بعد زواج يوهِي وموهان، وَلسببٍ ما، أُبعِد جي وون عن المناصب المهمة. و كان البعض يتهامسون بأن ذلك ربما كان أحد شروط الزواج.
ثم ظهرت الحفيدة الغامضة لرئيس شين يونغ غيل—سايو.
و كانت هناك شائعاتٌ كثيرة دارت حولها: أنها تربّت لدى جدتها، وأنها تتلقى تدريب الوريثة بدلًا من الابنتين اللتين لا يرجى منهما شيء. فسايو نادرًا ما ظهرت في المناسبات الخاصة.
عادةً ما يضطر الشخص لحضور مثل هذه التجمعات لبناء العلاقات، إلا أن سايو بالكاد كانت تظهر.
وهناك من قال أن ذلك بسبب حادث الاختطاف الذي تعرضت له وهي طفلة، لكن تلك أيضًا مجرد شائعة غير مؤكدة. لا أحد كان يعرف ما هو الصحيح وما هو الملفّق بشأنها.
لذلك حين طُرِح في بيت تشا شين موضوع لقائه بها، لم يستطع إخفاء دهشته. لكن دهشته تحوّلت سريعًا إلى لا مبالاة.
و من كان أكثر فضولًا هم أصدقاؤه الثلاثة المتناثرون حوله الآن. الذي عرفوا بطريقةٍ ما أنه سيلتقي سايو في موعد ترتيب عائلي، فانفجرت أسئلتهم.
“سمعت أنها لا تتكلم؟”
“لا تتكلم؟ لذلك لا تظهر في الأماكن العامة؟”
“يا رجل! هل من المعقول أن الرئيس شين يزوّج حفيدته التي لديها إعاقة بلا كلمة واحدة لأهل تشا شين؟ وتنفجر المشكلة؟”
“ربما….و صحيحٌ أن هوا يونغ قالت أن معظم الشائعات هراء.”
“هوا يونغ؟ آه! هي صديقة حفيدة شين كيميكال الوحيدة، صح؟”
“أظن أن أشهر الشائعات هو أنها تعاني صدمةٍ من حادث الاختطاف.”
“…….”
كانت ردود فعل أصدقائه أقوى من ردّ فعل الشخص المعني بالأمر نفسه—تشا شين.
“وأين ستلتقيان؟”
ما إن رأى تشا شين عيون سونغ بين تلمع حتى أغلق فمه بحزم. و تجاهل إصرارهم على معرفة مكان الموعد وهرب منهم ليلتقي سايو.
لم يشعر بشيء يذكر. فبالنسبة له، كانت مجرد فتاةٍ من قائمة المرشحات التي اختارتها العائلة.
لم يكن فيها ذلك الجموح الذي توقعه من شخصيةٍ محاطة بالشائعات. و كانت جميلة، نعم، وهذا أقصى ما يمكن قوله.
إجاباتٌ قصيرة مقتضبة، شفاه بلا أي أثر ابتسامة، عيونٌ بلا حركة. لم يكن بحاجة إلى سؤال ليعرف أنها، أيضًا، أُجبرت على الحضور.
حافظ على قدر ما يمكن من اللياقة حتى تنقضي الجلسة. وكان قد عزم في داخله أن يرفضها بما أن أمامه خياراتٍ أخرى.
لم يكن يتوقع أن تتأذى هي من الرفض، فالعائلة نفسها بدت وكأنها لا تأبه كثيرًا، وأنّ اللقاء مجرد إجراء.
ثم تأجّل موعده مع فتاةٍ أخرى بسبب ظرف طارئ.
كانت تلك الفتاة قد عادت من دراستها بالخارج لتلتقي به، لكن بدا أن أمرًا ما حدث. و شعر تشا شين بالارتياح—فلم يعجبه أن يلتقي فتياتٍ على التوالي.
لكن والدته قالت شيئًا أربكه: عادةً الفتاة أو عائلتها من يرسل الرد أولًا، لكن جهة شين كيميكال لم ترسل أي جواب.
فانتظروا بدافع اللباقة لعل سايو ترفض بنفسها، لكن الوضع أصبح غامضًا.
ثم جاء خبر وفاة والدة والدة سايو. و قالت الأم أنهم على الأرجح كانوا مشغولين ولم يكن لديهم وقت للرد.
وهكذا بدا أن لقاءً ثانيًا سيتحقق بشكلٍ مبهم وغير مريح. فلم يعجب تشا شين الأمر لكنه لم يستطع التهرب.
وفي اللقاء الثاني، كانت سايو قد قصّت شعرها الطويل. و بدا مظهرها مختلفًا قليلًا عما يتذكره.
وكانت تنصت لحديثه بكامل حواسها، وهذا ما أربكه.
“إن كان ذلك يريحكَ، فلنلتقِ لاحقًا. أشكركَ على حضوركَ.”
“آه.…”
فهمها. كانت تنوي رفضه أيضًا.
على عكس جي وون، الذي لم يخطر بباله أصلًا أن أحدًا قد يرفض ارتباطهما، كانت سايو تتمنى أن يغادر بأسرع ما يمكن. فاشتعلت داخل تشا شين نزعةٌ خفية للعناد.
“بالطبع سنلتقي مرةً أخرى.”
لم يكن يقصد قول ذلك. لكنه قاله.
و شعر أن هناك شيئًا يمنعه من المغادرة بهذه السهولة، فدخل إلى غرفة العائلة وبقي معها وحدهما.
وما إن أصبحا وحدهما حتى شعر بتوترها يتسرب إليه. كان ذلك شعورًا غريبًا. فلم يعتد أن تتمنى امرأةٌ اختفائه، بل العكس.
“هل أسبب لكِ الإزعاج؟”
“لا يمكن أن أشعر بالراحة الكاملة بالطبع.”
كانت صريحةً على نحو مفاجئ. بخلاف لقائهما الأول، حيث كانت كلماتها قصيرةً بلا أثر عاطفة.
لكن الوقت لم يكن مناسبًا للتأمل. لقد أضاع فرصة الرفض المناسب، وها هو الآن يجلس معها بلا داعٍ يذكر.
تصرفٌ لم يفهمه حتى هو.
كان هناك شيءٌ فيها كان يثير غيظه، وشيءٌ آخر كان يشدّه إليها بشكلٍ غير مفهوم. شعورٌ غريب….بعد لقاءين فقط.
وكان الموعد الإجباري الذي فرضته والدته هو ما لعب الدور الحاسم. التقى فتاةً أخرى في مزاد فني، لكنه فجأة تذكّر سايو—في مكان لم يخطر له يومًا: مستشفى متداعٍ في منطقة نائية.
وكيف ظهرت مغطاة بالرماد الأسود. وكيف اختفت عندما التفت للحظة. تلك المرأة الغامضة أثارت فضولًا قويًا في داخله.
وأدرك أنه ينتظر اتصالها دون وعي. وحين رآها مجددًا عند حوض السباحة، اتخذ قراره.
سيحاول صنع رابطٍ حقيقي مع المرأة التي تُدعى كيم سايو.
“إذاً، سأغادر الآن.”
كانت تلك اللحظة التي نهض فيها جي وون وهو يسند سايو، ليقطع على تشا شين تيار أفكاره.
“سأرافقها حتى المنزل.”
وحين حاول تشا شين أن يساعده في حملها، قطعه جي وون ببرودٍ واضح.
“لنتفق على موعدٍ جديد حين تستعيد وعيها تمامًا، السيد هان.”
“إنها بوعيها الآن.”
استثارت أعصاب جي وون بطريقةٍ لم يفهمها، لكن تشا شين حرص على إبقاء تعابيره لينة.
“من الأفضل الآن أن تعتني بأصدقائكَ بدلًا من الاعتناء بسايو.”
اتبع تشا شين نظرات جي وون ليلتفت إلى أصدقائه.
واحدٌ منهم كان ما يزال نائماً ورقبته متدليةٌ بأسى، وآخر يبكي، وثالثٌ يلوّح لجي وون بمرحٍ مبالغٍ فيه.
فلم يستطع تشا شين منع وجهه من الانقباض تلقائيًا.
“سأغادر إذاً.”
وبينما يضم سايو برفق إلى جانبه، خرج جي وون من الغرفة. ومع صوت إغلاق الباب، غرق تشا شين مجددًا في شعور غريب لا يعرف له اسمًا.
***
توجّهت سيارة جي وون لا إلى منزل العائلة، بل إلى الشقة التي اصطحب إليها داجون في وقتٍ سابق.
[هل كانت ثملةً جدًا؟]
“نعم، سأنتظر حتى تفيق قليلًا ثم أوصلها إلى البيت.”
[حسنًا، ربما هذا أفضل فعلًا.]
أنهى جي وون المكالمة مع موهان، وأوقف السيارة بمهارة.
أما داجون، تلك التي ظلت تثرثر طوال الطريق بأنها بخيرٍ تمامًا، فقد غلبها النوم في المقعد الخلفي.
وبعد أن ألقى نظرةً عليها عبر المرآة، خرج من السيارة وفتح الباب الخلفي.
ويبدو أنها كانت غارقةً في نومٍ عميق، إذ حملها بين ذراعيه دون أن تستيقظ. ثم استقل المصعد وصعد إلى الشقة.
“ممـ….هيا.…”
ثم لفّت داجون يدها أكثر داخل حضنه، مستمتعةً بدفء جسده.
ثمالةٌ كاملة في يوم خطوبتها؟ لم يعد جي وون يجد في الأمر غضبًا، بل عبثًا محضًا.
وتذكّر بنفورٍ طريقتها الساذجة حين قالت له أن لا بأس في أن تشرب لأنها مع خطيبها. فاندفع غضبه كله نحو تشا شين.
‘ظننتُه رجلًا أكثر حذرًا من هذا…..’
تنهد بعمق، ثم ثبت داجون بشكل مريح بين ذراعيه ومضى داخل البيت.
كان المكان باردًا، خاليًا من حرارة البشر منذ مدة. وحين تتزوج داجون من تشا شين، سيعود جي وون للعيش هنا من جديد.
وضعها على السرير، ونزع حذاءها ورماه كيفما اتفق.
كانت ترتدي ثيابًا غير مناسبة للنوم، لكنه لم يجد طريقةً لتغييرها دون إيقاظها، فاكتفى بأن يسحب الغطاء حتى صدرها.
ثم خفّض الإضاءة إلى أدنى درجة وشغّل التدفئة، لكن سيستغرق المكان وقتًا ليكتسب الدفء.
شعر ببعض الإرهاق، ففتح زجاجة ماء وشرب قليلًا.
ثم عاد إليها. و كانت نائمةً بسلامٍ يشبه الموت.
وبينما كان يحدق بها، اجتاحه شعورٌ غريب….فقد تداخلت صورة داجون النائمة مع صورة سايو كما رآها في المستشفى، ساكنةً كالجثة.
‘هكذا يكون الشبه بين التوأم إذاّ.’
للحظةٍ بدا الأمر مربكًا حدّ الالتباس.
وبينما كان ينظر إليها بعينين مثقلتين بالأسئلة، تمتمت داجون وتقلبت بجسدها.
“لست ثملة….لن أثمل الى هذا احد.…”
وبركلةٍ خفيفة أطاحت بالغطاء عن ساقيها العاريتين.
“أي شبهٍ بالضبط؟”
ابتسم جي وون بسخرية لا إرادية، ثم أعاد تغطيتها بعناية.
“قال والدكَ أنكَ تريد أن نتناول الطعام معًا. لهذا أتيتُ لآكل معكَ.”
وتدفقت إلى ذاكرته صورتها حين جاءت إلى المبنى الفرعي تدعوه لتناول الطعام.
التعليقات لهذا الفصل " 25"