو باردةً معكِ….وتعاملكِ كما تعامل سايو بالضبط.”
لم تستطع داجون إنكار ذلك. ربما كان هذا بالضبط هو سبب بقائها غريبة عن أفراد هذه العائلة وعدم قدرتها على الاندماج بينهم.
“أحاول….أن أتفهمها.”
“حقًا إنها امرأةٌ منفّرة.”
كانت داجون قد عانت اضطرابًا شديدًا وصراعًا داخليًا كبيرًا عند دخولها هذا البيت، حتى أن مشاعرها الآن باتت بلا غضب ولا توقعات.
ويبدو أن جاهي لم تكن تنتظر منها جوابًا، فتابعت،
“أختي عنيدةٌ جدًا. تدّعي الهدوء والرقي، لكنها طمّاعة. إذا رغبت في شيء، تفعل أي شيءٍ للحصول عليه بلا تردد. هذه هي شين يوهي.”
و ترددت داجون لبرهة، ثم قررت الصمت والاكتفاء بالاستماع.
“تخيّلي كيف كان وقع الخبر عليها عندما قيل لها أنها لا تستطيع الإنجاب.”
ارتسمت على وجه جاهي ابتسامةٌ باهتة تحمل مرارة. و توقفت يدها عن مسح شعر سايو والتفتت نحو داجون.
“وأبي….يا له من رجل. ذهب ليبحث عن أمٍ بديلة ليسدّ جرح ابنته.”
“…….”
عاد نظر جاهي لينزلق إلى جسد سايو الساكن.
“لكن أختي لم تنظر إلى تلك الابنة التي حصلت عليها بشقّ الأنفس.”
كانت داجون مبهورةً بطريقة كلام جاهي، تكاد تكتم أنفاسها.
“كانت سايو بالنسبة لها وصمة عيب. تذكيرًا دائمًا بأنها لا تستطيع إنجاب الأطفال بنفسها. أليس هذا غريبًا؟”
تعثرت أنفاس داجون فجأة، كأن جاهي قد أصابتها في نقطةٍ لم تتوقعها.
“…….”
“كلما أحبّ أبي سايو أكثر، زاد بغض أختي لها. وحين استدعوها لتشارك في إدارة الشركة، صار الأمر أسوأ. لم تكن حاملةً لها، ولا وضعتها من جسدها، وحتى تربيتها لم تتكفل بها—ربتنا أمي نحن الاثنتين. ربما لهذا….لا هي أمٌ بحق، ولا هي ليست كذلك. أم ربما كانت بلا أمومة أصلًا.”
كان وقع الكلام على داجون ثقيلًا ومربكًا. فقد كانت تعتقد أن سايو عاشت حياةً وفيرة وجميلة، لكن يبدو أن ذلك لم يكن صحيحًا.
“تحت مراقبة أختي المستمرة، أصبحت سايو أكثر انطواءً وانكسارًا. وكلما شعر صهري وأبي بالأسف عليها، ازدادت أختي إيذاءً لها بشكلٍ خفي. وفي النهاية….أصبحتُ أتدخل لأحميها من شدّة ما تتعرض له. وهذا وحده كفيلٌ بأن يخبركِ بكل شيء.”
نظرت داجون إلى وجه سايو الشاحب داخل قناع الأوكسجين، تتأمل أنفاسها الضعيفة التي بالكاد تتحرك.
_______________________
يع كرهت يوهي خلاص شقومها ذي مريضه
جاهي هي الي كان مفروض تصير ام 😔
ابي سايو تقوم وتصير هي وجاهي احلا خوات تجيها عوض عن امها 🤏🏻
المهم تشا شين قاعد يطقطق انها رقصت وهي مارقصت بس عشان يشوف ردك فعلها 😂🤏🏻 يناسووو
التعليقات لهذا الفصل " 27"