كان الصديق الذي فتح الباب يوشك أن يعرّف بنفسه بفظاظة، لكن صديقًا آخر وخزه محذرًا من الكلام الفاضح، فصحّح الرجل كلامه بسرعة.
“أنا صديق طفولته، جو سونغ بين.”
“نعم، ربما تعرفون مسبقًا، أنا كيم سايو.”
رغم مرور وقتٍ لا بأس به، ما زالت داجون تشعر بالحرج وهي تتظاهر بأنها سايو.
كان يجب أن تعتاد الأمر، فأخذت تلقّن نفسها داخليًا. بينما ابتسم تشا شين بسخرية لداجون وأضاف،
“لا حاجة لأن تتذكري هذا الاسم.”
“أها؟ إن كنتَ ستتكلم هكذا فسأجعلها تحفظ اسمي جيدًا اليوم.”
“توقف عن الثرثرة.”
من طريقة تبادلهم الكلام، بدا واضحًا أنهم ليسوا مجرد أصدقاء عاديين، فابتسمت داجون بخفة.
كان لديها في موطنها أصدقاءٌ تتحدث معهم بعفوية هكذا، لكنها غادرت دون أن تخبر أحدًا. و رقم هاتفها تغيّر، وحتى المستشفى تبدّل.
وإن حاول أحدٌ معرفة ما حدث، فقد يعرف فقط أنها انتقلت إلى مستشفى في سيول، لكن معرفة التفاصيل الأخرى ستحتاج وقتًا وجهدًا كبيرين، خصوصًا إن كان جي وون قد محا آثارها.
ومع هذا الخاطر، شعرت فجأةً بالذنب.
و في تلك اللحظة، اقترب الصديقان الآخران وقدّما نفسيهما.
“أنا….بارك جي تشان.”
“وأنا أيضًا، تذكري اسمي. لي جونغ مين.”
“حسنًا، سيد جي تشان، و سيد جونغ مين.”
“حسنًا! بما أن التعارف السريع انتهى، فلننتقل إلى الموضوع الرئيسي؟”
اقتحم سونغ بين الحديث بوجهٍ مشرق لا يناسب الموقف.
“الموضوع الرئيسي؟”
وكأن كلمات سونغ بين كانت إشارة، إذ ملأ جي تشان كأسين من الويسكي واقترب نحوهما.
ناول جي تشان كأسًا لتشا شين وأخرى لداجون. و كان على شفتيه ابتسامةٌ ماكرة تكبر أكثر فأكثر.
“مباركٌ الخطوبة.”
حتى صوت جونغ مين كان مفعمًا بالحماس.
فتبادلت داجون النظر مع الرجال الثلاثة الذين يبتسمون ابتسامةً مشاغبة. بدا أنهم أتعبوا أهاليهم كثيرًا في طفولتهم.
“شكرًا لكم.”
ورغم شكرها، لم تتوقف داجون عن مراقبتهم بعينيها.
وفي تلك الأثناء، أخذ تشا شين الكأسين معًا، بما في ذلك الكأس المقدّم لداجون.
“لماذا؟ ستشربهما أنت؟”
نظر إليه سونغ بين وكأنه يقول “هذا غش”، ثم التفت لداجون وسأل،
“هل السيدة سايو لا تستطيع شرب الكحول؟”
كان كلامه لطيفًا لكنه فاضحُ النبرة. فمسحت داجون الرجال الثلاثة بسرعة.
سواءً قالت أنها تجيد الشرب أو لا، لن يدعوها وشأنها على ما يبدو. و لحسن الحظ أنها لم تكن سيئةً في الشرب…..بل في الحقيقة كانت جيدةً جدًا.
لكن تشا شين، الذي يجهل هذا، تصرّف كفارسٍ أسود واستلم الكأسين. غير أن داجون أخذت أحدهما من يده كما لو أنها تنتزعه.
“لستُ سيئةً في الشرب.”
وفي المجتمع الكوري حيث التواضع فضيلة، قول “لست سيئة” يعني “أنا جيدة”. فاتسعت عينا تشا شين، وتحولت وجوه أصدقائه الثلاثة فورًا إلى وجوهٍ مهتمة.
“كنتُ أشعر بها من البداية!”
“كما توقعت، لا ينقص زوجة أخينا شيء!”
“نحن نحبك يا سيدة أخينا!”
وأمام تعليقاتهم المتتالية، ابتسمت داجون بارتباك، فالتقت عيناها بعيني تشا شين، وكان يبدو مترددًا: هل يجب عليه إيقافهم؟
“لا داعي للمبالغة.”
همست داجون في أذن تشا شين بصوت منخفضٍ لا يسمعه غيره.
“يبدو أن الأمر لن ينتهي اليوم إن لم نواكبهم.”
“سأتدبره بطريقةٍ ما.”
تنهد تشا شين وكأنه استسلم، فتحدّثت هي،
“ثم أنا حقًا لا أجيد الشرب فقط، بل أجيده جيدًا.”
وفور انتهاء الجملة، اصطدمت بكأسه وشربت كأسها دفعةً واحدة. و راح أصدقاؤه يصفّرون بصوت عالٍ.
بينما بدأ تشا شين يشرب كأسه مراقبًا داجون بوجهٍ نصفه قلق ونصفه مشكك.
“ثلاث كؤوسٍ على التوالي. لا بأس، صحيح؟”
حتى لو لم تكن بخير، لم يكن هناك خيار سوى الموافقة.
فالتقطت داجون نظرات متبادلة بين الأصدقاء الثلاثة، وكأنهم يخططون لشيء. وحين نظرت لتشا شين، وجدته أيضًا يعبس، ويبدو أنه أدرك نوايا أصدقائه.
‘حسنًا…..لنَرَ ما لديكم.’
مهما كانت خطتهم فلا نية لديها أن تُهزم بسهولة، وبهذا العزم سكبت داجون الكأس في فمها دون تردد. و ارتبك تشا شين عندما رأى جرأتها المفاجئة.
“سيدة سايو!”
“لحظة فقط. أليست هذه الجلسة بمثابة ترحيبٍ بي؟”
تلألأت عينا داجون بثقة عالية. و الوجوه التي كانت ممتلئة بابتساماتٍ مشاغبة تحولت إلى دهشة وهي تنظر إليها.
“ترحيب؟ مجرد رغبةٍ في التقرب لا أكثر.”
“بالضبط. نوايانا صافيةٌ تمامًا.”
فابتسمت داجون ابتسامةً ماكرة.
“حسنًا. أعترف أن لا شيء يقرّب بين الناس مثل الكحول. إذاً دعونا نتوقف عن الرشفات الصغيرة ولنشرب كما يجب.”
بدأت داجون تملأ كؤوس الويسكي على الطاولة كلها.
“ما رأيكم في خمس كؤوسٍ دفعةً واحدة؟”
حدّق الرجال الأربعة، بمن فيهم تشا شين، في داجون بعيونٍ تشكّ في أنها هلوسة.
“أنا….لم أسمع خطأ، صحيح؟”
قال تشا شين ذلك مبهوتًا.
“أظن أنكَ سمعتَ جيدًا.”
“أتمنى لو كان ما سمعته خطأ.”
وفي تلك اللحظة—
“هاها!”
انفجر سونغ بين ضاحكًا ضحكةً كبيرة، وبمجرد أن ضحك ظهرت البهجة على وجوه الآخرين.
“ياااه، لم نتوقع هذا التطور أبدًا.”
“أين كنتِ مختبئةً طوال هذا الوقت يا سيدة سايو؟”
“حقًا. لم أسمع يومًا أن ابنة شين كيميكال تملك شخصيةً بهذه الجرأة. بل على العكس..…”
بمجرد ذكر اسم شين كيميكال ارتجفت داجون للحظة.
تصرفها الآن يعتبر بوجهٍ ما خرقًا لأوامر جي وون التي تلزمها بالبقاء هادئة. لكنها وقد وصلت الأمور إلى حد الزواج الحقيقي، لم تستطع العيش بتمثيلٍ بارد لسنوات.
هم من كذبوا بشأن قصر مدة الخطوبة، فليتحملوا النتائج.
ستلتزم بالتعليمات في المناسبات الرسمية، أما في الجلسات الخاصة فلن تخفي نفسها مئةً بالمئة. وإن لم يعجبهم…..فليتوقفوا عن كل هذا.
“إذاً هل توافقون جميعًا؟”
“بالطبع.”
بينما تهللت وجوه الأصدقاء، تحدّث تشا شين بنبرة ممتعضة،
“لا داعي لهذا كله.”
“إن كنتَ لا تستطيع منع أصدقائكَ المزعجين، أليس عليّ أنا أن أجعلهم يتوقفون؟”
“إذاً هذه طريقتكِ لفرض الهيبة؟”
“وإن كانت كذلك؟”
فتصلّب فك تشا شين.
“لا يعجبني الأمر.”
“إن لم يعجبكَ، فلا تأخذني إلى أوكارٍ كهذه مرة أخرى.”
وكان تحديق تشا شين فيها بدا وكأنه يقول أنها لم تترك له أي كلمةٍ يرد بها.
***
“سيدة سايو!”
امتدت يد تشا شين وأمسك ذراعها ليمنعها، فنظرت إليه سايو بابتسامةٍ مطمئنة.
“قلتَ قبل قليل أن عليّ أن أسيطر على أصدقائكَ بالشجاعة، صحيح؟”
“قلتُ هذا، لكني قلتُ أيضًا ألا تبالغي.”
“حسنًا، لن أبالغ.”
“لنوقف الأمر هنا.”
فاقتربت سايو منه قليلًا وهمست،
“نحن في صف واحد….لذا دعني أساعدكَ.”
إنه إصرارٌ غير متوقع.
كانت أكثر عنادًا مما تخيّل. فدفعه الضيق للإمساك بذراع سايو بقوةٍ أكبر.
“يكفي أن نجاريهم قليلاً ثم نرسلهم في طريقهم.”
قال ذلك بدافع القلق، لكن سايو توقفت عند كلمة أخرى.
“نرسلهم؟ إلى أين؟”
ارتبك تشا شين فجأة وفقد الكلمات. وانفلتت قبضته عن ذراعها، فحررت سايو يدها بسهولة، ثم ابتسمت مرةً أخرى قبل أن تلتفت نحو أصدقائه.
كانت خطتهم واضحةً للغاية. حجز غرفة في الفندق بهذا الوضوح…..لا يمكن لعاقل ألا يفهم المقصود.
“هؤلاء الإخوة سيهتمون بتهيئة الجو فلا تقلق.”
“لا تشكُرنا كثيرًا غدًا بعد أن تقضي ليلةً أولى لا تُنسى.”
“صحيح. بما أنكَ مخطوبٌ أصلًا، لو عجزتَ رغم أننا جهزنا لك كل شيء…..فأنتَ أحمق!”
ظنت سايو أنهم لم ينتبهوا، ربما بسبب توترها، لكن منذ أن دخل الغرفة كان تشا شين يكتم ضحكةً مذهولة.
لم يكن المكان يشبه غرفةً تجمع ثلاثة رجال على الإطلاق—إضاءةٌ دافئة خافتة، موسيقى هادئة، نبيذٌ وكأسين معدّين مسبقًا للحظة ينفردان فيها، وسلة زهور ذات معنى صريح ينطق وحده.
طباعهم الشقية…..لم تتغير رغم أن الثلاثين تطرق أبوابهم.
‘هؤلاء المجانين.…’
لم يكد يتم شتيمته في داخله حتى لاحظ فجأة أن كل الشراب على الطاولة قد اختفى.
لا يعلم أي حماسٍ أصابهم، لكن سايو وأصدقاءه شربوا كل شيء. يبدو أن أحدهم شغّل تطبيق ألعاب الشرب وبدأ بهم الأمر.
“سيدة سايو، حظكِ قويٌ جدًا.”
“أنا أصلًا ملكة الحظ.”
ضحكاتهم المستفزة جعلت تشا شين ينظر إليهم بحدّة، لكنه جلس قرب سايو محاولًا التفكير في كيفية الخروج من الموقف.
“خففوا من هذا قليلًا.”
زمجر تشا شين، فعبس جونغ مين وسخر.
“يا أخي، إن لم تكن ستشاركُ فتنحَّ جانبًا.”
“بالضبط، أنتَ تفسد علينا مزاجنا.”
وفي تلك اللحظة خرج اسم تشا شين في العقاب العشوائي.
“تدليك الكاحل!”
أظهر جي تشان شاشة التطبيق بابتسامةٍ لئيمة. و شعر تشا شين بالندم لأنه ظل يعتبرهم أصدقاء طوال السنين.
منذ الطفولة كانت لهم لقاءاتٌ منتظمة من أجل بناء علاقاتٍ نافعة، لكن هؤلاء الثلاثة كانوا—على الأقل في الظاهر—الأقرب إليه.
“هيا، ماذا ستفعل يا هان تشا شين؟ إن لم تستطع فاشرب.”
“تدليك الكاحل فقط….ليس بالأمر الكبير، أليس كذلك؟”
“لا، الكاحل خطير.”
“آه صحيح، شا شين لديه فـ-”
قبل أن يكمل الصديق جملته، التقط تشا شين كأس الشراب بسرعة.
“سأشرب. قلتُ سأشرب.”
“هذه خمس كؤوسٍ دفعةً واحدة. المشكلة أنه لو سقط اليوم فسيكون الأمر معقدًا.…”
رغم أنهم أبقوا نبرة كلامهم غامضة، فقد فهم تشا شين نواياهم تمامًا. وبجانب سايو كانت تصدر تعليقاتٌ خطيرة بشكل يثير الرعب.
كان جونغ مين—الذي سكب خمس كؤوسٍ دفعة واحدة مرارًا—قد وصل لمرحلة تخرج فيها كل أفكاره مباشرةً من فمه بلا فلتر.
و الكاحل؟ أي ظلمٍ هذا؟
أصل القصة أنه سأم إلحاحهم بالسؤال عن نوع النساء اللواتي يعجبنه—وهو لا يهتم بأي امرأةٍ أصلًا—فقال لهم على سبيل التخلص منهم: “امرأةٌ لها كاحلٌ جميل.”
ومنذ ذلك اليوم لم يتركوه وشأنه.
“ولماذا تشرب لمجرد أنكَ ستدلك كاحلي؟”
تدخّلت سايو فجأة. ثم خلعت حذاءها الداخلي، واستدارت بجسدها نحوه.
فتجمّد تشا شين وكأنه تلقى صفعةً على مؤخرة رأسه، وظل يحدق بها مذهولًا.
_____________________
الو اطلع معها قبل تجيبون العيد
اخوياه قليلين ادب ترا توهم ماتزوجوا ياحمير😭
بعدين دام تشا شين فهمها مب مفروض كان يقلعهم ؟ بس عادي دام ااموضوع فيه ضحك وشكله بيحب داجون اكثر هنا🤏🏻
صح وليه استغرب يوم قالت انها تعرف تشرب؟ لايكون سايو الصدقيه قد فالت ما اعرف🌝
التعليقات لهذا الفصل " 23"